ترجمة الكتاب الإسرائيلي.. تطبيع ثقافي أم ضرورة معرفية؟

يهاجمها البعض ويدافع عنها الآخرون

عناوين بعض الكتب الإسرائيلية المترجمة للعربية
عناوين بعض الكتب الإسرائيلية المترجمة للعربية
TT

ترجمة الكتاب الإسرائيلي.. تطبيع ثقافي أم ضرورة معرفية؟

عناوين بعض الكتب الإسرائيلية المترجمة للعربية
عناوين بعض الكتب الإسرائيلية المترجمة للعربية

على خلفية قيام دار نشر معروفة هي (مدارك) التي يملكها الإعلامي السعودي تركي الدخيل نشر الترجمة العربية لكتاب: «المملكة العربية السعودية والمشهد الاستراتيجي الجديد» للمؤلف الإسرائيلي جاشوا تيتلبام, اندلع سجال ساخن اشترك فيه عدد من المثقفين.. وغير المثقفين وكعادة هذا النوع من السجالات أفرز تيارين: أحدهما يحارب أي مسعى لتقديم المنتجات الأدبية والفكرية الإسرائيلية للجمهور العربي بدعوى أنها تمثل (تطبيعا مع العدو)، والتيار الآخر يدعو لضرورة قراءة الفكر الآخر للتعرف عليه جيدا.

* الكتاب والمؤلف
الكتاب القضية، لا تتعدى صفحاته الـ100. وهو يبدو كبحث سياسي أقرب منه دراسة مطولة، ومؤلف الكتاب هو البروفسور جاشوا تيتلبام، من قسم تاريخ الشرق الأوسط في مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية بجامعة بار إيلان في إسرائيل، وهو يعمل أيضا في معهد هوفر للبحوث. وقد قدم للكتاب الأستاذ الجامعي الأميركي من أصل لبناني فؤاد عجمي، المعروف بقربه من المحافظين في الولايات المتحدة، وهو الآخر عضو في معهد هوفر. وترجمه الدكتور حمد العيسى.
أما في مقدمته الخاصة، فقد حرص المؤلف على مخاطبة القراء العرب. والكتاب عموما لا يخلو من طابع سياسي، يسعى من خلاله المؤلف لشرح سياسات دولة إسرائيل، التي يصفها في الصفحة (11 - 12) بأنها تسعى (لتحقيق الاستقرار في المنطقة) وأن ذلك يجعل لديها مع العرب أو بعض العرب الكثير من المصالح الاستراتيجية المشتركة.
ويتحدث المؤلف عن القضية الطائفية الإسلامية إذ يورد في (الصفحة 13) نقلا عن اللواء في الاحتياط الإسرائيلي عاموس جلعاد، مدير مكتب الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ادعاءه في أغسطس (آب) 2013، (أن الكتلة السنيّة من الدول العربية لا تنظر إلى إسرائيل على أنها عدو لدود).
ويختتم الكتاب بالحديث عن التهديدات الإيرانية وفشل الولايات المتحدة في (فهم المشهد الاستراتيجي الجديد) بما يضمن أمن حلفائها في الخليج (صفحة 76). وهو يجنح لتوظيف القلق من الصعود الإيراني من أجل أن يصور إسرائيل عاملا مهما للتوازن الإقليمي.

