أعراض الأزمة المالية العالمية

الرهون العقارية العالية المخاطر من بوادرها

كان لانهيار مصرف ليمان براذرز الأميركي أثره لبداية أخطر أزمة مالية
كان لانهيار مصرف ليمان براذرز الأميركي أثره لبداية أخطر أزمة مالية
TT

أعراض الأزمة المالية العالمية

كان لانهيار مصرف ليمان براذرز الأميركي أثره لبداية أخطر أزمة مالية
كان لانهيار مصرف ليمان براذرز الأميركي أثره لبداية أخطر أزمة مالية

يبقى تاريخ 15 سبتمبر (أيلول) 2008، اليوم الذي شهد انهيار مصرف ليمان براذرز الأميركي، لينهار في إثره الاقتصاد العالمي، بداية أخطر أزمة مالية منذ الكساد الكبير، غير أن البوادر بدأت تلوح منذ صيف العام السابق.
في 9 أغسطس (آب) 2007، قام مصرف «بي إن بي باريبا» الفرنسي بتجميد ثلاثة صناديق تتعامل في السوق العقارية الأميركية، موجها بذلك رسالة إلى الأوساط المالية بأن القروض المضمونة برهون عقارية في الولايات المتحدة لم تعد جديرة بالثقة. وأدى ذلك إلى تدهور مؤشر داو جونز لأسهم أكبر ثلاثين شركة صناعية أميركية، بنسبة قاربت 3 في المائة.
ويذكر العميل في سوق الأسهم كيني بولكاري الذي يعمل في وول ستريت منذ 1985: «رأينا الذعر ينتشر بين صناديق التحوط والأفراد الذين يتداولون المنتجات المالية الأقل رضوخا للضوابط». ويضيف: «كنت قلقا لكنني لم أكن مذعورا» في تلك الفترة التي كان يلعب فيها دور الوسيط بين السماسرة في البورصة والمصرفيين ومديري الأصول، لحساب شركة «إيكاب» البريطانية.
ويتابع: «بدأ الناس يسعون لفهم هذا العالم الافتراضي من المنتجات المتشعبة».
وبدا الجهل ذاته لحقيقة الوضع سائدا في البيت الأبيض أيضا، حيث أعلن الرئيس جورج بوش في اليوم نفسه، في التاسع من أغسطس، بنبرة قاطعة ردا على سؤال: «يبدو في المرحلة الراهنة أننا نتجه إلى تباطؤ في الاقتصاد. هذا ما تعكسه الوقائع».
ومن العوامل التي شجعت الفورة العقارية، السياسة التي اعتمدها رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي آلان غرينسبان، إذ أبقى معدلات فائدة متدنية جدا وأغرق الأسواق بالدولارات، الأمر الذي شجع الأسر على الاقتراض لشراء منازل. وبرزت القروض كمحرك للاستهلاك.
ويذكر كيني بولكاري: «كان بالإمكان حصول شخص عاطل عن العمل على قرض».
في وول ستريت، سجلت الأرباح والمكافآت المالية ارتفاعا كبيرا، لا سيما أن إدارة الرئيس بيل كلينتون قامت في 1999 بإلغاء قانون غلاس - ستيغال الذي كان يفصل بين مصارف الودائع التي تعتمد سياسة حذرة، ومصارف الأعمال التي تقبل على المجازفة.
وإزاء الطلب الشديد، قام الوسطاء باستحداث قروض مضمونة برهون عقارية بنسب فوائد متفاوتة، قامت المصارف لاحقا بنشر مخاطرها في الأسواق المالية من خلال إعادة بيعها بأجزاء متفرقة على شكل «سندات ديون مضمونة بأصول»، بموافقة وكالات التصنيف الائتماني.
لكن مع قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع معدلات فائدته اعتبارا من 2004، تبدل الوضع في السوق العقارية وباتت العائلات التي تعتبر أوضاعها هشة تواجه ضغطا شديدا وتجد صعوبة في تسديد قروضها.
ويروي كيني بولكاري أن «المصاعب كانت تتفاقم بعيدا عن الأنظار» مضيفا أن «هذه المنتجات المالية المشتقة والمعقدة لم تكن مفهومة كثيرا، لكن لم يكن أحد يكترث طالما أن السوق في ازدهار والجميع يحقق مكاسب مالية».
ثمة مصرف توقع الكارثة هو غولدمان ساكس. إذ دعا مديره المالي ديفيد فينيار في 14 ديسمبر (كانون الأول) 2006، إلى اجتماع مع مسؤولي المخاطر والعملاء في البورصة، لبحث وضع السوق العقارية الأميركية. وقال مصرفي لوكالة الصحافة الفرنسية طالبا عدم كشف اسمه إنه أشير في تلك الفترة إلى تسجيل خسائر أولى في محفظة غولدمان ساكس.
وأمر فينيار عندها بتبديل استراتيجية الاستثمار في ضوء توقعات بانهيار سوق العقارات. وقال للمجتمعين: «يجب أن نضع أنفسنا في مأمن».
وإن كان هذا التبدل في الاستراتيجية أتاح للمصرف تحقيق أرباح طائلة وتفادي الأسوأ، إلا أنه حمل «هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية» المسؤولة عن ضبط البورصة على ملاحقته وقد اتهمته في 2010 باستحداث منتج معقد في 2007، يحتوي على رهون عقارية عالية المخاطر عرف في حينه باسم «أباكوس»، وقد باعه المصرف إلى زبائن كانوا يعتقدون أن السوق العقارية في ارتفاع، في حين كان المصرف يتوقع هبوطها.
وفي 16 مارس (آذار) 2008، أعاد مصرف «جي بي مورغان تشيس» شراء شركة «بير ستيرنز» للاستثمار لقاء سعر زهيد فيما كانت على شفير الإفلاس نتيجة إقبالها على رهون عقارية عالية المخاطر. وكانت هذه الشركة التي أنشئت عام 1923 وتوظف 14 ألف شخص، من رموز نجاح القطاع المالي الأميركي.
وعلق كيني بولكاري: «كان هذا المنعطف الكبير» مضيفا: «في أعقابه، باتت جميع هذه المنتجات المالية المعقدة غير قابلة للبيع. لم يعد هناك زبائن لها. وفجأة عم الذعر». تحول المستثمرون عندها إلى سوق الأسهم وباشروا تصفية السندات.
وقال كيني بولكاري منتقدا: «كنا في نهاية المسار، لكننا دفعنا الثمن غاليا رغم أننا لم نكن نتعامل إطلاقا بهذه المنتجات السامة».
ولا يزال يبدي الغضب ذاته بعد مضي نحو عشر سنوات، ويعرب عن نقمته على هيئات ضبط القطاع المالي التي «لم تكن تفهم شيئا» فيما يجري.
وقامت شركته بتسريح «الكثيرين». وانتقل هو للعمل في شركة «أونيل سيكيوريتيز» ويدلي حاليا بمداخلات منتظمة في وسائل الإعلام الأميركية.



