ناوومي ووتس: أستعير من حياتي ما يندمج مع الشخصيات التي أمثلها

قالت لـ«الشرق الأوسط» إن حكم النقاد في «غجرية» لن يثنيها عن مزيد من الأعمال التلفزيونية

الممثلة ناوومي ووتس في مشهد من مسلسل «غجرية»
الممثلة ناوومي ووتس في مشهد من مسلسل «غجرية»
TT

ناوومي ووتس: أستعير من حياتي ما يندمج مع الشخصيات التي أمثلها

الممثلة ناوومي ووتس في مشهد من مسلسل «غجرية»
الممثلة ناوومي ووتس في مشهد من مسلسل «غجرية»

حكم المحكمة شبه جاهز، على الممثلين المعروفين الذين قد تضطرّهم أفول نجوميتهم على الشاشة الكبيرة للتنازل والتوجّه نحو التلفزيون.
لكنّ العدد الكبير من الممثلين المشهورين الذين أمّـوا، في السابق، وما زالوا يؤمون اليوم، الشاشات الصغيرة يقول العكس. علما بأن ما قيل سابقاً بأنّ التمثيل السينمائي هو انحدار فني بالنسبة للممثل المسرحي. هذا اللغط كان سائداً في السنوات الثلاثين الأولى من عمر السينما، والفارق، أنّ هذا اللغط يتجدد على الشاشة المنزلية، حين يكتشف الجمهور أنّ نجمهم المفضل سوف يزورهم في المنزل وليس على شاشات صالات السينما. هذا ما حدث مع ناوومي ووتس أخيراً.
في الشهر الماضي بوشر عرض حلقات «غجرية» الذي تنتجه نتفلكس للعروض التلفزيونية، مدفوعة الثمن. البطولة للممثلة المعروفة ناوومي ووتس التي سبق لها أن ظهرت، منذ العام 1990. وعلى نحو متقطع، في حلقات وأفلام تلفزيونية، وإن لم يحدث أن واجهت هذا التساؤل بشأن إذا ما كان يجب عليها قبول عرض نتفلكس لبطولة هذه الحلقات أم لا.
السبب الأساسي لهذا الطرح هو أنّ المسلسل يحمل فكرة مثيرة على الورق، وضعيفة في التنفيذ. النّقاد الأميركيون الذين لا يتركون مسلسلاً يمر من دون الخوض فيه، إيجاباً أو سلباً، وجدوا، في غالبهم، أنّ المسلسل لا قيمة له وأنّه «دراما أحداثها معروفة مسبقا»، على حد قول أحدهم و«تبدو أقل أهمية مع مرور كل دقيقة منها»، كما كتب آخر.
بالتالي، التساؤل هو، كيف تضحّي ناوومي ووتس بتاريخ حافل من النجومية، بقبول التمثيل في مسلسل ضعيف؟
هذا الحكم له ما يبرره. تلعب ناوومي ووتس شخصية طبيبة نفسية على مستوى واضح من الثراء، وتعالج مرضى ومريضات على مستوى واضح من الثراء أيضاً. الأمر طبيعي، لأنّ شركات التأمين لا تدفع ثمن هذه الزيارات والمعالجات، ولا هي رخيصة أساساً، ما يعني أنّ المستوى المعيشي للمرضى جيد جدا. هذه الناحية، التي تبدو تفصيلية، متصلة بالنظرة (The look) التي تظهر على صفحة المسلسل: أنيق. مرصّـع بالإضاءة. كثير الأزياء. لا مكان للون داكن في شخصية بطلته.
أحد أسباب قلق البطلة، يكمن في أنّ زوجها (بيلي كرودوب) يبدأ بالتساؤل عن السبب الذي من أجله باتت زوجته تغيب عن البيت مساء. وهو، كما نكتشف قبله، يعود إلى أنّها لا تلعب دور الطبيبة فقط، بل دور من يتحرّى شؤون مرضاها. بكلمات أخرى، تأخذ عملها على نحو جدي بحيث تلاحق أسبابه وهذا يعني أنّ عليها أن ترصد تلك الأسباب عينياً ومن دون معرفة زبائنها. لكن ناوومي ووتس، لا يبدو عليها القلق، حين التقيناها في أحد فنادق المدينة. مشغولة؟ كثيراً لكنّ ما يقوله النقاد في «غجرية» سوف لن يثنيها عن مزيد من الأعمال التلفزيونية كما تقرر هنا.
* لماذا سُمّي المسلسل بـ«غجرية»؟ لا تبدو الشخصية غجرية مطلقاً.
- إنها غجرية في القلب. شخصيتها تقوم على فعل المستحيل لكي تعيش بالطريقة التي تعتقد أنّها تناسبها أكثر من سواها. هناك حرية تمارسها عبر تجسيد هذا المبدأ. لكن هناك سبب أهم لتسمية المسلسل بالغجرية. ليزا روبين (مؤلّـفة الرواية التي نشرت كتاباً من قبل والمنتجة المنفذة لهذا العمل)، تحب أغنية لفرقة فليتوود ماك تحمل هذا الاسم.
