بقايا «داعش» وتجاهل حيثيات الواقع

أهم ركائز التنظيم تعتمد على الحرب النفسية جذباً وتهويلاً بالترويج والتواصل عبر العالم الافتراضي

شرطة مكافحة الإرهاب الإسبانية تعتقل شاباً مغربياً من قيادات «داعش» مسؤول عن الإعلام الإلكتروني خارج مدريد الشهر الماضي (إ.ب.أ)
شرطة مكافحة الإرهاب الإسبانية تعتقل شاباً مغربياً من قيادات «داعش» مسؤول عن الإعلام الإلكتروني خارج مدريد الشهر الماضي (إ.ب.أ)
TT

بقايا «داعش» وتجاهل حيثيات الواقع

شرطة مكافحة الإرهاب الإسبانية تعتقل شاباً مغربياً من قيادات «داعش» مسؤول عن الإعلام الإلكتروني خارج مدريد الشهر الماضي (إ.ب.أ)
شرطة مكافحة الإرهاب الإسبانية تعتقل شاباً مغربياً من قيادات «داعش» مسؤول عن الإعلام الإلكتروني خارج مدريد الشهر الماضي (إ.ب.أ)

في كتابه التاريخي: «فن الحرب»، يختصر المفكر العسكري الصيني سن تزو كل فلسفته حول فنون واستراتيجيات القتال أثناء الحروب في عبارة واحدة: «التفوق الأعظم هو كسر مقاومة العدو دون أي قتال». وهنا تكمن معضلة استمرارية تنظيم داعش، فعلى الرغم من أن غالبية الظروف المحيطة تشي بانهيار كيانه، فإن مقاتليه يظهرون إصراراً على المقاومة ومواصلة الصراع دون اكتراث بمحاصرتهم في مناطق كانت تحت سيطرتهم، وبرفض للاستسلام نتيجة مقتل أعداد كبيرة منهم تحت غارات أثقلت كاهلهم، وفرار آخرين، وعودة جزء منهم إلى أوطانهم.
وعلى الرغم من سقوط أهم معاقل «داعش»، بدءاً بالموصل، حيث أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عقب استعادة مسجد النوري ومنارة الحدباء انتهاء سيطرة التنظيم فيها، وهو المكان ذاته الذي أعلن فيه أبو بكر البغدادي عن قيام «دولة الخلافة المزعومة» في العراق وسوريا قبل ثلاثة أعوام، وتبعها فيما بعد استعادة الرقة في سوريا. يشكل كل ذلك تحولاً مفصلياً للتنظيم يشي بتدهور أوضاعه وتخبّط استراتيجياته، فبعد أن نقل ساحة أعماله من منطقة شاسعة يسود فيها الحكم الداعشي، تبرز عملياته عبر هجمات مبعثرة في مناطق مختلفة ينفذها أعضاء متناثرون وذئاب منفردة، باستهداف للأقباط تارة والشيعة تارة أخرى، ومن ثم الالتفات إلى الغربيين بشكل عام وإدراج المسلمين معهم بعد تكفيرهم، لتتم بذلك شيطنة كل من ليس جزءاً من المنظومة الداعشية.
يتجلّى القلق الوجودي لـ«داعش» من خلال رسائله الإعلامية، إذ انتهج في الآونة الأخيرة أسلوباً دفاعياً مستميتاً ينم عن توجس من اعتقاد العالم أجمع بأفول وهج التنظيم وانحسار المناصرين له، من بعد فقدانه لكمّ ضخم من مقاتليه وأراضيه. وظهرت عدة تسجيلات تحاول تأكيد استمرار التنظيم في استراتيجيته القائمة على إنشاء خلافة إسلامية «داعشية» مع التشديد على كونها لا تحدد عبر منطقة معينة.
