«صدى موسكو» في مواجهة جديدة مع التمويل الأميركي

اتهامات بخرق حظر قانون الإعلام الروسي ملكية الأجانب

أحد استوديوهات «صدى موسكو»
أحد استوديوهات «صدى موسكو»
TT

«صدى موسكو» في مواجهة جديدة مع التمويل الأميركي

أحد استوديوهات «صدى موسكو»
أحد استوديوهات «صدى موسكو»

تبقى الأنظار منشدة باهتمام في روسيا نحو وسائل إعلام تصنف «معارضة لنهج الكرملين»، بما في ذلك إذاعة «صدى موسكو»، التي ما زالت تغرد «خارج سرب» الإعلام الرسمي، على الرغم من أن الحصة الرئيسية من أسهمها بيد مؤسسة «غاز بروم ميديا» التي يقول البعض إنها أداة الكرملين في السيطرة على الإعلام.
وكانت قناة تلفزيون «الأولى» الروسية عرضت تقريراً حول حصول وسائل إعلام روسية على تمويل من الوكالة الحكومية الأميركية للبث، المعروفة باسم «مجلس المشرفين على البث» (Broadcasting Board of Governors). واعتمدت القناة الأولى في تقريرها على وثيقة صادرة عن الوكالة الأميركية، وتتحدث عن إنجازاتها خلال السنوات الماضية، وتقول الوثيقة إن وسائل إعلام روسية مثل «صدى موسكو» وقناة تلفزيون «دوجد» المعارضة، وغيرهما، حصلت على تمويل من هذه الوكالة الأميركية.
ونظراً لخطورة معلومات كهذه سارعت مؤسسة «غاز بروم ميديا» مالكة إذاعة «صدى موسكو» إلى نفي حصول الإذاعة على أي تمويل حكومي أميركي، وقالت المؤسسة الروسية إن عملية التحقيق من دقة تلك الأبناء أظهرت عدم وجود أي وثيقة تثبت حصول محطة الراديو على تمويل من الوكالة الحكومية الأميركية.
من جانبها أكدت يكاتيرينا بافلوفا، المدير العام لراديو «صدى موسكو» عدم وجود أي اتصالات رسمية بين المحطة والوكالة الأميركية للبث، وقالت في بيان رسمي إن «إدارة محطة الراديو لا علم لها بوجود أي علاقات رسمية، بما في ذلك توقيع عقود أو تمويل، وأي شكل آخر من المشاريع المشتركة». وعلى هذا الأساس طلبت «صدى موسكو» من الوكالة الأميركية توضيح الأساس الذي انطلقت منه إدراج المحطة على قائمة إنجازاتها. بحال تم الحصول على وثائق تؤكد واقعة التمويل الأجنبي، تتعهد مؤسسة «غاز بروم ميديا» بإجراء تحقيق داخلي للكشف عن ملابسات القضية.
وقد أثارت الأنباء حول حصول وسائل إعلام روسية على تمويل من الوكالة الحكومية الأميركية للبث بعض الصخب، لأن مثل هذا التمويل يعني انتهاكا لتعديلات أدخلها البرلمان الروسي عام 2016 على قانون الإعلام، ويحظر بموجبه امتلاك مؤسسات أجنبية غير روسية لوسائل إعلام روسية، ويحد من إمكانية امتلاك مؤسسات أجنبية لأسهم وسائل الإعلام الروسية.
وبموجب تلك التعديلات لا يحق للدول الأجنبية، والمنظمات الدولية، والشخصيات الاعتبارية والطبيعية الأجنبية وكذلك الشخصيات الاعتبارية الروسية (المؤسسات والشركات) التي تمتلك جهات أجنبية أكثر من 20 في المائة من أسهمها، لا يحق لكل تلك الجهات التحكم بشكل مباشر أو غير مباشر بأكثر من 20 في المائة من رأس مال وسائل الإعلام الروسية. وقبل هذا التعديل كان قانون الإعلام الروسي يحد من مساهمة المؤسسات الأجنبية فقط في قنوات التلفزة ومحطات الراديو، وبحصة أسهم لا تزيد عن 50 في المائة.
وكانت «صدى موسكو» واحدة من وسائل إعلام روسية تأثرت بتلك التعديلات، ذلك أن 34 في المائة من أسهمها كانت بيد مساهمين أميركيين، ولذلك طالبتها وكالة الرقابة الروسية بتحويل كل الأسهم لتصبح ملكية جهات روسية. وفي فبراير (شباط) العام الجاري عقد اجتماع عام للمساهمين، وفي ختامه أعلن أليكسي فينديكتوف، رئيس تحرير «صدى موسكو» أن المحطة أصبحت روسية بالمطلق وكل أسهمها بيد جهات روسية. إلا أن 19.92 في المائة من الأسهم بقيت بيد مساهمين أميركيين، وهذا لا يتعارض مع التعديلات على قانون الإعلام، فالحصة لا تزيد على 20 في المائة. وحسب معلومات أخرى فقد تقاسم الإعلاميون في المحطة 34 في المائة من الأسهم التي كانت بيد مساهمين أميركيين، بينما بقيت «غاز بروم ميديا» مسيطرة على نحو 66 في المائة من أسهم المحطة.



كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
TT

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)

قبل 861 عاماً، نهضت كاتدرائية «نوتردام دو باريس» في قلب العاصمة الفرنسية. ومع مرور العقود والعصور تحوّلت إلى رمز لباريس، لا بل لفرنسا. ورغم الثورات والحروب بقيت «نوتردام» صامدة حيث هي، في قلب باريس وحارسة نهر السين الذي يغسل قدميها. إلا أن المأساة حلّت في شهر أبريل (نيسان) من عام 2019، عندما اندلع حريق هائل، التهمت نيرانه أقساماً رئيسة من الكاتدرائية التي انهار سقفها وتهاوى «سهمها»، وكان سقوطه مدوياً.

منظر للنافذة الوردية الجنوبية لكاتدرائية نوتردام دو باريس(رويترز)

حريق «نوتردام» كارثة وطنية

وكارثة «نوتردام» تحوّلت إلى مأساة وطنية، إذ كان يكفي النظر إلى آلاف الباريسيين والفرنسيين والسياح الذين تسمّروا على ضفتي نهر السين ليشهدوا المأساة الجارية أمام عيونهم. لكن اللافت كانت السرعة التي قررت فيها السلطات المدنية والكنسية مباشرة عملية الترميم، وسريعاً جدّاً، أطلقت حملة تبرعات.

وفي كلمة متلفزة له، سعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى شد أزر مواطنيه، مؤكداً أن إعادة بناء الكاتدرائية و«إرجاعها أجمل مما كانت» ستبدأ من غير تأخير. وأعلن تأسيس هيئة تشرف عليها، وأوكل المهمة إلى الجنرال جان لويس جورجولين، رئيس أركان القوات المسلحة السابق. وبدأت التبرعات بالوصول.

وإذا احتاجت الكاتدرائية لقرنين لاكتمال بنائها، فإن ترميمها جرى خلال 5 سنوات، الأمر الذي يعد إنجازاً استثنائياً لأنه تحول إلى قضية وطنية، لا بل عالمية بالنظر للتعبئة الشعبية الفرنسية والتعاطف الدولي، بحيث تحوّلت الكاتدرائية إلى رابطة تجمع الشعوب.

وتبين الأرقام التي نشرت حديثاً أن التبرعات تدفقت من 340 ألف شخص، من 150 دولة، قدّموا 846 مليون يورو، إلا أن القسم الأكبر منها جاء من كبار الممولين والشركات الفرنسية، ومن بينهم من أسهم بـ200 مليون يورو. ومن بين الأجانب المتبرعين، هناك 50 ألف أميركي، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكان أحد الأسباب التي دفعته للمجيء إلى فرنسا؛ البلد الأول الذي يزوره بعد إعادة انتخابه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

متطوعون يضعون برنامج الحفل على المقاعد قبل الحفل (أ.ف.ب)

منذ ما يزيد على الشهر، تحوّلت الكاتدرائية إلى موضوع إلزامي في كل الوسائل الإعلامية. وخلال الأسبوع الحالي، حفلت الصحف والمجلات وقنوات التلفزة والإذاعات ببرامج خاصة تروي تاريخ الكاتدرائية والأحداث الرئيسة التي عاشتها في تاريخها الطويل.

وللدلالة على الأهمية التي احتلتها في الوعي الفرنسي، فإن رئيس الجمهورية زارها 7 مرات للاطلاع على التقدم الذي حققه المهنيون والحرفيون في إعادة البناء والترميم. وإذا كانت الكاتدرائية تجتذب قبل 2012 ما لا يقل عن 12 مليون زائر كل عام، فإن توقعات المشرفين عليها تشير إلى أن العدد سيصل العام المقبل إلى 15 مليوناً من كل أنحاء العالم.

المواطنون والسياح ينتظرون إفساح المجال للوصول الى ساحة الكاتدرائية (أ.ف.ب)

باريس «عاصمة العالم»

خلال هذين اليومين، تحوّلت باريس إلى «عاصمة العالم»، ليس فقط لأن قصر الإليزيه وجّه دعوات لعشرات من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضر منهم نحو الخمسين، ولكن أيضاً لأن الاحتفالية حظيت بنقل مباشر إلى مئات الملايين عبر العالم.

وقادة الدول الذين قدّموا إلى «عاصمة النور» جاءوا إليها من القارات الخمس. وبسبب هذا الجمع الدولي، فإن شرطة العاصمة ووزارة الداخلية عمدتا إلى تشكيل طوق أمني محكم لتجنب أي إخلال بالأمن، خصوصاً أن سلطاتها دأبت على التحذير من أعمال قد تكون ذات طابع إرهابي. وإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب قد حظي بالاهتمام الأكبر، ليس لأنه من المؤمنين المواظبين، بل لأنه يُمثل بلداً له تأثيره على مجريات العالم.