* ربما إحدى خصائص الشخصية المرتبطة بمدلول العنوان، كونها تحاول دوماً تجديد حياتها. هي بلا شك تبحث عن نفسها في شخصيات مريضاتها.
- صحيح. أنّها تأخذ ما يبثونه لها من مشاكل على نحو جاد ولا تحاول فقط مساعدة مرضاها، بل تبحث أيضا عمّا يمكن أن يفيدها أو يطوّرها. هذا ما جعلني منذ البداية أفكر في أنّ المسلسل المعروض علي لديه جانب مثير، لم أتعرض إليه من قبل. لم أمثّل شخصية كهذه لا في السينما ولا في التلفزيون سابقاً.
* هل جعلك الدور تتعاطفين مع بطلتك؟ وهل في شخصيتك جانب غجري؟
- طبعاً شعرت بالتعاطف معها. من ناحية أخرى، جلت كثيراً في حياتي منذ أن كنت صغيرة. أعتقد أنّ السنوات المبكرة من العمر، تؤثر فيك أكثر من سواها، وهي بالتأكيد أثرت في كثيراً. لقد انتقلت بين تسع مدارس وفي كل مرّة كان علي أن أبدأ من جديد، بالتعرف على محيطي وأن أعاود تأسيس نفسي بين زملاء المدرسة. هذا ما يحدث مع الشخصية التي أمثلها هنا. هي أيضاً تحاول تأسيس نفسها مجدداً.
* البعض تساءل لماذا تُقدِمين على التمثيل في التلفزيون وأنت في ذروة نجوميتك؟
- (تضحك) وماذا يعني ذلك؟ لا شيء. أقصد، أنّ الممثل مشهور كان أو لا، يستطيع أن يختار الوسط الذي يريد أن يظهر فيه. أين المشكلة؟ إذا كان هذا نقد، فإنني لا أعرف ما هو النقد. الممثل يلبي الحاجة التي في داخله عندما يلتقط مادة جديدة أو جيدة حتى وإن لم تكن جديدة. لكنّ هذا المسلسل في رأيي يحمل الصفتين: جيد وجديد. ولا علاقة لتاريخي السينمائي به.
* قلت لي ذات مرّة أنّك تطمحين للتمثيل على المسرح من جديد. هل ما يزال لديك هذا الطموح؟
- نعم. هذا الطموح لا يزال على رأس قائمة أولوياتي، لكني لم أجد النص الصحيح.
* ربما هذا هو الوقت المناسب لطرح السؤال التالي: كيف ترين موقعك اليوم مهنياً؟ وأين تقفين؟
- الأمور تسير على نحو حسن. انتهيت لتوي من تمثيل فيلم «أوفيليا»…
* شكسبير؟
- نعم. رواية هاملت من وجهة نظر أوفيليا. بالنسبة لي، هذا الفيلم تعويض عن اشتياقي للوقوف على المسرح، وما أسعدني هنا هو العدد الكبير من الممثلين الجيدين الذين التقيت بهم.
* أعتقد أن معظمهم ممثلون جدد بعضهم مثل توم فلتون بخلفية مسرحية.
- صحيح. والمخرجة كلير مكارثي خبيرة فنية. تعرف الكثير عن المسرح وعن الرسم والسينما وتعرف شكسبير جيداً. وانتهيت أيضاً من تمثيل «قلعة زجاج» مع وودي هارلسون وبري لارسن.
* قرأت أنّ هذا الفيلم يدور حول أم تعشق الخيال وتحاول إسعاد أولادها وبث الأحلام فيهم عبر سرد الحكايات. هل هذا التلخيص صحيح؟
- نعم. هو اقتباس عن رواية شائعة أحب لو أنّ الجمهور شاهدها كفيلم.
* بما أنّها ليست المرّة الأولى التي تؤدين فيها شخصية أم، هل تستعيرين من حياتك الخاصة كأم؟
- يساعد كثيراً. عندما تريد كممثل، استخدام معلوماتك، فإن ما تستند إليه أولاً هو حياتك الخاصة. تستنتج منها مواقف أو معرفة ما قد يأتي دورها في العمل الذي تؤديه. هذا قبل أن تبحر فيما لم تختبره بنفسك كممثل وتستعير منه أيضاً. من هذه الناحية أعتقد أنني استخدمت بعض معرفتي بالأمومة. ما أقوم به وقد أصبحت أماً، وأمثل أدوار الأمومة أكثر من سواها، (تضحك) هو أنّني أستعير من حياتي الخاصة تصرفات تندمج تلقائياً مع الشخصيات التي أمثلها.
* كل من «قلعة زجاج» و«غجرية»، مأخوذ عن الأدب الروائي. أقصد غير مكتوبين خصيصاً للسينما أو التلفزيون. هل هي محض صدفة؟
- نعم. لا يمكن التخطيط لشيء كهذا. لكنّه أيضا، دليل على أنّ هناك الكثير من الروايات الأدبية التي تصلح للاقتباس. للأسف معظم الأفلام التي تنجح الآن في العروض هنا (أميركا)، أو حول العالم، باتت مقتبسة فقط عن شخصيات الكوميكس. لا بأس. نحن ربما بحاجة لكلّ الأنواع وأصناف الأفلام، لكنّ الجانب السلبي هنا، هو تكريس التباعد بين الأفلام الدرامية الآتية من نصوص جادة وبين الجمهور.