* هل هي حملة موجهة؟
الكتاب ليس الأول من نوعه، حتى في الساحة الثقافية السعودية، حيث لا يعد وجود كتب لمؤلفين إسرائيليين جديدا، ففي أبريل (نيسان) العام 2010، ظهرت في معرض الرياض الدولي للكتاب رواية سوقتها دار نشر عربية هي (الجمل) تحمل اسم «أسطورة عن الحب والظلام»، للمؤلف الإسرائيلي عاموس عوز. ولقيت الرواية إقبالا ملحوظا. ومع ذلك لم تحدث هذه الرواية الجدل الذي أحدثه كتاب (مدارك)، ولذلك يرى تركي الدخيل أن «الحملة موجهة، ومقصودة».
ويتساءل، في اتصال هاتفي معه من مقره في دبي: «من يهاجموننا ألم يشاهدوا شخصيات إسرائيلية على قناة الجزيرة؟». ويضيف: «القصة ليست أن تنشر لكاتب إسرائيلي أو خلافه، ولكن القصة هي ماذا تنشر لهذا الكاتب، فهناك مراكز دراسات فلسطينية نشرت لكتاب إسرائيليين». ويعتقد تركي الدخيل أن الحملة التي اتخذت موقع «تويتر» ساحة لها، لم تكن بريئة، فالمقصود منها كما يقول: «التشويش».
لكن، ما السبب وراء ترجمة ونشر هذا الكتاب في العالم العربي؟ يقول الدخيل: «الكتاب يسلط الضوء على جانب سياسي بدراسة تحليلية. ثم إن المنتج الثقافي والأدبي هو منتج إنساني مهما تنوعت مصادره». ويضيف: «ما لم يفهمه المعترضون أننا نقدم دراسة سياسية ولم نستضف إسرائيليين في مدينة سعودية كالرياض أو جدة، وبالتالي فإننا لا نرى أن اختيار كتاب لمؤلف إسرائيلي هو (تطبيع)». وفي النهاية: «هذا الكتاب يمثل رأي صاحبه، وبإمكان المعارضين نقده أو مناقشته».
أما مترجم الكتاب الدكتور حمد العيسى فكتب في المقدمة: «إن ترجمة هذا الكتاب لا تعني بالضرورة الاتفاق مع جميع محتوياته من مصطلحات وتصنيفات وتحليلات وآراء ومقترحات، ولكن تمت ترجمته لإعطاء القارئ العربي وصناع القرار العرب، وبخاصة في الخليج العربي، فكرة عن رأي باحث ومفكر إسرائيلي بارز ومتخصص حول الصراع الاستراتيجي الحالي في جزء مهم من الشرق الأوسط».

* هل هو تطبيع؟
يتفق مع هذا الرأي الناقد والروائي السعودي. د. معجب الزهراني، الذي لا يرى أن في الأمر تطبيعا «فالإسرائيليون يقرأون جيدا كل شيء عنا وقد يكتبون عن العرب بحرية وعمق أكثر ولذا فمن الواجب معرفة جل ما يكتبون». ويضيف: «إنهم – الإسرائيليون - يتابعون كل ما يكتب عن العرب حتى في الصحف اليومية وأخشى أنهم يعرفون عنا فوق ما نعرف».
أما الناقد الدكتور سعد البازعي، الذي وضع كتابا مهما تحت عنوان: «المكون اليهودي في الحضارة الغربية»، فيقول، ردا على سؤالنا: هل تؤيد ترجمة ونشر المنتجات الأدبية والفكرية والسياسية لمؤلفين إسرائيليين؟: «ليست الإجابة سهلة على هذا السؤال. فكتابي حول المكون اليهودي في الحضارة الغربية انطلق من الإيمان بأهمية معرفة الآخر وعلى النحو الذي يكسر نمطية تلك المعرفة بتجاوز الصور النمطية».
ويضيف البازعي: «لكن تداول كتب الإسرائيليين يختلف عن الكتابة عن تلك المؤلفات. وأظن أن كثيرا من القراء العرب سينفر من قراءة كاتب صهيوني يدافع عن احتلال فلسطين أو الاعتداء شعبها. وقد يقبل قراءة كتاب معتدلين من إسرائيل أو اليهود عموما، وهؤلاء في الغالب ليسوا مؤمنين بالصهيونية.. من هنا يمكن التمييز بين الكتاب الإسرائيليين، فالأكثر اعتدالا لا أجد حرجا في ترجمة أعمالهم أو تسهيل تداولها، لكني أرفض أولئك الذين يتبنون سياسة عنصرية ويؤيدون استمرار الاحتلال. وينسحب هذا على كل كاتب عنصري أو مناصر لإيذاء الشعوب وليسوا الإسرائيليين وحدهم».
الناشر عادل الحوشان، الذي يمتلك دار نشر (طوى) تحدث عن مفهومه للتطبيع الثقافي قائلا: «شخصيا أفرّق كثيرا وأتوقف عند مصطلح التطبيع أكثر.. ما هو المقصود منه؟ بالنسبة للمكوّن اليهودي؛ لا يوجد أدنى شكّ أننا بحاجة إلى الاطلاع عليه ومعرفته ومعرفة تاريخه وموقفه، أما أن يأخذ التطبيع معناه السياسي فهذا بلا شكّ لن يقبله ضميري وأنا أعرف وأتابع وأقرأ وأمعن النظر في مجازر الكيان ضد الفلسطينيين».
ويكمل: «علينا أن نفصل التطبيع، بمعنى ترجمة أو قراءة أعمال أدبية وفنية، عن التطبيع السياسي، إذ يمكن أن نقرأ ما نريد ونجد ما نريد عبر مؤسسات ومراكز بحث تعنى بشؤون الشرق الأوسط، وجامعات تعنى بالدراسات والبحوث، وهناك مادة غزيرة عما قاله اليهود عنا وعن تاريخنا وعن العالم، وبالتأكيد هناك ما هو مهم فيما يقال أحيانا، لكني لن أقبل أن يوجهني صهيوني متطرف سياسيا سواء كان من الكيان نفسه الذي أنجبه ومشروعه أو من أنظمة أخرى أيا كانت درجة العلاقة السياسية بيننا وببينهم ومهما كانت أبعاد المصالح فيها».
على خط هذا السجال، دخل أيضا الكاتب السعودي أحمد عدنان، الذي يقول: «بعد نكسة 1967 أطلق الرئيس جمال عبد الناصر مشروعا بعنوان (اعرف عدوك)، وكان من بين المشرفين عليه الأديب الراحل أنيس منصور، ومن بين مهام هذا المشروع ترجمة النتاج الأدبي والفكري والسياسي الإسرائيلي، كما كان من أعماله برنامج إذاعي اسمه: من قلب إسرائيل. وكان من حيثيات ذلك المشروع، أن الجهل بإسرائيل هو من الأسباب الرئيسية للهزيمة آنذاك، ولم يصف أحد هذا الفعل بالتطبيع».
ويضيف: «إن من حق أي دار النشر أن تطبع ما تريد، كما أن من حق القارئ أن يطالع ما يريد، ويقبل من المحتوى أو يرفضه، فالحديث عن الخوف على وعي القارئ وحمايته منطق وصائي وهو أمر مرفوض، وهو كذلك منطق تشترك فيه التيارات الدينية المتطرفة وسلفيو القومية العربية».
عدنان هو الآخر، يرى أن الحملة جرى توجيهها من قبل من سماهم: «سلفيو القومية العربية»، ويرى أن الحملة ربما جاءت أيضا «في سياق التنافس بين دور النشر».

* كتب إسرائيلية في المكتبات العربية
* تكاد لا تخلو مكتبة عربية معروفة من كتب لمؤلفين إسرائيليين. وتهتم مراكز دراسات وأبحاث ووسائل إعلام بترجمة يومية للصحف الإسرائيلية، وهناك مراكز تتابع كل ما تنشره مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية، وتقدم بعضه للعالم العربي.
وأبرز الكتب التي تسوق في الدول العربية هي كتب لزعماء الحرب الإسرائيليين الذين أصبحوا قادة الدولة العبرية، من قبيل كتاب «سلام بيغن: قصة الأرغون»، لمؤلفه رئيس الوزراء الأسبق مناحم بيغن، وهو من ترجمة صلاح طوقان والناشر دار الشجرة للنشر والتوزيع، وكتاب «الإرهاب» لبيغن نفسه، وهو من ترجمة وتحقيق معين محمود، والناشر دار المسيرة للصحافة والطباعة، وكلا الكتابين يسوقهما موقع مكتبة النيل والفرات.
كذلك صدر لرئيس الدولة العبرية شيمعون بيريس بالعربية كتابان، هما: «معركة السلام، يوميات شيمون بيريز»، ترجمة عمار فاضل ومالك فاضل، وكتاب «الشرق الأوسط الجديد»، ترجمة محمد حلمي عبد الحافظ، والكتابان نشرتهما (الأهلية للنشر والتوزيع).
أما كتاب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي دايان: (قصة حياتي: قيام دولة إسرائيل وحروبها ضد العرب)، فترجمه طارق نصر الدين، ونشرته مكتبة النافذة، والكتاب يسوق عبر (النيل والفرات)، وكذلك كتاب «مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم» لرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، ترجمة محمد عودة وكلثوم السعدي، ونشر الأهلية.
كتاب آخر هو «مذكرات إسحق شامير»، الصادر ضمن سلسلة شخصيات إسرائيلية، عن دار الكتاب العربي، في العام 1995. وكتاب «مذكرات اسحق رابين» عن دار الجليل للطباعة والنشر 1993. وكذلك عدد من مؤلفات وزير الخارجية الأسبق ييجال آلون.
ومن بين عشرات الكتب لمؤلفين إسرائيليين، كانت ترجمتها في فلسطين ومن قبل مراكز دراسات فلسطينية، وواحد من هذه المراكز هو المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» الذي تأسس ربيع عام 2000، بمبادرة مجموعة من المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين من بينهم الشاعر الراحل محمود درويش، وآخرون، والذي أصدر عشرات الأبحاث والدراسات والترجمات والمنشورات المتخصصة في الشأن الإسرائيلي، ولديه دائرة ترجمة تنفذ برنامجا لترجمة كتب موضوعة باللغة العبرية أو الإنجليزية. وتم إصدار 32 كتابا مترجما حتى نهاية 2011. (بحسب موقع مدار).
ومن بين إصدارات المركز كتاب «اختراع أرض إسرائيل»، من تأليف شلومو ساند، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، والكتاب من منشورات (مدار) والمكتبة الأهلية في عمان، كما أصدر المركز الكتب التالية: «فلسطين في الكتب المدرسية في إسرائيل - الآيديولوجيا والدعاية في التربية والتعليم» لنوريت بيلد – الحنان، و«نظام ليس واحدا» لارئيلا ازولاي وعدي أوفير، و«في مصيدة الخط الأخضر» ليهودا شنهاف، و«أسرى في لبنان» لمؤلفه عوفر شيلح ويوءاف ليمور، وكتاب «اختراع الشعب اليهودي» لشلومو ساند، و«سلام متخيّل - عن الخطاب والحدود، السياسة والعنف» لمؤلفه ليف غرينبرغ، و«قراءة إيران في إسرائيل - الذات والآخر، الدين والحداثة» لمؤلفه حجاي رام، ورواية «أراض للتنزه - رواية في شذرات» لعوز شيلح.



جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب تسلّم جوائزها للفائزين وتطلق دورة عمانية

الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
TT

جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب تسلّم جوائزها للفائزين وتطلق دورة عمانية

الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)

أعلنت جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، عن إطلاق الدورة الثالثة عشرة للجائزة، المخصصة للعمانيين فقط، وتشمل فرع الثقافة (في مجال دراسات الأسرة والطفولة في سلطنة عُمان)، وفي فرع الفنون (في مجال الخط العربي)، وفي فرع الآداب في مجال (القصة القصيرة).

وجاء الإعلان في ختام حفل توزيع جوائز الدورة الـ12 للجائزة، الذي أقيم مساء الأربعاء بنادي الواحات بمحافظة مسقط، برعاية الدّكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينيّة، بتكليفٍ سامٍ من السُّلطان هيثم بن طارق.

وتمّ تسليم الجوائز للفائزين الثلاثة في مسابقة الدورة الثانية عشرة، حيث تسلّمت «مؤسسة منتدى أصيلة» في المغرب، عن مجال المؤسسات الثقافية الخاصة (فرع الثقافة)، وعصام محمد سيد درويش (من مصر) عن مجال النحت (فرع الفنون)، والكاتبة اللبنانية، حكمت الصبّاغ المعروفة بيمنى العيد عن مجال السيرة الذاتية (فرع الآداب).

واشتمل الحفل على كلمة لمركز السُّلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم ألقاها حبيب بن محمد الريامي رئيس المركز، استعرض فيها دور الجائزة وأهميتها، مؤكداً على أن الاحتفال اليوم يترجم استحقاق المجيدين للثناء، ليكونوا نماذج يُحتذى بها في الجد والعطاء.

حبيب بن محمد الريامي رئيس مركز السُّلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم (العمانية)

وأشار إلى أن المدى المكاني الذي وصلت إليه الجائزة اليوم، والاتساع المستمر للحيز الجغرافي الذي يشارك منه المبدعون العرب على مدار دوراتها، يأتيان نتيجة السمعة الطيبة التي حققتها، واتساع الرؤى المعوّل عليها في مستقبلها، إلى جانب الحرص المتواصل على اختيار لجان الفرز الأولي والتحكيم النهائي من القامات الأكاديمية والفنية والأدبية المتخصصة، في المجالات المحددة للتنافس في كل دورة، ووفق أسس ومعايير رفيعة تكفل إقرار أسماء وأعمال مرموقة تليق بنيل الجائزة.

