أزغاي: على قطاعاتنا الثقافية أن تصبح مورداً اقتصادياً فعالاً

الشاعر والتشكيلي المغربي يرى أن أغلب المبادرات تستهلك الميزانيات بدل أن ترفدها

عزيز أزغاي
عزيز أزغاي
TT

أزغاي: على قطاعاتنا الثقافية أن تصبح مورداً اقتصادياً فعالاً

عزيز أزغاي
عزيز أزغاي

تزايد الاهتمام في المغرب، خلال السنوات الأخيرة، بموضوع التنمية الثقافية والصناعات الثقافية والإبداعية، بشكل وجد صداه في عدد من الأبحاث والكتابات التي سعت إلى «تسليط الضوء على قضايا الثقافة مفهوماً وإنتاجاً وأشكالاً»، ورصد التوظيف الجديد لما هو ثقافي «وفق الإملاءات الجديدة التي فرضها الواقع المتحول للإنتاج الثقافي، وما رافق ذلك من ظهور لأسئلة جديدة حاولت أن تعكس هذا التحول، طمعاً في الوصول إلى أجوبة تكون قادرة على تأطير عملية التفكير في السؤال الثقافي».
وفي هذا الحوار يتحدث الشاعر والفنان التشكيلي عزيز أزغاي، الذي هو أحد الكتاب والباحثين المغاربة الذين تناولوا الموضوع، وخصوصا في مؤلفه «الثقافة والصناعات الثقافية في المغرب»، عن هذا الموضوع الهام، معتبراً أن الثقافة عامة والصناعات الإبداعية كمظهر من مظاهرها الفعالة، تشكل مدخلاً أساسياً لإعادة النظر في كثير من اختياراتنا وأفكارنا وتصوراتنا، التي أسسناها على منطلقات باتت متجاوزة وعتيقة وغير مواكبة لما يجري في عالم اليوم.
> لماذا الكتابة عن «الثقافة والصناعات الثقافية في المغرب»؟ هل تناول الموضوع فرضته تحولات الداخل أم شروط العلاقة مع الآخر، في عالم يتطور بشكل متسارع؟
- أتصور أن البحث في سؤال الثقافة عامة، والثقافة في المغرب على وجه الخصوص، مسألة بديهية، بل طبيعية، بالنظر إلى ما يمثله هذا الموضوع من أهمية مركزية في تأطير كل مناحي حياتنا اليومية، وبالتالي، سوف لن يكون إلا إضافة نوعية لما ينتج يوميا من بحوث ودراسات متخصصة، من قبل مفكرين ودارسين وكتاب وفنانين ومبدعين، بل أيضاً من قبل بعض طلبة الجامعة، ممن يملكون حسا نقديا وحاسة ذكية في مقاربة إشكاليات يفرزها هذا المبحث كصدى للواقع الذي ينتجه.
غير أن اختياري البحث في موضوع الثقافة المغربية في بعده التصنيعي / الاقتصادي، فرضته مجموعة من الإملاءات، لعل أهمها المكانة البارزة التي بات يحتلها نشاط «الصناعات الثقافية» في عالم اليوم، وهو مفهوم ظهر منذ أزيد من نصف قرن، قبل الانتقال، لاحقاً، إلى الحديث عن «الصناعات الإبداعية»، كمفهوم متقدم ودقيق، أكد فعاليته داخل اقتصادات عدد من الدول المتقدمة.
من هنا كان تفكيري منصباً نحو طرح إشكاليات وأسئلة تعنى بهذا الجانب، أكثر من السعي وراء إيجاد أجوبة أو حلول عن سبب تخلف قطاعاتنا الثقافية، وعجزها عن مواكبة متغيرات عالم القرن الحادي والعشرين، أي أن تصبح موردا اقتصاديا فعالا داخل بنية باقي الفروع الاقتصادية التقليدية المدرة للثروة. وأظن أنها محاولة بقدر ما أعتبرها طموحة، بقدر ما أعي حدودها المعرفية، لكوني لست خبيرا في الموضوع، لكنني مهتم، بهذا القدر أو ذاك، ببعض قضاياه القطاعية.
ومن بين هذه القضايا اخترت تناول موضوع صناعة الكتاب وتداوله. وفي تقديري، فإن هذا الاختيار/ النموذج، أملته ضرورة البدء من البسيط المتاح، قبل تكريس مجهود بحثي جديد لمجال آخر، قد يعنى بالمجال الفني عامة، وبالفن التشكيلي على وجه الخصوص.

