حل عقدة «العربات الخاصة» يحرك قوافل «سرايا أهل الشام»

بند خفي في «صفقة عرسال» أطلق سراح 104 معتقلين من «النصرة» لدى النظام

سيارات مقاتلي «حزب الله» وصحافيين في جرود عرسال أول من أمس (رويترز)
سيارات مقاتلي «حزب الله» وصحافيين في جرود عرسال أول من أمس (رويترز)
TT

حل عقدة «العربات الخاصة» يحرك قوافل «سرايا أهل الشام»

سيارات مقاتلي «حزب الله» وصحافيين في جرود عرسال أول من أمس (رويترز)
سيارات مقاتلي «حزب الله» وصحافيين في جرود عرسال أول من أمس (رويترز)

تخطت مفاوضات إخراج «سرايا أهل الشام» من جرود عرسال إلى الرحيبة السورية، أمس، عقدة انتقال المدنيين الراغبين بمغادرة جرود عرسال بسياراتهم، وتكثفت الاستعدادات لنقل المسلحين مع أسلحتهم الفردية بالحافلات إلى آخر معاقل المعارضة في القلمون الشرقي، في وقت كشفت فيه «جبهة النصرة» عن بند سري في اتفاق عرسال مع «حزب الله»، وقالت إن النظام السوري نفذه أمس، بالإفراج عن 104 معتقلين لديه، انتقل بعضهم إلى إدلب.
وقالت مصادر لبنانية مواكبة للمفاوضات في جرود عرسال، أمس، إن الحافلات السورية التي ستنقل المسلحين وعائلاتهم ومئات المدنيين الآخرين من جرود عرسال إلى الرحيبة السورية، قد وصلت إلى نقطة التجمع في شرق عرسال، لافتة إلى أن الاستعدادات لبدء تنفيذ المرحلة الثالثة من اتفاق عرسال «من المقرر أن تبدأ مساء اليوم، أو غداً (اليوم الاثنين) صباحاً، على أبعد تقدير».
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن العوائق التي حالت دون تنفيذ الاتفاق خلال اليومين الماضيين «ذللت، حيث حسم المفاوضون قضية انتقال الراغبين بالخروج من عرسال بالحافلات، وليس بسياراتهم الخاصة، إضافة إلى خروجهم بأسلحتهم الفردية»، وقالت إن المغادرين «يخضعون لتفتيش دقيق منعاً لإخراج الأسلحة المتوسطة أو الثقيلة معهم».
وأصر بعض المدنيين على الخروج بعرباتهم الخاصة، بالنظر إلى أنهم يحتاجونها في الاهتمام بأرزاقهم لدى عودتهم إلى قراهم التي نزحوا منها في القلمون الغربي. لكن هذا الإصرار اصطدم بتعنت النظام ورفضه لهذا الشرط، مما دفع قسماً من المدنيين لترك سياراتهم وآلياتهم لدى أقاربهم في بلدة عرسال، بينما قرر البعض الآخر الامتناع عن الخروج «ريثما تنضج تسوية للعودة إلى القرى التي نزحوا منها في القلمون الغربي»، بحسب ما قالته المصادر، موضحة أن هؤلاء يصل عددهم إلى نحو 500 شخص، مما يعني أن العدد المعلن عن الراغبين بالخروج من المدنيين «سيتقلص إلى نحو 1500 شخص»، يضافون إلى المسلحين البالغ عددهم نحو 350، وعائلاتهم.
وقالت المصادر إن عملية الإجلاء «تأخرت ريثما يؤمن المدنيون سياراتهم، ويعود من يريد منهم إلى شرق بلدة عرسال للالتحاق بالحافلات، والخروج باتجاه سوريا»، وهي من العوائق اللوجيستية التي حالت دون انطلاق الحافلات بعد ظهر أمس، كما كان مقرراً.
وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية بأن 35 حافلة وصلت إلى مدخل بلدة عرسال لنقل مسلحي «سرايا أهل الشام» وعائلاتهم، قسم منهم إلى منطقة الرحيبة حيث «الجيش الحر»، وقسم آخر إلى منطقة عسال الورد حيث ستتم تسوية أوضاعهم عن طريق لجان المصالحة، فيما ستنقل سيارات الصليب الأحمر اللبناني عدداً من الجرحى.