كما تضمن الحفل أيضاً عرض فيلم مرئي تناول مسيرة الجائزة في دورتها الثانية عشرة وآلية عمل اللجان، إضافة إلى فقرة فنية قدمها مركز عُمان للموسيقى.

يذكر أن الجائزة تأتي تكريماً للمثقفين والفنانين والأدباء على إسهاماتهم الحضارية في تجديد الفكر والارتقاء بالوجدان الإنساني، والتأكيد على الإسهام العماني، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً في رفد الحضارة الإنسانية بالمنجزات المادية والفكرية والمعرفية.

الدّكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينيّة العماني يكرم ابنة الفائزة حكمت الصبّاغ المعروفة بيمنى العيد عن مجال السيرة الذاتية (فرع الآداب) (العمانية).

وتُمنح الجائزة بالتناوب بشكلٍ دوري بحيث تخصّص في عام للعُمانيين فقط، وفي العام الذي يليه تكون للعرب عموماً، ويمنح كل فائز في الدورة العربية للجائزة وسام السُّلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون والآداب، ومبلغاً ماليّاً قدره مائة ألف ريال عُماني (260 ألف دولار)، أما في الدورة العُمانية فيمنح كُل فائز بالجائزة وسام الاستحقاق للثقافة والعلوم والفنون والآداب، ومبلغاً ماليّاً قدره خمسون ألف ريال عُماني (130 ألف دولار).

وأنشئت الجائزة بمرسوم سلطاني، في 27 فبراير (شباط) 2011، اهتماماً بالإنجاز الفكري والمعرفي وتأكيداً على الدور التاريخي لسلطنة عُمان في ترسيخ الوعي الثقافي، ودعماً للمثقفين والفنانين والأدباء خصوصاً، ولمجالات الثقافة والفنون والآداب عموماً، لكونها سبيلاً لتعزيز التقدم الحضاري الإنساني.


إرفين ومارلين يالوم في رقصة الحياة الأخيرة

مارلين يالوم
مارلين يالوم
TT

إرفين ومارلين يالوم في رقصة الحياة الأخيرة

مارلين يالوم
مارلين يالوم

قد تكون العلاقة العاطفية التي جمعت بين كلّ من الكاتب والمعالج النفسي الأميركي إرفين يالوم، ومواطنته مارلين كونيك، الباحثة في شؤون الأدب المقارن والمرأة والحب، واحدة من أنجح العلاقات التي جمعت بين باحثين كبيرين في القرن المنصرم، وبداية القرن الحالي. على أن ثبات العلاقة بين الطرفين في وجه الزمن لم يكن ليتحقق لولا تصميمهما الراسخ على تخليص ارتباطهما الزوجي من طابعه النمطي الرتيب، وجعله مساحة للصداقة والتكامل الفكري وتشاطر النجاحات والخيبات.

الأرجح أن العامل الحاسم في نجاح العلاقة بين الطرفين المولودين في مطلع ثلاثينات القرن المنصرم، واللذين جمعهما الحب في سن مبكرة، يتمثل في دعم كل منهما للآخر في تحقيق طموحاته وأهدافه ومشروعه الفكري والإبداعي. ففي حين عملت مارلين في جامعة ستانفورد الأميركية، باحثةً في شؤون المرأة والحب وتاريخ النساء والأدب المقارن، عمل إرفين في الجامعة نفسها، منصرفاً إلى التعليم والطب النفسي والكتابة الروائية. والأهم في كل ذلك أن أحدهما لم ينظر إلى الآخر بوصفه خصماً أو منافساً ينبغي تجاوزه، بل بوصفه شريكاً عاطفياً وإبداعياً، ومحفزاً على المزيد من التنقيب المعرفي والإيغال في طلب الحقيقة.

إرفين يالوم

وإذا لم يكن بالمستطاع التوقف المتأني عند أعمال مارلين المهمة، وبينها «شقيقات الدم» و«تاريخ الزوجة » و«ميلاد ملكة الشطرنج»، فلا بد من الإشارة إلى أن هذه الأعمال قد لاقت رواجاً واسعاً في أربع رياح الأرض، وتمت ترجمتها إلى أكثر من 20 لغة عالمية، فيما نال كتابها الشيق «كيف ابتكر الفرنسيون الحب» جائزة المكتبة الأميركية في فرنسا.

