ألعاب الواقع الافتراضي... آفاق واعدة ومصاعب كثيرة

قبل نهاية هذا العام، سيصبح بإمكان الجمهور أن يلعب لعبة التحدي الشهيرة «ذا إلدر سكرولز 5: سكايرايم The Elder Scrolls V: Skyrim» بتقنية الواقع الافتراضي. كما تشمل هذه الفرصة الجديدة عدداً من الألعاب الأخرى كـ «دوم Doom»، و«فالاوت Fallout»، و«سيسترز Sisters».
حلم الواقع الافتراضي
يمرّ هذا العدد الكبير من ألعاب الفيديو بمرحلة انتقالية مهمة في عالم الواقع الافتراضي. ومع أن الضجيج الذي كان يحيط بهذه التكنولوجيا قد خفت على أرض الواقع، إلا أن الشركات العاملة في قطاع ألعاب الفيديو مستمرة في تخصيص مبالغ طائلة ومصادر كبيرة بهدف الترغيب بتقنية الواقع الافتراضي، وتدعيم تطوره وتقدمه، على الأقل في المدى القريب.
وقال ميشال غالاغر، الرئيس والرئيس التنفيذي لـ«إنترتينمنت سوفتوير أسوسيشن»، الشركة المتخصصة في صناعة ألعاب الفيديو: «إن حلم تقنية الواقع الافتراضي ولد في صناعتنا حين ابتدعنا أول العوامل الافتراضية. ومن الطبيعي أن يتولى مبدعو صناعتنا والشغوفون بها الذين يشاركوننا هذا الحلم قيادة الطريق نحو تطوير الواقع الافتراضي».
حتى اليوم، أخفقت تكنولوجيا الواقع الافتراضي في مواقع كثيرة، حيث إن مبيعات أنجح أكسسوارات الرأس المستخدمة فيها والتي تتيح للاعبين فرصة ليخوضوا أجواء اللعبة الحقيقية، أتت منخفضة إلى حدّ مخيب للآمال. ولكن كثيرا من الشركات تعمل بشكل غير جدي في عالم الواقع الافتراضي، ولا تزال مستمرة في هذا الشكل.
حتى أن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة «فيسبوك»، الذي كان من أكبر مؤيدي تقنية الواقع الافتراضي، إلى حدّ شرائه تقنية «أوكولوس في آر» بأكثر من ملياري دولار أميركي منذ عدة سنوات، اعترف في يناير (كانون الثاني) أن تحويل هذه التكنولوجيا إلى منصة كومبيوترية جديدة أصعب مما كان يتوقع.
وقال زوكربيرغ إن هذه الأمور تنتهي بتعقيدات أكبر مما كنا نتوقع في بداية الطريق. وأضاف: «إذا كنا نريد فعلاً أن نحقق الأهداف التي حددناها سابقاً لهذه التكنولوجيا، فيجب إنفاق مبالغ أكبر من التي قدرناها في السابق». ولكن عندما يتعلق الأمر باللعب والاستهلاك، تعتبر تقنية الواقع الافتراضي صناعة مزدهرة. إذ يُتوقع أن تتجاوز عائدات سوق ألعاب الواقع المعزز والواقع الافتراضي 162 مليون دولار في 2020، بعد أن بلغت 5.2 مليون خلال 2016. مدعومة بشكل كبير من مشغلات ألعاب الفيديو وسماعات وتجارب ألعاب الواقع الافتراضي، حسبما أفادت شركة «آي دي سي» للأبحاث.
ألعاب متميزة
استحوذت شهية اللاعبين لألعاب الواقع الافتراضي على حصة كبيرة في «معرض الترفيه الإلكتروني E3»، المعرض السنوي لألعاب الفيديو في لوس أنجليس. وأعلنت الشركات الناشرة كـ«سوني» و«بيثيسدا» أن عدداً من ألعاب الفيديو الشهيرة سيكون متوفراً بتقنية الواقع الافتراضي «في آر» خلال هذا العام، ومن بينها «ذا إلدر سكرولز 5: سكايرايم»، و«دوم»، و«فالاوت».
في «معرض الترفيه الإلكتروني»، قدم بعض مطوري الألعاب المستقلين ستة عناوين من قلب صناعة الواقع الافتراضي، كـ «الواقع الافتراضي الافتراضي»، والكوميديا السوداء العبثية من استوديو «تندر كلاوز» التي تتمحور حول أفكار كالسياحة والسفر والسلطة، بالإضافة إلى «سنو في آر SnowVR»، وهي لعبة تشبه الأحلام طورها فنانان إيرانيان من طهران عجزا عن حضور المعرض بسبب القيود المفروضة على السفر.
لطالما كان الطلب على تقنية الواقع الافتراضي في اللعب، جلياً. وقال بيت هاينس، نائب رئيس العلاقات العامة والتسويق في «بيثيسدا سوفتووركز»، التي تعد من أقدم مالكي امتياز لعبتي «سكرولز» و«فالاوت»، إن ألعاب «تصويب منظور الشخص الأول» والألعاب التي تتيح للاعب التنقل حول العالم دون قيود، كانت أفضل التجارب في عالم تقنية الواقع الافتراضي؛ لأنها زودت اللاعبين بفرصة اللعب إلى حدّ الانغماس في اللعبة. وأضاف أن اللاعب لا ينظر إلى الشاشة ليرى ما هو معروض عليها؛ لأن ما يراه هو الشاشة بحد ذاتها، لأنه في قلب الحدث.
