باريس تسعى إلى «تجديد» اتفاق الصخيرات واختصار المجلس الرئاسي الليبي إلى ثلاثة

ماكرون يطمح من اجتماع السراج وحفتر إلى بلورة «خريطة طريق» للحل

رئيس حكومة الوحدة الوطنية فائز السراج (أ.ف.ب) - المشير خليفة حفتر (أ.ف.ب)
رئيس حكومة الوحدة الوطنية فائز السراج (أ.ف.ب) - المشير خليفة حفتر (أ.ف.ب)
TT

باريس تسعى إلى «تجديد» اتفاق الصخيرات واختصار المجلس الرئاسي الليبي إلى ثلاثة

رئيس حكومة الوحدة الوطنية فائز السراج (أ.ف.ب) - المشير خليفة حفتر (أ.ف.ب)
رئيس حكومة الوحدة الوطنية فائز السراج (أ.ف.ب) - المشير خليفة حفتر (أ.ف.ب)

أخيرا وقع خيار باريس على قصر سيل سان كلو، الواقع في ضاحية باريس الغربية لاستضافة اللقاء الثلاثي الذي سيجمع بعد ظهر اليوم المسؤولين الليبيين المتنافسين، فائز السراج، رئيس حكومة الوحدة الوطنية والمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وسيحضر الاجتماع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الوزير السابق غسان سلامة الذي يباشر رسميا مهامه نهاية الأسبوع الحالي. وبعد أن كان مقررا دعوة ممثلين عن الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، صرف النظر عن الفكرة. مصادر في الرئاسة الفرنسية حرصت أمس على التشديد على أن باريس «لا تريد استبعاد أحد» وأنها «قامت بالتشاور مطولا وبالعمق» مع الدول المعنية أكانت دول الجوار الليبي منها مصر والجزائر والمغرب أو البلدان الخليجية أو الأطراف الأوروبية «وعلى رأسها روما» والدول الأخرى.
وأكدت هذه المصادر أن المبادرة الفرنسية تمثل «امتدادا» للمبادرات الدولية السابقة وأنها «تأتي في سياق الجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة». كذلك حرصت باريس على تأكيد أنها، في الداخل الليبي: «قامت باطلاع اللاعبين المحليين كافة على ما تقوم به من أجل الحصول على دينامية جماعية» دافعة باتجاه الخروج من الأزمة الليبية. وخلاصة الأمر أن باريس عملت لتوفير «أفضل الظروف» لإنجاح الاجتماع المذكور وهي تعتبر أن «توقيته» اليوم يستفيد من عوامل «إيجابية» ويأتي في «لحظة مناسبة» فضلا عن أن المبادرة الفرنسية «تحظى بدعم واسع». ومن جانب آخر، تبدو المصادر الرئاسية واثقة من أن الطرفين المعنيين بديا «مستعدين للعمل معا».
* ما هو المتوقع من الاجتماع؟
حقيقة الأمر أن سقف التوقعات الفرنسية من اجتماع سيل سان كلو ليس مرتفعا ويعود ذلك لأن فرنسا تعي العقبات التي تحول دون الوصول إلى نتائج حاسمة ولأنها تعرف أنها ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها السراج وحفتر وآخرها في أبوظبي في مايو (أيار) الماضي. وما تطمح إليه باريس هو التوصل إلى «إعلان مشترك» من نحو عشر فقرات لم يكن انتهى العمل منه حتى مساء أمس يكون بمثابة «خريطة طريق سياسية» للخروج من الحرب في ليبيا. وشددت أوساط الإليزيه، في لقاء تمهيدي مع الصحافة قبيل ظهر أمس، على القول إن «إعلان باريس» لا يشكل حلا سياسيا «للوضع في ليبيا بل إنه يكتفي بتقديم مبادئ ورؤية مشتركة للحل». وإذا حصل ما تخطط له العاصمة الفرنسية وصدر الإعلان المشترك، فإنها تكون «المرة الأولى» التي يقبل بها الطرفان توقيع وثيقة كهذه، الأمر الذي تعتبره باريس بحد ذاته نجاحا مهما. ومن المنتظر أن ينص «الإعلان» على أن «لا حل عسكريا للحرب في ليبيا بل الحل سياسي» وأن يؤكد أن فائز السراج هو «الممثل الشرعي» الذي يحظى بدعم الأمم المتحدة والأطراف الدولية وأن الجانبين «عازمان على العمل معا» من أجل الحل المنشود فضلا عن وحدة ليبيا.
عمليا، سيلتقي ماكرون على انفراد السراج ثم حفتر في الثالثة من بعد الظهر على أن يعقد عقب ذلك الاجتماع الثلاثي بحضور سلامة الذي يكون قد التقى قبلها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان. وينتهي الاجتماع بصدور الإعلان المشترك وبلقاء صحافي مع الرئيس ماكرون يعرض فيه النتائج ولكن من غير أسئلة وأجوبة.