علاقة ملتبسة بالقراءة

> لماذا اختيار البدء من «البسيط المتاح» وتناول «صناعة الكتاب»، قبل أي مجال آخر؟
- نحن أمة لدينا علاقة خاصة، بل تكاد تكون ملتبسة، بفعل القراءة. فأول آية نزلت على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كانت تأمره، ومن خلاله تابعيه، بالقراءة، وفي مقابل ذلك، وبعد أزيد من أربعة عشر قرنا، نجد العرب المسلمين يقعون في أسفل قائمة ترتيب الأمم القارئة. هذه المفارقة جعلتني أوجه اهتمامي إلى موضوع الكتاب، ومن خلاله إلى إشكالية منسوب القراءة، خاصة في المغرب، ومحاولة ربطه بالأسباب الموضوعية والذاتية، التي كرست هذا الوضع البائس.
لا شك أن هناك أسبابا عدة تضافرت لتفرز هذه الحالة المريبة، لعل أبرزها غياب تصورات رسمية واضحة تعنى بموضوع القراءة وتداول الكتاب، وهو غياب يجد بعض تفسيره في طبيعة النظام السياسي المغربي، وحكوماته المتعاقبة - منذ الاستقلال وإلى حدود تسعينات القرن الماضي - الذي كان ينظر إلى الثقافة عامة وإلى بعض توابعها، باعتبارها ترفا أو «دودة زائدة»، بل سلاحا قد يوجه ضدها، في شكل وعي نقدي شقي مضاد، كلما اتسعت رقعته وكثر رجالاته. من هنا كانت الميزانيات التي ترصد للشأن الثقافي، وحتى حدود اليوم، لا تصل إلى نسبة الواحد في المائة من الميزانية العامة للدولة!
هذا الواقع هو الذي أملى علينا إيلاء الاهتمام، أولا، إلى موضوع الكتاب وصناعته، باعتباره مدخلا لتشجيع القراءة وتوسيع دائرتها من جهة، ثم لأهميته المركزية، من جهة ثانية، في خلق وعي متقدم قد يساهم في حلحلة الأمور، وإثارة الانتباه إلى الأسباب الذاتية والموضوعية التي جعلت منا بلدا يساهم، عن وعي أو دون وعي، في تكريس الأمية والجهل ومعاداة القراءة والكتاب، وهذا، فقط غيض من فيض.
> لكن، هل يمكن أن نتحدث، اليوم، عن «صناعات ثقافية» في المغرب، في وقت يتم فيه الحديث عن «غياب سياسة ثقافية»؟
- على الرغم من بعض المبادرات الإيجابية، التي اتخذها بعض وزراء الثقافة المغاربة السابقين، أمثال محمد بن عيسى ومحمد الأشعري وثريا جبران ومحمد أمين الصبيحي، مثل اتخاذ قرار تنظيم المعرض الدولي للكتاب في مدينة الدار البيضاء ومعارض الكتاب الجهوية، وتحويلها إلى مواعيد سنوية قارة، وسن سياسة الدعم الخاصة بمجال النشر ودعم الفنون، وخلق الفرق المسرحية الجهوية ودعم منتجها الفني وغيرها من المشاريع الطموحة، فإن مفعول مثل هذه المبادرات الإيجابية يبقى محدوداً وغير كاف، ولا يرقى، بالتالي، إلى مستوى الحديث عن سياسة ثقافية بالمعنى الذي كرسته كثير من الدول المتقدمة. فأغلب هذه المبادرات والمشاريع التي أتيت على ذكرها، لا تزال تستهلك الميزانيات أكثر من تحولها إلى قطاعات مدرة للثروة. وسأعطيك مثالا واحدا فقط على هذا الخلل. فأهم كاتب مغربي قد لا تتجاوز مبيعات كتبه عتبة الألف نسخة في السنة! هذا دون أن أتحدث عن القاعات السينمائية، التي أصبح معظمها ذكرى تنتمي إلى الماضي. وأكاد أستثني، عدا هذين المثالين، قطاع الفنون التشكيلية، الذي عرف انتعاشة كبرى في سنوات التسعينات وحتى نهاية العشرية الأولى للألفية الثالثة، بسبب دينامية القطاع البنكي وأصحاب القاعات الخاصة، قبل أن يشهد هو الآخر، وإلى اليوم، ركودا كبيرا بسبب «موضة» تداعيات الأزمة المالية النفسية على القطاع الفني في بلادنا. فهل يحق لنا، في ضوء هذه الوضعية الغريبة، الحديث عن صناعة ثقافية مغربية؟ مجرد سؤال لا يخفى على المتتبع جوابه.
> تتحدثون، في مؤلفكم، عن مفهوم «الصناعات الإبداعية» كمفهوم جدید ارتبط بثلاثة میكانیزمات أساسیة، هي: التكنولوجیات الحدیثة والإنتاج ثم إعادة الإنتاج؟
- مفهوم «الصناعات الإبداعية» سقته، في متن الدراسة، على سبيل التعريف بالشيء والاستئناس بأسئلته وبطموحه الاقتصادي ليس إلا. إنه مرحلة متقدمة وصل إليها الوعي الاقتصادي الغربي باعتباره جيلا جديدا من الحلول الاقتصادية الناجعة، التي أفرزتها ميكانيزمات التكنولوجیات الحدیثة ودورة الإنتاج وإعادة الإنتاج، داخل المجتمعات المتقدمة. نحن نتحدث عن دينامية تفكير خلاق متواصلة، ومتجاوزة، ومبتكرة، تسعى إلى تجاوز نفسها وفرض إملاءاتها على الآخرين من أمثالنا. أين نحن من هذا الطموح الذي بات يتحكم في الأرض ويوجه الأذواق والاختيارات!