أما كتاب مارلين المميز «القلب العاشق»، فهو واحد من أفضل الكتب التي تصدت لموضوع القلب، سواء من حيث كون هذا الأخير عاصمة الجسد ومركزه ومنظم شؤونه، أو من حيث اعتباره عبر التاريخ منزل الحب ومقر الروح، والدريئة التي يسدد إليها كيوبيد سهام الحب، وفق الأسطورة اليونانية. ولأنه كذلك فقد تم تكريس دوره العاطفي المركزي في مختلف الأديان والفلسفات والمجتمعات، واحتفى به الشعراء والفنانون، وبات الشفرة الموحدة لعيد العشاق وهدايا المحبين. وفيما حرص إرفين من جهته على استثمار شغفه بالطب النفسي في الانغماس بالكتابة الروائية، فقد آثر عدم الابتعاد عن دائرة اختصاصه، ليصدر أعمالاً عميقة وفريدة في بابها، من مثل «علاج شوبنهاور» و«مشكلة سبينوزا»، ولينال جوائز عدة أهمها «جائزة سيغموند فرويد للعلاج النفسي».

وإذا كانت رواية إرفين المميزة «حين بكى نيتشه» قد حققت قدراً عالياً من الذيوع والانتشار، فليس فقط لأن مؤلفها تصدى لأحد أبرز فلاسفة الغرب النابغين بالقراءة والتحليل، بل لأن ذلك العمل دار على محورين بالغي الأهمية، محور العلاقة العاطفية الأحادية واليائسة التي جمعت بين نيتشه والكاتبة الروسية الجميلة على ذكاء مفرط لو سالومي من جهة، ومحور اللقاء الافتراضي بين صاحب «غسق الأوثان»، الغارق في تصدعه النفسي وآلامه الجسدية ويأسه الانتحاري، والطبيب النفسي اللامع جوزف بروير من جهة أخرى. وإذ عثر عالم النفس الشهير في مريضه الاستثنائي على واحد من أبرز فلاسفة الغرب وأكثرهم فرادة وجرأة، فقد عرض عليه صفقة رابحة للطرفين، تقضي بأن يعمل الطبيب على شفاء الفيلسوف من آلام الجسد، فيما يعمل الفيلسوف على شفاء الطبيب من آلام الروح.

وفي كتابه «التحديق في الشمس» الذي يستهله بمقولة دو لاروشفوكو حول تعذر التحديق في كلٍّ من الشمس والموت، يقدم إرفين لقرائه كل الحجج والبراهين التي يمكنهم من خلالها تجاوز مقولة الفيلسوف الفرنسي، والتغلب على رعبهم من الموت بوسائل عديدة ناجعة. وفي طليعة هذه الحجج تأتي حجة أبيقور ذات المنطق المحكم، ومفادها أن خوفنا من الموت لا معنى له، لأننا لا نوجد معه في أي زمان أو مكان، فحيث نكون لا يكون الموت، وحيث يكون الموت لا نكون نحن.

ويطرح يالوم في السياق نفسه فكرة الموت في الوقت المناسب، وعيش الحياة بالكامل، بحيث «لا نترك للموت شيئاً سوى قلعة محترقة»، كما فعل زوربا اليوناني. وإذ يذكّرنا المؤلف بقول هايدغر «إن الموت الحقيقي هو استحالة وجود احتمالية أخرى» يدعونا في الوقت نفسه إلى فتح أبواب الحياة أمام ضروب كثيرة من احتمالات العيش وخياراته، وعدم حصر الحياة في احتمال واحد. كما يخصص إرفين الجزء الثاني من كتابه للحديث عن الجهود الشاقة التي بذلها في مساعدة مرضاه، بخاصة أولئك الذين طعنوا في المرض والعمر، على التخلص من رهاب الموت وفكرة العدم، مشيراً إلى أنه حقق نجاحات ملموسة في بعض الأحيان، وأخفق في أحيان أخرى.

العامل الحاسم في نجاح العلاقة بين الطرفين المولودين في مطلع ثلاثينات القرن الماضي دعم كل منهما للآخر في تحقيق طموحاته وأهدافه

إلا أن إصابة مارلين بسرطان نقي العظم بدت بمثابة الحدث الزلزالي الذي كان إرفين يظن نفسه بمنأى عنه، كما هو حال البشر جميعاً، حتى إذا وقع في بيته وإلى جواره، بدت المسافة بعيدة بين النظرية والتطبيق، وأوشك بناؤه البحثي على التهاوي. وفي أوج الوضع الحرج للطرفين، اقترحت مارلين على زوجها، وبضربة ذكاء حاذقة، أن يقوما بمراوغة الكوابيس السوداء للمرض، من خلال القيام بوضع عمل سردي مشترك، يعرضان فيه ليوميات المواجهة الضارية مع السرطان، فيما يتكفل العمل من ناحية أخرى بحفظ اسميهما وتجربتهما العاطفية المشرقة في ذاكرة الأجيال.

