الحلقة الخامسة (5): سيناريوهات الحرب الحوثية السابعة بين الولي الفقيه والداعشي المحتمل

تواصل «الشرق الأوسط» نشر حلقات من فصول كتاب «من بوعزيزي إلى داعش: إخفاقات الوعي والربيع العربي»، من تأليف الكاتب والباحث السياسي المصري هاني نسيره، الذي يعمل حاليا مديرا لـ«معهد العربية للدراسات» بقناة «العربية» بدولة الإمارات. ورصد المؤلف في كتابه الصادر عن «وكالة الأهرام للصحافة» - التي حصلت «الشرق الأوسط» على حق نشر حلقات من فصوله - سنوات الثورات العربية الأربع، وتابع الكاتب تشابهاتها واختلافاتها، وحاول تفسير أسباب تعثر ثورات ونجاح أخرى في إسقاط من ثارت بوجهه، حين اشتعلت من جسد بوعزيزي تونس، وأشباهه في مصر، والانتقال من دعوى الربيع العربي ووعده وأمنياته إلى حقيقة «داعش» الداهمة.
وفي ما يلي الحلقة الخامسة من الكتاب:

أزمة اليمن

تبقى الدولة حلا وحيدا في بلد متعدد ومتنوع طائفيا وقبليا شأن اليمن، ومراوغة البعض خلطا بين احترام ما هو دولة أو سياسة، وما هو طائفة أو قوة! أو فرض الخيارات والاختيارات بالقوة كما يفعل الحوثيون وحلفاؤهم، لا شك أنها تمثل خطرا عليهم كما تمثل خطرا على اليمن ككل! ويطرح الكثير من السيناريوهات الخطرة التي تنتظر اليمن، ليس أولها تمثل نظام الولي الفقيه الإيراني في اليمن! عبر ما يبديه الحوثيون من تمنع عن المناصب وفرض من يريدون في الوقت نفسه، ولكن أيضا تمثل «القاعدة في جزيرة العرب» لسيناريو «داعش» في الموصل! انطلاقا مما باتت تشعر به القبائل السنية من مظلومية مع التمدد الحوثي المسلح.
رغم كل الأخبار والتسريبات المتواترة عن تحالف صالح - الحوثي فيما شهده اليمن منذ 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، وما زال يشهده من أعمال عنف وتمدد لابتلاع الدولة، فإن الأكثر وضوحا هي استحالة سيطرة طرف مسلح على الدولة، في ظل المقاومات المتصاعدة منذ 14 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي تقف ضد مسلحي الحوثي وتتصاعد، سواء كمظاهرات ومواجهات في المناطق التي سلمت لهم مؤسساتها الأمنية - المرتبطة بصالح - سلميا في وقت سابق، كما شهدت الحديدة أمس 22 أكتوبر، أو رفض القبائل دخولهم إب قبل ذلك بيومين، وصعود شبح (القاعدة) الذي يبدو أنه يستعد للعب على المشهد السني المسلح لتكرار سيناريو داعشي تؤدي إليه دائما سياسات مرتبطة بإيران، كذاك الذي حصل في الموصل في 9 يونيو (حزيران) الماضي.
 

الحوثي تاريخ من الحروب

الحوثيون جماعة طائفية مسلحة، تأسست عام 1992 على يد حسين الحوثي (الذي قتل على يد القوات اليمنية في 10 سبتمبر سنة 2004) وخلفه على قيادتها شقيقه عبد الملك الحوثي حتى الآن، وتعرف أيضا بتنظيم (الشباب المؤمن)، أو جماعة (أنصار الله). تنتمي مذهبيا للمذهب الزيدي وإحدى طوائفه الأقرب للإمامية الاثنى عشرية وهي الجارودية.
خاضت مع الدولة اليمنية وقبل نظام على عبد الله صالح ست حروب هي على الترتيب كما يلي:
الحرب الأولى: يونيو - سبتمبر سنة 2004.
الحرب الثانية: مارس (آذار) - مايو (أيار) سنة 2005.
الحرب الثالثة: نوفمبر (تشرين الثاني) 2005 حتى يناير (كانون الثاني) سنة 2006.
الحرب الرابعة: يناير حتى يونيو سنة 2007.
الحرب الخامسة: مارس - يوليو (تموز) سنة 2008.
الحرب السادسة: أغسطس (آب) 2009 حتى فبراير (شباط) سنة 2010.
اشتبك الحوثيون مع قوات سعودية عام 2009 فيما عرف بنزاع صعدة.