الكتاب الورقي والإلكتروني

>برأيكم، كيف انعكس الواقع المتحول المرتبط بالتكنولوجيات الحديثة على مستوى الإنتاج الثقافي؟
- سبق للعالم السيميائي العظيم أمبيرتو إيكو أن تناول، في أحد حواراته الشيقة، هذا الموضوع بغير قليل من الإسهاب. وقد أشار في معرض حديثة عن الكتاب وعلاقته بالتكنولوجيات الحديثة، ويقصد بذلك علاقة الكتاب الورقي بالإلكتروني، إلى أن هذه العلاقة يتم تمثلها بكثير من التسرع والتهافت والجهل. وقد أكد، في هذا السياق، أن الحديث الرائج عن هيمنة الكتاب الإلكتروني عن الكتاب الورقي فيه مبالغة وهمية، حيث برهن على ذلك بما يطبعه بلد كفرنسا سنويا من كتب تلقى رواجا منقطع النظير، كما ساق، في الاتجاه نفسه، مثالا آخر يتصل بوسائل النقل حديثها وقديمها. وتساءل، بما معناه: هل أدى اختراع الطائرة إلى زوال الحافلات والقطارات والعربات التي تجرها الدواب؟ إنه منطق ينسحب على الكتاب، بكل تأكيد.
> تتحدثون عن العولمة وتكريس نوع من اللا تكافؤ بين الدول في كل الأسواق العالمية التي تعنى بالاقتصاد الثقافي. فهل نحن مجبرون على مواكبة ما يجري، عالمياً؟
- بكل تأكيد. العولمة تيار حضاري وثقافي وتكنولوجي جارف، إن لم نجتهد في تحضير أنفسنا لإملاءاته، وإن لم نكيف خصوصيتنا مع ما يقدمه إلينا، يوميا، في شكل أفكار ومخترعات وموضات ومنتجات عابرة للقارات، سوف نجد أنفسنا متجاوزين بل أسرى إملاءاته. ولقد سبق للباحثين المغربيين محمد عابد الجابري وعبد الله العروي أن ناقشا هذا الزحف الهائل للعقل الغربي على العالم، وعلينا كعرب مسلمين بالتحديد، في سياق الحديث عن الحداثة وتمظهراتها في عالم متحول.
فإذا كان التاريخ يكتبه المنتصرون، فإن البقاء، في عصرنا هذا، والكلمة العليا المسموعة، لن تكون إلا للاقتصادات المتطورة، وللأسواق النشطة. من هنا تشكل الثقافة عامة و«الصناعات الإبداعية» كمظهر من مظاهرها الفعالة، مدخلا أساسيا لإعادة النظر في كثير من اختياراتنا وأفكارنا وتصوراتنا، التي أسسناها على منطلقات التي باتت متجاوزة وعتيقة وغير مواكبة لما يجري في عالم اليوم.



«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة
TT

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

أعلنت «جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية»، في الكويت، اليوم (الأحد)، عن القائمة الطويلة لدورتها السابعة (2024 - 2025)، حيث تقدَّم للجائزة في هذه الدورة 133 مجموعة قصصية، من 18 دولة عربية وأجنبية. وتُعتبر الجائزة الأرفع في حقل القصة القصيرة العربيّة.

