الأقصى... اختبار السيادة

يتربع على مساحة 144 دونماً ويضم 3 مساجد وقبباً ومصاطب... تعرّض للاحتلال وظل يشكل قلب الصراع السياسي والديني والسيادي

الأقصى... اختبار السيادة
TT

الأقصى... اختبار السيادة

الأقصى... اختبار السيادة

من الصعب أن يعرف أحد كيف ستنتهي الأزمة المتصاعدة حول المسجد الأقصى، بعدما ركّبت إسرائيل بوابات إلكترونية لتفتيش المصلين أمام بوابات المسجد، وهو الأمر الذي رفضه الفلسطينيون بشدة، وقاوموه بالمقاطعة والدماء، إذ تبدو الاحتمالات واسعة ومفتوحة، تبدأ بتراجع إسرائيلي وإزالة البوابات، ولا تنتهي بتفجير انتفاضة جديدة رفضاً لهذه البوابات. لكن هل فعلاً أن الأزمة التي تسببت بكثير من التوتر وسفك الدم وتكاد تشعل المنطقة وتستجلب شبح الحرب الدينية، هي أزمة بوابات إلكترونية؟
لو كانت كذلك لكان يمكن بشكل سريع تسوية الأمر في اجتماع إسرائيلي - فلسطيني رفيع، أو إسرائيلي - أردني صغير، يتركز حول التفاصيل اللوجيستية. لكنها معركة أكبر، قديمة وعميقة وحساسة وحاسمة إلى حد كبير. البوابات ليست سوى واجهة لمعركة اختبار السيادة!
وإذا كان الجواب على سؤال لمن الأقصى اليوم؟ وحتى بالأمس وغداً، بديهياً عند أكثر من مليار مسلم، فإن السيادة على المسجد تبدو شأناً مختلفاً ومحل جدل وخلاف طويل ومبعث أزمة دائمة.
لقد اختصر وزير الأمن الإسرائيلي جلعاد أردان الموقف برمته في تعقيبه على الاعتراضات المتزايدة على تركيب الشرطة الإسرائيلية هذه البوابات على أبواب المسجد الأقصى في أعقاب هجوم فلسطيني أودى بحياة 2 من الشرطة الإسرائيلية، بقوله إنها «مسألة سيادة»، مضيفاً أن «إسرائيل غير ملزمة بأخذ موقف الأردن بعين الاعتبار، بكل ما يتعلق بتنفيذ القرارات التي تتخذها بشأن الحرم القدسي الشريف، وبما أن إسرائيل هي صاحبة السيادة في الحرم القدسي، فإن مواقف الدول الأخرى غير مهمة، وعليه، فإنه وبحال تم اتخاذ قرار له أسباب معينة، فعلينا تطبيقه دون الخضوع للضغوط الخارجية».
وكان أردان يعقّب على الإدانة العالية والاحتجاج الأردني الكبير على وضع إسرائيل البوابات الإلكترونية على أبواب المسجد، وهو اعتراض متعلق كذلك بالمس بالسيادة.
أما لماذا الأردن تحديداً؟ فلأن المملكة الهاشمية تحتفظ بحق الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس والأوقاف كذلك منذ احتلال إسرائيل للشق الشرقي من المدينة عام 1967، وفق اتفاق إسرائيلي - أردني. وقبل أعوام قليلة، في 2013، أكد اتفاق فلسطيني - أردني على حق الأردن في هذه الوصاية، على الرغم من أن الدولة الفلسطينية حظيت باعترافات دولية كثيرة.
ونصّت الاتفاقية التي وقّعت بين الملك عبد الله الثاني والرئيس محمود عباس، بأن تؤول الوصاية إلى الملك عبد الله الثاني في استمرار للدور المتصل في ملك المملكة الأردنية الهاشمية من سلالة الشريف الحسين بن علي حتى اليوم. وقالت الاتفاقية «إن رعاية ملك المملكة الأردنية الهاشمية المستمرة للأماكن المقدسة في القدس تجعله أقدر على العمل للدفاع عن المقدسات الإسلامية وصيانة المسجد الأقصى».
وهذا الدور الأردني القديم هو الذي قاد الأردن إلى رفض البوابات الإلكترونية باعتبارها مساً بهذا الدور، أي مساً بالسيادة.
وكان الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني واضحاً حين قال إن أي شيء تقوم به إسرائيل يجب أن توافق عليه وزارة الأوقاف، مضيفاً أن «إسرائيل قوة محتلة وأن أي تغيير في الوضع القائم في القدس والمسجد الأقصى يخالف التزاماتها كقوة قائمة بالاحتلال». وتابع أن «المقدسات في القدس الشريف تحت الوصاية الهاشمية، والقانون الدولي يؤكد أن القوة المحتلة لا يمكن أن تغيّر الأوضاع القائمة على الأرض».
وخلال أيام طويلة خاض الأردن وإسرائيل مفاوضات مكثفة من أجل تجاوز الأزمة التي عُرِفت بـ«أزمة البوابات»، لكن الطرفين كانا يدركان أنها أزمة سيادة.
وقالت مصادر فلسطينية إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودولاً عربية وتركيا، دخلت على خط الأزمة حول المسجد الأقصى، وبعضها قدّم نصائح لإسرائيل، لكن المفاوضات المباشرة والطويلة تركزت بين تل أبيب وعمان.
وبحسب المصادر فإن مباحثات عميقة وماراثونية جرت بين إسرائيل والأردن، وفق اتفاق سابق، باعتبار إسرائيل مسؤولة خارج المسجد الأقصى، والأردن مسؤول عن داخل المسجد. وأضافت المصادر أن الأردن تمسك بإزالة البوابات الإلكترونية بشكل كامل ورفض حلولاً من قبيل إبقائها واستثناء فئات محددة في المصلين من التفتيش عبرها، كما رفض الاستبدال بالبوابات أجهزةً شخصية لكشف المعادن، باعتبار ذلك تغييراً للوضع القائم وإلغاء أي سيادة لوزارة الأوقاف على المسجد.
وقالت المصادر إنه جرى تبادل أفكار مثل إجراء تفتيش شخصي لمشتبهين فقط مع تركيب كاميرات إضافية داخل المسجد. لكن هذه المباحثات فشلت بعدما تمسكت إسرائيل بإبقاء البوابات.