حلقات الحرب السابعة.. لن تكون الأخيرة

بدأت الحرب السابعة، الشهيرة بحرب عمران، في مارس 2014، وانتهت بسقوط صنعاء والسيطرة الكاملة على مفاصل الدولة في 22 سبتمبر سنة 2014 بعد خمسة أسابيع من الحصار الذي بدأ في 18 أغسطس الماضي.
دماج: الحلقة الأولى: يمكن القول إن الحلقة الأول من هذه الحرب كانت معركة دماج التي نجح الحوثيون في تهجير السلفيين منها في 14 يناير سنة 2014، التي تعد التراجع الأول والأبرز للرئيس اليمني، الذي فوضه السلفيون لاتخاذ القرار وتحقيق المصالحة، بعد محاصرتهم ثلاثة شهور وتفجير مساجدهم، وفق اتفاق المصالحة الذي وقع يوم الجمعة 9 يناير سنة 2014.
وكان الشيخ السلفي أبو عبد الرحمن يحيى الحجوري زعيم السلفيين في دماج هو من طلب من رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي الرحيل من دماج بعد أن فشلت كل مساعي وقف إطلاق النار، وأعطى 15 ألف سلفي - حسب سرور الوادعي - فرصة أربعة أيام ليغادروا قبل مساء الثلاثاء 14 يناير.
ووفقا لوثيقة منسوبة لزعيم السلفيين يحيى الحجوري، يقضي البند الثاني من الاتفاق التصالحي الذي تم توقيعه في 9 يناير الماضي بـ(جعل مدة أربعة أيام بلياليها لخروجي من دماج، ومن أراد من طلابي، إلى محافظة الحديدة، ونخرج بأشيائنا آمنين». ولكن الحوثيين سيطروا على الحديدة في 14 أكتوبر الحالي وعلى مطارها ومينائها ومعسكر للجيش يحتوي أسلحة ثقيلة أيضا.

الحلقة الثانية: عمران معقل حاشد

وبعد دماج توجه الحوثيون نحو عمران، التي تمثل المعقل الأبرز لقوى الإصلاح وحاشد، بحجة ضرورة عزل عميد الكتيبة 310 مدرعات، حيث قام الحوثيون بهجوم مباغت على مواقعه، وهو اللواء الأقوى تشكيلا وتسليحا وكانت تعتمد عليه الحكومة في حروبها السابقة ضد الحوثيين.
عندما استغل الحوثيون الارتباك المتزايد في المشهد اليمني، واضطرابات الجيش المخترق من قبل رجالهم، وتشتته في أكثر من جبهة في الشمال والجنوب، قام الحوثيون بهجوم مباغت على مواقع تابعة للواء 310 مدرع، وهو اللواء الأقوى تشكيلا وتسليحا، وكان قائده حميد القشيبي، الذي يتهمه الحوثيون بموالاة حزب الإصلاح، الذراع السياسي للإخوان المسلمين في اليمن، واشترطوا إقالته لفك الحصار عن عمران، وعدم مهاجمتهم، وهو نفس ما فعلوه في مناطق أخرى بعد سقوط صنعاء في 22 سبتمبر.
كان القشيبي قد أعلن في 3 يونيو سنة 2014 أن الجيش مستعد للحوثيين أو غيرهم، ولكنه قتل بعد ذلك بخمسة أيام في الثامن من يونيو سنة 2014، وسقطت عمران شمال صنعاء، ودأب الحوثيون على اتهامه بموالاة حزب الإصلاح، الذراع السياسي للإخوان المسلمين.
وهو الذي تعتمد عليه الحكومة بشكل كبير في معاركها مع الحوثيين، وتحولت محافظة عمران إلى ساحة حرب، واستطاعت القوات الحوثية الانتصار على اللواء 310 مدرع، والاستيلاء على كامل عتاده وأسلحته، وقتل قائده العميد/ حميد القشيبي، كما أصر الحوثيون على تهجير آل الأحمر من منازلهم ومعاقلهم في حاشد، وقد كانوا أصحاب النفوذ والمناصب في حكومات اليمن المتعاقبة، وتغيرت موازين القوى لمصلحة الحوثيين، وسقط معها جزء كبير من هيبة الدولة.

