مفاوضات عصيبة سبقت تراجع إسرائيل عن خطواتها الاستفزازية في الأقصى

TT

مفاوضات عصيبة سبقت تراجع إسرائيل عن خطواتها الاستفزازية في الأقصى

في حين كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل في ديوانه، أمس، حارس السفارة في عمان، زيف، لكي يزيح الأنظار عن إخفاقاته في إدارة أزمة الأقصى، ويظهر «كمن حمى الدبلوماسيين الإسرائيليين في الأردن، وأعادهم بسلام، رغم أن الحارس قتل مواطنين أردنيين»، بدأت تتكشف خيوط الصراع، وطبيعة المفاوضات العصبية التي جرت، والتي يتضح منها أن جريمة الحارس كانت السلّم الذي توفر لكي تنزل عليه مختلف الأطراف التي تسلقت الشجرة العالية، وفي مقدمتها حكومة نتنياهو، علماً بأن التحقيقات الإسرائيلية تشير إلى أن الحادثة لم تكن ذات علاقة مباشرة بأزمة الأقصى.
فقد اتضح من التحقيقات أن غالبية الخبراء الإسرائيليين اتخذوا، منذ البداية، موقفاً سلبياً من قرار حكومة نتنياهو، يوم الجمعة الماضي، نصب بوابات تفتيش إلكترونية على المداخل الثمانية للمسجد الأقصى المبارك، وأن قيادة الجيش والمخابرات الإسرائيلية نبهت نتنياهو إلى أن القرار سيكون ذا تبعات أخطر مما تصوروا. فالمجلس الوزاري الأمني المصغر في الحكومة الإسرائيلية، الذي توقع حدوث أزمة مع الفلسطينيين، لم يتصور أن يكون رد الفعل الجماهيري بهذه الضخامة. ومع ذلك، ظلت الحكومة على موقفها متأثرة بموقف الشرطة، التي اعتقدت أن «رد الفعل الفلسطيني ما هو إلا موجة عابرة»، وأن «الفلسطينيين مشغولون بأنفسهم وصراعاتهم الداخلية، وسيملّون سريعاً ويرضخون للشروط الإسرائيلية»، وأن الأمر لن يتفاقم ويتطور إلى انتفاضة.
وحسب شلومو هار نوي، الرئيس الأسبق لوحدة حماية الشخصيات المهمة في جهاز المخابرات الإسرائيلية (الشاباك)، فإن «من قرر وضع البوابات لم يتذكر التاريخ، ولم يراجع الدروس، فقد أثبتت التجارب أن 80 في المائة من الهبات الكبرى للفلسطينيين كانت تتعلق بالمسجد الأقصى، وأنه لا يجوز لإسرائيل أن تلعب بهذه النار في أي حال من الأحوال». ولفت إلى أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، كان قد أبلغ نتنياهو برأيه، وألمح إلى ذلك بتصريحات علنية، قال فيها إن «رد الفعل الفلسطيني على بوابات التفتيش لا يشبه ردود الفعل الفلسطينية على أحداث وقعت في السنوات الأخيرة»، فيما سربت جهات استخبارية أن «الجيش يستعد لمواجهة انتفاضة فلسطينية ثالثة».
وقد وصلت تحذيرات قادة الجيش والمخابرات الإسرائيلية أيضاً إلى مسامع المسؤولين في البيت الأبيض في الولايات المتحدة، الذين كانون يتابعون الموضوع من دون زائد اهتمام. وعندما طالبتهم دول عربية عدة بالتدخل، بدأوا يفتشون عن حل، ولكن ببطء شديد لا يلائم التطورات، فيما كان الشارع الفلسطيني يزيد التهاباً، خصوصاً في القدس، حيث أصبحت كل صلاة (5 مرات في اليوم) موقداً للصدام. وقتل 5 فلسطينيين، وأصيب نحو ألفين بجراح. وبدأت المظاهرات تشتعل في عواصم العالم، وقررت السلطة الفلسطينية وقف الاتصالات، بما في ذلك التنسيق الأمني.
