عرض عسكري بحري في طرطوس بمناسبة «يوم الأسطول الروسي»

إحياءً لتقاليد الإمبراطورية وتأكيداً على استعادة النفوذ

عرض عسكري بحري في طرطوس بمناسبة «يوم الأسطول الروسي»
TT

عرض عسكري بحري في طرطوس بمناسبة «يوم الأسطول الروسي»

عرض عسكري بحري في طرطوس بمناسبة «يوم الأسطول الروسي»

شاركت مجموعة من القطع البحرية الروسية العاملة في البحر المتوسط في عرض عسكري بحري جرى تنظيمه في القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس، بمناسبة العيد الرسمي للأسطول الروسي، أو «يوم الأسطول الحربي»، وذلك بالتزامن مع عروض متزامنة شهدتها بعض المدن في روسيا، في الشمال وفي مدينة فلاديفستوك، أقصى شرق روسيا حيث مقر أسطول المحيط الهادي، وفي سيفاستوبل مقر أسطول البحر الأسود، فضلاً عن أسطول بحر قزوين، بينما تم العرض العسكري البحري الرئيسي في بطرسبورغ، وتحديداً مدينة كرونشتادت، على جزيرة كوتلين في الخليج الفنلندي حيث مقر أسطول البلطيق. وشارك بوتين في العرض المركزي هناك، حيث تفقد مجموعة القطع البحرية المشاركة.
ومع أهمية العروض في روسيا، فإن الاهتمام الأكبر في أوساط المراقبين كان منشداً نحو العرض العسكري البحري في القاعدة الروسية في طرطوس، نظراً لما يحمله هذا من دلالات عسكرية آنية، إضافة لكونه الأول من نوعه في تاريخ القوات البحرية الروسية.
وقد شاركت في العرض 6 قطع من المجموعة البحرية الروسية في المتوسط. ورفعت الأعلام الروسية وعلم الأسطول الروسي على متن تلك القطع. ومن ثم، قام قائد المجموعة البحرية الروسية في سوريا، ومعه قائد القوات الروسية في سوريا، بجولة تفقدية على القطع المشاركة، قبل أن تسير في العرض البحري. وكان في مقدمة المجموعة البحرية المشاركة الغواصة «كراسنودار»، التابعة لأسطول البحر الأسود، التي شاركت سابقاً في عملية إطلاق صواريخ «كاليبر» من وضعية «تحت الماء» على أهداف في الأراضي السورية. وخلف الغواصة مجموعة أخرى من السفن الحربية وسفن الدعم والتمويل. وفي ختام العرض البحري، حلقت مقاتلات وقاذفات روسية من المجموعة الجوية في مطار حميميم على ارتفاع منخفض فوق مجموعة السفن، تحية منها للقوات البحرية.
ويرى مراقبون أن روسيا سعت من خلال العرض العسكري في قاعدتها البحرية في طرطوس إلى التأكيد عملياً على عودتها بقوة إلى المتوسط، المنطقة التي كانت حتى الماضي القريب خاضعة بصورة رئيسية لسيطرة الأسطول الأميركي السادس. ويقول النائب السابق لقائد القوات البحري الروسية الأميرال إيغور قسطنطينوف إن «احتفالات بهذا الحجم لم تجر سابقاً إلا مرتين: الأولى عام 1995، بمناسبة مرور 50 عاماً على الحرب الوطنية العظمى. والثانية في عام 1996، بمناسبة مرور 300 عام على بناء الأسطول الروسي.
ويضيف أن «العرض البحري الحالي يؤكد على المستوى العالي من الثقة بالأسطول والبحارة الذين قاموا ضمن المجموعات العسكرية المشتركة بتنفيذ المهام في البحر الأبيض المتوسط، على كل اتجاهات مسرح العمليات البحرية».
وفي تعليقه على العرض في قاعدة طرطوس، قال الخبير العسكري الروسي المعروف فيكتور ليتوفكين، لوكالة «تاس»: «ليرَ الجميع ما الذي يمثله الأسطول الروسي اليوم، وليحاولوا فهم أننا من الآن وصاعداً سنبقى دوماً في البحر الأبيض المتوسط، بصفة وريث شرعي للسرب البحري السوفياتي الخامس، مع كل ما يترتب على هذا الوجود من تداعيات بالنسبة للاعبين الآخرين في المتوسط، وفي منطقة الشرق الأوسط عموماً».
جدير بالذكر أن السرب البحري السوفياتي الخامس هو مجموعة من سفن الأسطول السوفياتي، الذي تم حله عام 1992، أي بعد تفكك وسقوط الدولة السوفياتية بعام تقريباً. وتم تشكيل ذلك السرب بموجب قرار عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي في يونيو (حزيران) عام 1967، بهدف تشكيل قوة بحرية قادرة على الحد من قوة الأسطول الأميركي السادس، الذي أصبح يشكل مصدر تهديد استراتيجي للأمن القومي.
إلا أن عدم امتلاك السوفيات قاعدة بحرية على سواحل المتوسط جعل قدرات السرب محدودة، مقارنة بقدرات الأسطول السادس وسفن «الناتو». ومن هنا، جاءت الحاجة لإقامة قاعدة، وتم حينها اختيار طرطوس. إلا أن الزعماء السوفيات فشلوا في إقناع الأسد الأب بمنحهم قاعدة بحرية متكاملة. وفي آخر جولة من المحادثات، أدرك السوفيات أن الأسد الأب لا يريد استفزاز الأميركيين، بينما يحاول فتح قنوات أفضل معهم. وأخيراً، تمكن بوتين عام 2016 من الحصول على قاعدة جوية وأخرى بحرية في سوريا، مستفيداً من حاجة النظام السوري، في عهد الأسد الابن، لأي دعم عسكري.
ويعود تقليد العروض العسكرية البحرية إلى عهد الإمبراطور الروسي الشهير «بطرس الأول»، أو «بطرس الأكبر»، الذي يجمع المؤرخون على وصفه بـ«باني الإمبراطورية الروسية»، الذي قامت روسيا، لأول مرة، في عهده ببناء أسطول بحري شارك في حروب عدة، أهمها «حرب الشمال» بين روسيا وعدد من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها السويد، من أجل السيطرة على أراضي البلطيق.
وبدأت تلك الحرب عام 1700، وانتهت عام 1721 بهزيمة السويد، وحينها ظهرت الإمبراطورية الروسية بوضوح على الخريطة السياسية الأوروبية، وحصل الإمبراطور بطرس على موطئ قدم ومخرج نحو بحر البلطيق. وأمر بنهاية تلك الحرب بمرور السفن التي شاركت فيها لتفقدها، وتقدير الأضرار التي لحقت بها؛ وبهذا أطلق تقليد العرض العسكري للأسطول.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم