علي الشوك يكتب سيرته «قبل ضمور الذاكرة»

ماركسي أرستقراطي اشتراكي يحب النظام الرأسمالي

علي الشوك يكتب سيرته «قبل ضمور الذاكرة»
TT

علي الشوك يكتب سيرته «قبل ضمور الذاكرة»

علي الشوك يكتب سيرته «قبل ضمور الذاكرة»

صدرت عن دار المدى ببغداد السيرة الذاتية للباحث والروائي علي الشوك تحت عنوان «الكتابة والحياة»، وهي سيرة جريئة بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معنى رغم استئذانه من بعض الشخصيات النسائية، واستعاضته بالأحرف الأولى لشخصيات آخر آثرت البقاء خلف الستائر المُعتِمة لأنها لم تتعلم مواجهة الذات طوال حياتها فكيف تستطيع مواجهة الآخرين؟
قبل أن نلج في تفاصيل هذه السيرة الذاتية الشائكة لا بد من الإشارة إلى أن علي الشوك قارئ نهم أحبّ قراءة الأدب والفن واللغة، ولعله انقطع زمناً طويلاً لقراءة الرواية، وتعلق بأبرز أساطينها أمثال تورغينيف، دستويفسكي، ستندال وغيرهم من الذين تمنى مجاراتهم، والكتابة على غرار ما كتبوه من أعمال إبداعية خالدة مثل «الحب الأول»، و«المقامر» و«الأحمر والأسود».
وُلد علي الشوك في كرادة مريم ببغداد عام 1929، وحين أكمل المرحلة الثانوية ابتُعِث إلى الجامعة الأميركية ببيروت عام 1947 لدراسة الهندسة المعمارية التي لم يخترها بنفسه، وسوف يبدّل اختصاصه في بيركلي ليدرس الرياضيات. أفاد من بيروت، التي يعتبرها مدرسته الأولى، في التعامل مع اللغة والتاريخ والأسطورة بفضل البروفسور أنيس فريحة. أما بيركلي التي درس فيها الرياضيات فقد فتحت شهيته على الموسيقى وأتاحت له مشاهدة معظم أوبرات فيردي، وفاغنر، وموتسارت وسواهم من كبار المبدعين الذين سيسهمون في تأسيس ذائقته الموسيقية.
كان الشوك ذا نزعة يسارية منذ أيام بيروت وبيركلي، وحينما عاد تلقفه «الرفاق» فانتمى إلى الحزب الشيوعي وتقبّل ظروف العمل السري «عن غير قناعة فطرية» (ص22) لكنه تعرّض للتنكيل في أواخر عام 1956 لأنه لم يقدّم للوزارة أسماء الطلاب الذين تظاهروا مؤيدين تأميم قناة السويس.
لم ينجُ علي الشوك من الازدواجية، فهو ماركسي لكنه ينتمي إلى أسرة أرستقراطية، اشتراكي لكنه لا يمقت العالم الرأسمالي، طوباوي لكنه يعيش على أرض الواقع ويلهث خلف الحسناوات بحجة الإلهام الروائي. لا بد من الوقوف عند علاقته الوطيدة مع الدكتور نوري السعدي، هذا الكائن المتحرر جداً الذي تماهى مع الشوك وبات يشعر بالعزلة من دونه. دعونا نؤجل الحديث عن المرأة والصداقة ونتوقف قليلاً عند السياسة التي أفضت به بعد انقلاب 1963 إلى السجن في «قصر النهاية» والتعذيب الذي لم يتحمله أكثر من ثلث ساعة فقدّم «اعترافه» ونجا بجلده ليقرر عام 1979 الفرار من «بلد يحكمه رجل مشبوه، ويتصرّف بمصائرنا كما يشاء» (ص160). وسوف تستمر رحلة المنفى وعذاباته إلى تشيكوسلوفاكيا ومنها إلى المجر قبل أن يستقر به المقام بلندن التي تمنحه حق اللجوء السياسي وتتكفل بسكنه ومعيشته إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
نساء علي الشوك كثيرات بما فيهن بطلاته الروائيات اللواتي ألهمنهُ جلّ نصوصه الروائية ولكن تظل هناك سيدة واحدة متميزة لأن جميع النساء اللواتي تعرّف عليهن «جئن عن طريقها»(ص95). ثم يمضي إلى القول إن تلك المرأة كانت الأهم في حياتي وأقربهن إلى نفسي، «وأنا هنا لا أعني بذلك أن هناك حُباً أو عشقاً بيني وبينها» (ص96). وإنما يعتبرها حضناً عائلياً ويضعها في مستوى علاقته بنوري السعدي الذي كان يبوح له بكل خلجات مشاعره، الأمر الذي أفضى إلى الانسجام الهائل بينهما.
كان علي الشوك باحثاً ومفكراً ولغوياً قبل أن يكون روائياً فلا غرابة أن يعترض البعض في حينه على ترشيحه للهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء لأنه «مثقف، وليس أديباً» (ص72). وكان يُدرك سلفاً أن ثقافته الموسوعية سوف تنأى به عن عالم الرواية والأدب الذي بدأهُ بعد خمسين عاماً من القراءة والكتابة والتجارب العاطفية والاجتماعية والسياسية. وكان لا بد له أن ينجز عدداً من الكتب التنظيرية المتخصصة فأصدر «الدادائية بين الأمس واليوم»، «الأطروحة الفنطازية»، «الموسيقى الإلكترونية»، «من روائع الشعر السومري»، «جولة في أقاليم اللغة والأسطورة»، وسواها من الكتب الثقافية الرصينة لكن همّه كان منصباً على الأدب. ولسوء الحظ أصدر مسرحية «الغزاة» التي فشلت وتعرضت للنقد لأنه لم يكن يتوفر على خبرة بفن المسرح، وظل رهانهُ قائماً على الرواية التي يربطها دائماً ببطلة خارقة الجمال مثل «زينايدا» في «الحُب الأول» و«ماتيلد» في «الأحمر والأسود» وغيرهن من الفاتنات خصوصاً إذا كنّ يُجدن الرقص. وكانت تلك المتميزة قد عرّفته على بعض النساء الألمانيات، كما تعرّف إلى (غ) التي اعتبرها ملِكة وأجمل امرأة في الوجود، وقد دخلن نصوصه الروائية تباعاً لكنه لم يحقق الرواية العصيّة على الكتابة مع أنه ظل يزعم طوال حياته بأنه يروم كتابة اللامكتوب أو الرواية الحلم التي لا ترخي الطبع ولا تسلس القياد إلاّ لأصحاب المواهب الكبيرة الذين غيّروا ذائقة القرّاء في مختلف أرجاء العالم.
من حسنات علي الشوك أنه يستأنس بآراء بعض الكُتاب من أصدقائه المقرّبين أمثال فؤاد التكرلي، كامل شياع، غانم حمدون وآخرين ولا يدفع مخطوطته للنشر إذا كانت آراؤهم متحفظة أو سلبية. ومن مثالب هذا الرجل هو غروره أو ثقته العالية بالنفس وإلاّ فكيف نبرِّر مقولته المثيرة للاستغراب: «أنا أعلم أنني مثقف من الطراز الأول في كل شيء تقريباً، لكنني أحب الرواية والموسيقى أكثر من أي شيء» (ص72).
على الرغم من رصانة أبحاثه، وعمق دراساته اللغوية فإنه يتواضع أحياناً حينما ينتبه إلى تفوّق الأوروبيين في بعض المجالات البحثية. فحينما أنجز كتابا عن الجذور المشتركة بين اللغات السامية - الحامية واللغات الهندية - الأوروبية نصحه أحد المستشرقين بقراءة كتاب «محاولة في المقارنة بين اللغات» لإيليتش سفيتش الذي يتناول العلاقة بين ست مجموعات لغوية، وحينما قرأه شعر بالفارق المعلوماتي الكبير فقال بتواضع شديد: «شعرتُ كم نحن متخلفون بالمقارنة مع الآخرين، لا سيما الروس أو السوفيات» (ص94).
لا بد من الإقرار بأن معظم روايات علي الشوك جريئة، ومثيرة للجدل في ثيماتها الرئيسية مثل «أحاديث يوم الأحد»، «مثلث متساوي الساقين»، «فتاة من طراز خاص»، «تمارا»، «فرس البراري»، وبقية الروايات الخمس التي تتمحور حول موضوعات سياسية وثقافية وفنية. وكالعادة فقد استقبلها النقّاد بطرق مختلفة وخاصة رواية «الأوبرا والكلب»، التي قرأها البعض بتعالٍ مثل الناقدة فاطمة المحسن، وبعضهم الآخر استقبلها بمحبة وإعجاب مثل الروائي محمود سعيد.
يحتاج العالم الروائي الذي خلقه الشوك إلى دراسات معقمة تتناول الثيمات، والشخصيات، واللغة، والبناء المعماري وغيرها من المعطيات الفنية والفكرية والإبداعية التي تتطلب قراءات تفكيكية بِعُددٍ نقدية متطورة جداً تستطيع أن تبرهن فعلاً أن «الجمال هو أعظم قوة على وجه الأرض»، كما يذهب الروائي الفرنسي أناتول فرانس.
يختم علي الشوك سيرته الذاتية بالقول إنه كَتَبها «بكل تلقائية وصدق» (266)، ولا غروَ في أن يعترف في عامه الثامن والثمانين بالتعب، والإجهاد، وانطفاء الجذوة، وضمور الذاكرة وهذه من اشتراطات الشيخوخة التي لن يفلت منها أحد، ومع ذلك فهو يصرخ في المضمار الأخير: «أيتها الأفكار لا تخذليني، ويا صفاء الذهن هلّم إلي ولو بجزءٍ من طاقاتك» (ص268).



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.