جثث «داعش» تؤرق مصراتة الليبية

TT

جثث «داعش» تؤرق مصراتة الليبية

مع معضلة ارتفاع عدد القتلى مجهولي الهوية في معارك ليبيا، بدأت مشكلة جديدة تلوح في الأفق، تخص تراكم جثث لعناصر من تنظيم داعش وإرهابيين آخرين في برادات عدة بلدات، من بينها مصراتة، بينما بدأ الجيش في حفظ عينات الحمض النووي لإرهابيين قتلوا في بنغازي في الأسابيع الأخيرة.
وتسبّبت الحرب التي كسبتها قوات «البنيان المرصوص»، برعاية رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، وأغلب عناصرها من مدينة مصراتة، في دحر تنظيم داعش في مدينة سرت أواخر العام الماضي، لكن بقيت في برادات مصراتة منذ ذلك الوقت مئات الجثث لعناصر داعشية، بينها عرب وأجانب. كما أدّت الحرب التي انتصر فيها الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، في بنغازي، إلى حفظ مئات الجثث في برادات بمشافي المدنية، وفي مواقع طبية تابعة للجيش.
وأوضحت انتصار محمد، من المكتب الإعلامي لغرفة عمليات سرت الكبرى، التابعة للجيش الوطني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أمس، أن التعامل مع موضوع الجثث يتم عن طريق الطب الشرعي «حيث يتم حفظها في الثلاجات، وتؤخذ من كل منها عينات من الحمض النووي لمحاولة التعرف على هوية كل منهم»، مشيرة إلى أنه من الصعب الاحتفاظ بالجثث لفترات طويلة في المستشفيات، مضيفة: «الأعداد كبيرة، وهذا مرهق». وتقع مدينة مصراتة على بعد نحو 200 كيلومتر إلى الشرق من طرابلس، بينما تقع مدينة بنغازي على بعد نحو 600 كيلومتر شرق العاصمة.
ومن جانبه، قال المستشار صلاح الدين عبد الكريم، مسؤول العلاقات الخارجية في المنظمة السياسية الليبية، ومقرها بنغازي، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إنه عقب «تحرير الجيش لمدينة بنغازي من المتطرفين، وغيرهم من الدواعش والإرهابيين، أصبح يوجد لدينا أكوام من الجثث مجهولة الهوية، أغلبهم أجانب. لقد امتلأت البرادات، ولا نعرف ماذا سنفعل بهم». ومن مدينة مصراتة، ذكر مسؤولون محليون لوكالة «رويترز» أنه بعد مرور 7 أشهر على طرد «داعش» من سرت، لا تزال جثث مئات من مسلحي التنظيم محفوظة في برادات بانتظار تقرير مصيرها. ويوجد في مصراتة شكل عسكري شبه منظم، لكن قوات المدينة ليست على وفاق مع قوات حفتر.
ومنذ مطلع هذا العام، وقعت اشتباكات أخرى في طرابلس، وفي مناطق تقع غرب العاصمة، كان معظم وقودها من المتطرفين القادمين من دول الجوار، من بينهم تونس ومصر والجزائر والسودان وغيرها. وقال عبد الكريم إن طرابلس، والبلدات التي تقع في الغرب منها، لا يوجد فيها طريقة لمعرفة هوية المقاتلين الأجانب والدول التي ينتمون إليها بالتحديد، وأضاف: «الوضع مختلف في شرق ليبيا. ففي الوقت الحالي، أي منطقة يسيطر عليها الجيش تشهد طريقة منظمة لحفظ الجثث إلى أن يتم تسليمها إلى الدول التي تخصها، كما يتم حفظ عينات من الحمض النووي لمجهولي الهوية، تحسباً للتعرف عليهم مستقبلاً».
وصرح عضو في وحدة معنية بمكافحة الجريمة المنظمة في مصراتة، وبالتعامل مع تلك الجثث، لـ«رويترز»: «انتشل فريقنا مئات الجثث»، مضيفا أن «هذه هي العملية الرئيسية التي تسمح لنا بالحفاظ على الجثث، وتوثيقها، وتصويرها، وجمع عينات من الحمض النووي».
ومن بنغازي، أوضح المستشار عبد الكريم أنه «في مركز بنغازي الطبي وغيره، توجد أكوام من الجثث مجهولة الهوية؛ هؤلاء إرهابيون قتلوا في عمليات الجيش في بنغازي، وأغلبهم أجانب أو من دول الجوار. والجيش يقوم بواجبه، ومعرفة هوية هؤلاء سوف تساعد في فهم ما يجري».
وقال مصدر في الاستخبارات العسكرية إنه تم في بداية الأمر عرض بعض الصور لـ«دواعش» من دول عربية وأجنبية بعد مقتلهم خلال معارك بنغازي، على أمل أن يتعرف عليهم ذووهم، إلا أن هذه العملية لم تحقق نجاحاً يذكر. وأضاف: «غالبية الدول، وغالبية ذوي الضحايا، لا يريدون وجود أدلة على علاقة تربطهم بـ«داعش»، أو الإرهابيين عموماً». وقال مسؤول عسكري في الجيش الذي يقوده حفتر إن الجثث المجهولة، وبعد الاحتفاظ بأحماضها النووية «يتم دفنها في مقابر خاصة... معظمهم أجانب. يدفنون إلى أن يظهر من يسأل عنهم، أو يأتي من يريد أن يبحث عن المفقودين، سواء كان من ليبيا أو من خارجها».
وأعلنت وحدة مكافحة الجريمة المنظمة في مصراتة أنها بانتظار قرار من النائب العام، الذي لا يزال يجري محادثات مع حكومات دول أخرى بشأن إعادة الجثث.



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.