المتحدث الرسمي السابق للتنظيم أبو محمد العدناني، الذي قتل في غارة جوية في شهر أغسطس (آب) من عام 2016، تحدث في تسجيل صوتي له في العام ذاته مخاطبا الأميركيين، متسائلاً باستنكار إن كانوا يحسبون أن «الهزيمة خسارة مدينة أو خسارة أرض؟». تحور الهدف الاستراتيجي المحوري لـ«داعش» وإن كان يسعى لإخفاء إخفاقاته، إلا أنه يسبغ على التنظيم طابعاً براغماتياً تتلوّن عبره أهدافه وخططه، حسب حيثيات الوضع العام للتنظيم. ذلك الطابع يمد الداعشيين بطاقة تمكنهم من استغلال النجاح الذي تم تحقيقه في السابق في كل من الموصل والرقة، ليستحيل من مجرد بكاء على الأطلال، إلى التباهي والظهور بمظهر التنظيم الأقوى في الآونة الأخيرة، إذ تمكن وإن لفترة زمنية قصيرة، من إقامة خلافته المزعومة التي شكّلت ملاذاً يستقطب المقاتلين المتطرفين من كل العالم. فبتلك السمعة من الممكن أن يسعى إلى الاستمرار في جذب تنظيمات أخرى للتحالف معه، وتجنيد المتعاطفين مع أهدافهم وآيديولوجيتهم، في بقاع تشهد ضعفاً أمنياً وتطرفاً دينياً، كما حدث مؤخراً في أفغانستان ونيجيريا. وتظهر عشوائية الهجمات الداعشية المباغتة ومحاولة الاستفادة من كل الفرص من أجل إعمال الرعب والتخريب.
يواجه تنظيم داعش من جهة أخرى معضلة أخرى أهم؛ إذ إن إحدى أهم ركائزه تعتمد على الحرب النفسية جذباً وتهويلاً عبر الوسائل الإعلامية والترويج للتنظيم، والتواصل عبر العالم الافتراضي الإلكتروني. وقد تميز التنظيم عن غيره بقدرته على التغلغل في عقول الآخرين عن بعد واستدراجهم. واعتمد على تقنيات من أجل تجنيد الآخرين من خلال استلهام عاطفتهم، أو التأثير على حس المغامرة لديهم، ليصبح ذلك معرضاً للانقراض، لا سيما أنه أصبح من السهل ترصد المتطرفين إلكترونياً ومعرفة مواقع تواجدهم. تبدّى خفوت نشاط التنظيم في الفضاء الإلكتروني، بشح التسجيلات الصوتية والمرئية، وقلة الحراك الداعشي الإلكتروني بعد تكثيف الجهات الأمنية الحملات المناوئة لها. ويتجلى ذلك عبر تعميم للتنظيم صدر في الآونة الأخيرة لحظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على مقاتليه، واستخدام لهجة الوعيد لمن يخالف التعليمات؛ إذ إن الجهات الأمنية تجاوزت القدرة على ترصد الأنشطة الإلكترونية المتطرفة، عبر اتفاقيات دولية لمحاربة أجندة التنظيمات الإرهابية، ومهاجمة منصات التواصل الاجتماعي الداعشية وحظر حساباتها، وتمكنت الجهات الأمنية من إنشاء تطبيقات إلكترونية موازية لتطبيقات أنشأها التنظيم من أجل التمكن من أجل اختراقهم وجمع معلوماتهم. وقد نتج عن مثل هذه الهجمات ظهور وعي نوعي ما بين المقاتلين حول ماهية محاولات ترصدهم، لا سيما أن عدداً منهم تميز بحيازته قدرات تقنية متطورة تمكنه من تفاصيل الهجمات الأمنية الموجهة لهم. وقد عزز من ذلك استهداف وقتل عدد من مقاتليهم في معاقلهم، وقد تمكنوا من معرفة مواقع وجودهم، وتوجيه غارات جوية مصوبة ناحيتهم، نتيجة تعقبهم، إثر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. إلا أن المحاولات المناوئة للحملات الأمنية لا تزال مستمرة من قبل «داعش»، وقد برزت على الساحة الإلكترونية نقاشات حوت مناصرين للتنظيم لدراسة سبل الاستمرار في استخدام المنصات الاجتماعية الإلكترونية في ظل الترصد العالمي لهم. وإن لم تختف الأنشطة الإلكترونية، إذ لا تزال هناك صحف ومنشورات إلكترونية تنقل أخبار وكالة أعماق للتنظيم. ويتصدر «التيليغرام» التطبيقات الأخرى في استخدام الداعشيين له كوسيلة للتواصل