بورصة لندن تواجه أزمة تنافسية مع أكبر موجة هجرة منذ الأزمة المالية

رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)
رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)
TT

بورصة لندن تواجه أزمة تنافسية مع أكبر موجة هجرة منذ الأزمة المالية

رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)
رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)

حذَّر الرئيس السابق لمجموعة بورصة لندن، من أنَّ بورصة لندن الرئيسية أصبحت «غير تنافسية للغاية»، وسط أكبر هجرة شهدتها منذ الأزمة المالية.

وقال كزافييه روليه، الذي ترأس مجموعة بورصة لندن بين عامَي 2009 و2017، إن التداول الضعيف في لندن يمثل «تهديداً حقيقياً» يدفع عدداً من الشركات البريطانية إلى التخلي عن إدراجها في العاصمة؛ بحثاً عن عوائد أفضل في أسواق أخرى.

وجاءت تعليقاته بعد أن أعلنت شركة تأجير المعدات «أشتيد» المدرجة في مؤشر «فوتسي 100» خططها لنقل إدراجها الرئيسي إلى الولايات المتحدة، استمراراً لاتجاه مماثل اتبعته مجموعة من الشركات الكبرى في السنوات الأخيرة.

ووفقاً لبيانات بورصة لندن، فقد ألغت أو نقلت 88 شركة إدراجها بعيداً عن السوق الرئيسية في لندن هذا العام، بينما انضمت 18 شركة فقط. وتشير هذه الأرقام، التي نشرتها صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إلى أكبر تدفق صافي من الشركات خارج السوق منذ الأزمة المالية في 2009.

كما أن عدد الإدراجات الجديدة في لندن يتجه لأن يكون الأدنى في 15 عاماً، حيث تتجنب الشركات التي تفكر في الطرح العام الأولي (IPO) التقييمات المنخفضة نسبياً مقارنة بالأسواق المالية الأخرى.

وقد تجاوزت قيمة الشركات المدرجة التي تستعد لمغادرة سوق الأسهم في لندن هذا العام، 100 مليار جنيه إسترليني (126.24 مليار دولار) سواء من خلال صفقات استحواذ غالباً ما تتضمن علاوات مرتفعة، أو من خلال شطب إدراجها.

وأضاف روليه أن انخفاض أحجام التداول في لندن في السنوات الأخيرة، مقارنة مع الارتفاع الحاد في الولايات المتحدة، دفع الشركات إلى تسعير أسهمها بأسعار أقل في المملكة المتحدة لجذب المستثمرين.

وقال في تصريح لصحيفة «التليغراف»: «الحسابات البسيطة تشير إلى أن السوق ذات السيولة المنخفضة ستتطلب خصماً كبيراً في سعر الإصدار حتى بالنسبة للطروحات العامة الأولية العادية. كما أن السيولة المنخفضة نفسها ستؤثر في تقييم الأسهم بعد الاكتتاب. بمعنى آخر، فإن تكلفة رأس المال السهمي تجعل هذه السوق غير تنافسية بشكل كامل».

ووفقاً لتقديرات «غولدمان ساكس»، يتم تداول الأسهم في لندن الآن بخصم متوسط يبلغ 52 في المائة مقارنة بنظيراتها في الولايات المتحدة.

وتستمر معاناة سوق العاصمة البريطانية في توجيه ضربة لحكومة المملكة المتحدة، التي تسعى جاهدة لتبسيط القوانين التنظيمية، وإصلاح نظام المعاشات المحلي لتشجيع مزيد من الاستثمارات.

وأشار روليه إلى أن المملكة المتحدة بحاجة إلى التخلص من الإجراءات البيروقراطية المرتبطة بالاتحاد الأوروبي التي تمنع صناديق التقاعد من امتلاك الأسهم، بالإضافة إلى ضرورة خفض الضرائب على تداول الأسهم وتوزيعات الأرباح.

وأضاف: «قلقي اليوم لا يتعلق كثيراً بالطروحات العامة لشركات التكنولوجيا، فقد فات الأوان على ذلك. التهديد الحقيقي في رأيي انتقل إلى مكان آخر. إذا استمعنا بعناية لتصريحات كبار المديرين التنفيذيين في الشركات الأوروبية الكبرى، فسنجد أنهم أثاروا احتمال الانتقال إلى الولايات المتحدة للاستفادة من انخفاض تكلفة رأس المال والطاقة، والعوائد المرتفعة، والتعريفات التفضيلية».