غطرسة القوة
وانحاز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موقف رئيس الشرطة في القدس يورام هاليفي الذي لم يرض بإزالة البوابات لأنه لم يرضَ بأن يعطي الفلسطينيين في القدس صورة نصر. وتمترس هاليفي خلف موقفه في اجتماع للكابنيت الإسرائيلي (المجلس الأمني والسياسي المصغر) ترأسه نتنياهو ليلة الخميس واستمر حتى فجر الجمعة لبحث أزمة الأقصى.
وجرى الاجتماع الخميس بعد ضغوط أردنية وفلسطينية وإقليمية ودولية لتجنب تصعيد «يوم الجمعة». لكن نتنياهو في نهاية المطاف خضع لرأي الشرطة متجاهلاً توصية من جهاز الشاباك (الأمن العام) والجيش بإزالة البوابات لتجنب مواجهات ودم وتصعيد لا يُعرف عقباه.
وهو التصعيد الذي بدأ فعلاً ولا يُعرف كيف سينتهي؟

سيادة فلسطينية من نوع آخر
صحيح أن المعركة السيادية الفعلية على المسجد هي إسرائيلية - أردنية، لكن للفلسطينيين القول الفصل.
ولم يخطئ المحلل والكاتب الإسرائيلي نير حسون حين كتب في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أنه من الصعب أن نقول كيف ستنتهي الأزمة لكن الأيام الأخيرة أثبتت أن صاحب السيادة الحقيقي في الحرم ليس إسرائيل أو الأردن أو الأوقاف، بل هم الفلسطينيون المقدسيون.
ورأي حسون هذا جاء مدفوعاً بالزخم الشعبي الكبير الذي فرضه الفلسطينيون في القدس، الذين رفضوا الدخول للأقصى عبر البوابات وصلوا في الشوارع الخارجية وعلى أبواب المسجد ورابطوا وناموا أمام الأقصى واشتبكوا مع الإسرائيليين، وقدموا الدم في سبيل المسجد.
وأثبت المقدسيون أنهم الحلقة الأهم فيما يتعلق بالمسجد، بعدما فرضوا مواجهة صعبة على إسرائيل تنذر بجولة جديدة طالما أرادت إسرائيل تجنبها.
وتدفقت جماهير القدس والداخل إلى الأقصى من كل حدب وصوب في الجمعة الثانية لإغلاق المسجد الأقصى (21/ 7/ 2017) على الرغم من أن إسرائيل حاصرت القدس وأغلقت البلدة القديمة ونشرت 5 كتائب إضافية في المدينة لمواجهة «جمعة النفير».
وصلّى عشرات الآلاف من المقدسيين في الشوارع وأمام الحواجز الإسرائيلية مثلما فعل بقية سكان الضفة الغربية قبل أن تتحول هذه الصلوات إلى مناسبة للمواجهات المباشرة مع الجنود في الشوارع والأزقة خلفت الكثير من الدم المسفوح.
لقد فرض المقدسيون ومعهم بقية سكان الضفة الغربية مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وهي مواجهة مدعومة من المستويات السياسية والدينية والفصائلية.
بل ذهب الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى التحذير من أن استمرار المس بالأقصى قد يفجّر حرباً دينية لا طاقة لطرف بها، وهي معركة وصفها رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية بأنها معركة مفتوحة «دونها ترخص الدماء وتهون الأرواح».
وفي الواقع، لم يظهر الفلسطينيون موحدين منذ فترة طويلة مثلما توحدوا في معركة الأقصى.
