تناول السكريات واعتلال المزاج

يؤثر على الخلايا العصبية مسبباً الكآبة

تناول السكريات واعتلال المزاج
TT

تناول السكريات واعتلال المزاج

تناول السكريات واعتلال المزاج

لا شك أن العنوان يبدو نوعاً من أنواع الدعابة، ولكن الحقيقة أن الأمر ليس كذلك، بل قد تكون مجرد فكرة تناول السكريات مستقبلاً أمراً يحتاج إلى التفكير في مخاطره الصحية بالغة الخطورة.
وبطبيعة الحال لا يعني ذلك أن مجرد تناولنا السكر يؤدي إلى الجنون أو ما شابه، خصوصاً أن جميع البشر يشتركون في تناول السكريات، ولكنها يمكن أن تؤدي إلى اعتلال المزاج خلافاً للاعتقاد الجمعي في العالم كله بأنها تحسن المزاج، رغم أخطارها المعروفة. وقد كانت تعتبر دائماً علاجاً للاكتئاب، بل إنها كانت وما زالت تمثل نوعاً من المكافأة للأطفال لمذاقها الطيب ودورها في تحسين الحالة المزاجية لهم.

السكريات والاكتئاب

وجاءت هذه المعلومات الخطيرة الأخيرة نتيجة أحدث دراسة تناولت مخاطر الإفراط في تناول السكريات، ونشرت أخيراً في مجلة «Scientific Reports»، وأشارت إلى أن تناول السكريات بشكل مبالغ فيه يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب.
الدراسة التي قام بها علماء من جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن بالمملكة المتحدة تعتبر تجميعاً لنتائج كثير من الدراسات المتفرقة حول الموضوع نفسه من بلدان مختلفة بالشكل الذي يضع النتائج في نطاق العمومية. وكان هؤلاء العلماء قد خلصوا إلى هذه النتائج المثيرة بعد فحصهم بيانات كثير من المصابين بالاكتئاب. وأشارت إلى أنهم أصيبوا بالاكتئاب بعد تناولهم كميات كبيرة من السكريات وليس العكس، بمعنى أن الاكتئاب لم يدفعهم لتناول السكريات حسب الاعتقاد القديم.
وأوضح العلماء أن معظم الأبحاث في الماضي ركزت على الأعراض الجانبية لتناول السكريات، ولكن لم يكن هناك ما يوضح الرابط بين تناول جزيء صغير مثل السكريات وحدوث خلل في المخ يؤدي إلى اعتلال المزاج. وأبرز مثال على ذلك دراسة سابقة تم إجراؤها في عام 2002 تناولت استهلاك الفرد من السكريات في 6 دول، وهي كندا فرنسا وألمانيا وكوريا ونيوزيلندا والولايات المتحدة، وأوضحت أن السكر يلعب دوراً مهماً في الإصابة بالاكتئاب.
ومن خلال الفحص تبين أن المراهقين وصغار السن الذين يتناولون اللحوم المحفوظة والكربوهيدرات مثل المعكرونة والبيتزا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، كما وجدوا النسبة نفسها في النساء الأميركيات البالغات اللائي يتناولن السكريات بإفراط.
كما وجدت الدراسة البيانات التي تشير إلى أن تناول المشروبات المختلفة دون سكر يقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب، خصوصاً أن السكر الأبيض أو البني يعتبر من السكريات البسيطة التي تسبب مخاطر زيادة نسبة الغلوكوز في الدم، وذلك لأن الجسم يقوم عبر كثير من عمليات التمثيل الغذائي بتحويل السكريات المركبة مثل الخبز والأرز والمعكرونة، إلى سكريات بسيطة، وبالتالي لا يحتاج الجسم الكميات الإضافية من السكر البسيط، سواء في الطعام مثل الحلوى أو المشروبات، خصوصاً المياه الغازية.
والمفروض ألا تزيد كمية السكر التي يتناولها الأفراد عن 6 ملاعق للإناث و9 ملاعق للذكور، ويكفي أن نعرف أن ثمرة واحدة من الموز تحتوي على ما يساوي 3 ملاعق من السكريات.

