السفن العابرة للمحيطات... تاريخ وثقافة وأناقة عصر بأكمله

معرض ضخم يفتتح الموسم الفني لمتحف «فيكتوريا آند ألبرت» في 2018

جانب من لوحة جمّلت جدار صالون الدرجة الأولى بسفينة «نورماندي» (متحف بيبودي إيسيكس، ماساتشوستس) - حقائب تحمل إسم دوق ودوقة ويندسور تعود لعام 1950 (متحف بيبودي إيسيكس، ماساتشوستس) - عابرة المحيطات الفرنسية «نورماندي» في نيويورك (1935) (كوليكشن فرنش لاينز)
جانب من لوحة جمّلت جدار صالون الدرجة الأولى بسفينة «نورماندي» (متحف بيبودي إيسيكس، ماساتشوستس) - حقائب تحمل إسم دوق ودوقة ويندسور تعود لعام 1950 (متحف بيبودي إيسيكس، ماساتشوستس) - عابرة المحيطات الفرنسية «نورماندي» في نيويورك (1935) (كوليكشن فرنش لاينز)
TT

السفن العابرة للمحيطات... تاريخ وثقافة وأناقة عصر بأكمله

جانب من لوحة جمّلت جدار صالون الدرجة الأولى بسفينة «نورماندي» (متحف بيبودي إيسيكس، ماساتشوستس) - حقائب تحمل إسم دوق ودوقة ويندسور تعود لعام 1950 (متحف بيبودي إيسيكس، ماساتشوستس) - عابرة المحيطات الفرنسية «نورماندي» في نيويورك (1935) (كوليكشن فرنش لاينز)
جانب من لوحة جمّلت جدار صالون الدرجة الأولى بسفينة «نورماندي» (متحف بيبودي إيسيكس، ماساتشوستس) - حقائب تحمل إسم دوق ودوقة ويندسور تعود لعام 1950 (متحف بيبودي إيسيكس، ماساتشوستس) - عابرة المحيطات الفرنسية «نورماندي» في نيويورك (1935) (كوليكشن فرنش لاينز)