وقال «الملتقى» إن جائزة هذا العام تأتي ضمن فعاليات اختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية، والإعلام العربي لعام 2025، وفي تعاون مشترك بين «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، و«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية»، في دورتها السابعة (2024 - 2025).

وتأهَّل للقائمة الطويلة 10 قاصّين عرب، وهم: أحمد الخميسي (مصر) عن مجموعة «حفيف صندل» الصادرة عن «كيان للنشر»، وإيناس العباسي (تونس) عن مجموعة «ليلة صيد الخنازير» الصادرة عن «دار ممدوح عدوان للنشر»، وخالد الشبيب (سوريا) عن مجموعة «صوت الصمت» الصادرة عن «موزاييك للدراسات والنشر»، وزياد خدّاش الجراح (فسطين) عن مجموعة «تدلّ علينا» الصادرة عن «منشورات المتوسط»، وسامر أنور الشمالي (سوريا) عن مجموعة «شائعات عابرة للمدن» الصادرة عن «دار كتبنا»، وعبد الرحمن عفيف (الدنمارك) عن مجموعة «روزنامة الأغبرة أيام الأمل» الصادرة عن «منشورات رامينا»، ومحمد الراشدي (السعودية) عن مجموعة «الإشارة الرابعة» الصادرة عن «e - Kutub Ltd»، ومحمد خلفوف (المغرب) عن مجموعة «إقامة في القلق» الصادرة عن «دار إتقان للنشر»، ونجمة إدريس (الكويت) عن مجموعة «كنفاه» الصادرة عن «دار صوفيا للنشر والتوزيع»، وهوشنك أوسي (بلجيكا) عن مجموعة «رصاصة بألف عين» الصادرة عن «بتانة الثقافية».

وكانت إدارة الجائزة قد أعلنت عن لجنة التحكيم المؤلّفة من الدكتور أمير تاج السر (رئيساً)، وعضوية كل من الدكتور محمد اليحيائي، الدكتورة نورة القحطاني، الدكتور شريف الجيّار، الدكتور فهد الهندال.

النصّ والإبداع

وقال «الملتقى» إن لجنة التحكيم عملت خلال هذه الدورة وفق معايير خاصّة بها لتحكيم المجاميع القصصيّة، تمثّلت في التركيز على العناصر الفنية التي تشمل جدة بناء النصّ، من خلال طريقة السرد التي يتّخذها الكاتب، ومناسبتها لفنّ القصّ. وتمتّع النصّ بالإبداع، والقوّة الملهمة الحاضرة فيه، وابتكار صيغ لغوية وتراكيب جديدة، وقدرة الرؤية الفنيّة للنصّ على طرح القيم الإنسانيّة، وكذلك حضور تقنيّات القصّ الحديث، كالمفارقة، وكسر أفق التوقّع، وتوظيف الحكاية، والانزياح عن المألوف، ومحاكاة النصوص للواقع. كما تشمل تمتّع الفضاء النصّي بالخصوصيّة، من خلال محليّته وانفتاحه على قضايا إنسانية النزعة.

وقالت إن قرارها باختيار المجموعات العشر جاء على أثر اجتماعات ونقاشات مستفيضة ومداولات متعددة امتدت طوال الأشهر الماضية بين أعضاء اللجنة، للوصول إلى أهم المجاميع القصصيّة التي تستحق بجدارة أن تكون حاضرة في القائمة الطويلة للجائزة، المكوّنة من 10 مجاميع، بحيث تقدّم مشهداً إبداعياً قصصياً عربياً دالّاً على أهمية فن القصة القصيرة العربية، ومعالجته لأهم القضايا التي تهم المواطن العربي، ضمن فضاء إبداعي أدبي عالمي.

وستُعلن «القائمة القصيرة» لجائزة «الملتقى» المكوّنة من 5 مجاميع قصصيّة بتاريخ 15 يناير (كانون الثاني) 2025، كما ستجتمع لجنة التحكيم في دولة الكويت، تحت مظلة «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، في منتصف شهر فبراير (شباط) 2025، لاختيار وإعلان الفائز. وسيُقيم المجلس الوطني احتفالية الجائزة ضمن فعاليات اختيار الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي لعام 2025. وستُقام ندوة قصصية بنشاط ثقافي يمتد ليومين مصاحبين لاحتفالية الجائزة. وذلك بمشاركة كوكبة من كتّاب القصّة القصيرة العربيّة، ونقّادها، وعدد من الناشرين، والمترجمين العالميين.