وعلى الرغم من أن آخر ما يريده الإسرائيليون والفلسطينيون هي حرب دينية. لكن عملياً فإن شبح هذه الحرب يطل برأسه مجدداً مع الاتهامات الفلسطينية والأردنية لإسرائيل بمحاولة فرض أمر واقع جديد في المسجد تمهيداً لتقسيمه زمانياً ومكانياً، بما يعطي الإسرائيليين حق الصلاة فيه، وهو ما تنفيه إسرائيل، مصرة على أنها لا تسعى إلى تغيير الوضع القائم.
وقال قاضي قضاة فلسطين محمود الهباش في خطبة الجمعة التي حضرها عباس فيما كانت الضفة تشتعل: «ليست مسألة أمنية، هذا كلام فارغ. إنها مؤامرة إسرائيلية للسيطرة على الأقصى لكن هذه المؤامرة ستفشل. سندوس بواباتكم تحت أقدامنا وسنسقط جدرانكم، وظلمكم لن يدوم».
لكن إسرائيل تنفي أنها تخطط لتغيير الوضع القائم.
وخلال 50 عاماً على احتلال المسجد، ظلت الحكومة الإسرائيلية تقول إنها تحافظ على هذا «الوضع القائم»، أي السماح للمسلمين بالصلاة في الأقصى والسماح للإسرائيليين بزيارته ضمن برنامج السياحة الخارجي، لكن التطورات على الأرض خلال السنوات القليلة الماضية تشير إلى عكس ذلك.
وطالما جاهر مسؤولون إسرائيليون في السنوات الماضية بضرورة السماح لليهود بالصلاة في «جبل الهيكل»، وراح هؤلاء ينظمون زيارات بعضها استفزازي للأقصى، ويطرحون على الكنيست الإسرائيلي قوانين لتقسيم المسجد وفرض السيادة الإسرائيلية عليه، وهي التحركات التي كانت بمثابة الشرارة الأولى وخلّفت مواجهات متفرقة وطويلة لا يعتقد أن تكون مواجهة هذه الأيام آخرها.
وقال الشيخ عمر الكسواني، مدير المسجد الأقصى، إن إبقاء إغلاق الأقصى لفترة أطول سيكون بمثابة دعوة للعنف ليس في المنطقة وحسب وإنما الإقليم والعالم. وأضاف الكسواني لـ«الشرق الأوسط»: «إسرائيل الآن تعيد احتلال المسجد. لأول مرة منذ 1967 يمنع رفع الأذان وإقامة الصلوات بما في ذلك صلاة الجمعة».
وعلاقة الفلسطينيين بالأقصى تبدو مختلفة. فخلال أيام طويلة رفض الفلسطينيون الدخول إلى المسجد الأقصى عبر البوابات الإلكترونية وحتى عندما حاولت إسرائيل استدراج بعضهم للدخول دون تفتيش رفضوا كذلك.
وظل الأقصى للمرة الأولى منذ 50 عاماً دون مصلين وحتى دون أي مسؤولين وحراس من دائرة الأوقاف الذين تعاملوا مع الأمر باعتباره سحباً لسيادتهم عن المكان وفرضاً للسيادة الإسرائيلية عليه. وسمحت إسرائيل، في المقابل، ليهود متطرفين بدخول الأقصى ضمن برامج الزيارات.
وأثار مشهد بقاء المسلمين خارج المسجد ووجود يهود بداخله غضباً شعبياً كبيراً بين الفلسطينيين.
وقال الشيخ محمد حسين، مفتي القدس والديار الفلسطينية، لـ«الشرق الأوسط» إن الفلسطينيين لن يقبلوا بأقل من المرور بحرية وكرامة إلى مسجدهم.
ووجه المفتي دعوة واضحة لمقاطعة كل الإجراءات الإسرائيلية في المسجد، حتى تعود إسرائيل عنها وتفتح كل بوابات المسجد كما كانت.
وعادت المرجعيات الدينية ووجهت الفلسطينيين بالاستمرار في الصلاة خارج المسجد حتى فك البوابات.
وقال المفتي: «إنه موقف مبدئي. قلنا ونقول إن الأقصى حق خالص للمسلمين وليس لإسرائيل أي سيادة عليه».

