مصر... وجدل المواقع المحجوبة

خسرت زوارها على الإنترنت... وبعضها يواجه تهماً بالإرهاب

نقابة الصحافيين المصرية تحقق في شكاوى حجب مواقع على الإنترنت (رويترز)
نقابة الصحافيين المصرية تحقق في شكاوى حجب مواقع على الإنترنت (رويترز)
TT

مصر... وجدل المواقع المحجوبة

نقابة الصحافيين المصرية تحقق في شكاوى حجب مواقع على الإنترنت (رويترز)
نقابة الصحافيين المصرية تحقق في شكاوى حجب مواقع على الإنترنت (رويترز)

تعرّض أكثر من مائة موقع إخباري في مصر للحجب، خلال الشهور الثلاثة الأخيرة. ولم يعد في مقدور متصفّحي الإنترنت الوصول إليها، بعدما حققت شهرة ونسبة زوّار وإعلانات من غوغل لا يستهان بها. وبينما تقدم عدد من أصحاب هذه المواقع بشكاوى إلى نقابة الصحافيين، فإن التحقيق في الأمر قد يستغرق أسابيع عدة، وفقا لما قاله لـ«الشرق الأوسط» مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام. وللعلم، منذ أحداث 2011 التي ضربت المنطقة العربية، شهدت التداعيات اللاحقة استخداماً واسعاً للإنترنت في نشر أخبار وقصص مثيرة، لها علاقة بالسياسة والحكم والفوضى. وقال اللواء هاني عبد اللطيف، المتحدث السابق باسم وزارة الداخلية المصرية، لـ«الشرق الأوسط»: إن «كل دول العالم القوية ذات السيادة، تتخذ إجراءاتها التي تتماشى مع مصالح أمنها القومي»، مشددا على ضرورة التفريق بين الإعلام ونشر الشائعات «الذي تقف وراءه أجهزة مخابرات تحاول إفشال الدولة المصرية».
وتواجه بعض المواقع المحجوبة تهماً بالترويج للإرهاب، وغموضا في تمويلها المالي، ومن بينها عشرات من المواقع المصرية، وعدد آخر من المواقع العربية. ودافع عدد من أصحاب هذه المواقع عن أنفسهم، وقالوا إن حجب مواقعهم كبّدهم خسائر مالية ضخمة، ونفوا صلتهم بالإرهاب. وقال خالد البلشي، رئيس تحرير موقع «البداية» الإخباري (تم حجبه في مصر)، وهو ذو توجه يساري، لـ«الشرق الأوسط»: أعتقد أن الأمر يتعلق برفض الرأي الآخر.
ووفقا لمسؤول أمني مصري، بدأ الحجب بالفعل على عدد محدود من المواقع، بداية من شهر مايو (أيار) الماضي، لكن العدد ارتفع بعد قرار مصر مقاطعة قطر، مشيراً إلى أن الحجب شمل مواقع ممولة من الدوحة، وأخرى تقف وراءها تنظيمات مشبوهة، و«تمويل مالي غير شفاف».
ومن بين نحو مائة موقع مصري محجوب، لم يتقرر النظر إلا في شكاوى تخص سبعة فقط، من بينها موقع «المصريون» الذي يصدر نسخة ورقية أيضاً. وقال جمال سلطان، رئيس تحرير «المصريون» لـ«الشرق الأوسط» موضحاً «أي تحقيق نزيه سيكشف أن موقعي بريء من أي تهمة». ومن جانبه، أكد عبد المحسن سلامة، نقيب الصحافيين المصريين، لـ«الشرق الأوسط» أن مجلس النقابة ناقش المشكلة، وسيتعامل معها بكل شفافية وحياد.
