شاورما وفول بنكهة دمشقية في مدينة إدلب السورية

صاحب المطعم منهمك مع ستة موظفين في إعداد سيخ الشاورما (أ.ف.ب)
صاحب المطعم منهمك مع ستة موظفين في إعداد سيخ الشاورما (أ.ف.ب)
TT

شاورما وفول بنكهة دمشقية في مدينة إدلب السورية

صاحب المطعم منهمك مع ستة موظفين في إعداد سيخ الشاورما (أ.ف.ب)
صاحب المطعم منهمك مع ستة موظفين في إعداد سيخ الشاورما (أ.ف.ب)

يحاول العديد من النازحين إلى إدلب (شمال غرب) التأقلم مع ظروفهم الجديدة من خلال افتتاح محال ومطاعم صغيرة مثل مطعم افتتحه أحد النازحين من ريف دمشق تحول إلى مقصد لكل من يرغب في لقاء أبناء «البلد» وتذكّر نكهة الشام.
وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية أسس عبد الرحيم مطعماً سماه «سلطان داريا» في شارع مزدحم في مدينة إدلب التي وصلها منذ إجلائه مع آلاف آخرين من ريف دمشق. وعلى بعد أمتار من مطعم عبد الرحيم، يمكن قراءة لافتات عدة تحمل أسماء بلدات في ريف دمشق، على غرار «سوبرماركت مضايا» أو مطعم «عباد الرحمن للمأكولات الشامية».
داخل مطعمه المؤلف من واجهتين، ينهمك عبد الرحيم أبو العز (24 عاما) مع ستة موظفين في غسل الدجاج وتقطيعه وإعداد سيخ الشاورما قبل تثبيته في مكانه. أمام المطعم، يقلب أحد العمال الفراريج أثناء شيها وبالقرب منه أكياس بطاطا وضعت على الرصيف.
وكان هذا الشاب الذي ترك مقاعد جامعته بعد اندلاع النزاع في سوريا وانضم إلى الفصائل المعارضة في مسقط رأسه داريا قرب دمشق، في عداد الآلاف من سكان المدينة الذين تم إجلاؤهم منها في أغسطس (آب) الماضي إلى محافظة إدلب التي تسيطر عليها فصائل جهادية وإسلامية.
ويقول عبد الرحيم الذي افتتح مطعمه قبل نحو شهرين «منذ أن أتينا إلى هنا كانت فكرة افتتاح مطعم تراودني، لكنني انتظرت قليلاً حتى استقرت الأمور واعتدنا قليلاً على الوضع بعد النزوح». ويضيف «تعرفنا هنا على شباب ساعدونا... ونعمل حالياً في المطعم سبعة أشخاص، خمسة من داريا وآخر من الغوطة الشرقية وآخر من حمص».
ورغم وجود الكثير من المطاعم التي تقدم أصنافاً كثيرة من الوجبات، يقول عبد الرحيم إن لأطباقه نكهة مختلفة كونه يشرف بنفسه على إعداد الصلصات بعدما اكتسب أسرار المهنة من مطعم كانت عائلته تملكه في داريا.
ويقول: «نتميز عن باقي المطاعم في إدلب بأن لقمتنا شامية، لا نحضر شيئا جاهزاً من السوق. فتتبيلة الشاورما مثلاً نعدها هنا. نحضر البهارات ونعد (الدقة) الشامية لتصبح نكهة الشاورما شامية». ويتابع: «حتى الفروج المشوي نضيف له الصلصة الشامية وهي عبارة عن كوكتيل لا أحد يعرفه هنا».
ويصدح صوت أبو علي (25 عاماً) أثناء تقطيعه الدجاج، وهو يغني للشام التي هُجر منها، ويردد خلفه زملاؤه بعض المقاطع على مسمع الزبائن الذين يبتسمون.
وبات مطعم «سلطان داريا» مقصدا الكثيرين ممن تم إجلاؤهم إلى إدلب. ويقول عبد الرحيم «النسبة الأكبر هم من أهل مضايا والزبداني وداريا ومعضمية الشام» الساعين إلى تذوق «اللقمة الشامية».
ومنذ العام 2015. تحولت إدلب وجهة لعشرات آلاف المقاتلين والمدنيين الذين تم إجلاؤهم من مناطق كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة، بموجب اتفاقات بين الحكومة والفصائل تقدمها دمشق على أنها «مصالحات وطنية»، فيما تعتبرها المعارضة «تهجيرا قسريا».
ويقصد أبو حمدان (50 عاماً) مطعم «سلطان داريا» لـ«تذكر رائحة الشام فقط». ويقول الرجل المقيم حاليا في بلدة أطمة على الحدود السورية التركية حيث يعمل في تجارة الموبيليا «مجيئنا إلى هذه المطاعم يذكرنا بداريا وبأبنائها وطعامها. التهجير باختصار كما لو أنك تسحب الروح من الجسد».
ويقول النجار أبو عماد (50 عاماً) الذي يقصد أيضا المطعم بشكل دوري، «أذهب إلى إدلب في كل مرة أريد شراء بضاعة، نمر على المقربين منا من أولاد البلد».
ويضيف «لا أكلة مفضلة لدي هنا لكن أزورهم لنعود بالذاكرة إلى أيام خلت في داريا».
في الشارع الذي يقع فيه المطعم، شاهد مراسل الصحافة الفرنسية أكثر من عشرة مطاعم ومحال يملكها نازحون معظمهم من ريف دمشق. بين هؤلاء الشاب محمد نوح (22 عاما) الذي افتتح قبل شهرين مطعم «عباد الرحمن داريا للمأكولات الشامية» المتخصص في تقديم الفلافل والفول والحمص.
ويقول محمد «تجمعنا في هذا الشارع كان مصادفة وأغلبيتنا لا نعرف بعضنا».
في المطعم، يتقاسم محمد العمل مع ثلاثة موظفين. يعمل أحدهم على تقطيع البندورة والبقدونس، وينهمك آخر في قلي الفلافل ويعد ثالث الفول والمسبحة.
ولم يكن افتتاح المحل مهمة سهلة على محمد بعدما وجد نفسه كما كثيرين أمام التزامات كثيرة. ويقول: «حاولت الاستدانة حتى أعمل وأعيش والحمد لله أعطانا الله وصار عندي المحل بعد تعب طويل».
ويفخر الشاب بالخبرة التي يملكها قائلا: «عندما كنت في العاشرة من عمري، كان لوالدي مطعم في داريا وعملت وإخوتي معه وتعلمت المصلحة منه... أعتمد طريقة التحضير ذاتها».
وعلى غرار «سلطان داريا»، يجذب المطعم زبائن متحدرين من ريف دمشق. ويقول محمد «هناك الكثير من المطاعم هنا، لكن طريقة الشام تختلف عن إدلب في كل شيء»، موضحاً «يحب أهل إدلب الفلفل الحار كثيراً ويضعونه في كل شيء، وهذا يفسد الطعم».
ويتابع: «نحن نعرفهم على طرق جديدة ليحسوا بنكهة الطبق ومكوناته».
بين الزبائن الدائمين لدى محمد، جاره أبو مختار (48 عاماً) الذي يملك مع شركاء له من مدينة مضايا «سوبرماركت مضايا». ويقول أبو مختار «نحن أهل الشام معروفون بحبنا للقمة الطيبة». ويضيف في إشارة إلى التضامن بين النازحين في ريف دمشق، «اتفقنا مع المحال المجاورة التي يملكها مهجرون أن نتبادل الشراء والبيع من أجل المنفعة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».