«أصيلة» تنهي فعالياتها بنقاش حول الإسلام السياسي والعنف

«أصيلة» تنهي فعالياتها بنقاش حول الإسلام السياسي والعنف
TT

«أصيلة» تنهي فعالياتها بنقاش حول الإسلام السياسي والعنف

«أصيلة» تنهي فعالياتها بنقاش حول الإسلام السياسي والعنف

بحثت الجلسة الختامية لندوة «الفكر العربي والمسألة الدينية»، أمس، دور الإسلام في الدولة، وسبل إخراج الإسلام من أزمة التطرف، وذلك خلال آخر ندوة ضمن موسم «أصيلة» الثقافي الدولي الـ39.
واستهلّ فهد العرابي الحارثي، رئيس مركز «أسبار» للدراسات والبحوث والإعلام، حديثه عن الدين الإسلامي الذي ارتبط في الذاكرة الإنسانية على أنه دين بناء وحضارة وفتوح وعلم وسياسة، وصنع حضارة كبيرة أمدت البشرية بالأسس والقيم، وكان يشكل قوة في تاريخ البشرية، فتحول اليوم إلى «أهم مشكلة تواجه البشرية»، مما أصاب المثقفين بالفوبيا من التحدث عن الإسلام، ورغبتهم في التبرؤ منه، وتحاشي الحديث فيه.
من جهته، تحدث أحمد الصياد السفير والمندوب الدائم لليمن لدى اليونيسكو سابقا، عن الفكر الإسلامي ومسألة العنف والتطرف والإرهاب، وأوضح أنه من الصعب الاستمرار فيما نراه من عنف بعيدا عن الإطار التاريخي والديني. ويرى الصياد أن العنف ليس ظاهرة جديدة عن التاريخ والدين لأن ماضي وحاضر الإسلام تأسس بحد السيف، ومات عدد من الخلفاء على مر التاريخ قتلا أو بالسم وكان العنف مرافقا لكل الغزوات والفتوحات.
من جانبه، أفاد محمد عبد الوهاب رفيقي، الفاعل والباحث المغربي في الدراسات الإسلامية، أن محاربة العنف لا يمكن عزلها عن القرار السياسي، لأن من يروج لبنيات الفكر المتطرف هي القرارات السياسية المبنية على مصالح قريبة وتوازنات سياسية، داعيا إلى اعتماد قرارات بعيدة المدى. وأوضح رفيقي أنه من بين العوامل المغذية للعنف، هناك إشكال التركيز على الماضي وعلى أمجاد الغزوات والحروب، وتجاهل العلماء والمفكرين لبناء المستقبل، وتمجيد الأحاديث عن الملاحم والفتن، وأعطى مثالا على ذلك بـ«كتاب الفتن» لنعيم بن حماد.
أما طالب الرفاعي الكاتب والروائي الكويتي، عضو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، فانتقد بشدة المحاضرات التي يقوم بها المفكرون والباحثون داخل الأسوار العالية والتي لا تلامس أبدا المواطن في الشارع، موضحا أن الحوار منقطع تماما بين المثقف والمجتمع وبين المثقف والمثقف نفسه. وأضاف الرفاعي أن الفكر منقطع تماما عما يجري من قتل وسفك الدماء الذي يحدث في الشارع العربي، والمفكر بحاجة إلى أن يتواضع وينزل إلى الشارع، موضحا أنه عاش في جيل كان يحلم بقطر عربي واحد وأمة عربية واحدة، لكن هذا الحلم تلاشى الآن وأصبح يحلم فقط بأن يبقى العراق عراقا وسوريا تبقى هي سوريا ويبقى اليمن يمنا ويبقى كل بلد عربي متماسكا.
في سياق آخر، قال هيثم الزبيدي، رئيس تحرير جريدة العرب اللندنية وموقع «ميدل إيست أونلاين»، إن الخطاب الديني المعاصر يحاول أن يكون منطقيا بربطه الوعظ بالعلم أو بتبني الاقتصاد الإسلامي والديمقراطية الإسلامية والدعوة للتسامح من أجل التقرب للغرب، فيقدمون الغرب على أنهم النموذج والسياسي الأمثل بعد أن عانت أوروبا في السابق من الحركات الفاشية التي انتهت بالحرب العالمية الثانية، ويحاولون أن يقدموا ديمقراطيتهم رغم أنها ليست فكرة مؤسسة في الفكر الإسلامي.