وليس من السهل على الحكومات حجب مواقع على الإنترنت، حسب خالد عبد الراضي، المتخصص في الشبكات الإنترنتية بالقاهرة، الذي أفاد «الشرق الأوسط» بأن الأمر مكلف ويحتاج إلى أموال وتقنيات... «مثل هذه الإمكانية لم تكن متوافرة في مصر، لكن يبدو أنها أصبحت متاحة في الفترة الأخيرة».
انقرْ على زر الإدخال. لن يظهر الموقع الإخباري الذي تريده. جرِّب موقعاً آخر.. لا يعملُ. ثالث... المشكلة نفسها. ليست مواقع سياسية فقط، هناك مواقع تخص أشياء أخرى مثل لعبة كرة القدم.
ما السبب يا ترى؟ أجاب مكرم محمد أحمد، قائلا: «كثرة من مثل هذه المواقع تابعة لجماعة الإخوان، والكثير منها صدرت عليها قرارات حراسة».
ومنذ ضربت موجة الإرهاب الكثير من دول العالم، اتخذت السلطات في بلدان مختلفة إجراءات لحماية أمنها القومي، كان آخرها روسيا، قبل ثلاثة أيام، سبقها في هذا مجموعة الدول العربية الأربع؛ مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات المتحدة والبحرين. لقد اتهمت هذه الدول قطر بتمويل ودعم منظمات وجماعات إرهابية، عبر منطقة الشرق الأوسط، على رأسها جماعة الإخوان. وطالت العقوبات حجب مواقع محسوبة على قطر.
فكرة الحجب الإنترنتي اجتاحت أوروبا أيضا، بعد هجمات نفذها متطرّفون، وبخاصة تنظيم داعش في الأعوام الأخيرة. وقامت بها كذلك دول عربية في إجراء مبكر للجم انتشار دعاوى نشر الفوضى والقتل والتفجير. وعقب ترؤس عبد المحسن سلامة، نقيب الصحافيين، اجتماعاً في مبنى نقابة الصحافيين المصريين، الكائن في شارع عبد الخالق ثروت بوسط القاهرة، قال سلامة: «نحن في مصر في مشكلة، ويوجد إرهاب».
كان اجتماع مجلس النقابة مخصّصاً لبحث قضايا عدة، من بينها شكاوى من أصحاب مواقع إنترنت مصرية، محجوبة في البلاد، لمناقشة المشكلة. حدث هذا قبل يومين. ولقد تعرّضت مواقع عدة لخسائر مالية، بعد حجبها منذ أسابيع، في حين يقول بعض أصحابها إنه لا علاقة لهم بالإرهاب ولا بالتمويل المشبوه. كذلك اضطرت مواقع من هذا النوع إلى تسريح عاملين لديها، كما يقول جمال سلطان.
ويبدو أن مصر اتخذت إجراءات مشددة ضد مزيد من المواقع التي يعتقد أنها تحض على الكراهية، خلال الفترة الأخيرة. ولكن من بين نحو مائة صاحب موقع مصري محجوب، لم يتم التعامل إلا مع سبع شكاوى فقط، حتى الآن. وعن سبب حجب موقعه، قال خالد البلشي إن الموقع «ليس عليه قضايا، أو مشاكل قانونية، أو غيرها. أنا أبث من داخل مصر.. وفجأة جرى حجب موقعنا، ولم تخطرنا أي جهة بأي شيء. تقدمنا بشكوى لنقابة الصحافيين، لكن يبدو أنه لم يتم النظر فيها بعد».