عبر الرسائل المشفرة. في ظل شح الرسائل المتطرفة للتنظيم عبر المنصات، تظهر الاستعاضة عنها ببيانات داخلية تهم شؤون أماكن تمركزهم، كما حدث مؤخرا في دير الزور، حيث أعلن التنظيم افتتاح «مكتب المستنفرين»، من خلال بيان رسمي لما أطلق عليه مسمى «النفير العام»، الذي يجبر فيه جميع الشبان في أحياء دير الزور من الفئة العمرية الممتدة التي تشمل العشرين والثلاثين عاماً، لا سيما أن البيان حمل لهجة وعيدية، بإشارته إلى تعرض من لا يعلن انضمامه خلال أسبوع للمساءلة والتعزير. وعلى خلاف المعتاد من اشتراط إنجاز المقاتلين تدريباً مكثفاً عبر تدريبات شرعية وعسكرية ونفسية قاسية، اقتصر التدريب الحالي في دير الزور على دورة شرعية وعسكرية قصيرة، ليؤكد ذلك محاولة التنظيم المستميتة الحفاظ على وجوده.
,يعكس لجوء تنظيم داعش إلى التجنيد الإجباري حالة انهياره وتغاضيه عن الكثير من الشروط والطرق التي ينضم فيها المقاتلون الجدد إليه. كما يشي إلى ازدياد أعداد المقاتلين الجدد في صفوفه ممن يفتقرون إلى الولاء للتنظيم والاقتناع بمبادئه، وهو مؤشر خطير يحمل في طياته محاولات للانقلاب عليه، والبحث عن منقذ لهم من الوضع الراهن.
ومع فقدان «داعش» لبريقه في الآونة الأخيرة، فلا بد من أن موارده وقدراته قد تضاءلت، مما يشير إلى أن التنظيم سيلجأ إلى النهب والتقتير في الموارد على الأهالي من أجل السيطرة على المنطقة. أضف إلى ذلك النجاح الأخير المتمثل في تحرير الموصل من «داعش»، مما يشكل أملاً لسكان دير الزور يدفعهم لتأمل الخلاص من السيطرة الداعشية. هذه النظرة السلبية تأتي مغايرة لتوجه سكان المناطق التي كانت تحت براثن تنظيم القاعدة من قبل. إذ في تلك الفترة ظهر حرص القاعدة الظفر بـ«قلوب وأفئدة» سكان المنطقة التي يمتد فيها نفوذهم، مما أدى إلى حيازة القاعدة على شعبية كبيرة أدت إلى استقبال الأهالي لهم بحفاوة وصلت إلى السعي في إخفائهم عن السلطات، كما حدث في العراق من قبل في الفترة التي وصل فيها نفوذ القاعدة أوّجه نتيجة استخدامه شعارات محاربة قوات الاحتلال الأميركية، وحرصهم ليس فقط على إمداد الأهالي بالمؤن والذخائر والأموال، بل إعادة بناء المدن والبنى الهيكلية لها. من جهته فإن تنظيم داعش لم يتكبد مشقة اكتساب تعاطف الآخرين معهم، بل اكتفى باستغلال العامل النفسي عبر إثارة الرعب والبطش والتهديد وتأجيج الغضب والطائفية، بالأخص وأن سمعة الداعشيين قائمة على توحشهم وسعيهم لإبادة أعدائهم.
على الرغم من أن المؤشرات تشير إلى أن تضاؤل التنظيم ونهايته شبه محتمة، فإن إصرار المقاتلين على الاستمرار في القتال يبدو أشبه بمحاولة لإطالة المدة الزمنية، والعودة إلى نطاق أصغر، من خلال استخدام تقنيات أشبه بحرب العصابات، بهدف استكمال القتال، ومحاولة استنزاف الطرف الآخر، حتى وإن كان احتمال الوصول إلى ذلك واهياً. وهو الأمر الذي حذر المفكر الصيني سن تزو من الوصول إليه، إذ تطرق في شرحه لمبادئ الحرب إلى أن «الهم الأكبر في الحرب هو تحقيق النصر، لا إطالة أمد الحملات العسكرية».



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».