تأثر الخلايا العصبية

ومن المعروف أن الخلايا العصبية (Neurons) شديدة الحساسية من ارتفاع مستويات الغلوكوز في الدم، حتى إن مرضى السكري في خطر دائم من الإصابة بالتهابات الأعصاب وحدوث خلل في الجهاز العصبي. والغريب أن هذا التلف حدث حتى في حالة الخلايا العصبية التي تتم زراعتها في المختبرات الطبية، بعد أن تحدث لها التهابات عند تعرضها لمستويات مرتفعة من الغلوكوز.
وهذا الأمر دعا العلماء إلى الربط بين الإفراط في تناول السكريات والإصابة بمرض ألزهايمر نظراً لدوره الكبير في التأثير على الجهاز العصبي، كما أنه يؤثر على القدرات الإدراكية للأطفال في مرحلة التكوين، وهو ما أكدته إحدى الدراسات على الفئران، حيث فقدت الفئران القدرة على التعرف على الأماكن بعد تناولها كميات كبيرة من السكريات لمدة 5 أيام متتالية فقط، وذلك بعد حدوث التهابات بالمخ للفئران. ويعتبر ذلك أمراً شديد الخطورة حتى في حالة حدوثه بشكل مؤقت
وعلى الرغم من أن العلماء لم يستطيعوا حتى الآن التعرف على الآلية التي يقوم فيها السكر بإتلاف الخلايا العصبية وخلايا المخ، فإنهم أشاروا إلى كثير من النصائح التي يمكن بها تجنب أخطار الإصابة بتلك المضاعفات، مثل محاولة الحد من تناول السكريات بشكل كبير، خصوصاً أنه حتى الأطعمة التي تعتبر صحية مثل زبادي الفاكهة قد تحتوي على نسب من السكريات، بل إن بعض الأطعمة التي لا تحمل مذاقاً سكرياً على الإطلاق، ويعتقد الجميع أنها خالية من السكريات مثل صلصة المعكرونة المحفوظة والكاتشب واسع الاستخدام في أوساط المراهقين توجد بها نسب ضئيلة من السكريات. ونصحت الدراسة بتناول المواد الغذائية التي تحتوي على مركبات أوميغا 3 والأحماض الدهنية والمعادن التي تزيد من كفاءة المخ.
وأوضح الباحثون أن الشركات المصنعة للطعام يجب أن تتحرى الأمانة العلمية، وأن تقوم بكتابة مكونات كل منتج بخط واضح وفي مكان واضح حتى يتسنى للآباء والمراهقين قراءته، ويجب أيضاً أن تلتزم الشركات المعلنة والمسؤولة عن الدعاية بالصدق، إذ إن كثيراً من الأطعمة يتم تسويقها على أنها خالية تماماً من السكريات، والحقيقة خلافاً لذلك، مثل الزبادي الخاص بالأطفال والمطعم بمذاق الفاكهة، حيث أشارت دراسة أميركية سابقة إلى أن 40 في المائة من هذه المنتجات تحتوي على سكريات تمثل الحد الأقصى المسموح به للطفل يومياً، بمعنى أن الطفل بمجرد تناوله الزبادي يصبح كل ما يتناوله من سكريات سواء بسيطة أو مركبة زائداً عن حاجته.
* استشاري طب الأطفال



بروتوكول طبي جديد لعلاج سرطان الدم لدى الأطفال

بروتوكول طبي جديد لعلاج سرطان الدم لدى الأطفال
TT

بروتوكول طبي جديد لعلاج سرطان الدم لدى الأطفال

بروتوكول طبي جديد لعلاج سرطان الدم لدى الأطفال

من المعروف أن مرض سرطان الدم الليمفاوي الحاد «اللوكيميا» (acute lymphoblastic leukemia) يُعد من أشهر الأورام السرطانية التي تصيب الأطفال على الإطلاق. وعلى الرغم من أن نسبة الشفاء في المرض كبيرة جداً وتصل إلى نسبة 85 في المائة من مجموع الأطفال المصابين، فإن خطر الانتكاس مرة أخرى يعد من أكبر المضاعفات التي يمكن أن تحدث. ولذلك لا تتوقف التجارب للبحث عن طرق جديدة للحد من الانتكاس ورفع نسب الشفاء.

