واقع الطبقة الوسطى ومستقبلها في العراق

واقع الطبقة الوسطى ومستقبلها في العراق
TT

واقع الطبقة الوسطى ومستقبلها في العراق

واقع الطبقة الوسطى ومستقبلها في العراق

صدر حديثا عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» كتاب «الطبقة القائدة» للباحث العراقي د. خالد المعيني.
يحمل الكتاب عدة عناوين فرعية؛ منها: دور الكفاءات الوطنية في بناء الدولة المدنية، وقوانين نقل القوة من الدولة إلى المجتمع، ودراسة في جذور وواقع ومستقبل الطبقة الوسطى في العراق.
في تذييله لكتابه كتب المعيني:
«شكلت شريحة الطبقة الوسطى العمود الفقري، والرافعة في نهوض معظم الدول المتقدمة، وكانت وظيفتها بمثابة القاطرة التي تقود بقية الشرائح نحو المستقبل وبالاتجاه الصحيح، وذلك بسبب من طبيعة خصائصها التي تتسم بالوعي والعقلانية والواقعية، وكونها الشريحة الأكثر إنتاجا ماديا وفكريا. وكثيرا ما شكلت من خلال موقعها صمام أمان هذه المجتمعات المتقدمة من خلال تخفيف حدة الصدمات والمطبات التي تتعرض لها، كما إن حراك هذه الطبقة يعد مقتربا وشرطا لا بد منه في أي فرصة لتشكيل المجتمع والدولة المدنية، حيث يتم من خلالها بانسيابية، تحول عناصر القوة من إطار السلطة إلى مفاصل المجتمع».
وفي ما يخص المجتمع العراقي، يقول المؤلف إن البلد عاش «عقوداً ذهبية في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي؛ إذ شهد قمة بدايات تبلور وعطاء الطبقة الوسطى التي كانت انعكاساتها واضحة على منظومة قيم وتطور وبدايات النهوض والتقدم، قبل الانكفاء والانخراط في دوامة العسكرة وأتون الحروب... في هذه الحقبة الذهبية وبسبب حراك وفعالية هذه الطبقة، شهد العراق استقرارا مجتمعيا نسبيا، وشاعت قيم المدنية والسلم والاستقرار الأهلي». لكن العراق، كما يضيف، يمر حاليا، دولة ومجتمعا، بما يشبه الغيبوبة ومرحلة انحطاط بسبب تهشم وانحلال هذه الشريحة التي تشكل نصف المجتمع، وتركها لمواقعها القيادية، وتخليها عن دورها ووظيفتها لصالح قوى تحالف التخلف من الأميين وأنصاف المتعلمين ليتحكموا بمقدرات البلد ويتصدروا المشهد السياسي والاجتماعي وينحدروا بالمجتمع ومستقبل أجياله إلى أشد مراحل التخلف والاصطراع المجتمعي مرارة في تاريخ العراق الحديث والمعاصر.
ويدعو المؤلف الشريحة الوسطى لمغادرة «حالة التشظي واللامبالاة كي تقول كلمتها وتستعيد زمام المبادرة للقيام بمسؤولياتها التاريخية في النهوض بأعباء المرحلة القادمة، لأنها الشريحة الوحيدة بلا أدنى شك المؤهلة للعب هذا الدور بعد أن تتمكن من صياغة رؤيتها الواضحة وتعيد تماسك وتنشيط وتفعيل ركائزها في شتى ميادين المجتمع المتمثلة بالجامعات والجمعيات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني».
وعموماً، يضع هذا الكتاب بين يدي القارئ رؤية نظرية في إمكانية تفعيل وتأطير دور الطبقة الوسطى سياسيا في العراق للمساهمة في صياغة مستقبله وضمان تقدمه.
يقع الكتاب في 240 صفحة من القطع الكبير.



«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.