ولكن ما تغير اليوم، هو أن كثيرا من الألعاب التي انطلقت بتقنية الواقع الافتراضي تنتقل إلى مرحلة تجريبية أكثر. وقال ريتشارد ماركس، رئيس «سوني بلايستيشن ماجيك لاب» إن بعضا من أولى الألعاب التي اعتمدت هذه التقنية كانت بمثابة استعراض لتكنولوجيا الـ«في آر»، ولكن الصناعة اليوم تجاوزت هذه المرحلة.
تجارب جديدة
وأضاف أن مطوري الألعاب اليوم يجربون تكنولوجيا وطرقا جديدة لتطبيق تقنية الواقع الافتراضي، كالذكاء الاصطناعي، وتمييز الصوت، والوجود في مكانين في الوقت نفسه، التي تشترط وجود شخصين في اللعبة، مما يسمح لشخصين أو أكثر باللعب سوياً. ومن بين أحدث التجارب في هذا المجال يمكن أن نسمي لعبة «ستاربلود أرينا Starblood Arena» التي تتطلب لاعبين، من إنتاج «سوني»، والتي تجمع بين المشاركة التقليدية بين لاعبين مع ميزة الانغماس التي تضمنها تقنية الواقع الافتراضي. تمنح اللعبة اللاعبين فرصة الاجتماع عبر الإنترنت في فريق واحد، حيث يمكنهما أن ينضما إلى قوات تدافع عن هدف معين.
ولكن تقنية الـ«في آر» لا تزال تواجه العقبات، حيث إن الشركات تحاول بشكل مستمر التعامل مثلاً مع حالات الغثيان التي تصيب بعض اللاعبين عندما يضعون أكسسوارات الرأس الخاصة بالتقنية.
وكشف ماتي برايس، المدير المساعد في مهرجان «إنديكايد» العالمي، الذي يسلط الضوء على عمل مطوري ألعاب الفيديو المستقلين، أن كثيرا من المشكلات الأساسية لا تزال تفتقر إلى الحلول في تقنية الـ«في آر»، كالغثيان وشكل حركة وتفاعل الجسم خلال اللعب. واعتبر برايس أن الواقع الافتراضي يجب أن يتوصل إلى أمور أخرى تجعلها مميزة إلى جانب ميزة الانغماس.
ولكن مطورين آخرين من هذا المجال اعتبروا أن الطلب على تقنية الواقع الافتراضي من قبل المستهلكين لم يصل بعد إلى درجة تسمح لمزيد من استوديوهات ألعاب الفيديو حصر عملها بالتركيز على هذه التقنية فقط.
وقال راي دايفيس، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة «دريفتر إنترتينمنت» الناشئة في سياتل التي تعمل على لعبة «غانهارت» التي تشترط وجود لاعبين: «إن ما نحتاجه هو مضي أصحاب الرؤية في هذا المجال نحو تحقيق أهدافهم، واستمرار المستثمرين في دعم الموجة الأولى من المحتوى حتى يكتمل التمويل، واستمرار المنصات في إنضاج معداتها لجذب مزيد من المستخدمين». وأضاف أن كل ما يحتاج إليه القطاع اليوم هو جرعة مفيدة من الصبر.
ولكن جهود قطاع ألعاب الفيديو المستمرة في توسيع حدود تقنية العالم الافتراضي تتصدر غيرها من القطاعات، وخاصة الأجزاء الأخرى من عالم التسلية والألعاب.
وتسعى استوديوهات «باوباب» ومقرها كاليفورنيا، والمختصة في «أنيمايشن» الواقع الافتراضي إلى دمج عوامل الـ«أنيمايشن» وألعاب الفيديو لابتداع قصص تفاعلية. ويسمح المشروع المقبل للشركة «راينبو كرو»، وهو عبارة عن مسلسل من الواقع الافتراضي يتناول حياة مواطن أميركي، والمطور بالتعاون مع جون ليجند الذي يلعب دور البطل في المسلسل، للاعبين بالتفاعل مع محيط يشبه الروايات المكتوبة.
على سبيل المثال، وفي أحد المشاهد، يمكن للاعبين أن يستخدموا تقنية الـ«في آر» لتلوين البيئة المحيطة، بهدف تحويل الفصل من الخريف إلى الشتاء. عندما يحرك اللاعب يده إلى أعلى ومن ثم إلى أسفل، ستبدأ الثلوج بالتساقط.
ويقول مورين فان، المدير التنفيذي ومؤسس استوديوهات «باوباب» إن تقدّم ألعاب الفيديو تطلب سنوات كثيرة، تماماً كما تطلب التوصل إلى تطور الأفلام وطرق تصويرها عقوداً. وأضاف: «غالباً ما تدور الألعاب حول تقمص دور شخص آخر أو الهرب إلى واقع آخر، لهذا السبب، تتقاطع تقنية العالم الافتراضي بشكل مباشر مع صناعة الألعاب، ونحن لا زلنا في بداية ابتكار هذه الصناعة».
* خدمة «نيويورك تايمز»