القانون الجديد

ووضعت مصر قانوناً جديداً، في الفترة الأخيرة، لتنظيم عمل المواقع الإخبارية على الإنترنت، بعدما انفتحت سوق النشر في الفضاء الإلكتروني على مصراعيها في أعقاب ما يعرف بثورات «الربيع العربي». وقال البلشي «كنا نستعد لتوفيق أوضاعنا مع قانون الصحافة والإعلام الجديد... في كل الأحوال لم يكن هناك قانون يحكم المواقع الإلكترونية. كانت تنشأ هكذا، وفي الفترة الأخيرة بدأت تقوم بتأسيس كيانات قانونية لها، حتى تدخل ضمن الحالة الجديدة للقانون المستحدث».
وعن الخسائر التي تعرّض لها موقع «البداية» بسبب الحجب، أوضح البلشي «أولها أن موقعي لم يعد يقرأ في مصر... هذه خسارة معنوية بأنك لم تعد تقدم رسالة. وبطبيعة الحال تراجع القراءات يعني تراجع الإعلانات، ويعني تراجع الدخل المالي»، مشيرا إلى أن عدد الصحافيين في الموقع «ليس كبيراً؛ إذ إن عدد المنتظمين في العمل لا يزيد على عشرة، لكن كان لدى الموقع متعاونون من الخارج، ومتطوّعون يرسلون مواضيع مكتوبة، وكُتاب، وغيرهم... نحن كنا نعمل بأقل إمكانات».
جمال سلطان وآخرون من أصحاب المواقع الإخبارية، تقدموا بتظلم من الحجب على الإنترنت لكل من نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للإعلام. لكنه مثل كثيرين آخرين، لا يعوِّل على وجود حل في الأفق المنظور. إذ يقول: «كان عدد المواقع المحجوبة 22 فقط، لكن العدد زاد الآن وأصبح هناك 128 موقعاً مصرياً محجوباً، منها نحو 10 أو 12 موقعاً أجنبياً، مثل موقع (الجزيرة) ومواقع تابعة لـ(الإخوان) تبث من الخارج، منها موقع (مكملين)».
المواقع التي تقدَّم أصحابها بمذكرات لرفع الحجب عنها، لنقابة الصحافيين، ويطلبون التحقيق في مدى التزامهم بالقانون المصري، هي - بالإضافة إلى «المصريون» - موقع «مصر العربية»، و«مدى مصر»، و«البورصة» و«ديلي نيوز مصرية (باللغة الإنجليزية)»، و«محيط»، و«كورابيا»، وهذا الأخير معني بشؤون الكرة، ولقد ذكرت مصادر أمنية أن حجبه له علاقة بمشكلة شغب الملاعب.
من جهته، يقول البلشي إنه لا يعرف سبب عدم إحالة شكواه للتحقيق مع باقي المذكرات المقدمة من أصحاب المواقع المتضررة. وحول ما إذا كان لموقعه، وكثير المواقع المحجوبة الأخرى، أي علاقة بالإرهاب أو بالخروج على القانون، وبخاصة في «شفافية التمويل» قال: «هذا مبرر غير دقيق، لأن موقعا مثل (مدى مصر) تعرض للحجب وهو ليس موقعا له صلة بالإرهاب... كما إن موقع يناير (كانون الثاني) تعرّض للحجب، وهو ليس إرهابيا أيضا. أما في موضوع التمويل، فلم تُخضع السلطات المختصة أي أحد للحساب، ولم تحقق في هذا الأمر... أغلقت المواقع وخلاص». وتابع: «أعتقد أن ما حدث هو كراهية للرأي الآخر. موقعي معروف أنه ضد الإرهاب وضد داعمي الإرهاب».

النقابة تبحث الشكاوى

وفي النقابة، أكد سلامة، الذي يشغل أيضا موقع رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، أنه مستمر، بصفته نقيبا للصحافيين، في بحث الشكاوى التي تقدم بها أصحاب تلك المواقع السبعة، مع رئيس المجلس الأعلى للإعلام. وأضاف: «نعمل على حل المشكلة، ونأمل خيرا، إن شاء الله». وعما إذا كان هناك تواصل مع أصحاب المواقع المحجوبة، المشار إليها، قال سلامة «بالطبع، يوجد... استمع إلى مشاكلهم لحلها، بقدر المستطاع».
وحول ما إذا كان حجب أي من هذه الموقع يعود لأسباب مهنية أو سياسية، أو غيرها، قال سلامة «نحن في ظل أزمة تعاني منها البلاد... نحن في مشكلة، ويوجد إرهاب، وهناك أحداث عنف». وأردف بشأن الطلبات القليلة المقدمة لرفع الحجب «كل مشكلة هذه المواقع، على ما أعتقد، تتلخص في شكوك حول مصادر التمويل». وتابع نقيب الصحافيين «نحن نحاول أن نوضح الموقف بالنسبة لأصحاب القرار، ونوضح رؤية (أصحاب) هذه المواقع لهم، ونوضح الأسباب التي يمكن أن تكون مدعاة للحجب، ونحن في حوار مستمر بهذا الخصوص، ونأمل أن ينتهي على خير».
لكن سلطان يبدو محبطا من طول فترة الحجب المستمرة منذ نحو سبعين يوماً؛ إذ قال معلقاً «لا أعرف من هي الجهة التي أصدرت قرار الحجب حتى الآن حتى يمكن أن أقاضيها، أو أن أتعامل معها وفقا لمرجعية قانونية». واستطرد «هناك غرائب وعجائب في هذا الحجب. هناك موقع للكرة... لماذا يحجب؟ لا أحد يجيب. الأمور أصبح فيها غموض، وشبهات من أن البعض يمكن أن يتخذ أي ستار، لأي شيء، حتى لو كان بعيدا عن السياسة، من أجل مصالح شخصية».
وطبعاً، يؤدي الحجب في داخل الدولة إلى خفض عدد زوار الإنترنت للموقع، وبالتالي، تراجع حصيلة الإعلانات المُدرجة فيه تلقائيا من موقع (غوغل)، والتي يقدرها مالياً بحسب نسبة الزيارات. وشدّد جمال سلطان على أن موقع «المصريون» لا علاقة له بجماعة الإخوان «كما حاول البعض أن يصوره»، مضيفا: «بالعكس... نحن لدينا مشاكل طويلة مع الإخوان، وما زالت». وتابع موضحا فيما يتعلق بالخسائر التي تكبدها موقعه «لقد تضرّرنا بطبيعة الحال من الناحية المادية. لأن الذي قام بالحجب يعرف أين يقوم بالضرب؛ فالدخل الوحيد هو من الإعلانات التي يبثها (غوغل) على موقعنا».
في هذه الأثناء، يرى مسؤول في أمن الإنترنت بالقاهرة، أن مشكلة استخدام المتطرفين لمنصات الفضاء الإلكتروني ارتفع بشكل غير مسبوق، خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن الكثير من دول العالم، وليست مصر أو الدول العربية فقط، بدأت في اتخاذ إجراءات تتبع ومراقبة وحجب. ثم ذكر أن بعض مواقع الكرة على الإنترنت ساهمت في إثارة الفوضى في مدرجات الملاعب، وهذا يندرج ضمن المنصات الخطرة على سلامة المجتمع؛ ولهذا تعرّضت للحجب.
وأشار المسؤول نفسه - الذي رفض الكشف عن اسمه - لأنه غير مخوّل له التحدث للإعلام - إلى أن المواقع الجادة... «أي التي ليس لها علاقة بالفكر المتشدّد، ولا تخفي مصادر تمويلها، يمكن أن تتقدم للسلطات لمراجعة موقفها، وتقنين عملها». وكشف عن أن بعض التطبيقات الإخبارية على الهواتف المحمولة، والتي تعرّضت للحجب بمصر في الأسابيع الماضية «عدّلت من وضعها، وتخلّصت من بث الأخبار من مواقع مشبوهة، وعليه أزيل الحجب عنها».
مع هذا، فإن معظم أصحاب المواقع المحجوبة لا يتوقعون البت في أمرهم في وقت قريب، مثل البلشي الذي تعرض موقعه للحجب داخل مصر منذ نحو ستين يوما. وحول هذا الجانب قال سلطان «لقد وعدونا مرات ومرات، لكن لا نتيجة حتى الآن... لدينا 80 صحافياً أعضاء في نقابة الصحافيين. لقد أدى الحجب إلى انخفاض العائد من الإعلانات. واضطررنا لهذا السبب إلى تسريح عدد من الصحافيين، والاعتذار لعدد من المتدرّبين. بدأنا في تقليص أمورنا من أجل الاستمرار».
إلا أن اللواء هاني عبد اللطيف، المتحدث السابق باسم وزارة الداخلية، يرى أنه لا بد من أن «نفرّق بين الإعلام، ونشر الشائعات المضللة والأخبار الكاذبة». وأوضح، أن مثل هذه المواقع المحجوبة «دأبت على نشر شائعات وأخبار كاذبة، وهذا أمر يمثل خطورة بالغة على الأمن القومي المصري، ولا يُعد إعلاما، بل هناك أجهزة دولية تستخدمه كأداة للهجوم والتهديد للأمن القومي المصري بشكل عام».
ثم أضاف: إن «دور الإعلام أن ينشر الحقائق، وأن يتواصل مع المواطنين، وأن ينشر بشفافية كاملة، والتأكد من الأخبار قبل نشرها، من خلال مصادرها... لكن للأسف الشديد، هذه المواقع لا نطلق عليها أساسا مسمى الإعلام، بل تقف وراءها أجهزة مخابرات دولية تعمل ضد مصر، ولا بد أن نكون حذرين منها جداً، وبخاصة خلال هذه المرحلة التي تشهد محاولات لإفشال الدولة المصرية منذ 30 يونيو (حزيران) 2013 (إطاحة المصريين بحكم الإخوان)، وبالتالي، لا بد أن يكون هناك موقف واضح حيال المواقع التي ليس لها علاقة بالإعلام».
كذلك، أشار عبد اللطيف إلى أن «المنطقة العربية، ومنطقة الشرق الأوسط، تشهد تحديات ضخمة خلال هذه المرحلة، ولا بد أن نكون حذرين تماما من تسلل مثل هذه الأجهزة المخابراتية التي تهدد الأمن القومي». ووفقا لمسؤولين أمنيين، فإن الأمر لا يقتصر على مصر، لكن كثيرا من دول العالم بدأت تتخذ إجراءات ضد فوضى الإنترنت، بعد أن أصبحت تنظيما إرهابية، وأخرى مشبوهة، تبث شائعات من شأنها أن تثير الفوضى في بلدانها. وفي آخر إجراء قامت به روسيا على سبيل المثال، قبل أيام، كان يتعلق بالتصدي لتحايل البعض للوصول لمواقع حجبتها السلطات.
وفي تعليق له، قال الخبير خالد عبد الراضي «نعم... البعض يتحايل ويصل إلى مواقع محجوبة على الإنترنت». وأضاف أنه «يمكن الدخول للمواقع المحجوبة بإخفاء هوية المتصل ومكانه، وتغييره»، لافتا إلى أن عملية حجب المواقع تتم «عن طريق خوادم شركات الإنترنت»، وأن «الشركة الكبيرة التي تمتلك خطوط الإنترنت أغلب أسهمها حكومية... الحجب تكاليفه عالية فنيا؛ يحتاج لتقنيات معينة لم تكن متوفرة بمصر، وتم توفيرها أخيرا على ما يبدو».
من جانبه، شدّد مكرم محمد أحمد - الذي هو من الصحافيين المخضرمين في مصر، لدى التطرق إلى المواقع التي تعرضت للحجب، وعلى أن معظم هذه المواقع تابعة جماعة الإخوان المسلمين بطريقة أو بأخرى، والكثير منها صدرت عليه قرارات حراسة لأسباب مختلفة. أما فيما يتعلق بالمواقع التي تقدمت بشكاوى، لرفع الحجب عنها، فـ «نحن تلقينا أربع شكاوى وجدنا فيها درجة من المعقولية، ثم ثلاث شكاوى أخرى (عن طريق النقابة)، ونحقق في هذه الشكاوى، على أعلى درجة من الحيادية، ونتقصى من أصحابها، ومَن هُم، ومِن أين لهم هذه الأموال. وإذا تمكنا من أن نعيد الحق لبعض هذه المواقع، أو لجميعها، فنحن سنكون أسعد الناس. هذا على الأقل يستغرق أسابيع».



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».