تاريخ من الصراع
ومنذ احتلت إسرائيل المسجد عام 1967 لم يعترف الفلسطينيون ولا الأردنيون بسيادة إسرائيل على المسجد.
والمعركة الحالية ليست الأولى على الإطلاق، فقد تعرض المسجد لاستهداف طويل وفجّر معارك مختلفة. وطالما كان المسجد، وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين، بؤرة توتر كبير مع إسرائيل التي تحتله، بسبب القدسية الكبيرة للمسجد بالنسبة للفلسطينيين والمسلمين، وكذلك لليهود الذين يقولون إن حائط البراق هو «آخر بقايا المعبد اليهودي (الهيكل)».
وبعد عامين فقط من احتلاله، عام 1969، أحرق اليهودي مايكل دنيس روهان المسجد الأقصى المبارك، وأتت النيران على جزء منه بما في ذلك المنبر الذي أحضره صلاح الدين إلى المسجد. وفي عام 1976، أصدرت إسرائيل حكماً قضائياً، يسمح لليهود بالصلاة داخل الحرم، وفي عام 1980 جرت محاولة من حاخام متطرف لنسف المسجد لكنها اكتشفت. وفي العام 1982، أقدم أحد جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي على مهاجمة مسجد قبة الصخرة المشرفة، أما عام 1996 فافتتحت إسرائيل نفق الأقصى، وهو ما أشعل «هبة الأقصى» التي أدت إلى مقتل 62 فلسطينياً و15 إسرائيلياً، وسقوط مئات الجرحى.
ولم تتوقف اقتحامات المسجد مطلقاً، حتى أشعل الأقصى في عام 2000 انتفاضة عُرِفَت باسمه، وكانت دامية وخلّفت آلاف الضحايا الفلسطينيين وعدداً كبيراً من القتلى الإسرائيليين، جراء اقتحام أريئيل شارون (رئيس حزب الليكود المعارض آنذاك) المسجد.
وفي عام 2015 أدَّت الزيارات المتكررة المستفزة إلى إطلاق ما عُرف بـ«انتفاضة السكاكين» التي لا تزال مستمرة بوتيرة بطيئة وكانت آخر عملياتها قبل أيام إطلاق النار وقتل شرطيين في مكان قريب من الأقصى، وهو ما فجّر أزمة البوابات الإلكترونية، ويكاد يشعل انتفاضة أخرى جديدة.
وصف الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش مدينة القدس التي جرّبت كل أنواع الاحتلالات، قائلاً: «يا امرأة من حليب البلابل كيف أُعانق ظلّي وأبقى»، مضيفاً: «مدينة لا تنام وأسماؤها لا تدوم. بيوت تغيَّر سكانها. والنجوم حصى».