وإذا كانت أهمية الكتاب المذكور الذي وضعا له عنوان «مسألة موت وحياة»، قد تجسدت في ما أثاره الزوجان من أسئلة وهواجس متصلة بقضايا الحب والصداقة والحياة والمرض والموت، وصولاً إلى معنى الوجود على الأرض، فإن المفارقة الأكثر لفتاً للنظر في الكتاب، لا تتمثل في تناوبهما الدوري على إنجاز فصوله فحسب، بل في الطريقة الهادئة والعقلانية التي تقبّلت بها الزوجة المريضة فكرة الموت، مقابل حالة الهلع والإنكار التي بدت على إرفين، وهو الذي طالما نصح مرضاه بأن يتقبلوا الزائر الثقيل بروح رياضية وتفكير رصين.

وفيما يتابع الزوجان في الكتاب ما تكابده مارلين من آلام، وما يطرأ على وضعها من تغيرات، يعمدان في بعض الأحيان إلى الهروب مما يحدث على أرض الواقع، عبر نقل المشكلة إلى إطار آخر يتعلق بمشكلات نظرية شائكة، أو الانكفاء باتجاه الماضي بحثاً عن الأطياف الوردية لسنوات زواجهما الأولى. كما يتبدل عصب السرد وأسلوبه تبعاً لحالة الزوجة، التي تقع فريسة القنوط القاتم في بعض الأحيان، فيما تحاول تجاوز محنتها أحياناً أخرى، عبر اللجوء إلى الدعابة السوداء والسخرية المُرة، فتكتب ما حرفيته «إننا نشكل زوجاً جيداً، فأنا مصابة بالسرطان النقوي، وهو يعاني من مشكلات في القلب واضطراب التوازن. فنحن عجوزان في رقصة الحياة الأخيرة».

أما المفارقة اللافتة في الكتاب، فلا تتمثل في سعي الزوجة المتألمة إلى إنهاء حياتها بواسطة ما يعرف بالموت الرحيم، أو بمكاشفة إرفين لمارلين برغبته في إنهاء حياته معها، وهو المصاب ببعض أعراض النسيان وبمرض في القلب، بل في رد مارلين المفعم بالدعابة والتورية اللماحة، بأنها «لم تسمع في كل أنحاء أميركا عن تابوت تقاسمه شخصان اثنان». والأرجح أن الزوجة المحتضرة، التي ما لبثت أن رحلت عن هذا العالم عام 2019، كانت تهدف من خلال إجابتها تلك لأن توصل لزوجها الخائف على مصيره رسالة مبطنة مفادها أنه لن يلبث أن يفعل إثر رحيلها ما يفعله الرجال في العادة، وهو الارتباط بامرأة أخرى تخفف عنه أثقال الوحشة والعجز والتقدم في السن. ومع أن الزوج الثاكل قد برر تراجعه عن فكرة الانتحار، برغبته في عدم خذلان مرضاه أو خيانة مسيرته المهنية، فإن لجوءه بعد رحيل زوجته إلى الزواج من الطبيبة النفسية ساكينو ستيرنبرغ، وهو في الثالثة والتسعين من عمره، كان سيقابل من قبل مارلين، لو قُدِّر لها أن تعلم، بأكثر ابتسامات النساء اتصالاً بالحيرة والإشفاق والدهشة الساخرة.


«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني
TT

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

تستحضر الكاتبة العمانية شريفة التوبي في روايتها «البيرق... هبوب الريح»، التي وصلت مؤخراً إلى القائمة الطويلة لجائزة بوكر العربية 2026، التاريخ بوصفه عنصراً رئيساً في مجمل أعمالها، مستلهمة الكثير من الحكايات التراثيّة، وقد أُعيد تشكيلها وبثّ الروح فيها من جديد.