الحلقة الرئيسية: العاصمة صنعاء

وكان من نتائج الانتصار في معركة عمران أن الحوثيين صاروا على بعد 50 كلم من العاصمة صنعاء، مما أتاح لهم الزحف ومحاصرتها اعتصاما، في 18 أغسطس، ثم المباغتة والسيطرة الكاملة عليها في 22 سبتمبر.
ومع سقوط العاصمة صنعاء، يمكن القول إن الشمال اليمني بكامله قد صار في قبضة الحوثي، باستثناء البيضاء وإب جنوب العاصمة التي واجه الحوثي فيها مواجهات قبلية مسلحة منعت استمرار تقدمه.
ولم يكن وقف إطلاق النار في كل من هذه المعارك السبع إلا بداية مرحلة جديدة يزداد فيها غياب سلطة الدولة ونفوذها عن مناطق جديدة، يكثف الحوثيون فيها نشاطهم، ويكتسبونها ببراعة.

الوضع الحالي.. تعثر في البيضاء وإب

منذ 22 سبتمبر وحتى الآن، تمتد سيطرة الحوثيين على سبع محافظات شمالية بينها العاصمة صنعاء بالإضافة إلى صعدة وعمران وزمار وحجة والحديدة، والأخيرتان سلمهما مسؤولوها دون قتال، ويقتربون من السيطرة على محافظة البيضاء القريبة من محافظة إب، والتي تشهد صدامات عنيفة بينهم ومسلحين من القبائل و(القاعدة) المتضامنة معهم، وتم الاتفاق على انسحاب المسلحين من محافظة إب يوم السبت 18 أكتوبر بعد اتفاق تم بنشر قوات الأمن والجيش حفاظا على الأمن بعد مقتل 40 مسلحا في اشتباكات بين القبليين والحوثيين. وقد تزامنت هذه الأحداث شمالا وجنوبا مع ذكرى مناسبتين تاريخيتين للشمال والجنوب، هما الثورة اليمنية في صنعاء في 26 سبتمبر، وثورة الجنوب في 14 أكتوبر، التي تأتي ذكراها مع مطالبات الحراك الجنوبي بانفصاله!
نجح رجال القبائل في وقف تمدد الحوثيين ووصول تعزيزات لهم بسيطرة المسلحين القبليين على المدخل الشمالي لمدينة إب يوم 18 أكتوبر، وخوضهم معارك عنيفة بين رجال القبائل والحوثيين داخل مدينة إب، راح ضحيتها 40 قتيلا من المسلحين.
وقد جاء ذلك بعد قيام الحوثيين بقصف منزل مدير أمن محافظة إب وسط المدينة بالمدفعية، الذين يحسبونه على حزب الإصلاح، كما أغلق طريق صنعاء - إب بسبب المواجهات بين الطرفين، حتى حدث صبيحة يوم 18 أكتوبر؛ والتوصل للاتفاق المذكور.
بينما ما زالت المواجهات مشتعلة في البيضاء بين مسلحي الحوثي ومسلحي القبائل المدعومين من عناصر «القاعدة» لوقف تقدمهم.
وتتصاعد تظاهرات رافضة للحوثي منذ 14 أكتوبر؛ حيث أحرق المتظاهرون في عدن صور الحوثي وصالح وبلعيد زعيم (القاعدة)، وتصاعدت مطالبهم في الانفصال بعد بيان سابق في 11 أكتوبر دعوا فيه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي للذهاب للجنوب، بعد انهيار الدولة على يد الحوثيين، وتزامنت مع مظاهرات في صنعاء وتعز.

