«2020»... رؤية استشرافية للإرهاب

عودة الدواعش في حسابات الاستخبارات الكندية والأوروبية

عبد القادر مشاريبوف منفذ الهجوم على الملهى الليلي «لاسريفا» في ليلة رأس السنة الجديدة 2017 في إسطنبول أثار الرعب في جميع أنحاء أوروبا («الشرق الأوسط»)
عبد القادر مشاريبوف منفذ الهجوم على الملهى الليلي «لاسريفا» في ليلة رأس السنة الجديدة 2017 في إسطنبول أثار الرعب في جميع أنحاء أوروبا («الشرق الأوسط»)
TT

«2020»... رؤية استشرافية للإرهاب

عبد القادر مشاريبوف منفذ الهجوم على الملهى الليلي «لاسريفا» في ليلة رأس السنة الجديدة 2017 في إسطنبول أثار الرعب في جميع أنحاء أوروبا («الشرق الأوسط»)
عبد القادر مشاريبوف منفذ الهجوم على الملهى الليلي «لاسريفا» في ليلة رأس السنة الجديدة 2017 في إسطنبول أثار الرعب في جميع أنحاء أوروبا («الشرق الأوسط»)

قبل أيام معدودات كانت القيادة العراقية تعلن تحرير مدينة الموصل تماماً من سيطرة «داعش»، إذ لم يبقَ أي حي يسيطر عليه التنظيم، ولم يعد أمام مسلحيه أي خيار سوى الاستسلام. ومع النجاح الكبير لتحرير الموصل، تتبقى معركة الرقة التي يتهيأ لها العالم برمته ومع ذلك تبقى علامة الاستفهام... هل هذا يعني القضاء على «داعش» نهائياً؟
ويرى كبير الباحثين في معهد الاستشراق الروسي فلاديمير سوفتيكوف، أن «تحرير الموصل نجاح كبير نعم، لكن (داعش) احتفظ بمفارز قتالية انتشرت وتفرقت بعد حصار الموصل، وهذه المفارز تنتقل إلى سوريا وتنتقل بعد تحرير الرقة إلى مناطق أخرى». من بين الأماكن المهددة من جراء فلول «داعش» ومريديه، تبقى القارة العجوز «أوروبا» التي يخشى الأوروبيون من أنها ستكون هدفاً قريباً للدواعش، لا سيما بعد خيبات الأمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخصوصاً ليبيا.
في منتصف شهر يونيو (حزيران) الماضي كانت وكالة تطبيق القانون الأوروبية (يوروبول) تصدر تقريراً حذرت من خلاله من تغير استراتيجية تنظيم «داعش» في مهاجمة الدول الأوروبية وسلطت الوكالة الأوروبية الضوء على بدء اعتماد «داعش» على تجنيد أشخاص أصغر سناً وفتيات، وإمكانية استخدام الطائرات اللاسلكية في تنفيذ هجمات إرهابية.
تقرير «يوروبول» يشير إلى أن «داعش» حالياً يستهدف الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً والفتيات، بشكل أكبر، من أي وقت مضى، وحذرت وكالة تطبيق القانون الأوروبي في تقريرها من الأسوأ الذي لم يأتِ بعد، ويمكن أن يصل إلى استخدام «داعش» مواد مشعة نووياً، وأسلحة كيماوية وبيولوجية.
بيانات التقرير لم تتأتَ من فراغ وإنما تم التوصل إليها، وخصوصاً ما يتعلق بالطائرات من دون طيار، من خلال متابعة الدواعش ومعاركهم في العراق وسوريا، حيث نجح البعض منهم في تركيب المتفجرات في طائرات دون طيار.
أما الذي يدعو للقلق نووياً فيتعلق بسرقة التنظيم ما يقرب من 90 رطلاً (نحو 40 كجم) من اليورانيوم منخفض التخصيب من معاهد علمية في جامعة الموصل في العراق، ونتيجة لسميتها المحدودة، يمكن استخدام هذه المادة مجدداً لنشر الرعب وليس لإلحاق إصابات بدنية خطيرة، إلا أن هذا لا يعني أن الأمر لا يحمل خطورة ما.
في الأيام الأولى من يوليو (تموز) الحالي، كان «داعش» وبصورة قاطعة يؤكد للأوروبيين مخاوفهم، فقد أصدر تسجيلاً مرئياً «فيديو» حمل اسم «قضّوا مضاجعهم»، لا تتجاوز مدته الزمنية ربع الساعة، اعتمد خلاله على تصدير صورة جديدة للأعداد الكبيرة من الأطفال الذين وصفهم بأنهم الأكثر قوة مقارنة برجال الدولة، الذين تدربوا على أعمال الذبح والقتال في ميادين «داعش» عبر سوريا والعراق.
التسجيل المصور لم يفته أن يعرض العمليات التي قام بها خلال الشهور الماضية، والتي راح ضحيتها العشرات من الأوروبيين، بل واصل تهديداته بهؤلاء الأطفال، معتبراً إياهم الأبطال الجدد لتنظيم الدولة الإسلامية، والمثير إلى حد القلق والهلع، أنهم من جنسيات مختلفة؛ روس وأتراك، عراقيين وبريطانيين، وصفهم بأنهم «قادمون.. قادمون».
«هل هذه التسجيلات لها حظ من التنفيذ أم أنها ضمن الحرب الإعلامية والنفسية التي يمارسها التنظيم ضد أوروبا ودولها الكبرى؟».
يمكن الجزم بأن أوروبا باتت خلفية لعناصر «داعش» المتسللين إليها من الشرق الأوسط، حيث ينحدر ويندحر كل يوم، وهو الأمر الذي تؤكده تقارير استخباراتية إيطالية، أشارت إليها صحيفة الغارديان البريطانية في أوائل مايو (أيار) الماضي، إذ نشرت تقريراً لها تحت عنوان «مخاوف إيطالية من تسلل عناصر (داعش) إلى أوروبا متنكرين ضمن جرحى ليبيين»، وتقول الصحيفة البريطانية الشهيرة إنها اطلعت على وثيقة استخباراتية إيطالية، تكشف وجود شبكة معقدة قام فيها أفراد من «داعش» وآخرون إرهابيون منذ عام 2015، بالتسلل إلى أوروبا بعد تظاهرهم بأنهم جرحى من الجنود الليبيين تقدموا للمستشفيات بجوازات سفر ووثائق مزورة، لتقوم المستشفيات والمراكز الطبية التي تشرف عليها حكومة الوفاق الوطني بإرسالهم للخارج للعلاج. بداية التحرك من ليبيا تجاه تركيا، ورومانيا، وصربيا، والبوسنة، ولاحقاً إلى تلك الأهداف الجغرافية لتنفيذ عملياتهم الإرهابية.
القصة لا يمكن أن تنتهي بالدخول إلى عمق الدول الأوروبية الغربية، التي يرى فيها «داعش» عواصم للكفر وأعداء لله ورسوله، ذلك أن فاعليتهم مرتهنة بأمرين أساسيين لا غنى عنهما؛ الاتصالات والتواصل، والتمويل والإنفاق، فمن أين لهم الأموال اللازمة للإنفاق وكيف يتواصلون؟
أوائل الشهر الماضي، كان نائب مدير قسم التحديات والتهديدات في وزارة الخارجية الروسية ديمتري فيوكيتسوف، يعلن أن لدى روسيا معلومات عن محاولات لتنظيم داعش للاستثمار في مشاريع في أوروبا من خلال بعض البنوك في الشرق الأوسط.
المسؤول الروسي أكد أنهم أبلغوا الأميركيين بأسماء محددة لبنوك من الشرق الأوسط تستثمر في بلدين أوروبيين وأن مسلحي تنظيم داعش يحاولون تعويض خسائرهم من خلال التجارة في المعادن القيمة، حيث استولوا على منجم لاستخراج الفوسفات ومصنع لإنتاج حامض الفوسفوريك في العراق، أما في سوريا فقد استولوا على كثير من مصانع الإسمنت وبعض الشركات الأخرى.
بل إلى أبعد من هذا، فإن الخارجية الروسية كانت لديها معلومات مسبقة حول محاولات تنظيم داعش للاستثمار في أسواق العقارات في نيويورك وتركيا.
هل هذه التصريحات تعزز ما ذهبت إليه الشرطة الأوروبية من أن «داعش» وشركاءه أقرب ما يكونون لإحداث كابوس خطير في حياة الأوروبيين عبر إنشائهم لما يمكن أن يسمى «فيسبوك داعش»؟
المؤكد أن الشرطة الأوروبية تحقق في الأمر بالفعل، أي أن يكون تنظيم داعش وبالشراكة مع تنظيمات إرهابية أخرى، قد يكون «القاعدة» واحداً منها، في مراحل إنشاء شبكة تواصل اجتماعية خاصة بهم.
