جيش جنوب السودان ينتزع بلدة من المتمردين قرب الحدود مع إثيوبيا

جوبا ترفض اتهامات منظمة العفو الدولية بارتكاب عنف جنسي وعمليات اغتصاب

TT

جيش جنوب السودان ينتزع بلدة من المتمردين قرب الحدود مع إثيوبيا

أعلنت القوات المتحالفة مع جيش جنوب السودان سيطرتها على بلدة استراتيجية شمال شرقي العاصمة جوبا؛ ما يؤكد تقارير دول الترويكا عن اتجاه الحكومة للهجوم على منطقة فاقاك، معقل المعارضة بزعامة نائب الرئيس السابق ريك مشار.
وقال تابان دينق قاي، المتحدث باسم القوات التابعة للنائب الأول لرئيس جنوب السودان، في بيان صحافي، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن قواته سيطرت أمس على بلدة مايوت، الواقعة على بعد 400 كلم شمال شرقي جوبا، وأن القوات المتحالفة مع الحكومة أصبحت على مقربة من معقل المعارضة المسلحة بقيادة نائب الرئيس السابق ريك مشار، مشيراً إلى أن المعارك كانت عنيفة، موضحا أن القوات الموالية لمشار هي التي بدأت الهجوم على موقع جيشه الذي تمكن من السيطرة على البلدة.
من جانبه، أقر وليم قاتجياس دينق، المتحدث باسم قوات المعارضة المسلحة، وقوع معارك عنيفة مع القوات الحكومية في بلدة مايوت أمس، لكنه لم يقدم تفاصيل حولها، علما بأن البلدة كان يستخدمها ريك مشار معقلا لقواته بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 2013.
وكانت مجموعة الترويكا والدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي قد قالت قبل أيام في بيان مشترك: إن الهجوم على قوات المعارضة بالقرب من فقاك، يعد انتهاكاً واضحاً لوقف إطلاق النار من جانب واحد، الذي أعلنه الرئيس سلفا كير، وشككت في التزام الحكومة بمواصلة عملية السلام من خلال الحوار الوطني.
في غضون ذلك، أصدر الرئيس سلفا كير ميارديت قراراً بتشكيل لجنة، دون نشر أسماء أعضائها؛ وذلك لتنظيم توزيع الوقود على محطات التعبئة بهدف مواجهة الأزمة التي تشهدها البلاد بعد أن بلغ أسعاراً غير مسبوقة للتر الواحد. في حين تعيش العاصمة وباقي المدن أزمة وقود غير مسبوقة، على الرغم أن جنوب السودان يعد من الدول المنتجة للنفط، لكن تراجع تصديره بسبب الحرب الأهلية منذ ديسمبر (كانون الأول) 2013، واستهداف المعارضة المسلحة حقول النفط في مناطق أعالي النيل والوحدة شمال البلاد.
وقال مصدر في جوبا، رفض الإفصاح عن اسمه: إن هناك ندرة في الوقود انعكست على النشاط اليومي في المدينة بعد أن تجاوز سعر زجاجة لتر ونصف اللتر من الوقود أكثر من 50 دولارا، ويتوقع أن تلغي اللجنة التي شكلها الرئيس سلفا كير جميع الأذونات السابقة لعدد من الأفراد، وأن توقف بيع الوقود في السوق السوداء، ولتحقيق هذا الهدف وجه كير وزير داخليته مايكل شيانقجيك بتشكيل لجنة أمنية من الشرطة والجيش وجهاز الأمن الوطني لمكافحة تداعيات خطر أزمة الوقود، وأمهلت اللجنة 72 ساعة لتنفيذ الأوامر.
من جهة أخرى، رفض لول روى كوانغ، المتحدث باسم جيش جنوب السودان، تقارير منظمة العفو الدولية حول العنف الجنسي التي اتهم بها جيش جنوب السودان، وقال: إن «هذه الهيئة تعيد تدوير تقارير قديمة وتفتقر إلى النزاهة والمصداقية والموضوعية... ويبدو أن التقرير قد أصدره أشخاص هدفهم الإساءة إلى سمعة الجيش الشعبي لتحرير السودان بهدف الحصول على منافع نقدية»، مؤكداً في هذا السياق أن قيادة الجيش قامت بتقديم 13 جندياً اتهموا باغتصاب خمس عاملات للإغاثة في أحد فنادق جوبا في يوليو (تموز) 2016. وقال: إن هذا التصرف «يدل على أن القيادة العسكرية لا تقف عائقاً أمام الإفلات من العقاب في القضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان».
وكان تقرير منظمة العفو الدولي الذي حمل عنوان «لا تبقوا صامتين: ضحايا العنف الجنسي في جنوب السودان يطالبون بالعدالة والتعويضات»، قد أوضح، أن الآلاف من النساء والفتيات تعرضن للعنف الجسدي والنفسي، وأن الاغتصاب وأشكالا أخرى للعنف الجنسي، الذي يمارسه كل أطراف الحرب الأهلية المستعرة في جنوب السودان، تجاوز المدى وبلغ نطاقا واسعا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