الحكومة اليمنية «تأسف لتقاعس» المنسق الأممي عن إدانة الانقلابيين

TT

الحكومة اليمنية «تأسف لتقاعس» المنسق الأممي عن إدانة الانقلابيين

جددت الحكومة اليمنية ترحيبها بجهود الأمم المتحدة والدول الراعية للسلام في اليمن للتخفيف من المأساة التي يعانيها المواطنون جراء الانقلاب، لكنها عبرت في المقابل عن أسفها لـ«الدور المتقاعس» لمنسق الأمم المتحدة في اليمن، لرؤيته عمليات النهب والبيع لأدوية علاج الكوليرا «دون أن يحرك ساكناً، أو يبدي أي قدر من الانزعاج».
وقال عبد الرقيب فتح وزير الإدارة المحلية اليمني، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن الحكومة الشرعية «قبلت كل المبادرات التي قدمت، سواء في حوارات سويسرا أو الكويت، لكن الإشكالية الرئيسية الآن في الميليشيات المسلحة التي يتعين على الجهات الدولية أن تضغط عليها حتى تتعامل بمسؤولية مع المأساة التي تسببت فيها»، وأضاف أن «مرض الكوليرا يتفاقم في المحافظات التي تسيطر عليها الميليشيات المسلحة، وينحسر في المناطق التي استعادتها الشرعية، وهذا يعد مؤشراً إيجابياً».
وشدد على أن الميليشيات متورطة في عمليات «نهب وبيع للأدوية المخصصة لعلاج الكوليرا. ومع الأسف الشديد، لا يبدي منسق الأمم المتحدة أي قدر من الانزعاج، أو يصدر بيانات تدين التصرفات اللاإنسانية للميليشيات».
وعبر فتح عن ارتياحه للتصريحات التي أدلى بها السفير الأميركي لدى اليمن ماثيو تولر لـ«الشرق الأوسط»، أول من أمس، وتحدث فيها عن تلقيه «إشارات إيجابية» من حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح بشأن الخطة الأممية المتعلقة بالحديدة، وقال: «من حيث المبدأ، نحن سعداء بأن يكون هناك دور فاعل للولايات المتحدة الأميركية في حل هذه المأساة، لكننا ندرك أن صالح والحوثيين يكذبون كما يتنفسون. نحن نتمنى أن يكون هناك قبول للمبادرة وللتدخل الأميركي، أو أي دور تقوم به أي من الدول الراعية للسلام في اليمن».
وأشار وزير الإدارة المحلية اليمني، الذي يرأس أيضاً لجنة الإغاثة العليا، إلى أن الكرة في ملعب الميليشيات الانقلابية الآن، وتابع: «نحن في الحكومة الشرعية وافقنا على مقترحات الأمم المتحدة، فيما يتعلق بترتيبات معينة لميناء الحديدة، لكن للأسف الشديد هذا الأمر تم رفضه بصورة قطعية، وأطلق علي عبد الله صالح تصريحه القائل: تسليم ميناء الحديدة أبعد من عين الشمس».
ولفت إلى العرض الذي قدمه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أثناء لقائه في الآونة الأخيرة رئيس الصليب الأحمر في عدن، المتمثل في إطلاق جميع المعتقلين والأسرى بنسبة 100 في المائة، لكن للأسف «قوبل المقترح بشكل سلبي من الميليشيات.
المسلحة، بل رفضت الميليشيات حتى زيارة رئيس الصليب الأحمر لأماكن احتجاز المعتقلين والأسرى، على عكس ما قامت به الحكومة التي سمحت له بزيارة محافظة تعز، ولقائه المعتقلين بحرية تامة».
وشدد الوزير اليمني على عمليات الإغاثة، خصوصاً التي تقدمها دول الخليج، والتي بلغت معظم - إن لم يكن كل - المناطق اليمنية، بما فيها الجزر المترامية على امتداد السواحل اليمنية، وقال: «لقد تم إنشاء مجلس تنسيق للمساعدات الإغاثية من أشقائنا في دول الخليج، برئاسة مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وهو يجتمع أول كل أسبوع من كل شهر وينسق الاحتياجات».
وأوضح أن «مركز الملك سلمان أرسل، عبر برنامج الغذاء العالمي، 150 ألف سلة غذائية لمحافظة الحديدة، و150 ألف سلة غذائية عبر منظمات المجتمع المدني. ومن المؤكد أن الإغاثة وصلت إلى معظم المحافظات والجزر التي نستطيع الوصول إليها من خلال عملية تكاملية الأداء، وتنسيق متكامل مع الأشقاء».
وتحدث وزير الإدارة المحلية عن أن المبادرات التي تطلقها الحكومة الشرعية أو المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد تلقى رفضاً كلياً من الميليشيات الحوثية وقوات صالح، وأردف: «نحن نؤكد أننا سنظل نتعامل بمسؤولية مع كل المبادرات، وفقاً لتوجيهات الرئيس عبد ربه منصور هادي، لأننا مسؤولون عن الشعب اليمني، ونحاول تقبل كل المبادرات بإيجابية حتى تنتهي المأساة، وإننا ندعو العالم ومجلس الأمن والمنظمات الأممية إلى أن تضغط على هذه الميليشيات المسلحة التي ضربت بالأمس القريب ميناء المخا، وهو ميناء بدأ يعمل في الاتجاه الإنساني والإغاثي».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.