أما عن هدف وغاية الدواعش والإرهابيين من تلك الشبكة، فهو استخدامها المزدوج من جهة في أغراض الدعاية لهم ومن ناحية ثانية للتمويل بعيداً عن عمليات التفتيش الأمنية.
المتحدث باسم الشرطة الأوروبية جان أوب جين أورث، يصرح لوكالة الصحافة الفرنسية بالقول: «ما زلنا نسعى للتعرف على كل تفاصيل الحساب، بما في ذلك من أنشأه ولأي هدف»، لافتاً إلى أن المؤشرات الأولية يبدو أنها تظهر روابط بين تنظيم داعش ومجموعات إرهابية أخرى.
هل يرتب تنظيم الدولة لهدف ما يتحقق عام 2020 باستخدام شبكة المعلومات التي يكثر الحديث عنها أخيراً عطفاً على التمويل المشبوه؟
يجدر بنا أن نذكر أن أوروبا وفي الأشهر الأولى لتعزيز «داعش» حضوره في العراق وسوريا، أصدر بياناً أشار فيه إلى أن قادة التنظيم يخططون لغزو أوروبا قبل انتهاء عام 2020، وأن هذا الغزو يعتبر نوعاً من أنواع الثأر التاريخي لما قام به الأوروبيون في العالم العربي وعرف باتفاق «سايكس - بيكو»، وقد رأى التنظيم أن هذه الاتفاقية كانت محاولة من الغرب الكافر لتقسيم المسلمين ومنع إقامة خلافة إسلامية جديدة.
والشاهد أن تغير الأوضاع وتبدل الطباع قد قصر كثيراً جداً بأحلام الدواعش، لكنها لم تنتهِ، وأضعف الإيمان أن أرقام الدواعش العائدين إلى أوروبا سواء من أبنائها الأصليين أو من المهاجرين واللاجئين إليها تثير الذعر لدى الاطلاع عليها.
إحدى أهم الدراسات في هذا السياق هي دراسة «معهد إلكانو» الإسباني، التي تفصل أرقام المتطرفين العائدين إلى 12 دولة أوروبية، بعضهم عاد بالفعل والبعض الآخر في طريق العودة وأعدادهم تقدر بالمئات في كل دولة، وببضعة آلاف في أوروبا مجتمعين.
عودة الدواعش إلى أوروبا في واقع الحال مسألة كارثية لا محالة، تذكر بالعائدين من أفغانستان في أوائل تسعينات القرن العشرين، فالذين قاتلوا ضد السوفيات حتى انسحابهم من كابل وما حولها، قد عاثوا فساداً وإرهاباً في العالم العربي لسنوات طويلة، قبل أن يتم التعامل معهم أمنياً وفكرياً.
في هذا السياق التاريخي، يصف أحد رجالات الأمن العرب وثيق ولصيق الصلة بحركات الإرهاب الإسلاموي، المشهد بأنه «إن كان العائدون من أفغانستان قد تخرجوا في مدرسة للعنف، فإن الدواعش العائدين قد درسوا وتدربوا في أكاديمية للعنف والإرهاب، مما يجعل التعاطي معهم مسألة كارثية».
الرأي المتقدم تؤكده حالة وحركة المتابعات الأمنية والاستخباراتية الأوروبية للعائدين من مناطق القتال في الشرق الأوسط، حيث يجدون صعوبة بالغة في متابعة ومراقبة هؤلاء أمنياً ومكانياً، والحوادث الإرهابية الأخيرة في أوروبا التي ثبت فيها تورط بعضهم، ألقت الضوء على عدم نجاح الأجهزة الأمنية في توقع حدوث هذه الهجمات.
ويبدو أن هناك إشكاليات تتصل بحقوق الإنسان والحريات وبين تتبع هؤلاء، إذ تواجه حكومات تلك الدول انتقادات لعدم قدرتها على اعتقال هؤلاء العائدين، بسبب قيود قانونية تخص عدم وجود أدلة دافعة بشأن إثبات مشاركتهم في أعمال عنيفة بالشرق الأوسط، وهو ما يضعهم فقط تحت المراقبة التي لا تكون ناجحة أحياناً في إحباط أي هجوم محتمل.