وشدد محمد الحارثي رئيس تحرير مجلتي «سيدتي» و«الرجل»، على أن العالم العربي يجب أن يوفر فرص الشغل للشباب لأن البلاد العربية بحاجة إلى 5 ملايين ونصف مليون فرصة عمل، وتحتاج كذلك إلى توفير التدريب للقوى العاملة والاهتمام بالجانب التطبيقي وبناء الشراكات وتقديم الدعم للصناعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير الأمن في مواجهة التطرف، مشيرا إلى أن العطالة لا يمكن أن تنتج مفكرا أو عالما، لكن من السهل أن تنتجا متطرفا وإرهابيا بسبب الحقد المجتمعي الذي يخلفه الفقر والبطالة.
من جهتها، تحدثت انتصار البنا الباحثة والكاتبة الصحافية البحرينية عن نشوء فكرة «الإسلام هو الحل» والتي بدأت مع الاستعمار الذي حجم دور الدين في المدارس التقليدية وقصره على تحفيظ القرآن الكريم في المساجد ودور العبادة.
من جهته، شدّد هاني نقشبندي الكاتب الصحافي والروائي السعودي على أن الأهم هو التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة العطالة والفقر والأمية والمرض وغيرها، وتوعية الشباب وتحديد أهدافه وإصلاح برامج التعليم والتربية.
وتحت عنوان «ظروف بنية الفكر الإسلامي ومعضلة التجديد»، قدّم رشيد الخيون الكاتب الصحافي والباحث العراقي مداخلة ميز فيها بين الفترة المكية والفترة المدنية في القرآن الكريم، وتحدث عن الفترة الإسلامية الراشدة وعن الدولتين الأموية والعباسية، وعن مفهوم التجديد في الإسلام والأحاديث الموضوعة.
وتطرّق الخيون إلى إشكال التجديد في الفكر الإسلامي عبر التاريخ، مستشهدا في ذلك بآيات قرآنية تدعو للتجديد لكن تأويلها كان خاطئا، حيث تم التعامل مع التجديد دائما على أنه إعادة للماضي من جديد واسترجاع الأفكار القديمة بدل التفكير والإبداع بأسلوب يتطلع إلى المستقبل.
وأعرب الكاتب الصحافي اللبناني إياد أبو شقرا عن اعتقاده أن دور الإسلام السياسي صار تفتيتيا للأمة العربية - الإسلامية، بسبب تركيزه على التمييز بين التيارات والمذاهب الدينية (أهل التنزيل وأهل التأويل). وقسم أبو شقرا الإسلام إلى ثلاث مراحل، حددها في الإسلام الشعائري ثم الإسلام الإصلاحي الاجتماعي وصولا إلى الإسلام السياسي، موضحا أنه عبر العصور لم يكن هناك وجود لإسلام واحد، لأن الإسلام في مصر ليس هو نفسه في إيران أو تونس أو الهند وغيرها لذا وجبت المحاولة من جديد لفهم الإسلام بعيدا عن التفسير والتأويل.
في سياق آخر، تحدث محمود علي الداود رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في بيت الحكمة ببغداد، عن التجربة العراقية في التطرف الديني داعيا إلى وضع استراتيجية شاملة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية للنهوض بمدينة الموصل التي تحررت من «داعش»، بدعم من الدول العربية والأمم المتحدة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.