وحتى ذلك الحين، كانت الحكومة الإسرائيلية مصرة على إبقاء البوابات، وكان قادتها يتنافسون على من يبدو أكثر تشدداً في ذلك. وبدا أن واشنطن بدأت تدرك خطورة الموقف، فقررت زيادة تدخلها، وأبلغت إسرائيل أن عليها إزالة هذه البوابات، والتفاوض مع الأردن على بدائل، وأرسلت مبعوث الرئيس إلى الشرق الأوسط، جيسن غرينبلات، ليجند الفلسطينيين لتأييد الاتفاق. ولكن الأردنيين والفلسطينيين رفضوا الحديث عن بدائل، وقالوا إنهم مصرون على عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انفجار الأزمة.
وفي هذه الأثناء، نشأت أزمة أخرى بين إسرائيل والأردن، إذ قام حارس في السفارة الإسرائيلية في عمان بقتل صاحب البيت الذي يستأجره بمحاذاة مقر السفارة، وقتل عامل أردني كان قد جاءه لإتمام العمل في تركيب أثاث بيته. واستحكمت السفيرة الإسرائيلية في عمان، ومعها 30 عنصراً من الدبلوماسيين والحراس داخل السفارة، تحاصرهم قوات الدرك الأردني، وتفصل بينهم وبين الجماهير الأردنية الغاضبة. ومع أن التحقيقات دلت على أن العامل الأردني قد هاجم الحارس الإسرائيلي بمفك يستخدمه في عمله، ولم يحضره بشكل مخطط ليستخدمه في عملية طعن، وأن الصدام بينهما وقع على خلفية شكوى الحارس الإسرائيلي من أن الأردني لم يتمم العمل كما يجب، فإن الأمر اتخذ فوراً طابعاً سياسياً، كما لو أن الطعن تم على خلفية الاستفزازات الإسرائيلية في الأقصى.
وهرع رئيس جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي (الموساد)، يطلب من نظيره الأردني السماح بمغادرة طاقم السفارة إلى إسرائيل، فرد الأردني بضرورة إجراء تحقيق في العملية، ورد الإسرائيلي بأن القانون الدولي يحمي ويوفر حصانة راسخة لكل من يوجد في السفارة. فقال الأردني إن الحديث يجري عن قاتل، ولا بد من التحقيق الأردني معه. وعندها، اتفق على أن يحضر إلى عمان رئيس المخابرات العامة الإسرائيلية (الشاباك)، نداف أرغمان، ويحضر معه محققان من المخابرات الأردنية، ويجريا التحقيق معاً. وقد شاهد الثلاثة ما سجلته الكاميرات في المنطقة، وما قاله شخص أردني ثالث يعمل حارساً على عمارة السكن التي يقع فيها بيت الحارس الإسرائيلي، فخلصوا إلى أن الحارس الإسرائيلي تعرض فعلاً للطعن بالمفك، فأطلق الرصاص للدفاع عن نفسه، وأنه «كان خائفاً لدرجة الموت، فجاء رده على مهاجمته قاتلاً»، وأنه «قتل العامل أولاً ليحمي نفسه، ثم أطلق على صاحب البيت البريء الرصاص بالخطأ، أو ربما لأنه حاول الإمساك به حتى لا يهرب إلى مقر السفارة الآمن».
وعندها، جرى ترتيب محادثة هاتفية بين العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، ونتنياهو. وقد طلب الملك إزالة جميع البوابات تماماً، وجميع الكاميرات التي تم نصبها بعد أحدث الأقصى الأخيرة، وتكليف لجنة إسرائيلية أردنية بالعمل خلال 6 شهور على وضع مشروع مراقبة أمنية جديد للأقصى، ضمن محاربة من ينفذ اعتداءات عنيفة من الطرفين ضد أي من الطرفين. وهكذا، جرى إطلاق سراح الدبلوماسيين، وإخلاء السفارة الإسرائيلية في عمان تماماً، وباشرت إسرائيل في اللحظة نفسها إزالة البوابات والكاميرات الجديدة.



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.