تجربة سريرية جديدة

أحدث تجربة سريرية أُجريت على 1440 طفلاً من المصابين بالمرض في 4 دول من العالم الأول (كندا، والولايات المتحدة، وأستراليا ونيوزيلندا) أظهرت تحسناً كبيراً في معدلات الشفاء، بعد إضافة العلاج المناعي إلى العلاج الكيميائي، ما يتيح أملاً جديداً للأطفال الذين تم تشخيصهم حديثاً بسرطان الدم. والمعروف أن العلاج الكيميائي يُعدُّ العلاج الأساسي للمرض حتى الآن.

علاجان مناعي وكيميائي

التجربة التي قام بها علماء من مستشفى الأطفال المرضى (SickKids) بتورونتو في كندا، بالتعاون مع أطباء من مستشفى سياتل بالولايات المتحدة، ونُشرت نتائجها في «مجلة نيو إنغلاند الطبية» (New England Journal of Medicine) في مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الحالي، اعتمدت على دمج العلاج الكيميائي القياسي مع عقار «بليناتوموماب» (blinatumomab)، وهو علاج مناعي يستخدم بالفعل في علاج الأطفال المصابين ببعض أنواع السرطانات. وهذا يعني تغيير بروتوكول العلاج في محاولة لمعرفة أفضل طريقة يمكن بها منع الانتكاس، أو تقليل نسب حدوثه إلى الحد الأدنى.

تحسُّن الحالات

قال الباحثون إن هذا الدمج أظهر تحسناً كبيراً في معدلات الفترة التي يقضيها الطفل من دون مشاكل طبية، والحياة بشكل طبيعي تقريباً. وأثبتت هذه الطريقة تفوقاً على البروتوكول السابق، في التعامل مع المرض الذي كان عن طريق العلاج الكيميائي فقط، مع استخدام الكورتيزون.

وللعلم فإن بروتوكول العلاج الكيميائي كان يتم بناءً على تحليل وراثي خاص لخلايا سرطان الدم لكل طفل، لانتقاء الأدوية الأكثر فاعلية لكل حالة على حدة. ويحتوي البروتوكول الطبي عادة على مجموعة من القواعد الإرشادية للأطباء والمختصين.

تقليل حالات الانتكاس

أظهرت الدراسة أنه بعد 3 سنوات من تجربة الطريقة الجديدة، ارتفع معدل البقاء على قيد الحياة من دون مرض إلى 97.5 في المائة (نسبة شفاء شبه تامة لجميع المصابين) مقارنة بنسبة 90 في المائة فقط مع العلاج الكيميائي وحده. كما حدث أيضاً انخفاض في نسبة حدوث انتكاسة للمرضى بنسبة 61 في المائة. وبالنسبة للأطفال الأكثر عرضة للانتكاس نتيجة لضعف المناعة، أدى تلقي عقار «بليناتوموماب» بالإضافة إلى العلاج الكيميائي، إلى رفع معدل البقاء على قيد الحياة من دون مرض، من 85 في المائة إلى أكثر من 94 في المائة.

علاج يدرب جهاز المناعة

وأوضح الباحثون أن العلاج المناعي يختلف عن العلاج الكيميائي في الطريقة التي يحارب بها السرطان؛ حيث يهدف العلاج المناعي إلى تعليم الجهاز المناعي للجسم الدفاع عن نفسه، عن طريق استهداف الخلايا السرطانية، على عكس العلاج الكيميائي الذي يقتل الخلايا السرطانية الموجودة فقط بشكل مباشر، وحينما تحدث انتكاسة بعده يحتاج الطفل إلى جرعات جديدة.

كما أن الأعراض الجانبية للعلاج المناعي أيضاً تكون أخف وطأة من العلاج الكيميائي والكورتيزون. وفي الأغلب تكون أعراض العلاج المناعي: الإسهال، وتقرحات الفم، وحدوث زيادة في الوزن، والشعور بآلام الظهر أو المفاصل أو العضلات، وحدوث تورم في الذراعين أو القدمين، بجانب ألم في موقع الحقن.

وقال الباحثون إنهم بصدد إجراء مزيد من التجارب لتقليل نسبة العلاج الكيميائي إلى الحد الأدنى، تجنباً للمضاعفات. وتبعاً لنتائج الدراسة من المتوقع أن يكون البروتوكول الجديد هو العلاج الأساسي في المستقبل؛ خاصة بعد نجاحه الكبير في منع الانتكاس.