الصحافة في إيران... مهنة شائكة وغير مجدية

في يومها السنوي بحثت أهم التحديات

الصحافة في إيران... مهنة شائكة وغير مجدية
TT

الصحافة في إيران... مهنة شائكة وغير مجدية

الصحافة في إيران... مهنة شائكة وغير مجدية

تزامن يوم السلطة الرابعة في إيران هذا العام بالحدثين البارزين هذا الأسبوع، اليمين الدستوري للرئيس الإيراني وإعلان تشكيلة الحكومة. لكن الأحداث السياسية لم تمنع الصحافة الإيرانية والأوساط الإعلامية من الاحتفال بيومها بنكهة مختلفة مقارنة بالأعوام الماضية. المناسبة دفعت أغلب الصحف الصادرة الثلاثاء، لفتح الباب على مصراعيه أمام حديث ذي شجون لأصحاب المهنة عن أحوال الصحافة الإيرانية والهواجس والتحديات والتهديدات المتربصة بالصحافيين كما استغل الخبراء في مجال الإعلام الفرصة للحديث عن قطار الصحافة الذي خرج عن سكة الاحترافية.
وفي ظل ضغوط النظام الحاكم وأجهزته المخابراتية والتكنولوجيا الحديثة التي تلزم الصحافة بتمزيق ثياب الأمس وضبط الإعدادات بما يناسب العصر، لا مناص أمام الصحافي الإيراني سوى الحفاظ على وجوده بأقل ما يملك من إمكانيات والبحث عن حلول جذرية للأزمة الحالية التي تعيشها الأوساط الإعلامية الإيرانية.
«عمل صعب وموقع مزلزل ومشوه» هكذا تصف صحيفة «إيران» الناطقة باسم الحكومة الوضع الحالي للصحافة وأهلها في إيران. لسان حال الصحافي في هذا اليوم «أكتب على مدار العام عن مشكلات الآخرين، يجب أن أكتب عن معاناتي في اليوم الخاص بي». يتفق خبراء الإعلام الإيرانيون على أن العمل الصحافي أشبه بالسير في ميادين الألغام.
تعددت القضايا التي تطرقت لها الصحف الإيرانية، ركزت أغلب الملاحق على الوضع المهني والوضع الهش للصحافيين وضعف قانون الصحافة في حماية الصحافي من المضايقات الأمنية إضافة إلى تردي الوضع المعيشي وتراجع مستوى الاحترافية واستقلالية الصحافي بسبب غياب الصحافة المستقلة والنمو المتزايد للإعلام الحكومي.

الصحف تحتفي بيومها
وتناولت صحيفة «آفتاب يزد» اليوم الصحافي علی صفحتها الأولى برسم كاريكاتير يظهر الصحافي في زورق ورقي في بحر متلاطم تحت عنوان «الزمن الرمادي للصحافيين». وفي ملف نشرته بهذه المناسبة، وجهت الصحيفة انتقادا ضمنيا إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني لعدم تنفيذ وعوده لتحسين أوضاع الصحافة. واستطلعت الصحيفة آراء بعض الصحافيين الإيرانيين حول أوضاع العمل في ظل إدارة روحاني.
في نفس الاتجاه، خصصت صحيفة «جهان صنعت» الاقتصادية صفحاتها الأولى والأخيرة لنشر هموم الصحافيين في البلاد بما فيها رفض السلطات نشاط نقابة الصحافيين منذ ثمانية أعوام ونشرت على الصفحة الأولى رسما كاريكاتيريا في إشارة للمضايقات الأمنية التي يتعرض لها الصحافيون كما نشرت أجزاء من رسالة مفتوحة وجهها أعضاء في اتحاد الصحافيين إلى الرئيس الإيراني.
من جانبها، نشرت صحيفة «همدلي» كاريكاتيرا على صفحتها الأولى حول يوم الصحافي تحت عنوان «الصحافة في ميدان الألغام» ورسمت الصحافي في زورق ورقي بين أسماك القرش. في نفس السياق، تناولت صحيفة «آرمان أمروز» في صفحتين أهم قضايا الصحافة الإيرانية مع خبراء وأساتذة جامعيين وتشير الصحيفة إلى مشكلة تزايد وكالات الأنباء الحكومية وأثرها السلبي على الصحافة.
صحفیة «بهار» في ملفها الرئيسي تشير إلى أول مؤتمر صحافي لحسن روحاني بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2013 وأسئلة وجهت له حول أوضاع الصحافة رد عليها بالوعود. من بين أسئلة الصحافيين حول رفع القيود المفروضة منذ فترة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد على نشاط اتحاد الصحافيين المحظور بأوامر قضائية.