منذ غرقها في 14 أبريل (نيسان) من عام 1912 لم تغادر سفينة «تايتانيك» الثقافة العامة في القرن العشرين، فهي قد دخلت التاريخ بسبب نهايتها الصادمة وقصص ركابها المأساوية، وتحولت بعد ذلك إلى مادة خصبة للقصص والروايات والأفلام وأيضا للخيال. والـ«تايتانيك» ليست إلا واحدة من السفن العملاقة عابرة المحيطات التي ازدهرت خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين، بما كانت تمثله من غموض وثراء وفخامة، إضافة إلى كونها وسيلة للسفر والاستكشاف.
تايتانيك تعود للواجهة مرة أخرى ومعها مجموعة من أشهر عابرات المحيطات، وذلك في معرض يعد الأول من نوعه، يفتتح به متحف «فيكتوريا آند ألبرت» اللندني موسم عام 2018. وبالأمس أعلن تريستام هنت، مدير المتحف، في مؤتمر صحافي إطلاق المعرض، وتحدث حول أهميته وعن المواضيع المتضافرة التي سيستكشفها. المعرض يحمل عنوان «عابرات المحيطات... السرعة والجمال» ويستعرض من خلال 250 قطعة تاريخ وثقافة وأناقة عصر بأكمله، من اللوحات الفنية للمجوهرات والأزياء إلى المفروشات والصور الفوتوغرافية؛ ما يشكل عرضا ضخما متنوعا وثريا يليق بتاريخ تلك العابرات التي شغلت خيال الناس لعقود.
يتضمن المعرض 250 قطعة من مجموعة متحف «فيكتوريا آند ألبرت» ومتحف «بيبودي إسيسكس» في مدينة سالم بولاية ماساتشوستس الأميركية، يتصدرها جزء من حائط خشبي مزخرف تم إنقاذه من مقصورة درجة أولى بالسفينة تايتانيك. إلى جانب ذلك هناك قطع من المفروشات والأقمشة والأزياء ومجسمات للسفن وملصقات دعائية وغيرها. بعض تلك القطع لم تعرض من قبل في أوروبا، وحتى قطعة الحائط الخشبي من تايتانيك تعود لبريطانيا للمرة الأولى، حيث انتهى بها المطاف بعد غرق السفينة لتقبع في متحف كندي. المعروضات المختلفة ترسم للزائر ملامح حياة اندثرت، تبقى منها مظاهر الثراء والطبقية، مثل تاج من الألماس من صنع الصائغ الشهير «كارتييه» وكان ملكا لليدي مارغريت ألان التي فقدت ابنتيها في غرق الباخرة لاسيتانيا بفعل قذيفة ألمانية عام 1915. كما يعرض جانب من حائط داخلي يعود لحجرة التدخين في السفينة الفرنسية نورماندي، وحسب تقاليد ذلك الزمان فقد كان الرجال يجلسون فيها بعد وجبة العشاء بينما تنشغل النساء بشرب القهوة في غرفة منفصلة. الرسومات على اللوحة الجدارية زينت بخيال فنان الآرت ديكو الشهير جان دونان إلى جانب لوحة من روائع ما أنتج الرسام الإنجليزي ستانلي سبنسر من سلسلة لوحات نفذها في عام 1941.
كل قطعة في المعرض تحمل وراءها قصصا تدور حول مشاهير في عصرهم وأثرياء ونبلاء، هم أبناء الطبقة المخملية الذين كانوا يمخرون عباب المحيطات، مستمتعين بفخامة البواخر العملاقة وبالثراء الداخلي للبناء والديكور والترفيه وغير ذلك. وتلخص كل ذلك ثلاث حقائب كبيرة تحمل اسم دوق ويندسور التي تعرض للمرة الأولى في بريطانيا بعد أن كانت قابعة في المخازن.
التاريخ الذي يرويه المعرض غني ومتشابك، فعدا الشخصيات الشهيرة التي سافرت على تلك البواخر هناك أيضا تاريخ صناعة عبارات المحيطات بداية من عام 1850 متضمنا نظرات على الملامح الهندسية لها إلى التفاصيل الجمالية والترف الذي ميز التصميمات الداخلية لتلك السفن وتأثير ذلك على الثقافة والتيارات السائدة في التصميم. ونرى مثالا لذلك في القطع التي تمثل حركة الأرت ديكو الفنية والموجود عدد منها في المعرض وتلخص فيما بينها التأثير الواضح لتلك البواخر العملاقة على الحركة الفنية في القرن العشرين. وتأتي تلك القطع من الباخرة الفرنسية «نورماندي» والباخرة «كوين ماري» والتي تعد حسب ما تشير منسقة المعرض غيسلين وود: «أعظم أعمال الآرت ديكو».
من جهة أخرى، يقدم المعرض نظرة متعمقة لجانب من التاريخ المنسي لفنانين ومصممين ساهموا بأعمالهم في الديكور الداخلي للبواخر العابرة للمحيطات، كما يلقي الضوء على المتغيرات السياسية والتنافس بين الدول على التباهي بالمنجزات الوطنية عبر تلك الصروح العائمة. ولا ننسى أيضا أن تاريخ العبارات أيضا يمس التاريخ الاجتماعي والطبقية التي تمثلت على ظهر تلك السفن والتمييز العنصري أيضا. وإذا كان المعرض يقدم قطعا كانت بالفعل من داخل البواخر عابرة المحيطات، فهناك أيضا معروضات تم صنعها خصيصا للمعرض مستلهمة من التفصيلات الداخلية لتلك البواخر مثل حمام سباحة تميزت به الباخرة إس إس يونايتد ستيتس».
حين نتحدث عن تصميمات الآرت ديكو وعن التيارات الثقافية في النصف الأول من القرن العشرين، نجد أن الحديث يتجه تلقائيا لموضة الملابس والمجوهرات التي خالت بها النساء على أسطح البواخر الشهيرة. يضم المعرض مثالا لها وهو فستان من طراز «فلابر» الذي يتميز بانسيابيته والشراشيب المتتالية على قماش من الحرير المطرز بحبات من الزجاج الملون. الفستان من تصميم جان لانفان في عام 1925، وكان مِلكا لسيدة المجتمع الأميركية إميلي غريغزبي التي اشتهرت برحلاتها المتكررة عبر المحيط على متن العبارات الباذخة. ومن تصميم كريستيان ديور يعرض بدلة ارتدتها الممثلة الألمانية مارلين ديتريش عند وصولها لنيويورك على ظهر السفينة «كوين ماري» في عام 1950.
في تقديمه للمعرض يقول ترستام هنت مدير «فيكتوريا آند ألبرت»: «أردنا أن نستعرض هذا الموضوع الجذاب من جوانبه المختلفة من التصميم إلى الهندسة إلى القصص الإنسانية. سيكون الأول من نوعه في استكشاف أنماط التصميم المعماري والديكور والتأثير الثقافي والاجتماعي للبواخرة عابرة المحيطات».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».