تلاشي الاهتمام بالعلوم الإنسانية يثير قلق الجامعات

مسؤول بجامعة ستانفورد: لدينا 11 قسما تبحث عن طلاب

تلاشي الاهتمام بالعلوم الإنسانية يثير قلق الجامعات
TT

تلاشي الاهتمام بالعلوم الإنسانية يثير قلق الجامعات

تلاشي الاهتمام بالعلوم الإنسانية يثير قلق الجامعات

في الحرم الجامعي المترامي الأطراف بجامعة ستانفورد الأميركية، حيث تصل إلى ساحات الكلية الرائعة عبر الطريق الطويل المتسم بوجود صفوف النخيل على جانبيه، تجد الأساتذة الجامعيين في مجال العلوم الإنسانية يقدمون المنح الدراسية الهامة في مجالي الأدب الفرنسي في عصر النهضة وفلسفة اللغة.
يقدم الأساتذة مكافآت كبيرة وسط بيئة رائعة، مع توافر وإتاحة الوصول لأحدث التقنيات المتطورة والطرق الحديثة للمنح الدراسية. بيد أن الشيء الوحيد الذي ينقصهم هو عدم وجود الطلاب.. إذ إن نحو 45 في المائة من أعضاء هيئة التدريس الإجمالية بجامعة ستانفورد هم في مجموعات مختصة في مجال العلوم الإنسانية، في حين أن نسبة الطلاب تبلغ 15 في المائة فقط.
وفي ضوء اشتهار جامعة ستانفورد بالتكنولوجيا وذيوع صيتها في هذا المجال، فلا غرابة أن تكون علوم الكومبيوتر من أشهر التخصصات بالجامعة، ولم يعد أي برنامج من برامج مجال العلوم الإنسانية يحتل أي ترتيب بين أعلى خمسة تخصصات. لكن في ظل حالة التراجع التي ساعدت على تحويل الكلية، من خلال وجهة النظر الشائعة، إلى أداة مستخدمة بشكل كبير للإعداد من أجل الحصول على وظيفة، ينتاب المسؤولون الإداريون القلق حيال هذا الأمر.
ويقول العميد ريتشارد شو، المسؤول عن شؤون الالتحاق والمساعدات المالية بجامعة ستانفورد: «لدينا 11 قسما من أقسام العلوم الإنسانية الفريدة من نوعها، ونريد توفير الدعم لهذه الكلية».
إن الخوف من أفول نجم العلوم الإنسانية بسبب فروع العلوم الأخرى يتجاوز حدود جامعة ستانفورد.
ففي بعض الجامعات الحكومية، عندما يتضاءل التمويل، ينخفض الاهتمام بالعلوم الإنسانية تدريجيا. فعلى سبيل المثال، أعلنت جامعة أدنبره في بنسلفانيا في شهر سبتمبر (أيلول) أنها بدأت في إيقاف برامج التعليم في اللغات الألمانية والفلسفة واللغات العالمية والحضارة؛ لأنها كانت تضم عددا ضئيلا من الطلبة.
وبالنسبة لجامعات الصفوة، تسود هذه الأقسام حالة من الأمان لكنها مشوبة بالحذر. وقد كشف تقرير صادر مؤخرا أن جامعة هارفارد شهدت انخفاضا بنسبة 20 في المائة في تخصصات العلوم الإنسانية على مدار العقد المنصرم، وانتهى الحال بمعظم الطلاب، الذين أعربوا عن رغبتهم في دراسة أحد التخصصات بمجال العلوم الإنسانية، إلى التحويل إلى أقسام أخرى. ولذلك، تسعى الجامعة إلى وضع خطة مجددا لإعادة تطوير منهاج الدراسة للسنة الأولى في العلوم الإنسانية لمؤازرة الطلاب وتعزيز اهتماماتهم.
وفي محاولة لجلب وقيد المزيد من الطلاب في مجال العلوم الإنسانية، تقدم جامعة برنستون برنامجا لطلاب المدارس الثانوية الشغوفين بدارسة العلوم الإنسانية، وهي نفس الفكرة التي تبنتها أيضا جامعة ستانفورد في العام الماضي.
ويوضح أندرو ديلبانكو، الأستاذ بجامعة كولومبيا، في معرض حديثه عن التعليم العالي قائلا: «يشعر الأشخاص، سواء داخل أو خارج مجال العلوم الإنسانية، بأن المخزون الفكري اللازم والفاعل في الجامعات هو العلوم التي تعد أهم الأمور التي يهتم بها كافة فئات الناس، مثل قضايا عدم المساواة والتغيير المناخي، والتي لا يتم التعامل معها في أقسام اللغة الإنجليزية».
لقد صار مستقبل العلوم الإنسانية قضية ساخنة هذا العام وسط المناخ الذي يسود الأوساط الأكاديمية، وكذلك وسائل الإعلام التي تتميز بتوجه ثقافي راق. وقام بعض المعلقين بدق ناقوس الخطر في ضوء البيانات الفيدرالية التي تظهر أن النسبة المئوية لدارسي تخصصات العلوم الإنسانية، على المستوى الوطني، قد تأرجحت بمقدار سبعة في المائة، وهي نصف النسبة التي بلغت 14 في المائة في عام 1970. وسرعان ما أوضح آخرون أن الانخفاض الذي حدث ما بين عام 1970، الذي شهد أعلى نسبة، وعام 1985 لم يحدث في السنوات الأخيرة.
وقد أصدرت الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم تقريرا هذا الربيع يشير إلى انخفاض التمويل للعلوم الإنسانية والمطالبة باتخاذ مبادرات جديدة لضمان عدم إهمال تلك العلوم والتغافل عنها وسط تزايد تكريس المزيد من الأموال والاهتمام نحو العلوم والتكنولوجيا.
ناقش الكاتب آدم غوبنيك، في عدد مجلة «ذا نيويوركر» (The New Yorker) الصادر في أغسطس (آب)، مسألة أهمية تخصصات اللغة الإنجليزية. كما نشرت مجلة «ذا نيو ريببليك» (The New Republic) مقالا بعنوان «العلوم ليست عدوك» لستيفن بينكر، المتخصص في العلوم المعرفية في جامعة هارفارد. وبعد ذلك بأسابيع قليلة، نشر ليون ويسيلتير، المحرر الأدبي بمجلة «ذا نيو ريببليك» (The New Republic)، تفنيدا شديدا تحت عنوان «الجرائم ضد العلوم الإنسانية»، حيث رفض آراء بينكر بشأن سطوة وهيمنة العلوم.
وفي سياق متصل، يقول لويس ميناند، أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة هارفارد: «لقد صارت العلوم المعرفية، في العالم العلمي المتبحر، محط اهتمام الجميع في الوقت الحالي، ويفكر كل شخص بشأن مدى ارتباطه بتلك العلوم». وأردف قائلا «كم عدد الأشخاص الذين يعرفون شخصا قرأ أي كتاب لأستاذ لغة إنجليزية في العام الماضي؟ بيد أن كل الأشخاص يقرأون كتب العلوم».
ينتاب الكثير من الأساتذة الجامعين البارزين في مجال العلوم الإنسانية شعورا بانخفاض وتضاءل وضعهم. فعلى سبيل المثال، يقول أنطوني غرافتون، أستاذ التاريخ بجامعة برنستون والذي بدأ برنامج الجامعة لجلب واستقطاب الطلاب لدراسة مجال العلوم الإنسانية، إنه يشعر أحيانا بأنه «مثل شخصية قصة فكاهية تصدر في الصفحات التكميلية بالجرائد، حيث يتناقص وجه الشخصية إلى حجم أصغر وأصغر».
وفي جامعة ستانفورد، لا يمكن أن يساعد علماء العلوم الإنسانية في إبراز أفضلية العلوم والتكنولوجيا.
ويشير فرانكو موريتي، مدير مختبر التعلم الأدبي بجامعة ستانفورد، قائلا «بإمكانك النظر إلى الإنجازات الرائعة فوق العادة في العلوم والتكنولوجيا بالجامعة، وعندما تتساءل بشأن ماذا سيحدث للعلوم الإنسانية، سوف تشعر بأن تلك العلوم باتت مهددة، أو تشعر بأن مستقبلها مشرق»، مضيفا «بالنسبة لي، فإنني اختار النظرة المتفائلة».
وفي ستانفورد، تحصل العلوم الإنسانية الرقمية على بعض من هذه النظرة المتفائلة؛ فعند «تدريس الكلاسيكيات في عصر المعلومات الرقمية»، يستخدم الطلبة الخريجون موقع «راب غينياس (Rap Genius)»، وهو موقع إلكتروني مشهور لكتابة كلمات أغاني فناني الراب مثل جاي زي وأيمينم، لكتابة الحواشي والتعليقات الإيضاحية بشأن هومر وفيرجيل. وفي مشروع مختبر التعلم الأدبي بخصوص روايات القرن الثامن عشر، يدرس طلاب اللغة الإنجليزية قاعدة بيانات ما يقرب من 2000 كتاب من أوائل الكتب لاستكشاف متى ظهرت «القصص الرومانسية» و«الحكايات» و«القصص التاريخية»، كروايات ومدلول المصطلحات المختلفة. وفيما يخص «المدخل إلى التنقيب في النصوص»، يستخدم الدارسون لتخصصات اللغة الإنجليزية والتاريخ والكومبيوتر لغة البرمجة آر (R) لفصل النصوص وتقسيمها إلى مقاطع وأجزاء لتحليل الروايات وأحكام المحكمة العليا.
ويوضح دان ايديلستين، الأستاذ الجامعي بجامعة ستانفورد، الذي أدار برنامج المدرسة الثانوية هذا الصيف، قائلا: «في حين أنه من السهل رصد الفائزين في معارض العلوم ومنافسات علم تصميم الإنسان الآلي، يتلقى الطلاب الذين يحرزون تفوقا في مجال العلوم الإنسانية استحسانا أقل ويصعب تحديد هويتهم».
ويضيف قائلا «لقد استشعرت منهم أنه ليس من المستحسن أن تكون مهووسا بالكومبيوتر والتكنولوجيا في المدارس الثانوية، ما لم يكن لديك تعلق واهتمام وولع بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات».
وتقول راشل روبرتس، إحدى الطالبات في برنامجه الصيفي، إن هذه الحقيقة واقعية.
وأردفت روبرتس، المولعة بدراسة التاريخ: «أعيش في سياتل، التي يحيط بها أمازون وغوغل ومايكروسوفت». وتوضح أن من أفضل الأشياء في البرنامج، وهو ما جعلنا جميعا نتنفس الصعداء، هو بيئته التي لا تجد فيها من يقول: «هل أنت ممن يهتمون بالعلوم الإنسانية؟ إذن لن تحصل على وظيفة على الإطلاق».
وبالنسبة لمديري الجامعات، فمن الصعب إيجاد المزيج المناسب من العلوم والعلوم الإنسانية في ضوء عدم التوازن الكبير في التمويل الخارجي.
وفي سياق ذي صلة، يقول جون تريش، المؤرخ في مجال العلوم بجامعة بنسلفانيا، إن «هناك تحفيزا هائلا من الإدارة في معظم الجامعات لإنشاء مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بسبب اعتماد الإنتاجية القومية جزئيا على الإنتاجية العلمية ووجود الكثير جدا من الدعم الفيدرالي للعلوم».
وفي هذه الأثناء، ومنذ أن حدثت حالة الركود الاقتصادي، ساد تحول عميق نحو النظر إلى التعليم الجامعي على أنه قاعدة تدريب مهني.
وتشير بولين يو، رئيسة المجلس الأميركي للجمعيات الثقافية، قائلة: «يجرى تعريف الكلية بشكل متزايد وعلى نحو محدود وضيق على أنها مجرد إعداد وظيفي وليست مصممة لتثقيف الشخص ككل».
وفي حين أن الدارسين لتخصصات العلوم الإنسانية غالبا ما يواجهون صعوبة في الحصول على أول وظيفة، يقول أساتذتهم الجامعيون إنه على المدى الطويل سيدرك أصحاب العمل قيمة مهاراتهم التفكيرية المهمة بشكل كبير.
وغالبا ما يركز أولياء الأمور، حتى أكثر من الطلاب أنفسهم، على مسألة التوظيف بنظرة أحادية. وتروي لنا جيل ليبور، رئيسة برنامج التاريخ والأدب بجامعة هارفارد، حديثها مع إحدى السيدات التي جاءت إلى منزلها ولديها الحماسة الشديدة لإقامة حدث للطلاب المهتمين بالبرنامج، ولكن سرعان ما انغمست في قراءة رسائل والديها، حيث واصلوا إرسال رسائل نصية لها تقول: «غادري الآن واخرجي من هناك.. فهذا البيت هو بيت الآلام».
وأحجم بعض الأساتذة الجامعيين عن هذا الأمر عندما سمعوا زملاءهم يتحدثون عن الاحتياج إلى إعداد الطلاب للوظائف.
ويقول مارك ايدموندسون، الأستاذ الجامعي للغة الإنجليزية بجامعة فرجينيا: «أعتقد أن هذا الإقرار متعجل للغاية. نحن لسنا المورد لكلية الحقوق، حيث إن وظيفتنا هي مساعدة الطلاب في تعلم كيفية التحري عن القضايا الخلافية». وقد ضمت جامعته 394 دارسا لتخصص اللغة الإنجليزية في العام الماضي، حيث انخفض العدد من 501 عندما وصل إلى هناك في عام 1984.. ولكن البروفيسور ايدموندسون يقول إنه ليس قلقا بشأن المستقبل. ويضيف قائلا «في النهاية، لا يمكننا أن نخسر، فلدينا ويليام شكسبير».
بيد أنه يمكن أن يبدو شكسبير بالنسبة للطلاب، الذين يعتصر القلق صدورهم بشأن مستقبلهم، بمثابة عقبة للاستمرار في النجاح في حياتهم.
ويوضح نيكولاس ديركس، مستشار جامعة كاليفورنيا ببيركلي، قائلا إن «الطلاب القلقين بشأن إنهاء وإتمام درجتهم التعليمية، وللحيلولة دون وجود لبس، يرون في بعض الأحيان اتساع نطاق متطلبات سوق العمل على أنه عائق يقف في طريقهم».
ويشير ليون بوستين، رئيس كلية بارد، قائلا: «لا يعي الكثير أن دراسة العلوم الإنسانية توفر المهارات التي تساعدهم على تصنيف القيم والقضايا المتضاربة والتساؤلات الفلسفية الأساسية». وأردف بوستين قائلا «لقد أخفقنا في جعل الأمر يتمثل في أن هذه المهارات أساسية للمهندسين والعلماء ورجال الأعمال مثلما هو الحال بالنسبة لأساتذة الفلسفة».

* خدمة «نيويورك تايمز»



{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).