في أواخر مايو الماضي، نشر جهاز المخابرات السرية الكندية بالتعاون مع نظيره الفرنسي، تقريراً مفصلاً تحدث فيه عن حملة تنظيم داعش ضد أوروبا، التي بدأت بعد أكثر من سنة بقليل من إعلان التنظيم سيطرته على مدينة الرقة السورية وإعلانها عاصمة للخلافة بعد دحره لجماعات الثوار الذين كانوا قد طردوا القوات الموالية للنظام السوري قبل شهر من ذلك.
يشير التقرير عالي ورفيع المستوى إلى أن العمليات التي هزت مدن باريس، وبروكسل، ونيس، وبرلين، لا تعد بمثابة «انتقام» للمتطرفين على خلفية عمليات غربية، بل تمثل نتاج حملة مدروسة ومتعمدة عجز التحالف عن عرقلتها بالكامل. وعلى الرغم من أن قدرة تنظيم الدولة على الأخذ بزمام الأمور قد تدهورت بشكل كبير، فإنها لا تزال في غاية الخطورة.
يطرح تقرير الاستخبارات الكندية والفرنسية علامة استفهام رئيسية في هذا السياق... ما الذي يسعى تنظيم «داعش» إلى تحقيقه في أوروبا؟
بحسب واضعيه يبدو أن هناك هدفين أساسيين:
• يتمثل الأول في إثبات أن التعايش مع «الخونة» أمر مستحيل، وقد وقع استهداف فرنسا وألمانيا بشكل خاص نظراً لاستقبال الأولى أكبر الجاليات المسلمة واليهودية في أوروبا، والثانية بسبب سياستها السخية تجاه اللاجئين.
• فيما الهدف الثاني يتصل بتشجيع «الصعود الجهادي» انطلاقاً من أوروبا، وبغض النظر عن تأثيرهم غير المتوقع على مستوى الدعاية، يعتبر المجندون الأوروبيون ذات قيمة استثنائية بالنسبة لتنظيم الدولة.
يفتح التقرير الذي نحن بصدده أعين الأوروبيين على مسألة «شبكات الدعم الداعشي العابرة لأوروبا»، وعند كتابه أنه يجب عدم التقليل من أهمية التطورات المثيرة للقلق التي كشفتها الهجمات الثلاثة الأخيرة، والجدير بالذكر أن القاتل المسؤول عن عملية سوق الميلاد في برلين أنيس العمري، كان قد تمكن في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2016 من عبور ألمانيا وهولندا وفرنسا قبل أن يتم القضاء عليه في إيطاليا، الأمر الذي يطرح تساؤلاً جوهرياً حول شبكات الدعم العابرة لأوروبا.
أما عبد القادر مشاريبوف، وهو منفذ الهجوم على الملهى الليلي «لاسريفا» في ليلة رأس السنة الجديدة 2017 في إسطنبول، فقد نجح في الفرار لأسبوعين كاملين من تعقب قوات الأمن التركية.
والثابت أن أوروبا تواجه معضلة «مثلث الإرهاب»، أي مواجهة 3 أضلاع لدول وأفراد، فعلى سبيل المثال فإن مشاريبوف دخل إلى تركيا عبر إيران، بعد خضوعه للتدريب في أفغانستان، وعلى هذا الأساس تواجه دول القارة العجوز مثلثاً ما بين أفغانستان وتركيا وسوريا، وهو ما ستترتب عليه تهديدات خطيرة في المدى المتوسط.
مؤكد أن ذلك لن يحدث لسببين؛ الأول يتصل بالخلايا «الداعشية» النائمة في أوروبا، والثاني بالقدرة على التجنيد عن بعد وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن أضحت المعركة مع «داعش» معركة أفكار ووجود، لا دول وحدود.
الهدف الرئيسي لتنظيم الدولة في أوروبا ليس عسكرياً، ولكنه سياسي، وإعلامي، ورمزي، ومن هذا المنطلق، تخدم أسطورة الذئب المنفرد، التي تجعل من تنظيم الدولة ذا تهديد حاضر باستمرار وتبرز جميع التصعيدات العميقة التي يقوم بها، ديناميكية التنظيم بشكل مثالي، بالإضافة إلى ذلك يسلط المزيج بين التوجيه عن بعد والخلايا النائمة، علاوة على تجزئة الأنشطة الإرهابية المترتبة عنه، الضوء على الوهم القائل إن الإرهابيين منتشرون في كل مكان.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».