المعارضة السورية تنتظر تحسين شروط التهدئة في ريف حمص

النظام يستغل اقتتال الفصائل في الغوطة لتصعيد حملته العسكرية

بعد غارة على كفربطنا في غوطة دمشق أمس (مركز الغوطة الإعلامي)
بعد غارة على كفربطنا في غوطة دمشق أمس (مركز الغوطة الإعلامي)
TT

المعارضة السورية تنتظر تحسين شروط التهدئة في ريف حمص

بعد غارة على كفربطنا في غوطة دمشق أمس (مركز الغوطة الإعلامي)
بعد غارة على كفربطنا في غوطة دمشق أمس (مركز الغوطة الإعلامي)

أكد الوفد المكلف بعملية التفاوض مع موسكو في ريف حمص أن الأخيرة وافقت على إسقاط اتفاق الهدنة الذي تم توقيعه في القاهرة في الثالث من الشهر الحالي، وصياغة مشروع اتفاق آخر يقوم على شروط جديدة للهدنة، تلغي كل أدوار الوسطاء في الخارج، وتدفع بملف المعتقلين إلى الواجهة. وأشار الوفد إلى أن المفاوض الروسي أبدى استعداده للتعامل بإيجابية مع طرح دمج ملفات الهدن الموقعة في الغوطة الشرقية ودرعا وريف حمص في ملف تفاوضي واحد، وإن كان ذلك لم ينعكس بعد فعلياً على الأرض، بحيث كثّف النظام السوري، يوم أمس، حملته العسكرية على الغوطة، في ظل استمرار الاقتتال بين فصائل المعارضة هناك.
وقال مصدر واكب عملية التفاوض المستمرة بين موسكو وقوى المعارضة في ريف حمص إن «اجتماعاً عُقد قرب معبر الدار الكبيرة، بريف حمص الشمالي، بين وفد من المنطقة ضم 6 أشخاص مثلوا (جيش التوحيد) وفصائل تلبيسة وحركة (أحرار الشام) ووفد روسي برئاسة ضابط رفيع، انتهى إلى موافقة موسكو على اعتبار اتفاق القاهرة لاغياً وقديماً، والتفاهم على صياغة اتفاق بشروط جديدة تضمن التركيز على بند المعتقلين، بحيث وعد الضابط الروسي بإعداد لائحة بأسماء المعتقلين الموجودين في الفروع الأمنية تمهيداً للضغط على النظام للإفراج عنهم».
ونفى المصدر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون قد تمت المطالبة باعتماد أنقرة طرفاً ضامناً للاتفاق الجديد، لافتاً إلى أن «الطرف الضامن سيبقى روسيا، بالإضافة للفصائل الموجودة على الأرض»، مشيراً إلى «رمزية وأهمية عدم مشاركة أي ممثل عن النظام السوري في الاجتماع الذي تم في خيمة قرب معبر الدار الكبيرة».
وورد في نص البيان، الذي تم التداول به موقعاً باسم «الوفد المكلف بالتفاوض»، أن الجانب الروسي وافق على «إلغاء أدوار كل الوسطاء في الخارج، إلا من يملك تفويضاً رسمياً من الهيئة العامة الممثلة للمنطقة المحررة»، كما تطرق البند الثالث إلى طرح الوفد المفاوض فكرة دمج ملفات المناطق المحررّة في سوريا، بداية من الغوطة الشرقية ودرعا، في ملف تفاوضي واحد. وتمت الإشارة إلى أن الوفد الروسي قد أبدى استعداده لذلك، واتفق الطرفان على تحديد موعد لاحق من أجل متابعة صياغة مشروع الاتفاق الجديد وبنوده. وفي حين نوهت الهيئة العامة للتفاوض، في البيان، بأن «الجانب الروسي أرسل 12 سيارة روسية محملة ببعض المواد الإغاثية، رفضت إدخالها بسبب وجود أولويات أهم من عدة سيارات إغاثية، أولها الإفراج عن المعتقلين»، أعلن مركز حميميم الروسي للمصالحة في سوريا أن عسكرييه أوصلوا أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى مدينة الرستن، في ريف حمص الشمالي، الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة.
وأكد المركز، يوم أمس (الأربعاء)، أن قافلة من الشاحنات المحملة بالسكر والطحين والحبوب ومحفوظات اللحم دخلت المدينة التي تنتمي إلى منطقة تخفيف التصعيد الثالثة في سوريا، مضيفاً أن هذه المساعدات مخصصة لسكان المنطقة ومسلحي المعارضة وأهاليهم، وتم توزيعها عند حاجز المدينة مباشرة. إلا أن سيف الأحمد، الناشط في حمص، نفى هذه المعلومات تماماً، مؤكداً أنّه لم يُسمح لأي من هذه الشاحنات بالدخول إلى مناطق سيطرة المعارضة حتى إيفاء الجانب الروسي بتعهداته، فيما يتعلق بملف المعتقلين. وقال الأحمد، لـ«الشرق الأوسط»، إنّه «وبعدما رفضت الفصائل دخول هذه الشاحنات يوم الاثنين الماضي، تم توزيعها على القرى الموالية للنظام، القريبة من معبر الدار الكبيرة».
وفي مقابل الهدوء الذي أرسته الهدنة في ريف حمص، شهدت الغوطة الشرقية، التي من المفترض أن تكون خاضعة لهدنة مماثلة، تصعيداً عسكرياً كبيراً من قبل النظام السوري، بالتزامن مع استمرار الاقتتال بين فصائل المعارضة. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بـ«ارتكاب قوات النظام مجزرة في بلدة كفربطنا، الواقعة في غوطة دمشق الشرقية، حين تسبب قصفها للبلدة بمقتل 5 مواطنين، بعضهم احترقت جثثهم، وإصابة 10 آخرين بجراح متفاوتة الخطورة»، لافتاً إلى أن عمليات القصف طالت أيضاً مدينة دوما التي يسيطر عليها «جيش الإسلام»، ومناطق في مدينة عربين التي يسيطر عليها «فيلق الرحمن». وأوضح المرصد أن عشرات القذائف كانت قد استهدفت، يوم أمس، حي جوبر وبلدة ترما، شرق العاصمة دمشق.
وقالت مواقع مقربة من النظام إن قواته «استفادت من الاقتتال الحاصل بين فصائل المعارضة في الغوطة لمتابعة تقدمها إلى مواقع (جبهة النصرة)، بحي جوبر ومنطقة عين ترما، غير المشمولين باتفاق الهدنة»، لافتة إلى أن القوات النظامية «استعادت سيطرتها، بعد تمهيد صاروخي وجوي مكثف على القطاع الأوسط والأبنية المرتفعة في عين ترما وعدة كتل موازية لطريق زملكا - جوبر، إضافة إلى عدد من الكتل على محور دوار المناشر وجحا، في عمق حي جوبر».
واعتبر الباحث السوري أحمد أبا زيد أن «هدنة الغوطة لم تفشل لأنه بالأساس تم توقيعها من (جيش الإسلام) فقط، فتم تطبيقها في مناطق سيطرته في دوما، بينما لم يوقع (فيلق الرحمن) الاتفاقية بعد، خصوصاً بسبب وجود بقايا من (هيئة تحرير الشام) في مناطقه»، مرجحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن يكون هدف الروس السيطرة على جوبر «لتأمين المتحلق الجنوبي قبل توقيع الهدنة مع الفيلق». أما فيما يتعلق باقتتال الفصائل في الغوطة، فأوضح أبا زيد أن «الفيلق هاجم (جبهة النصرة) و(أحرار الشام) في عربين، فيما هاجم (جيش الإسلام) مواقع (النصرة) في مزارع الأشعري المحاذية له، تلا ذلك اشتباكات بين الفيلق وجيش الإسلام، مع استمرار المعركة بين فيلق الرحمن من جهة وأحرار الشام والنصرة من جهة أخرى»، وأضاف: «كما سُجل انضمام قسم من الأحرار للفيلق، فيما وجد باقي عناصر الأحرار أنفسهم في معركة مشتركة إلى جانب النصرة ضد الفيلق الذي هاجم الجهتين».
وفي موسكو، لم يصدر أي تعقيب رسمي روسي حول ما جاء في بيان «لجنة التفاوض» عن مدن وقرى وبلدات شمال حمص، غير أن وكالة «ريا نوفوستي»، نقلت عن مسؤول أمس أن المعارضة رفضت في البداية تسلم تلك المساعدات. وبعد محادثات معقدة، انتهى الأمر بدخول المساعدات، وتوزيعها في منطقة الرستن. ولم يشر أوتشينسكي إلى أي اتفاق أو مفاوضات مع «لجنة التفاوض» الممثلة لمدن وبلدات شمال حمص، لكنه قال إن الطرف الروسي ينتظر من 10 فصائل تنشط في المنطقة الالتزام بنظام التهدئة، وإعادة فتح طريق حمص - حماة الاستراتيجي، وأكد أن تلك الفصائل رفضت إجراء مفاوضات مع أي طرف إلا روسيا بشأن وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.