بين رئيس أعاد للأذهان عهد «الانعزالية» الأميركية، ومرشحي رئاسة منهمكين باستكشاف فضائح بعضهما البعض أكثر من توضيح سياسة بلدهما الخارجية - خصوصًا حيال النزاع السوري الذي يقلق كل العواصم العربية - بات السؤال الذي يطرح نفسه: أي ولايات متحدة سيتعامل العرب معها بعد ولاية الرئيس أوباما؟
يصعب فصل الإجابة عن هذا السؤال عن مسار أخلاقيات المعركة الانتخابية المحتدمة حاليًا في الولايات المتحدة وأدبياتها السياسية.
وكأن إدارة الرئيس أوباما مصرة على أن تبقى صادقة مع نفسها وغير صادقة مع الآخرين حتى آخر يوم في ولايتها، خرجت في أعقاب معركة حلب بتهديد عسكري لروسيا سرعان ما ردت موسكو عليه بالتهديد بـ«عواقب ومفاجآت» إذا ما ضربت القوات الأميركية سوريا.
في لبنان مثل شعبي يقول: «لو بدها تمطر لكانت غيّمت».. وغيوم التهديدات الأميركية تبددت منذ 20 أغسطس (آب) 2012، يوم هدد نظام الرئيس الأسد بالويل والثبور وحشد أسطول التدخل العسكري قبالة الساحل السوري..
هل تكفي تسوية مدينة حلب بالأرض وتفريغها من سكانها، لإنهاء النزاع السوري وإعادة سوريا إلى خريطة دول الشرق الأوسط؟
الجواب لا يزال في ملعب أوباما، وملعبه يشهد اليوم تباينات بين رؤيته للحالة السورية ورؤية رئيس دبلوماسيته، جون كيري، قد تعكس، كما يبدو، اختلافًا في تقييم «الديمقراطيين» لموقع أميركا على الساحة الدولية بعد التحدي الروسي لها في سوريا.
بعد أكثر من خمس سنوات على الانتفاضة الشعبية في سوريا، تشعر واشنطن أن استمرار التزامها بدبلوماسية «لا في العير ولا في النفير» بدأ يمس بهيبتها كدولة عظمى، واستطرادًا مصداقيتها في أوساط الحلفاء والأصدقاء قبل الخصوم والأعداء.
أن تأتي تلاوة «فعل الندامة» على فر
هل كُتب على مدينة حلب أن تختصر كل أبعاد النزاع السوري، الإقليمية منها والدولية، بعد أن تحول هذا النزاع إلى مجموعة حروب مستولدة من رحم انتفاضة شعبية تضافر النظام والمعارضة (أو بعضها على الأقل) على إزاحتها عن هدفها؟
ما تشهده «جبهة» حلب اليوم أقرب إلى حرب مذهبية تتقاطع مع نزاع إثني عربي - كردي، وتتداخل مع سباق إقليمي للهيمنة على الشرق الأوسط.. وأخيرًا لا آخرًا مواجهة بالوكالة بين رئيس دولة عظمى متردد ومتلكئ (باراك أوباما) ورئيس دولة أخرى جموح وطموح (فلاديمير بوتين).
منذ انطلقت الانتفاضة الشعبية في سوريا قبل أكثر من خمس سنوات وسياسة أوباما السورية سياسة تفويت الفرص بامتياز.
ما كادت ساعات معدودة تنقضي على إعلان «اتفاق الهدنة الروسي - الأميركي» في سوريا حتى ظهرت بوادر تداعيه وخروج موسكو على روحية ما بدا، وكأنه منطلق تعاون ثنائي على تسوية سياسية في سوريا.
التوتر المستجد على العلاقات الأميركية - الروسية قد لا يكون وليد ساعته. إلا أن عبرته تكمن في خروجه إلى العلن قبل قليل من الموعد المضروب لتنسيق الحملات الجوية الأميركية - الروسية المشتركة على فصائل المعارضة السورية «المتطرفة»، وعقب اتهام موسكو الطيران الحربي الأميركي بقصف وحدة من الجيش النظامي السوري، جنوب دير الزور «عمدا» لا خطئا كما أكدت واشنطن.
بين سيل الأسئلة التي يثيرها قرار إدارة الرئيس أوباما المفاجئ بالعودة من «الانكفاء» إلى «التورط المباشر» - دبلوماسيًا هذه المرة - في النزاع السوري، سؤال لا بد منه عن جدية هذا القرار قبل أبعاده، كونه قد يستتبع التنازل عن «مجد» التسوية السياسية للنزاع (إنْ هي تمت) لروسيا، على اعتبار أنه لم يتبق من ولاية الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض أكثر من أسابيع معدودة.
ربما ضخمت وسائل الإعلام الروسية «النصر» الذي حققه الرئيس فلاديمير بوتين في «جرّ» الرئيس أوباما، مجددًا، إلى النزاع السوري.
هل استعاد الرئيس رجب طيب إردوغان دور تركيا الضائع على الجبهة السورية.. أم أن شعاره لا يزال «التجربة والخطأ»؟
سواء كان مبرر إردوغان العلني لاجتياح قواته الأراضي السورية هو محاربة الانفصاليين الأكراد، أو التصدي للإسلاميين «الداعشيين»، فإن قراره يصب حكمًا في خانة حفظ مقعد لتركيا على طاولة مفاوضات التسوية السياسية للنزاع السوري.
من هذا المنظور، قد يكون الرئيس التركي «استلحق» وضعه في مواجهة التحولات المتسارعة على الجبهة السورية، بعد أن فشل في إقناع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بتبني اقتراحه إقامة منطقة حظر جوي وشريط حدودي آمن على طول حدود بلاده مع سوريا.
أين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان اليوم من رجب طيب إردوغان الأمس؟
شهر بأكمله انقضى على محاولة الانقلاب عليه وتحركاته السياسية توحي بأنه لا يزال رهين صدمة تفاعلاته الداخلية والخارجية.
على الصعيد الداخلي، كان الرئيس إردوغان بطاشًا في استغلاله المحاولة الانقلابية «لتطهير» الدولة والقضاء والمؤسسة العسكرية من معارضيه في عملية يكشف حجمها حالة «البارانويا» التي خلفتها المحاولة الانقلابية في الدوائر الحاكمة وحزب إردوغان تحديدًا..
قد يذكره التاريخ كأول رئيس أميركي دخل البيت الأبيض «شمام هوا» وخرج منه «قطاف ورد» - حسب مقولة المثل العربي الشعبي.
وقد يذكره الفلسطينيون كأفضل رئيس أنعش - ومن ثم أحبط - آمالهم بتنفيذ الوعد الأميركي بإقامة دولتين ديمقراطيتين متعايشتين بسلام على أرض فلسطين.
وقد يذكره السوريون كأجرأ رئيس أميركي وعد بتخليصهم من محنتهم بعد أن تجاوز نظامهم «الخط الأحمر» في قمعه للمعارضة عام 2012..