قانون الصحافة لا يحمي الصحافيين

صحيفة «قانون» الإيرانية فتحت أحد الملفات الشائكة في إيران حول أمن الصحافيين وقانون الصحافة الذي يقتصر على ضمان صاحب الامتياز من دون أن يشمل رؤساء التحرير والمحررين والصحافيين.
وبعد مقدمة تاريخية مطولة عن علاقة الصحافيين بالسلطة واغتيالات طالت الصحافيين على مدى القرن الماضي في إيران، يرى كاتب المقدمة أن علاقة الوسط الإعلامي في مواجهة السلطة تتراوح بين النسبية والمطلقة وسبب ذلك هو رسالة الصحافي والصحافة في حين حاولت الحكومات الإيرانية المتعاقبة عرقلة النشاط الفكري في الأوساط الإعلامية والنخبوية وعلى حد تعبير الصحيفة حاولوا إعماء العين البصيرة للمجتمع.
انطلاقا من ذلك لجأت الصحيفة إلى قانونيين ومحامين امتهنوا الصحافة وعاشوا معاناة الصحافي لشرح الوضع القانوني للصحافيين ومسار قانون الصحافة، بهدف مطالبة المشرعين والمسؤولين بوضع حد للمشكلات الصحافية والحيلولة دون المضايقات التي يتعرض لها الصحافيون. في هذا الخصوص، يشرح أستاذ الجامعة والمحامي والصحافي، نعمت أحمدي، دور الصحافة في إنجاح الثورة وما واجه الصحف لاحقا من منع وقمع الصحافيين على يد محكمة «الثورة». ويعتبر نعمت زادة أن ظهور صحيفتي «سلام» و«جامعة» كانت ولادة جديدة للصحافة في إيران بعد الثورة وإن منعتهما السلطات من الإصدار بعد سنوات من النشر.
ويعتقد نعمت زادة أن الفترة الذهبية للصحافة الإيرانية بعد الثورة بدأت بوصول محمد خاتمي للرئاسة إلى نهاية فترته الرئاسية الأولى وهي الفترة التي شهدت ولادة صحف مثل «صبح أمروز» و«جامعة» و«خرداد» و«عصر ازادغان» و«نشاط» (جميعها موقوفة). بحسب الأستاذ الجامعي فإن أشخاصا مسؤولين دقوا آخر مسمار في نعش حرية التعبير وقانون الصحافة في ذلك الحين. وتحديدا بعد تعديل المادة 168 من قانون الصحافة واختصارها على أصحاب الامتياز وحرمان الكوادر التحريرية مثل الصحافيين والكتاب ورؤساء التحرير من القانون. وفق نعمت زادة قانون الصحافة الحالي لا يقدم أي حماية للصحافيين كما أنه لا يتطابق مع الظروف والإمكانيات الصحافية الحالية. ويضيف قائلا: إن قنوات التواصل الاجتماعي تنشر حاليا أنواعا شتى من الأخبار بينما المسؤولون ما زالوا يواصلون السياسات السلبية والإقصائية بحق الصحافيين. ويعتقد أن استمرار الأخطاء جعل مهمة الصحافيين والإعلاميين في النشاط الحر مستحيلة، مضيفا أنه «يجب ألا نتوقع أن يثق الرأي العام بالسلطة». ويلفت إلى أن المواجهة القضائية مع الصحافيين جعلت الصحف في إيران أرضا سبخة.
لكن المحامي عبد الصمد خرمشاهي في حديثه للصحافة قال بأن السلطات لم تتعامل سلميا مع الصحافة خلال السنوات الأخيرة ويقول: إن الصحافي يواجه التهم بمجرد قيامه بالمهام الصحافية. من جانب آخر يشير إلى الخطر المحدق بالصحافة بسبب وقف إصدار الصحف مشددا على أن القضاة يفسرون القانون بشكل شخصي في القضايا المتعلقة بقانون الصحافة وبناء على النظرة الشخصية يصدرون أحكاما قاسية ضد الصحافيين لدوافع سياسية خلف الستار. ومن بين التهم الخطيرة التي تهدد الصحافيين الإيرانيين «تهديد الأمن القومي» وهي تهمة يملك القضاء تعيين حدود العقوبة لها.
ويحذر المحامي الإيراني من تبعات تجاهل أمن الصحافيين المهني والنفسي على صعيدين أساسيين الأول هو خيبة أمل أصحاب الصحف لإنتاج المواد الإخبارية الدقيقة والموثوقة والثاني تشكيك الإيرانيين بوجود حرية التعبير في البلاد.

الرقابة والأمن الوظيفي وتراجع الاحترافية

الضغوط الأمنية التي يتعرض لها الصحافي في إيران، تثير مخاوف الخبراء من فرض رقابة ذاتية نتيجة الخوف على المستقبل والتبعات التي لا تحمد عقباها في بلد لا توجد به ضمانات لحماية الصحافيين من الأجهزة الأمنية. بحسب الخبير القانوني بهمن كشاورز فإن المجتمع ضحية عدم انتشار الأخبار الصحيحة نتيجة الرقابة الذاتية.
وأشارت الصحف الإيرانية التي توقفت عند أهم المشكلات الحالية إلى أن إغلاق الصحف تسبب في حالة من عدم الاستقرار الوظيفي بين الصحافيين.
بدورها تعتقد صحيفة «إيران» الناطقة باسم الحكومة أن النظرة الاقتصادية في المجتمع الإيراني للعلاقات الاجتماعية تدفع الصحافيين المحترفين إلى هجرة المهنة إلى مجالات أخرى وأن من يفتقرون للخبرة لا يقلقون المسؤولين.
وفي حين تتعرض حكومة الرئيس الإيراني لانتقادات الصحافيين بسبب تأخر وعوده السابقة في الاهتمام بأحوال الصحافيين فإن صحيفة «إيران» الناطقة باسم إدارته حاورت عددا من رؤساء التحرير في الصحف الإيرانية لتسليط الضوء على أبرز تلك المشكلات ويتحدث رئيس تحرير صحيفة «اعتماد» جواد دليري عن «النظرة القاسية والأداتية والدعائية للصحافة». باعتقاده أن النظرة الضيفة تفوت على الصحافيين فرصة تجريب الصحافة الحرة والمستقلة والتعددية مشددا على أنها مشكلات قديمة تعاني منها الصحافة الإيرانية منذ الولادة.
ويقول دليري إن صحف إيران تعاني من مشكلات قانونية وسياسية واقتصادية وتعليمية. بنفس الوقت يشير إلى أن المشكلات الاحترافية تتلخص في الخطوط الحمر التي تواجه الصحف الإيرانية. ويرى أنه كلما كانت القيود أقل في المقابل يزداد تأثير الصحف. ويتابع أن «الخطوط الحمر» أفقدت الصحف الإيرانية فاعليتها وقدرتها على التأثير في الشارع الإيراني.
كما لفت دليري الانتباه إلى تراجع المستوى الاحترافي الصحافي في البلد بسبب القوانين وحرمان الصحف من استقطاب الطاقات المختصة وعدم تطوير قدرات الإعلاميين.
من جانبه يقول رئيس تحرير صحيفة «شهروند» مهدي افروزمنش إن الصحافة الإيرانية تمر بمرحلة متأزمة لأنها عاجزة عن توفير التعليم المطلوب لتطوير قدرات الصحافيين. ومن المشكلات أيضا عدم الانتقال الصحي للخبرات بسبب انقطاع الأجيال القديمة والجديدة، مشيرا إلى أبعاد مختلفة من معاناة الصحافة ويقول «الصحافي يفقد كل شيء: اسمه الأمن وهو مصدر كل المشكلات».
وباعتقاد افروزمنش فإن فقدان الأمن الوظيفي في السنوات الأخيرة أدى إلى هجرة الصحافي المحترف إلى قطاعات أخرى في أول فرصة متاحة أمامه، وذلك لأسباب اقتصادية ومالية. ويتحدث عن تدهور أحوال الصحافة بعد هجرة الصحافيين إثر ملاحقة الصحافيين في أثناء احتجاجات الحركة الخضراء في 2009، موضحا أن «الصحافة بلغت مستوى يفضل أصحاب الامتياز إدارة الصحف بأقل النفقات». وفق الصحافي الإيراني فإن الحالة زادت من حظوظ الصحافيين قليلي الخبرة بينما يواجه الصحافيون المحترفون فرصا أقل في الحصول على وظيفة.
استقلالية الصحافي مهددة
في حديثه لصحيفة «ابتكار» يرفض أستاذ الإعلام في جامعات طهران فريدون صديقي تسييس الصحافي ويقول: إن من حق الصحافي أن تكون له علاقاته الحزبية وسلوكه الشخصي واعتقاداته واتجاهه الخاص لكن في إطار العمل الصحافي يجب ألا يعلن حضوره في السياسة.
كذلك يرفض وجود صحافيين إصلاحيين أو محافظين في البلاد ويقول: إن التسميات تحت تأثير الاتجاهات السياسية لوسائل الإعلام إلا أنه بنفس الوقت يذكر أن الصحافي المستقل غير مرحب به في إيران وهو الصحافي الذي يقول الواقع ويطرح تساؤلات ومطالب الشعب من المسؤولين وينقل رسائل المسؤولين إلى الشعب. نتيجة لذلك تعاني الصحف من الضعف والخمول وتخفق في بلوغ الأهداف على حد تعبيره.
من جانبها تقول رئيس تحرير وكالة «إيلنا» فاطمة مهدياني في تصريح لصحيفة «إيران»: إن تعرض الصحافيين للمشكلات النقابية والمعيشية يعرض استقلاليتهم للخطر وفي إشارة إلى الهواجس الأساسية للصحافيين في فقدان الأمن الوظيفي، تنتقد الازدواجية في تعامل الأجهزة الأمنية مع الصحافيين وتقول: إن الأجهزة الأمنية تستهدف صحافيين ينتمون لتيار سياسي بعينه في حال يتمتع صحافيو التيار المقابل بالحصانة.
من جهته، يوجه أستاذ الإعلام في جامعة طهران جلال خوش جهره في تصريح لصحيفة «قانون»، الاتهام إلى وسائل الإعلام واتجاهاتها السياسية التي تحول الصحافي إلى أداة بيد الأحزاب لكي يحافظ على لقمة العيش. من جهة ثانية يقف عند معاناة الصحافيين المستقلين وكيف أن من يفتقرون للخبرة يتقدمون على حساب صحافيين يرفضون التنازل للانتماءات الحزبية.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.