سيناريوهات ثلاثة بينها داعشي
السيناريو الأول: دولة الحوثي الولي الفقيه:

يبدو أن الحوثي في إصراره على التمدد استراتيجيا لمناطق كالحديدة ومينائها، ليحقق انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، كما صدرت صحيفة «كيهان» الإيرانية افتتاحيتها، بعد سيطرته على صنعاء، يسعى لإقامة دولة حوثية واستعادة مجد الإمامية كما كان يتمنى شقيقه الأكبر مؤسس جماعة أنصاره حسين الحوثي.
يتضح هدف دولة الحوثي في سعيه المستمر الدءوب للسيطرة على مخازن السلاح، ومعسكرات الشرطة والجيش، وإلباس عناصره الملابس العسكرية دون اتفاق مع الدولة، وهو يجيد اختراق خصومه، فقد ذكر أنه نجح في دس عناصره في أوساط دماج قبل إسقاطها، وكذلك تواتر الحديث عن خيانة مسؤولين كبار في الجيش والشرطة عند سيطرته على صنعاء.. يتضح هذا المسعى الحوثي المصر على تجاوزه الدولة وإسقاط هيبتها وتمكين سلطته وقبضته على مقدراتها!
وكما أعلن الحوثي ظاهرا أنه لا يريد المشاركة في الحكومة، ويرفض مبدأ المحاصصة الذي أعلن يوم 21 أكتوبر الماضي، إلا أن ضغوطه من أجل فرض مقربين منه، يجعل الكثير من المراقبين يرجحون ميله لنموذج الولي الفقيه الإيراني، حيث يحكم ويفرض إرادته بينما يتحمل غيره المسؤولية! وإن كان ثمة رأي مطروح أن صالح المتهم بالتعاون مع الحوثيين، ويتوقع ملاحقته دوليا، كما صرحت مصادر في الأمم المتحدة أكثر من مرة في أكتوبر الحالي، وينضم موالوه للحوثيين رافعين راياتهم أحيانا، كما يرفعون رايات (القاعدة) في التظاهرات ضدهم حينا آخر، تضليلا لدول الجوار والقوى الدولية، يسعى بتمدد الحوثيين وتشتتهم وتضليل دول الجوار، لإضعافهم تمهيدا لعودته والتخلص من حليفه الحالي كما سبق وأن تخلص بهم من حليفه القديم؛ (الإصلاحيون) المنتمون للإخوان المسلمين، وحلفاؤهم من آل الأحمر وحاشد! ولكن لا شك أن عودة صالح أو سيطرة الحوثي؛ كلاهما يمثل مددا قويا للحراك الجنوبي الذي يرتبط أبرز فصائله بإيران كذلك.
وهنا يحضر تحد خليجي؛ حيث التمدد الإيراني في جواره، وقد اتضح الولاء الإيراني في مرجعيات الحوثيين، أو في رؤى مؤسسهم التي تجاوزت الزيدية نحو ولاية الفقيه الاثنى عشرية، واتضح ذلك في تظاهراتهم أمام السفارة السعودية يوم السبت 18 أكتوبر الحالي في صنعاء من أجل محبوس شيعي في المملكة العربية السعودية، وهتافاتهم المستمرة بالولاء لإيران، وما يحمله خطابهم من مخزون تكارهي وجبهوي ضد السعودية والخليج!
ويظل هذا السيناريو متصاعدا مع مطالبة الحوثي للرئيس اليمني هادي بالرحيل في حديثه، وتمدده بشكل كامل على اليمن الحالية، صعوبات، منها تمرد القبائل وصعود معارضاته والتمرد ضد تمرده، مما يجعلنا نرجح أنه سيتقوى في اتجاه التقسيم، وهو ما غازل به عبد الملك الحوثي الحراك الجنوبي في حديثه في 25 سبتمبر الحالي لينتهي به دور اليمن الحديث وتظهر دولة الحوثي وإن بجوارها دول أخرى من اليمن الحالي، وكذلك مواجهات موزعة مع معارضيهم من الإصلاحيين كما كان في منطقة بريم وغيرها.
لذا نتوقع أن سيناريو دولة الحوثي حالة اكتماله لن تستطيع (فيه السيطرة) إلا على أجزاء من الشمال اليمني، تعتمد بالأساس على صعدة وعمران، وربما العاصمة صنعاء والحديدة كمنفذ بحري لها..