لكن في المقابل، تأسف الفرنسيون لأن البابا فرنسيس اعتذر عن تلبية الدعوة. والمثير للدهشة أنه سيقوم بزيارة جزيرة كورسيكا المتوسطية الواقعة على بُعد رمية حجر من شاطئ مدينة نيس اللازوردية، في 15 الشهر الحالي. والمدهش أيضاً أنه منذ أن أصبح خليفة القديس بطرس في روما، «المدينة الخالدة»، فإنه زار فرنسا مرتين، ثانيها كانت لمدينة مرسيليا الساحلية. بيد أنه لم يأتِ إلى باريس إطلاقاً. ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن قرار البابا أحدث خيبة على المستويين الديني والرسمي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى حدث تاريخي رئيس، وهو أن بابا روما بيوس السابع، قدم إلى باريس يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1804، لتتويج نابليون الأول إمبراطوراً.

وتمثل لوحة الرسام الفرنسي الشهير لوي دافيد، التي خلد فيها تتويج بونابرت، ما قام به الأخير الذي لم ينتظر أن يضع البابا التاج على رأسه، بل أخذه بيديه ووضعه بنفسه على رأسه، وكذلك فعل مع الإمبراطورة جوزفين.

احتفالية استثنائية

لم يساعد الطقس مساعدي الاحتفالية الذين خططوا لأن تكون من جزأين: الأول رسمي، ويجري في ساحة الكاتدرائية الأمامية؛ حيث يلقي الرئيس ماكرون خطابه المقدر من 15 دقيقة، وبعدها الانتقال إلى الداخل للجزء الديني. وكان مقدراً للمواطنين الـ40 ألفاً، إضافة إلى 1500 مدعو حظوا بالوجود داخل الكاتدرائية، أن يتابعوا الحدث من المنصات التي نصبت على ضفتي نهر السين، إلا أن الأمطار والعواصف التي ضربت باريس ومنطقتها أطاحت بالبرنامج الرئيس، إذ حصلت كل الاحتفالية بالداخل. بيد أن الأمطار لم تقض على شعور استثنائي بالوحدة والسلام غلب على الحاضرين، وسط عالم ينزف جراء تواصل الحروب، سواء أكان في الشرق الأوسط أم في أوكرانيا أم في مطارح أخرى من العالم المعذب. وجاءت لحظة الولوج إلى الكاتدرائية، بوصفها إحدى المحطات الفارقة، إذ تمت وفق بروتوكول يعود إلى مئات السنين. بدءاً من إعادة فتح أولريش لأبواب «نوتردام» الخشبية الكبيرة بشكل رمزي.

كاتدرائية «نوتردام» السبت وسط حراسة أمنية استعداداً لإعادة افتتاحها (إ.ب.ى)

وسيقوم بالنقر عليها 3 مرات بعصا مصنوعة من الخشب المتفحم الذي جرى إنقاذه من سقف الكاتدرائية الذي دمرته النيران، وسيعلن فتح الكاتدرائية للعبادة مرة أخرى. ونقل عن المسؤول عن الكاتدرائية القس أوليفييه ريبادو دوما أن «نوتردام»، التي هي ملك الدولة الفرنسية، ولكن تديرها الكنيسة الكاثوليكية «أكثر من مجرد نصب تذكاري فرنسي وكنز محبوب من التراث الثقافي العالم، لا بل هي أيضاً علامة على الأمل، لأن ما كان يبدو مستحيلاً أصبح ممكناً»، مضيفاً أنها أيضاً «رمز رائع».

الأرغن الضخم يحتوي على 8 آلاف مزمار تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام (أ.ف.ب)

كذلك، فإن تشغيل الأرغن الضخم الذي تم تنظيفه وتحضيره للمناسبة الاستثنائية، تم كذلك وفق آلية دقيقة. ففي حين ترتفع المزامير والصلوات والترانيم، فإنه جرى إحياء الأرغن المدوي، الذي صمت وتدهورت أوضاعه بسبب الحريق. ويحتوي الأرغن على 8 آلاف مزمار، تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام. وقام 4 من العازفين بتقديم مجموعة من الألحان بعضها جاء مرتجلاً.

إلى جانب الشقين الرسمي والديني، حرص المنظمون على وجود شق يعكس الفرح؛ إذ أدت مجموعة من الفنانين الفرنسيين والأجانب لوحات جميلة جديرة بالمكان الذي برز بحلة جديدة بأحجاره المتأرجحة بين الأبيض والأشقر وزجاجه الملون، وإرثه الذي تم إنقاذه من النيران وأعيد إحياؤه.

وبعد عدة أيام، سيُعاد فتح الكاتدرائية أمام الزوار الذي سيتدفقوة بالآلاف على هذا المعلم الاستثنائي.

حقائق

846 مليون يورو

تدفقت التبرعات من 340 ألف شخص من 150 دولة قدموا 846 مليون يورو لإعادة ترميم نوتردام