لم تكن باريس لتدعو للاجتماع لو لم يكن بعض الأفكار التي ستحملها إليه وستناقش خلاله. ومن الأفكار الفرنسية الحاجة إلى «تجديد اتفاق الصخيرات» الذي رعته الأمم المتحدة والذي أفضى إلى قيام المجلس الرئاسي وحكومة السراج. وتعتبر باريس ومعها الكثير من الدول مثل مصر والإمارات العربية المتحدة أن الاتفاق المذكور «لم يعد يتلاءم وطبيعة المتغيرات» التي حصلت في ليبيا سياسيا وميدانيا. وأهمها أن المشير حفتر أصبح شخصية «لا يمكن الالتفاف عليها» وبالتالي يجب أن تكون جزءا من الحل لا أن تعتبر جانبا من المشكلة. ونقلت أوساط دبلوماسية عربية في باريس لـ«الشرق الأوسط» أن فرنسا أصبحت «قريبة جدا» من حفتر وأن دعوته لاجتماع ثلاثي أحد أطرافه الرئيس الفرنسي «اعتراف بشرعيته» وأيضا بـ«دوره في الحل». ومما سيتم تدارسه غدا إعادة النظر في تشكيل المجلس الرئاسي والأرجح حصره بثلاثة أشخاص يكون حفتر أحدها «إلى جانب السراج وشخصية ثالثة». بيد أن الموضوع الرئيسي لاجتماع اليوم سيكون مقترح السراج إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في الربيع القادم وفق المقترحات التي طرحها قبل أيام قليلة. وأحد الوجوه الإيجابية أن باريس تعتبر أن حفتر الذي رفض دوما العمل تحت إمرة السلطة المدنية باعتبارها «خاضعة للإسلاميين» أصبح اليوم، بحسب ما تؤكده المصادر الفرنسية: «أكثر انفتاحا للنقاش والتعاون» بل إن فرنسا ترى أنه «يفكر بلعب دور في الانتخابات الرئاسية المستقبلية».
وكان قصر الإليزيه قد نشر بيانا صباح أمس جاء فيه أن المبادرة الفرنسية غرضها «تسهيل التوافق السياسي بين السراج وحفتر في الوقت الذي يتسلم فيه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مسؤولياته». وأضاف البيان أن فرنسا «بالتفاهم مع شركائها، تسعى لتأكيد دعمها للجهود الساعية للتوصل إلى تسوية سياسية تحت إشراف الأمم المتحدة تجمع الأطراف الليبية كافة». والتحدي، في نظر الإليزيه، يكمن في «بناء دولة قادرة على الاستجابة للحاجات الأساسية لليبيين وتستند إلى جيش نظامي موحد يكون خاضعا للسلطة المدنية» معتبرة أن ذلك يشكل «ضرورة لبسط السيطرة على الأراضي والحدود الليبية ومحاربة المجموعات الإرهابية وعمليات تهريب السلاح والمهاجرين ولكن أيضا للعودة إلى حياة مؤسساتية مستقرة».
من جانب آخر، يعكس اجتماع اليوم رغبة رئاسية فرنسية في أن تلعب باريس دورا رياديا في الملف الليبي لما يحتضنه من تحديات في ثلاثة ميادين هي الاستقرار في شمال أفريقيا وبلدان الساحل والحرب على الإرهاب والخوف من تحول ليبيا إلى بيئة رئيسية حاضنة لـ«داعش» وللتنظيمات الإرهابية المختلفة وأخيرا تدفق تيارات الهجرة نحو الاتحاد الأوروبي انطلاقا من الشواطئ الليبية بسبب غياب الدولة والافتقار إلى الرقابة. ووصفت المصادر الرئاسية الوضع في ليبيا بأنه «بالغ التفجر سياسيا وعسكريا» وأن هناك حاجة لمبادرة دبلوماسية - سياسية قوية. وليس سرا أن الدور الذي تبحث عنه باريس ينظر إليه من قبل إيطاليا بكثير من التشكيك الأمر الذي برز في تصريحات ساندرو غوزي، وزير الدولة الإيطالي للشؤون الأوروبية إلى صحيفة «لا ريبوبليكا» حث فيها ماكرون على أن «يكون التزامه في الأزمة الليبية جامعا ويستند إلى علاقة خاصة مع ليبيا». وتعتبر روما أنها المعنية الأولى بما حاصل في ليبيا لأنها تتحمل العبء الأكبر في موضوع اللاجئين الأفارقة الذين يعبرون البحر سعيا للوصول إلى أوروبا. وكرد على «القلق» الإيطالي من التهميش، أكدت المصادر الرئاسية أن باريس «تتشاور عن كثب» مع المسؤولين الإيطاليين وأنه «ليس هناك من عتب» إيطالي. أما سبب المبادرة الفرنسية فلأن ليبيا «موجودة على رأس أولويات الرئيس ماكرون». يبقى السؤال: لماذا ستنجح باريس حيث فشلت المحاولات الأخرى؟ الرد الفرنسي هو أن الظروف تبدلت وأصبحت أكثر مواءمة وفي تفاصيلها أن حفتر أصبح أكثر انفتاحا بعد نجاحاته الميدانية وأن الأجواء لدى بلدان الجوار والأطراف الأخرى أكثر ملاءمة. من جانبها، تعتبر مصادر دبلوماسية عربية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن الأزمة الخليجية تحولت إلى «عامل مساعد» للحوار كما أن وصول ماكرون إلى السلطة «وحد» الموقف الفرنسي المنقسم سابقا بين الخارجية الداعمة للسراج والدفاع الأقرب إلى حفتر.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.