سيناريو داعش.. لقاعدة اليمن

تجد (القاعدة) فرصتها في الحمأة الطائفية لتقدمها، كما كان في سيناريو المحافظات السنية في العراق في يونيو الماضي سنة 2014! ورغم أنها لم تشارك في مقاومة الحوثيين رغم استنجاد كثير من أنصار الإصلاح بها عبر المواقع التواصلية وغيرها، جاء ظهورها كما كانت داعش بعد فض الاعتصام السلمي في الأنبار!
أول الظهور هددت فيه القاعدة الحوثيين في بيان تحذيري لها بتاريخ 25 سبتمبر بـ(جعل رؤوسهم تتطاير) واتهمتهم بـ«استكمال المشروع الرافضي الفارسي في اليمن، ودعا السنة في البلاد إلى حمل السلاح وتجنب دخول العملية السياسة» التي ترفضها القاعدة!
وقال تنظيم (قاعدة الجهاد في جزيرة العرب) في بيانه الموجه إلى السنة، إنه لا يخفى عليهم (ما يقوم به الحوثيون الروافض من استكمال للمشروع الرافضي الفارسي في يمن الإيمان والحكمة)، مضيفا أن كثيرا من المحسوبين على أهل السنة والعلم والفتوى (كان لهم أثر كبير في تنامي هذه الجماعة الحوثية وذلك بغض الطرف عنهم والسكوت عن جرائمهم التي اقترفوها بأهل السنة في صعدة وغيرها، وبالدفاع عنهم بعد الثورة المسروقة بدعوى أنهم جزء من الشعب). وهذا هو السيناريو الذي استخدمته داعش بعد فض الاعتصام السلمي في الأنبار في 30 يناير سنة 2013، فبعدها بيوم واحد كان أول ظهور لما يعرف بأبي محمد العدناني المتحدث باسم (القاعدة في العراق) حينئذ، و(داعش) فيما بعد، داعيا السنة للانتفاض بالسلاح في وجه التمييز الطائفي للمالكي ضدهم! واستغلت الحمية السنية وممارسات العداء الطائفية لتحقق دولتها ومشروعيتها بطائفية مواجهة! تتبناها كذلك آيديولوجيّا..
وقد ظهرت القاعدة في العدين والحتجين بمحافظة إب، بل وفي حجة التي سلمت سلميا منذ 16 أكتوبر الحالي، ومع التمدد الحوثي غربا وجنوبا، ارتفعت وتيرة المواجهات مع القاعدة في البيضاء وما زالت مستمرة، ورفض الجنوبيون استقبال مبعوث الحوثي في عدن وأحرقوا صوره في تظاهراتهم يوم 14 أكتوبر، كل هذا يضع الحوثيين في مواجهات متعددة الخصوم والجبهات، وتلقي عليهم مسؤولية ما ستؤول إليها أوضاع اليمن..
وهو سيناريو يؤجج حربا أهلية، فالقاعدة أقل سياسوية وفكروية من غيرها من التنظيمات الأخرى بما فيها الحوثيون، ولن تربأ حال انتصارها رغم أزماتها البنيوية إلا بتتبع الحوثيين حتى معاقلهم في صعده، حالما اتفقت معها المظلومية السنية الصاعدة والجماعات المعارضة الأخرى، ولكن حال كانت أزمتها التنظيمية واستهدافها دوليا وإقليميا، فأقل هذه السيناريوهات أن تنجح، مع جماعات شبيهة كأنصار الشريعة، والغاضبين؛ من السلفيين المهجرين من دماج، في تكوين إمارة دينية في أبين واستعادة قوتها في هذه المناطق، وتوجيه ضربات متقطعة للمعاقل الحوثية في العاصمة صنعاء وغيرها.

