تعليمات حكومية للإعلام الإيراني حول تغطية «يمين» روحاني

لم تجد وكالات الأنباء الحكومية الإيرانية حرجاً من إصدار تعليمات عاجلة للصحف تطالبها بالدقة في تغطية مراسم أداء اليمين الدستورية للرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي جرى أول من أمس في مقر البرلمان، خشية من تحول التغطية إلى مادة إعلامية دسمة لوسائل الإعلام الأجنبية، فيما تناولت الصحف الإيرانية الحدث بحسب اتجاهات السياسة، وبينما اتجهت الصحف الموالية للحكومة إلى الإشادة بروحاني وفريقه وتسليط الضوء على أبرز ما جاء في حفل تتويج روحاني بالولاية الثانية، استقبلت الصحف المحافظة بداية حكومة روحاني الثانية بعناوين لا تخلو من انتقادات ضمنية وترقب حول أداء حكومة روحاني الثانية، وأنها حافظت على وجودها في تسجيل الحدث رغم معارضتها سياسات الرئيس الإيراني.
وخصصت صحيفة «شرق» الإيرانية صفحتها الأولى لتقرير حول مراسم اليمين الدستورية لروحاني مع صورة من لحظة أدائه اليمين، واختارت الصحيفة أن تكون افتتاحية العدد بقلم المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي لتوضيح اتجاه إدارة روحاني لوضع السياسة الخارجية ضمن أولوياتها خلال السنوات الأربع المقبلة.
لكن أغلب الصحف الإصلاحية اتخذت طابع صحافة السبعينات من القرن الماضي، بنشرها صورة على النصف الأول من الصحيفة مع كلام منشور في داخل الصورة. واقتبست صحيفة «اعتماد» في عنوانها الرئيسي من خطاب روحاني التسمية المفضلة لإدارته الثانية «الحكومة المعتدلة والمصلحة». وخصصت النصف الثاني من الصفحة الأولى لـ4 مقالات حول اتجاهات الحكومة الجديدة. واختارت أن تكون المضامين المشتركة بين خطاب المرشد الإيراني علي خامنئي وروحاني في يوم المصادقة على حكم الرئيس وأداء اليمين.
أما صحيفة «إيران» الناطقة باسم الحكومة، فدمجت صورتين على الصفحة الأولى، في الأعلى كانت روحاني، والثانية صورة جماعية مع الوفود الأجنبية التي حضرت مراسم أداء القسم. وفصلت بين الصورتين جملة «الحرية، والأمن والهدوء والتقدم»، في إشارة إلى الوعود الأساسية التي أطلقها روحاني في خطاب اليمين الدستورية.
الصحف الإصلاحية الأخرى مثل «آفتاب يزد وشهروند وابتكار ووقايع اتفاقية وقانون» خرجت بصفحات أولى مشابهة وعناوين عاطفية اقتبستها من خطاب روحاني. لكن صحيفة «آرمان» ذكرت في عنوانها الرئيسي أن مستقبل ائتلاف الإصلاحيين والمعتدل مرهون بالتشكيلة الحكومية التي من المفترض أن يقدمها روحاني الثلاثاء.
في المقابل، اختارت الصحف المنتقدة لروحاني عناوين هادئة تتضمن انتقادات وترقباً حول وعود روحاني التي أطلقها في البرلمان. وقالت صحيفة «جوان» المنبر الإعلامي للحرس الثوري الإيراني في عنوانها الرئيسي تحت صورة روحاني: «يمين جديدة لحل مشكلات الناس»، كما اختارت وعوده بمواجهة إجراءات الإدارة الأميركية في عناوينها الفرعية. بدورها، واصلت صحيفة «كيهان» الرسمية مواجهة روحاني، وقالت في عنوانها الرئيسي إن روحاني أزاح عن مشروع «أم المفاوضات» بدلاً من مواجهة «أم العقوبات». كما انتقدت الصحيفة الصورة التذكارية لنواب البرلمان مع منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، وكتبت: «موغيريني تدعم أم العقوبات ونواب البرلمان يلتقطون صوراً تذكارية معها».
كذلك انتقدت «كيهان» قرار الحكومة إعلان عطلة رسمية في طهران بسبب رفع التأهب الأمني. وقالت إن قرار الحكومة كلف خزائنها 8 مليارات تومان.
وفي الاتجاه نفسه، اختارت صحيفة «وطن أمروز» المتشددة عنواناً هادئاً على خلاف اتجاهها في انتقاد الحكومة، لكنها خصصت النصف الثاني في الصفحة الأولى لانتقاد العقوبات الأميركية والوضع الاقتصادي في البلد.
من جانب آخر، اكتفت صحيفة «همشهري» التابعة لبلد طهران ومنافس روحاني المحافظ في الانتخابات الأخيرة محمد باقر قاليباف بصورة جماعية للوفود الأجانب يتوسطهم الرئيس الإيراني.