* ماذا عن مسلسلك التلفزيوني الآخر الذي عرض مهرجان «كان» بعضاً منه. «توين بيكس»؟ كيف ترين تجربة العودة إلى المخرج ديفيد لينش؟
- لم أر الفيلم بعد. بحثت عن مساحة مناسبة لذلك، لكني كثيرة السفر هذه الأيام، وأقوم بلقاءات مرتبة لصالح «غجرية» الآن... لكني بالطبع سأشاهده.
* لكن ما رأيك بديفيد لينش كمخرج؟ عملت معه أول مرة في «مولهولاند درايف» وهو الذي أطلقك فعليا في هوليوود.
- ديفيد لديه طريقة عمل رائعة تجعلك بالفعل من المشاركين في تأسيس الفيلم الذي تمثّل به. البيئة التي يخلقها ساحرة، ومنعشة. يتحدث وهو يضحك ويوجّه في الوقت ذاته.
* شاهدت الفيلم في «كان»، وشاركت المشاهدين في تقديره أكثر من فهمه…
(تضحك) هو كذلك فعلاً. خلال التصوير لا تعرف نصف ما يدور في باله ولا يمكن أن تفهم كل ما يريده من وراء تعليماته. العمل معه تجربة فريدة لأنّه مخرج فريد من نوعه. ليس هناك من يفكر ومن يحقق أفلاماً بطريقته.
* هل تهتمين بالنقد؟ وهل يشكل نقاد السينما حضوراً في بالك عندما تنتهين من تمثيل فيلم ما؟ وماذا تتوقعين؟
- حتى قبل الانتهاء وقبل البداية. أحترم كثيراً مهنة النقد، لكن لا أقصد أنّ كل من يكتب يجيد هذا العمل. وليس ضرورياً أن يُكتب عني على نحو إيجابي لكي أقدّره. أنا أقرأ لمن أعتقد أنني سأستفيد من نقدهم. فقد تعرضت لنقد موجع أكثر من مرّة، لكن الحقيقة هي أنّ كل واحد في أي عمل، سواء أكان تلفزيونياً أو سينمائياً أو حتى في أي مجال إبداعي، يحاول جهده أن يصل بعمله إلى درجة مثلى. لكن النتائج لا يمكن لها أن تحقّق هذه الأمنية دائماً. هناك الكثير مما يعترضها ويمنعها.
* بعض أفلامك تعرضت لنقد موجع رغم أنّها كانت لا تستحق ذلك، مثلاً «لعبة عادلة» (Fair Game) أو «تدمير» (Demolition)، لكن من الصعب أن يضمن الممثل نتائج فيلم ما.
- هذا ما أقوله. إنه محزن أن يبذل فريق العمل من الممثلين، والمخرج وكل من يقف وراء الكاميرا، جهودهم ثم لا تقدير لهذه الجهود. هذا حدث أيضاً مع «كتاب هنري». لقد صُعقت من رد فعل النقاد عليه.
* عدت مؤخراً من أفريقيا. هل كانت رحلة عمل أم سياحة؟
- لا. لم تكن رحلة عمل. ذهبت وولداي إلى تشاد بغاية الابتعاد عن العمل والمشاغل وممارسة شيء مختلف عن المعتاد. صراحة شعرت أنه لا بدّ من تنظيم رحلات على نحو متواصل. الوقت الذي قضيناه معا كان مفيدا لنا جميعا. في كل يوم نستيقظ في السادسة صباحاً، لنرى الحيوانات، فهي تستيقظ باكراً وتجول في الغابة لتعيد ممارسة حياتها من دون ملل. أمّا نحن البشر فغير قادرين على الاقتناع بما نمارسه، ودوما نريد التنويع في حياتنا أو نحاول على الدوام الوصول بنشاطاتنا صوب ما هو أكثر. نأكل أكثر، ونمارس الألعاب الإلكترونية أكثر، ونشتري ما نحتاج إليه أكثر وأكثر. لكن هذه هي الحياة…
* أخيراً، ما الذي خرجت به بعد قيامك منذ عدة سنوات بعملية الإنتاج؟
- أول فيلم أنتجته كان قبل أكثر من عشر سنوات: «لم نعد نعيش هنا» (We Don‪’‬t Live Here Anymore)، وشجعني على ذلك أن المادة كانت ساحرة. ونجاحها دفعني لكي أواصل رغبتي في الإنتاج، لكن ما أنتجته حتى الآن قليل جداً بالقياس مع ما قمت بتمثيله مما عرض علي من مشاريع، فالإنتاج بحاجة لوقت وفيه الكثير من المسؤولية. أستطيع أن أمثل ثلاثة أفلام في سنة ونصف، بينما الإنتاج وحده سيحتل سنتين من حياتي على الأقل.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».