المسجد الأقصى
* هو وقف إسلامي خالص ويضم كامل الأرض التي يقام عليها 3 مساجد وكثير من القباب والمصاطب ومساحتها 144 دونماً (الدونم ألف متر مربع). وتأخذ هذه المساحة شكل مستطيل غير منتظم، طول ضلعه الغربي 491 متراً، والشرقي 462 متراً، والشمالي 310 أمتار، والجنوبي 281 متراً.
يقع في هذه المساحة كل من قبة الصخرة المشرفة (القبة الذهبية)، والجامع القِبْلِي والمصلى المرواني.
- المسجد القبلي الرئيس وهو جزء من المسجد. مبنى مسقوف تعلوه قبة رصاصية، وسمي بالقبلي لأنه يقع جنوب المسجد باتجاه القبلة. كان أول من أمر ببنائه الخليفة عمر بن الخطاب عند فتحه القدس عام 15هـ الموافق 636م، وهو المصلى الرئيسي الذي يصلي فيه الرجال.
المصلى المرواني
يقع أسفل المسجد الأقصى وعرف قديماً بالتسوية الشرقية.
بناه الأمويون كتسوية معمارية، ويرجح أن يكون قد بني قبل الجامع القِبْلي، واستخدم للصلاة حتى تم بناء الجامع القبلي.
يضم المصلى 16 رواقاً حجرياً قائماً على دعامات حجرية قوية، ويمتد على مساحة تبلغ نحو أربعة دونمات ونصف الدونم، ويمكن الوصول إليه من خلال سلم حجري يقع شمال شرقي الجامع القِبْلي، أو من خلال بواباته الشمالية الضخمة المتعامدة على السور الشرقي للمسجد الأقصى.
خلال فترة الاحتلال الصليبي للقدس، حوله المحتلون إلى إسطبل لخيولهم، ومخزنٍ للذخيرة، وسموه «إسطبلات سليمان». ولا يزال بالإمكان رؤية الحلقات التي حفروها في أعمدة هذا المصلى لربط خيولهم.
قبة الصخرة
أهم وأبرز المعالم المعمارية الإسلامية، ويُعتبر أقدم بناء إسلامي، وبنيت عام 691م، على يد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.
ويضم المسجد الأقصى، أي المساحة التي تشمل 144 دونماً، سبعة أروقة: رواق أوسط وثلاثة من جهة الشرق ومثلها من جهة الغرب، وترتفع هذه الأروقة على 53 عموداً من الرخام و49 سارية من الحجارة.
يوجد للأقصى 11 باباً، سبعة منها في الشمال وباب في الشرق واثنان في الغرب وواحد في الجنوب.
كما يضم 25 بئراً للمياه العذبة، وقباباً شهيرة بينها قبة السلسلة وقبة النبي.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.