لكن صحيفة «قدس» التي يرأسها منافس روحاني الآخر، المدعي العام إبراهيم رئيسي بدأت مباركة دورة روحاني الثانية بعنوان يهاجم وزير الصحة الإيراني وسياسات الحكومة الصحية، رغم إشارتها إلى أداء اليمين الدستورية وصورة رئيس القضاء مع روحاني.

حملة حكومية للتأثير
على وسائل الإعلام
وسبقت الحكومة تغطية الصحف بإطلاق حملة بهدف التأثير على وسائل الإعلام في تغطية الحدث، ورافق تلك التعلیمات تحذیر للصحف من خسارة ثقة الشعب. ونشرت وكالة «إيسنا» التابعة لفريق الإدارة الحالية، تعليمات في محاولة التأثير على تغطية الصحف ووسائل الإعلام الداخلية خصوصاً المنتقدة لحكومة روحاني، في ظل حصول 131 صحافياً أجنبياً من 29 دولة على تأثير دخول البلاد ورخصة تغطية الحدث الكبير في إيران، وذلك في مؤشر على قلق الحكومة من تعرضها لحملة انتقادات واستمرار الضغوط على روحاني في بداية مهمة حكومته الثانية.
ولجأت الوكالة في هذا الإطار إلى أساتذة كليات الإعلام في طهران لشرح ما ينبغي على وسائل الإعلام تغطيته أو تجنبه في أداء اليمين الدستورية لحسن روحاني. وبحسب أستاذ العلاقات العامة في جامعة طهران علي غرانماية، فإن أحد كبار رجال الدولة يقيم اجتماعاً خاصاً مع الصحافيين الأجانب بهدف التنسيق وشرح السياسة الإعلامية الإيرانية. لكنه بالوقت نفسه يقر بصعوبة فرض الرقابة على وسائل الإعلام الأجنبية، لأنها وسائل إعلام حرة وليست تابعة لإيران، على حد تعبيره.
وكشفت حملة الوكالة مخاوف إيرانية من قضايا هامشية قد تحدث في البرلمان لا تمر مرور الكرام على عدسات وسائل الإعلام الأجنبية والصحافيين.
وبحسب الأستاذ الجامعي، فإن الأداء السيئ لوسائل الإعلام الداخلية يلحق أضراراً اجتماعية مثل الأمل بالمستقبل والثقة بين أفراد المجتمع بالحكومة. وعن التأثير النفسي الذي تركته وسائل الإعلام على البلد يقول إن أداء اليمين ترك آثاره على ارتفاع سعر العملات الأجنبية وغلاء السكن بين 15 و20 في المائة في طهران، إضافة إلى ارتفاع سعر السلع الغذائية بين 15 إلى 25 في المائة، وفق إحصائية البنك المركزي الإيراني. انطلاقاً من ذلك، يحذر الأستاذ الإيراني التيارات السياسية من تبعات تحريك الدعاية السياسية ضد المنافسين والضغوط التي يتركها على الشارع، ويرى أن «التيارات السياسية بسبب مصالحها تتجاهل أصل الوحدة والمصالح القومية ويتجهون للدعاية السياسية وممارسة الضغط ضد التيار الآخر أو الحكومة عبر وسائل الإعلام».
وتعليقاً على ما نشرته وسائل إعلام من تسريبات حول فساد المسؤولين، قال إنه لا يعارض التسريبات الصحافية التي تفضح فساد المسؤولين، لكنه تجهيز الرأي العام لنشر المعلومات.
ويلخص أستاذ الإعلام الإيراني أن الضغوط التي تمارسها وسائل الإعلام الإيرانية ترمي بثقلها على كاهل المواطن الإيراني، مضيفاً أن الدعاية السياسية من أسباب الضغط النفسي وخيبة الأمل بين الإيرانيين.
ومن جانب آخر، يشير غرانماية إلى فشل الفريق الإعلامي للرئيس الإيراني في إدارة الرأي العام والصحافة الإيرانية، ويقول إنه قدم أداء ضعيفاً خلال السنوات الأربع الماضية، وهي انتقادات مشابهة تعرض لها فريق روحاني من قبل خبراء وإعلاميين موالين للحكومة.
وتشير أحدث إحصائية معلنة من مساعد وزير الثقافة في شؤون الصحافة حسين انتظامي إلى أن 200 صحيفة في إيران لا تنشر سوى 900 ألف نسخة يومياً في بلد يتجاوز 80 مليون نسمة.
في الاتجاه نفسه، أجرت الوكالة مقابلة مع أستاذ الإعلام في جامعة طهران حميد شكري خانقاه حول اتجاهات الصحف الإيرانية في تغطية اليمين الدستورية والمناسبات الحساسة. وطالب وسائل الإعلام بالابتعاد عن الانقسامات السياسية والثأر الحزبي في تغطية بدء أعمال الحكومة تحت قبة البرلمان.