حماس تبدأ في تسوية «قضايا الدم» بدفع «ديات» لعوائل ضحايا الاقتتال

رضوان لـ«الشرق الأوسط»: نحتاج إلى 50 مليون دولار ومصرون على المصالحة المجتمعية

كبار وصغار يقفون في طابور بمخيم الشاطئ جنوب غزة لتعبئة الأوعية البلاستيكية والزجاجات بالمياه (أ.ف.ب)
كبار وصغار يقفون في طابور بمخيم الشاطئ جنوب غزة لتعبئة الأوعية البلاستيكية والزجاجات بالمياه (أ.ف.ب)
TT

حماس تبدأ في تسوية «قضايا الدم» بدفع «ديات» لعوائل ضحايا الاقتتال

كبار وصغار يقفون في طابور بمخيم الشاطئ جنوب غزة لتعبئة الأوعية البلاستيكية والزجاجات بالمياه (أ.ف.ب)
كبار وصغار يقفون في طابور بمخيم الشاطئ جنوب غزة لتعبئة الأوعية البلاستيكية والزجاجات بالمياه (أ.ف.ب)

بدأت حركة حماس في تسوية «قضايا الدم»، التي خلفها الاقتتال الداخلي المسلح في قطاع غزة في عام 2007، في محاولة من الحركة لغلق ملفات الثارات السياسية والعائلية في القطاع المكتظ المحافظ.
وعلى الرغم من أن الاقتتال الداخلي بين حركتي فتح وحماس في عامي 2006 و2007، الذي خلف نحو 300 قتيل فلسطيني من الحركتين، ونتج عنه انقسام فلسطيني حاد، مع سيطرة حماس على القطاع، بدأ تنظيمياً، وتتحمل مسؤوليته التنظيمات السياسية، فإنه أخذ طابعاً عشائرياً بعدما تعهدت العائلات التي قتل أبناؤها بالثأر من القاتلين.
وعلى مدار السنوات الماضية، ظلت نار «الثأر» مشتعلة، وظهرت مجدداً مع كل ذكرى للانقسام، أو بعد أي خلاف حاد.
وطالما نشرت حركة فتح صوراً لقتلاها، وبينهم سميح المدهون الذي جرى قتله وسحله في شوارع غزة، ونعت حماس قتلاها كذلك، وراحت تحاكم متورطين في قتلهم.
وفي الوقت الذي فشل فيه الطرفان في الوصول إلى اتفاق سياسي أو إداري، خلال 10 سنوات هي عمر الانقسام، بدأت حماس في الوصول إلى اتفاق مجتمعي.
وأبرمت الحركة اتفاقات مع عدد من عوائل قتلى حركة فتح وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية سابقاً، تقضي بدفع «الدية»، لتعويضهم مالياً، وإنهاء الخلافات معهم، وغلق ملف ابنهم.
وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن ثمة عائلات وافقت وأنهت الخلاف، وأخرى لم ترد، وثالثة رفضت تسوية الأمر تماماً.
ويعود الرفض على ما يبدو إلى إصرار بعض العائلات على القصاص، أو بسبب تغييب حماس للسلطة الفلسطينية تماماً عن هذا الملف، واختيار القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان ليكون طرفاً في الاتفاقات.
وقالت المصادر إن كثيراً من العائلات وافقت على الدية، وبعضها أخذها بالفعل مقابل الصفح والتسامح والعفو عن عناصر حركة حماس الذين شاركوا في عمليات القتل.
وبحسب المصادر، فإن أكثر من 5 عائلات تلقت أموالاً من حماس، وتسلمتها بحضور تنظيمي وعشائري، وأمام حشد من المواطنين، قبل أن يتم إعلان إنهاء الخلافات.
وجاء تحرك حماس في هذا الاتجاه بعد اتفاق مع «تيار محمد دحلان» حول ملف المصالحة المجتمعية، جرى خلال اجتماعات عقدت في القاهرة أخيراً بين الجانبين، وتضمنت إنهاء ملف الدم ضمن لجنة وطنية تضم جميع الفصائل.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن دحلان تعهد بالعمل من أجل جمع الأموال لإنهاء ملف المصالحة المجتمعية، وتعويض عوائل القتلى من الجانبين، تمهيداً لحل الخلافات الرئيسية، وإتمام المصالحة.
