مخاطر جديدة تلاحق أطفال سوريا الملتاعين من فظائع «داعش»

شهود عيان: الأوضاع الداخلية بمدينة الرقة مروعة للغاية

عائلات سورية تغادر غرب الرقة الشهر الماضي (نيويورك تايمز)
عائلات سورية تغادر غرب الرقة الشهر الماضي (نيويورك تايمز)
TT

مخاطر جديدة تلاحق أطفال سوريا الملتاعين من فظائع «داعش»

عائلات سورية تغادر غرب الرقة الشهر الماضي (نيويورك تايمز)
عائلات سورية تغادر غرب الرقة الشهر الماضي (نيويورك تايمز)

لم يكن الصبي يرغب في رؤية قطع الرؤوس، لذلك أمسك بيدي والدته وأغلق عينيه بشدة. ولكن رؤية عمليات الإعدام كانت إجبارية عندما كانت البلدة مسقط رأسه خاضعة لسيطرة «داعش» في شمال سوريا... إذا كنت موجودا في الشارع، فلا بد من أن تشهد الإعدام.
ويتذكر الصبي، البالغ من العمر 11 عاما الآن واللاجئ في بيروت، أنه شاهد 10 عمليات لقطع الرؤوس على أيدي «داعش»، وذات مرة شاهد أحد الرجال المتهمين بجريمة ما وهم يلقونه من أعلى مبنى شاهق في البلدة. وكانت أفلام عمليات الإعدام تعرض بعد التنفيذ، وكانوا يدعون الأطفال للمشاهدة داخل المساجد. وقال الصبي الذي أخبرنا باسمه الأول فقط، وكان محمد: «اعتاد بعض من أصدقائي الذهاب والمشاهدة. لقد كانوا يحبون ذلك». حتى وفق أفظع معايير الحرب الأهلية السورية، كان الأطفال الناشئون في مناطق سيطرة «داعش» قد جربوا وشاهدوا أقصى درجات الوحشية. وكانت المدارس مغلقة لسنوات. وعاد مرض شلل الأطفال ليطل برأسه القبيح من جديد. وكان التنظيم الإرهابي يجند الأطفال والصبيان للقتال.
والآن، ومع محاولات الجيوش الأجنبية والميليشيات المحلية طرد تنظيم داعش من معاقله الأخيرة في سوريا، يتعين على الأطفال الهاربين من عنف التنظيم محاولة تفادي الغارات الجوية، والقناصة المتربصين، والعطش القاتل، والعقارب السامة، عند مرورهم عبر الصحراء القاسية.
ولا تزال المخاطر تلوح في كل أفق حتى مع بلوغهم مأمنهم في مخيمات اللاجئين؛ إذ تقوم الميليشيات التي تحل محل تنظيم داعش بتجنيد الأطفال أيضا للقتال، وفقا لعمال الإغاثة الإنسانية ومسؤولي الأمم المتحدة. ويقول عمال الإغاثة إنهم يجذبون الأطفال بالأموال، والأسلحة، والشعور المزيف بالأهمية؛ وهي المزاعم التي رفضها المتحدث باسم «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية.
ومما لا جدال فيه، رغم ذلك، أن أعدادا لا حصر لها من شباب سوريا قد نشأوا في خضم الصدمات المروعة. وبدأ عمال الإغاثة في الوقت الراهن فقط في تبين الصورة الواضحة للموقف مع تدفقات النازحين المدنيين خارج مناطق سيطرة «داعش» السابقة.
أحد أطباء الأطفال، الذي يعمل على فحص الأطفال الصغار الذين فروا مؤخرا من مدينة الرقة التي كانت عاصمة الخلافة الموهومة للتنظيم الإرهابي، كان في حالة مريعة من القلق والتوتر بسبب بلادة إحساس الأطفال حيال عمليات الفحص الطبي وحتى الوخز بالإبر أثناء الفحص.
تقول الطبيبة راجية شرهان، التي تعمل لدى منظمة اليونيسيف: «الطفل الذي يبلغ عامين من عمره هو أصعب الأطفال عند الفحص الطبي؛ إذ يبدأ الطفل في الركل بيديه ورجليه ويبكي عند الفحص، وهذا من التصرفات الطبيعية». ولكن هؤلاء الأطفال لا يقاومون أو يركلون مطلقا أثناء الفحص، كما تقول الطبيبة التي أضافت: «كانوا ينظرون نحوي في صمت، كما لو أنهم يقولون لي: اصنعي ما تشائين. وأعتقد أن ذلك بسبب الصدمة القاسية التي يعانون منها في سنهم المبكرة». ومع حصار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وتدعمه الميليشيات الكردية والعربية، لمدينة الرقة السورية، هناك تقديرات متباينة للغاية بشأن تعداد السكان الذين غادروا المدينة؛ ربما أقل من 20 ألف نسمة. ولكن الأوضاع الداخلية في المدينة مروعة للغاية.
ليس هناك ما يكفي من مياه الشرب، وكل ما يخرج من الصنابير يصيب السكان بالأمراض، والحصول على المياه من نهر الفرات مباشرة يعني المخاطرة بالتعرض لإطلاق النار أو القصف الجوي العشوائي. وقال محمود، أحد سكان الرقة، الذي فر قبل عام من الآن، إن أصدقاءه أخبروه عن ندرة الطعام لدرجة أنهم يحتفظون به لأطفالهم ويتظاهرون بالمضغ أمامهم في أوقات الوجبات لخداعهم.
والخبز هو الطعام الوحيد المتاح الذي يستطيع كثير من سكان الرقة تحمل ابتياعه، كما خلصت إحدى الدراسات في يوليو (تموز) عن الأوضاع هناك. ولقد انقطع التيار الكهربائي عن المدينة منذ وقت طويل، وفي وقت إجراء الدراسة التي أشرف عليها مركز «ريتش» غير الحكومي، لم يكن هناك وقود يكفي لتشغيل مولدات الكهرباء في المدينة. وقد حفر عناصر «داعش» كثيرا من الأنفاق لدرجة أضرت كثيرا بأنابيب الصرف الصحي، وانتشرت الجرذان والفئران جراء ذلك في مختلف أحياء المدينة. وأكدت منظمة الصحة العالمية وجود حالة واحدة مصابة بشلل الأطفال في الرقة خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي.
ثم هناك الغارات الجوية... وقالت إحدى اللجان التابعة للأمم المتحدة في مطلع يونيو الماضي إن غارات قوات التحالف قد أسفرت عن مصرع المئات من السكان المدنيين في الرقة.
وأكثر من مائتي ألف شخص قد هربوا من المدينة بين أبريل (نيسان) ويوليو الماضيين، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة، ولقد اندفعوا تجاه المناطق الخاضعة حديثا لسيطرة الميليشيات العربية والكردية من «قوات سوريا الديمقراطية».
وتأخذ الرحلة خارج الرقة الأطفال عبر الأراضي القاحلة التي تنتشر فيها الألغام بشكل كبير. ولقد خلف المقاتلون الهاربون من المدينة كثيرا من الشراك الخداعية والقنابل وراءهم. وترتفع درجات الحرارة هناك لأكثر من 40 درجة مئوية مع ندرة المياه في المناطق الريفية الجافة والجرداء.
وقالت غوسيا نواكا، منسقة الطوارئ لدى منظمة «أطباء بلا حدود»، التي تعمل في مخيم للنازحين على بعد 40 ميلا من الرقة: «إنهم منهكون للغاية، ويعانون من جفاف شديد».
ويقول عمال الإغاثة العاملون في مخيمات النازحين إن الأطفال يستيقظون في جوف الليل يصرخون من الكوابيس المريعة ويبللون أسرتهم بسببها، ويطلبون من أمهاتهم أن يغطوا أجسادهم أثناء النوم بالكامل كما كان مطلوبا تحت ظل «داعش» من قبل. ولعبتهم المفضلة هي الحرب؛ إذ يقسمون أنفسهم إلى فريقين؛ أحدهما يمثل «داعش»، والآخر يمثل الميليشيات!
وقال محمود، الساكن السابق في الرقة، إنه يشعر بالجزع الشديد لرؤيته الصبية الصغار يتصرفون بطريقة صارمة للغاية وأكبر من عمرهم الطبيعي بكثير. وحتى داخل مخيمات اللاجئين المؤقتة، التي هي خارج سيطرة «داعش» تماما، لا يزال الأطفال يعصبون رؤوسهم بالشرائط السوداء أثناء اللعب، كما كان يفعل مقاتلو «داعش» من قبل. ولا يزالون يستمعون للأناشيد «الجهادية» الخاصة بـ«داعش». وقال محمود إنهم يطلبون منه الحصول على أسلحة وبنادق... «إننا لا نشعر بأن هؤلاء الأطفال يعيشون أعمارهم الطبيعية؛ بل إنهم يتصرفون كرجال كبار قبل أوانهم».
* خدمة «نيويورك تايمز»



الحوثيون ينشئون آلية للجبايات تحت مزاعم دعم القضاء

الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)
الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)
TT

الحوثيون ينشئون آلية للجبايات تحت مزاعم دعم القضاء

الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)
الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)

تتجه الجماعة الحوثية في اليمن إلى توسيع دائرة مواردها من خلال ابتكار آليات ووسائل جديدة للجبايات بالتزامن مع مساعيها إلى إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية في مناطق سيطرتها، وأنشأت أخيراً آلية جديدة تحت اسم «موارد دعم القضاء»، إلى جانب توجهها لفرض جبايات على صناعة المحتوى الإلكتروني، وعلى عدد من الخدمات العمومية.

وكشفت وثيقة جرى تسريبها عن قرار أصدره القيادي الحوثي مهدي المشاط رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى (مجلس الحكم الانقلابي) بدمج عدد من المؤسسات في السلطة القضائية بوزارة العدل وحقوق الإنسان في حكومة الجماعة التي لا يعترف بها أحد، وإعادة تنظيم مهام وأهداف الكيان الجديد، بما في ذلك تولي تحصيل موارد ما سماه «صندوق دعم القضاء».

قرار حوثي بإعادة هيكلة مؤسسات حكومية تضمن الإشارة إلى صندوق موارد لصالح القضاء (إكس)

وبينما لم تعلن الجماعة الحوثية إنشاء هذا الصندوق أو مهامه رسمياً، ترجح مصادر قانونية مطلعة في العاصمة المختطفة صنعاء صدور قرار بإنشاء الصندوق دون الإعلان عنه، خصوصاً أن الجماعة تتحفظ على الإعلان عن قراراتها الأخيرة بشأن دمج وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة المختطفة، ومنها هذا القرار الذي جرى تسريب بعض مواده.

وتوقعت المصادر أن يكون قرار إنشاء صندوق بهذا الاسم بوابة لتحصيل جبايات مختلفة من مصادر متعددة، سواء من المؤسسات أو القطاعات الإيرادية، بهدف السيطرة على إيراداتها وضمان دخولها في أرصدة تابعة للجماعة في البنوك، أو من الشركات التجارية والتجار ورجال الأعمال، وحتى من صغار الباعة ومختلف المهن والأعمال.

وذهبت المصادر في توقعاتها إلى أن مثل هذا الصندوق قد يستخدم في ابتزاز التجار ورجال الأعمال والشركات والبيوت التجارية، من قبيل أن عدم مساهمتهم في رفد موارد القضاء قد يتسبب في تعطيل مصالحهم أو معاملاتهم القانونية، وإجراءات التقاضي الخاصة بهم.

وبدأت الجماعة الحوثية منذ أسابيع تقليص الهيكل الإداري للدولة ومؤسساتها في مناطق سيطرتها من خلال عمليات دمج وإلحاق وإلغاء، بهدف مزيد من السيطرة عليها وإزاحة الموظفين فيها من غير الموالين للمشروع الحوثي.

ملاحقة صناعة المحتوى

وذكرت مصادر يمنية مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية تدرس منذ عدة أسابيع إنشاء آلية لفرض رسوم على صناعة المحتوى الإلكتروني من خلال فرض جبايات على المواقع الإلكترونية، وعلى صناع المحتوى والمشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووفقاً للمصادر فمن المتوقع أن يجري فرض الجبايات تحت اسم ضريبة الدخل، ويجري تحصيلها مقابل ما يتحصل عليه صناع المحتوى ومالكو المواقع الإلكترونية من مبالغ، سواء كانت عائدات من نشاطهم، أو من الإعلانات التي يقدمونها.

مبنى مجلس القضاء الأعلى في صنعاء الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية وتفرض جبايات باسمه (فيسبوك)

وبينت المصادر أن الجماعة تدرس آليات ووسائل فرض هذه الرسوم من خلال تتبع أنشطة صناع المحتوى، ومراقبة المواقع الإلكترونية وما تعرضه من إعلانات على صفحاتها، وتسعى إلى الاستفادة من تجارب عدد من الدول في هذا الشأن.

إلا أن الجماعة تواجه تحدياً كبيراً في تنفيذ نياتها، ويتمثل ذلك في قلة صناع المحتوى اليمنيين، ووجود كثير منهم خارج البلاد، حيث لا تساعد سرعات وأسعار الإنترنت في مناطق سيطرة الجماعة على إتاحة الفرصة لصناعة محتوى يدر مداخيل كبيرة.

كما أن غالبية مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن لا يحصلون على إيرادات كبيرة، ويكتفي أغلبهم بالحصول على هدايا من الجهات التي يقدمون لها خدمات إعلانية.

ومنذ قرابة شهر ونصف الشهر أخطرت وزارة إعلام الجماعة الحوثية ملاك المواقع الإخبارية ومحركات البحث، بتقديم تخفيضات بنسبة 70 في المائة على رسوم الحصول على تراخيص مزاولة النشاط، ولمدة لا تتجاوز الشهرين، مهددة بإجراءات عقابية على من يتخلف عن السداد والحصول على التراخيص.

جبايات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على نتائج اختبارات النصف الأول من العام الحالي (إعلام حوثي)

ومن المتوقع أن تبدأ الجماعة فرض إجراءات عقابية بحق المواقع الإلكترونية، مثل الحجب، واقتحام المكاتب، ومصادرة الأجهزة والمعدات، ضد كل من تخلف عن الحصول على تلك التراخيص.

وأخيراً فرضت الجماعة الانقلابية رسوماً على نتائج اختبارات طلبة المدارس للنصف الأول من العام الدراسي الحالي في مناطق سيطرتها.

وذكر أولياء أمور الطلاب على مواقع التواصل الاجتماعي أن الرسوم التي فرضتها الجماعة الحوثية مقابل الحصول على النتائج تراوحت بين أقل من نصف دولار إلى أكثر من دولار (بين 300 و600 ريال، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ534 ريالاً)، وجرى تحصيلها من دون سندات.

واستنكر أولياء الأمور هذه الجبايات الجديدة، التي تضاف إلى ما يجري فرضه عليهم وعلى أبنائهم من رسوم منذ بداية العام الدراسي، والتي ضاعفت من الأعباء المفروضة عليهم، خصوصاً مع توقف الرواتب، وغلاء الأسعار، وتردي أحوالهم المعيشية.