وأشارت الوكالة إلى أن بدء عملية النقل ستستغرق ساعات عدة، حيث يدقق الأمن العام في اللوائح الاسمية للمسلحين وعائلاتهم، لافتة إلى أن النقل سيتم بالحافلات حصراً، ويسمح بالسلاح الفردي فقط.
وتحدثت الوكالة عن أن الأجهزة الأمنية بدأت بتنفيذ ترحيل أربعمائة مسلح من «سرايا أهل الشام» وعائلاتهم، من ضمن غرفة عمليات مؤلفة من الجيش اللبناني والأمن العام، وبإشراف الصليب الأحمر اللبناني والمنظمات الدولية، عن طريق عقبة الجرد - فليطة - طريق دمشق إلى الرحيبة، في ريف دمشق، مع أسلحتهم الخفيفة.
بدوره، أفاد «الإعلام الحربي» التابع لـ«حزب الله»، بعد ظهر أمس، بأن الحافلات انطلقت من فليطة السورية، لتقل مسلحي «سرايا أهل الشام» وعدد من النازحين، ووصلت إلى مدخل بلدة عرسال الشرقي.
وتعرضت المفاوضات، صباح أمس، لعراقيل إضافية، قبل أن تتم حلحلتها، حيث قال المتحدث باسم «سرايا أهل الشام»، عمر الشيخ، صباح أمس، تعليقاً على تأجيل انتقال مقاتليه ولاجئين سوريين من جرود عرسال، إن «المفاوضات مجمدة، ونرفض الانتقال بالباصات، ونحن لسنا الطرف المعرقل للاتفاق»، وأضاف: «لا شأن لنا بالداخل اللبناني، إنما نحن موجودون في الجرود، ورحيلنا عبر الأراضي السورية، وليس اللبنانية».
وذكرت مصادر إعلامية أن «عناصر (سرايا أهل الشام) يريدون الانتقال عبر آليات تستخدم لأغراض عسكرية، ويمكن تركيب مضادات ومدافع عليها، وهذا ما لا تقبله دمشق».
وقبل الإعلان عن تسوية العراقيل، ناشد أصحاب مناشر الحجر والمقالع في عرسال الجيش اللبناني تفتيش كل مركبات المسلحين المغادرين، بعدما تبين أن كثيراً من المناشر تم تفكيكها وسرقتها. وبعد أقل من ساعة، أصدرت «سرايا أهل الشام» بياناً، طالبت فيه أصحاب المناشر بتفقدها، قائلة: «أي نقص في معداتكم راجعوا فيه فصيل (سرايا أهل الشام)، فهم مستعدون لتفتيش وادي حميد كله، ولا يقبلون أن يدخل الطابور الخامس، ويخرب على الجميع، أو يسرق باسم السوريين».
وأعرب الفصيل التابع لـ«الجيش الحر» عن شكره لـ«احتضان السوريين في عرسال ووادي حميد من قبل أهالي عرسال»، مؤكداً: «إننا لا نقبل أن تضيع الحقوق مهما كانت الظروف، فثورتنا خرجت لتحقيق العدالة ونصرة المظلوم».
وبخروج «سرايا أهل الشام»، يتم إخلاء جرود عرسال الحدودية مع سوريا من المسلحين، مما يتيح للجيش اللبناني الانتشار في تلك التلال الحدودية. وفيما تعتبر العملية هي المرحلة الثالثة من اتفاق عرسال بين «النصرة» و«حزب الله»، كشفت وكالة «إباء»، التابعة لـ«النصرة»، عن بند سري في المرحلة الثانية، نفذه النظام السوري أمس.
وأفادت الوكالة بخروج 104 معتقلين من سجون النظام السوري، ضمن اتفاق جرود عرسال الذي أبرم بين «هيئة تحرير الشام» و«حزب الله» اللبناني، بينهم 24 امرأة.
ونقلت عن مسؤول التفاوض خالد حاج حسن أنه «بعد مفاوضات طويلة، توصلت (تحرير الشام) إلى اتفاق مع النظام يُفضي إلى الإفراج عن أكثر من 100 معتقل من سجون حمص وحماة ودمشق، وكان هذا من شروط مقاتلي القلمون الغربي لخروجهم إلى الشمال المحرر مطلع الشهر الحالي».
وتحدث ناشطون سوريون في إدلب عن إطلاق سراح 104 معتقلين من سجون النظام، بينهم 24 امرأة، ووصول 59 معتقلاً إلى إدلب، بموجب اتفاق عرسال بين «النصرة» و«حزب الله».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم