إحياء «مصالحة الجبل» مع الدروز يبرز الخلافات المسيحية

نائب كتائبي لـ «الشرق الأوسط» : غياب جنبلاط احتجاج على تغييبنا

TT

إحياء «مصالحة الجبل» مع الدروز يبرز الخلافات المسيحية

انشغلت الأوساط السياسية اللبنانية بمتابعة تداعيات إحياء ذكرى المصالحة الدرزية - المسيحية في جبل لبنان، التي جرت أول من أمس باحتفال حضره رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والتي أسفرت عن تظهير الخلاف بين القوتين المسيحيتين الكبريين؛ «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» مع بقية المكونات المسيحية في الجبل وفي مقدمتها حزبا «الكتائب» و«الأحرار»، اللذان غيبا عن الاحتفال، ما استدعى أيضا غياب عراب المصالحة التاريخية النائب وليد جنبلاط عن الاحتفال بداعي «عارض صحي»، كما برره، و«موقف سياسي» كما فسره بعض المعنيين بالموضوع.
وقال النائب فؤاد السعد، عضو «اللقاء الديمقراطي» الذي يرأسه جنبلاط، لـ«الشرق الأوسط» إن جنبلاط «لا يدخل في خلافات الأحزاب المسيحية؛ بل هو على مسافة واحدة من الجميع؛ مسيحياً ووطنياً، وهمّه أن تبقى المصالحة متماسكة؛ ودورنا كنواب مسيحيين يصبّ في هذه الخانة دون أن ندخل في المبارزات السياسية والانتخابية». وأضاف: «بغض النظر عن تباينات وخلافات الأحزاب المسيحية، همّنا ترسيخ (مصالحة الجبل)، وكان لنا دور أساسي في هذه المصالحة مع البطريرك التاريخي مار نصر الله بطرس صفير».
بدوره، رئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب دوري شمعون عند سؤاله عن سبب غيابه عن «مصالحة الجبل»، قال لـ«الشرق الأوسط» متسائلاً: «عن أي مصالحة يتحدثون؟ فالمصالحة حصلت في عام 2001 وبالتالي ما جرى فلكلور واستعراضات سياسية وانتخابية. غبت لأنني كنت في غداء عائلي مع أفراد عائلتي جميعاً، وهذا شيء جميل يبعدني عن تلك الهمروجة التي حصلت وحيث لا لزوم لها، فالأحزاب التي شاركت في (المصالحة) كانت محشورة سياسياً وانتخابياً وتريد أن تكسب شعبية سياسية وانتخابية، فاخترعوا المصالحة الثانية على هذا الأساس». وتابع بقوله إن «الأمور في الجبل بخير ولا توجد ضربة كفّ»، وقال إن الأوضاع تسير على خير ما يرام بين المسيحيين والدروز وكل الطوائف والمذاهب، مشددا: «لذلك لا أريد أن أشارك في هذه العملية الاستعراضية».
أما عضو كتلة حزب «الكتائب» النائب فادي الهبر، فلفت إلى أن حزب «القوات اللبنانية» يقوم بدور إلغائي لحزب تاريخي هو «الكتائب اللبنانية»، «لكن (الكتائب) حاضرة وموجودة بقوة، وهي التي بنت مع النائب وليد جنبلاط (مصالحة الجبل)». وتابع في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قوله: «نذكّر من خانتهم الذاكرة كيف كنّا نتواصل في تلك المرحلة مع أمين السرّ العام الراحل في الحزب التقدمي الاشتراكي المقدم شريف فياض، ومن ثم عقدنا سلسلة لقاءات مع النائب وليد جنبلاط، وكانت الحصيلة مؤتمر بيت الدين بمشاركة حزبي (الكتائب) و(التقدمي الاشتراكي)، وحضر آنذاك رئيس الحزب الدكتور جورج سعادة، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، إلى لقاء المختارة الذي جمع الرئيس الشيخ أمين الجميل مع النائب جنبلاط من خلال الوثيقة التاريخية الموقعة بين والديهما الراحلين الشيخ بيار وكمال بيك. لذا ما يقوم به عضو كتلة (القوات) النائب جورج عدوان هو محاولة إلغائية وخطابات لا تسمن ولا تغني، وليس بإمكانهم إلغاء حزب (الكتائب)».
وأشار النائب الهبر إلى أن غياب النائب وليد جنبلاط عن حضور هذه المصالحة «أتى على خلفية تغييب (الكتائب) وحزب الوطنيين الأحرار والقوى الأخرى عن اللقاء، لأنه رجل حواري وعلى مسافة من كل القوى المسيحية والوطنية ولا يريد تجاهل أي طرف».
وعدّ الهبر أن ما حصل أول من أمس «مهزلة ما بعدها مهزلة من قبل (القوات اللبنانية) وبعض الاستعراضات والأفلام التي يراد منها الكسب الانتخابي غير المجدي في هذه المرحلة التي تحتاج إلى الوحدة على الساحتين المسيحية والوطنية، بعيداً عن الأدوار الإلغائية والتفتيش عن مواقع ومكاسب فئوية وآنية».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».