السيناريو الثالث

من دولة الوحدة لدولة الجنوب: بدأت إرهاصات الانفصال والتقسيم عند الحراك الجنوبي في 15 أكتوبر، ففي مؤشر دال على ضعف الدولة اليمنية، أعطى انفصاليون جنوبيون يسعون للانفصال عن الشمال إنذارا للحكومة لإجلاء جنودها وموظفيها في موعد غايته 30 نوفمبر، وطلب الحراك الجنوبي من الشركات الأجنبية المنتجة للنفط والغاز في المنطقة وقف صادراتها على الفور.
وجاء في البيان: (دولة الجنوب قادمة، ولن تمنعنا أي قوة من تحقيق ذلك). ويسعى الحراك الجنوبي إلى استعادة اليمن الجنوبي الذي اندمج مع الشمال عام 1990، كما اغتال مجهولون عقيدا في الجيش اليمني بهذا التاريخ.
ولا شك أن أي تحرك نحو الانفصال من جانب الجنوب سيراقب عن كثب في المنطقة الحيوية لإمدادات النفط.
وقد دعا الحراك الجنوبي سكان المحافظات الجنوبية إلى مظاهرات مليونية في مدينتي عدن جنوبا والمكلا جنوب شرق البلاد، في 14 من أكتوبر الحالي، الذي صادف الذكرى الـ51 لاستقلال الجنوب عن بريطانيا عام 1963. وفي كلمة ألقاها عشية يوم الاحتجاجات، دعا الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، إلى (البعد عن المناكفات والصراعات، التي توصل إلى فوهات براكين الفتن، التي لا تبقي ولا تذر»، بحسب قوله، وأكد بيان الحراك الجنوبي المشار إليه أن استقلال الجنوب أصبح أمرا حتميا!
ولكن هناك مؤشرات وتحليلات ترى أن ثمة اختراقا حوثيا لبعض عناصر الحراك الجنوبي المرتبطة بإيران، وأنه بعد سيطرة الحوثيين على الشمال وتمددهم غربا، ينسقون مع هذه العناصر للتمدد جنوبا، وأنها لم تظهر في التظاهرات التي طالبت بالانفصال يوم 14 أكتوبر رغم أنها من قياداته.
ونظن أن الاختراق الإيراني للحراك الجنوبي، والروابط التي تربطه بقيادات مؤثرة فيه خاصة علي سالم البيض، سيتيح لإيران التحرك على أكثر من بعد، وإدارة العلاقة بين الحوثيين وبين الحراك، فكما غازل الحوثي الحراك بحل قضيته، يبدو أن من صالح كليهما التقسيم حال لم يتم اتفاق على تداول السلطة بينهما تحت العمامة الإيرانية، فالعلاقة بين الطرفين التي لا ينفيها كثير من ممثليهما، وخصوصا فصيل البيض في الحراك الجنوبي، واضحة، وهو ما جعل بند القضية الجنوبية البند الأول في الحوار الوطني، ثم قضية صعدة بندا ثانيا. ويؤكد القيادي في الحراك الجنوبي محمد مسعد العقلة بتاريخ 10 أغسطس سنة 2013 في حوار مع وسائل إعلامية عربية وجود علاقة لفصيل البيض مع جماعة الحوثي، وأن ثمة شراكة بين الطرفين للعمل المشترك على مستوى الساحة اليمنية عموما وليس في الجنوب فقط.
وأكد العقلة وجود علاقة للطرفين مع إيران، عوضا عن أن تجمعهما بها مصالح مشتركة، لا سيما سعي الطرفين للانفصال عن صنعاء، حيث يطالب الحوثيون بإقامة حكم ذاتي، ويسعى الحراك لاستعادة دولة الجنوب.
من هنا يبدو سيناريو الولي الفقيه وسيناريو التقسيم وسيناريو داعش، سيناريوهات كلها خطر مع مراوغات ابتلاع الدولة..».

* ينشر بترتيب مع «وكالة الأهرام للصحافة»