تسبر التّوبي، في روايتها الجديدة، وهي خاتمة ثلاثية بعنوان البيرق، أغوار السّرد الشفاهي العُمانيّ، وتبحث في دهاليزه وعوالمه عن حكايات تتواءم مع الأفكار التي تريد مشاركتها مع القارئ، مقدمة نموذجاً في اشتباك الروائي المعاصر مع التاريخ والموروث الشفاهي.

في هذه الرواية التي صدرت هذا العام عن «الآن ناشرون وموزعون»، في عمّان، وجاءت في نحو 600 صفحة، بغلاف من تصميم الفنانة العُمانية بدور الريامي، تعود التّوبي إلى تلك الحكايات التي كان يرويها جدّها عن ذلك التاريخ القديم لعُمان.

تصوّر الروائيّة في الجزء الأول مقاومةَ سكّان حارة الوادي للوجود البريطاني الذي كان يفرض سيطرته على البلاد، في خمسينات القرن الماضي، ومناصرتَهم لحكم الإمام، في صراع غير متكافئ، تمخّضت عنه معاناة قاسية لأهل الوادي. ولأن هذه الحكاية لم تُذكر في كتب التاريخ، فقد نسجت الروائيّةُ خيوطها، وقدّمت أبطالها برؤية سردية أضاءت المناطق المعتمة في الحكاية، مازجةً الواقع بالخيال الفنيّ فقدمت وصفاً لطبيعة الحياة الشعبية وتفاصيل العلاقات الاجتماعية بين الناس.

وتتناول التّوبي في الجزء الثاني أحداث الفترة التي سمَّاها المؤرخون «حرب الجبل»، التي دارت في المرحلة الزمنية «1956- 1959». إذ تقوم حبكة هذا الجزء على وقع الحرب التي دارت رحاها في خمسينات القرن العشرين وستيناته، بكل ما دفعه البسطاء من ثمن وتضحية.

وتستكمل التّوبي في الجزء الثالث «هبوب الرِّيح» أحداثَ هذا المسار التاريخي الذي شهد ولادة مقاومة وطنية ذاتِ توجهات ثورية (قومية وماركسية)، وهي مواجهة انتهت أيضاً إلى الهزيمة والنكوص لأسباب تتعلّق باختلال موازين القوى بين الطرفين. فقد بدت الحركة الوطنية وكأنها تحمل مزيجاً آيديولوجيّاً أُملِيَ من الخارج، ولم تنتجه خصوصية الواقع الاجتماعي والثقافي العماني.

تعتني التّوبي في روايتها الجديدة بالجانب الاجتماعي، بالمرأة، بالعائلة، بزوجة السجين أو المناضل وأمه، في النصف الثاني من عمر القرن الماضي، وقد سلّطت الضوء على المشاعر الداخلية التي يعيشها ذلك الإنسان الفقير الذي تغرّب في بقاع الأرض، باحثاً عن لقمة العيش وعن التعليم، وتفاجأ أن الحياة خارج الحدود لا تشبه داخل الحدود.

تحكي الرواية عن ذلك الإنسان الحالم بالتغيير في مرحلة زمنية كانت تعج بالأفكار الثورية التي سيطرت على مختلف أنحاء العالم، في مرحلة صعبة عاشها مجتمعنا العُماني، مرحلة لاقى فيها الفكر الشيوعي لدى الشباب العربي والخليجي قبولاً في تلك الفترة، وكان من السهل انسياق هؤلاء الشباب المغتربين لهذه الأفكار الجديدة.

وترصد الرواية الأسباب التي دفعت ثلّةً من الشباب للانضمام إلى «الفكر الجديد»، والتي كانت نابعة من حلمهم بالتغيير، فضلاً عن أن لكلٍّ منهم أسبابه الخاصة به. كما أوجدت الكاتبة في هذا الجزء شخصيات جديدة؛ مثل: «أحمد سهيل»، و«عبد السلام»، و«أبو سعاد»، و«باسمة»، و«طفول» الثائرة في وجه العادات والتقاليد والأعراف والرافضة للاستغلال والتهميش.

ويجد المتلقي نفسه يخوض في «هبوب الريح» تفاصيل الأحداث المفصلية كما خاضها الأبطال مع مجتمعهم وعائلاتهم وأنفسهم، وسيعيش أحداث تلك المرحلة من تاريخ عُمان، وسيعثر على إجابات لأسئلة حول مصائر الشخصيات التي التقاها في الجزأين، الأول (حارة الوادي)، والثاني (سراة الجبل).