ويقول قياديون من تيار دحلان إنه لا علاقة لقيادة فتح الحالية بملف الاقتتال. وكتب سفيان أبو زايدة، وهو من قيادات التيار، عبر حسابه على «فيسبوك»، إنه لم يكن لحركة فتح أي علاقة بالاقتتال، قائلاً إن جميع أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري للحركة لم يكونوا في غزة آنذاك، فقد غادروها قبل أشهر من الأحداث. وعبر أبو زايدة عن استغرابه من حالة الغضب وردود الفعل التي أبدتها قيادات من حركة فتح تجاه اتفاق حماس وتيار دحلان في القاهرة.
وكان دحلان في 2006 و2007 مسؤولاً عن قطاع غزة لدى السلطة الفلسطينية، وخضع لاحقاً للجنة تحقيق بشأن إخفاقاته في حماية السلطة في القطاع، ثم انتخب لاحقاً عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح، قبل أن تفصله الحركة بتهم مختلفة.
ودارت في العامين اللذين تبعا فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي مواجهات مسلحة طاحنة بين حماس وفتح.
ويظهر من أرقام موثقة، حصلت عليها «الشرق الأوسط» من جهات حقوقية، أن عدد القتلى الفلسطينيين من حركتي حماس وفتح، وكذلك بعض المدنيين الذين سقطوا في فترة الاقتتال المسلح الطويل، أكثر من 300 شخص، بينهم 160 شخصاً في الفترة الواقعة ما بين 10 - 15 يونيو (حزيران) 2007، وهي الفترة التي تسميها فتح «فترة الانقلاب»، وتعدها حماس «فترة الحسم العسكري».
وعلمت «الشرق الأوسط» أن عائلة «صقر عنبر»، وهو ضابط في جهاز الأمن الوقائي الذي كان يترأسه دحلان، وقتل في نهاية عام 2006 برصاص مسلحين من كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عقدت صلحاً مع حماس.
ودفعت كتائب القسام مبلغ 70 ألف دينار أردني مقابل الصلح والتراضي، وأعلنت القبول التام والتنازل عن أي قضايا لها مستقبلاً، بعد أن تسلمت الدية المالية كاملة.
وعقب نجاح مهمة الصلح مع عائلة عنبر، تمكنت حركة حماس من التوصل إلى اتفاق مع عائلات أخرى في هذا الإطار.
وقال إسماعيل رضوان، القيادي في حركة حماس وممثلها في لجنة المصالحة المجتمعية، إن حركته بادرت إلى المصالحة المجتمعية، وأنهت كثيراً من الحالات التي أمكنها تسوية «قضايا الدم» معها، حرصاً من الحركة على تهيئة الملفات الوطنية لتحقيق المصالحة العامة.
وأضاف رضوان في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «حماس وجدت استجابة كبيرة للصلح من قبل العوائل، ولمست في هذه العوائل طبيعة الشعب الفلسطيني المتسامح الذي يهدف إلى تحقيق المصالحة، واستعادة الوحدة الوطنية».
وتابع: «حماس فخورة، والفلسطينيون كذلك، بهذه النماذج من العوائل التي قدمت نموذجاً طيباً في المسامحة وتحقيق المصالحة، مما يدلل على أصالة الشعب الفلسطيني».
ولفت إلى أن الحركة تتطلع خلال الفترة القليلة المقبلة إلى التوسع في عملية المصالحة المجتمعية، في إطار وطني شامل، وصولاً إلى «تهيئة المناخات والأجواء والأحوال لتمكين الصف الفلسطيني في مواجهة مشاريع الاحتلال».
وأضاف: «حماس لديها رغبة وإصرار كبيرين على إنهاء هذا الملف بشكل كامل، وصولاً إلى المصالحة العامة».
ورداً على سؤال حول المبلغ المتوقع لإنهاء هذا الملف، قال رضوان إنهم بحاجة إلى مبلغ 50 مليون دولار لدفع ديات للقتلى الذين يبلغ عددهم 313 قتيلاً، ولتعويض الجرحى الذين يبلغ عددهم ما يقارب الـ800 مصاب بجروح مختلفة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم