خالد دهبي... حب بدأ في مراكش مر بباريس واستقر في لندن

رحلة شيف يتنفس الطهي في «بابوش» المتنقل

TT

خالد دهبي... حب بدأ في مراكش مر بباريس واستقر في لندن

لطالما قلتُ إن مهنة الطهي ليست بمهنة بمقدر ما هي شغف وحب، فلا يمكن أن ينجح أي طاهٍ إذا كان لا يعشق المطبخ ولا يتنفس النكهات، وأبرز مثال على قصة غرام تربط طاهياً بهوايته وشغفه هو الطاهي المغربي خالد دهبي الذي وقع بشباك غرام الطعام الذي تربى عليه في الرباط، وعرف منذ نعومة أظافره أنه سيكون طاهياً في يوم من الأيام.
خالد ولد في بيت دبلوماسي، والده كان سفيراً، لأن دبلوماسيته كانت في محيط مطبخ منزل العائلة حيث كان يتسلل إليه ليتعلم من الطهاة فيه، وحينها أدرك أن حبَّه للطبخ سيجني ثماره يوماً ما عندما رسم لنفسه خريطة للعمل الدؤوب والنجاح لينشر المطبخ المغربي الأصيل في قالب يتقبله الغرب والعالم.
بحكم عمل والده تنقل خالد عندما كان صغيراً من بلد إلى آخر، واستقر لفترة في سويسرا لتبدأ مسيرته الفعلية وقرر بأن يصبح طاهياً محترفاً ينشر قصة حبه مع الطعام التي بدأت في مراكش عندما كان يزور أسواقها لتمر بباريس عندما تتلمذ على يد بعض من أهم طهاة المدينة ليستقر بعدها في لندن ويقدم على أجدد مشروع له وهو عبارة عن مطعم على طراز «البوب أب» Pop Up وهذا يعني مطعماً مؤقتاً في عالم الطعام العصري بحيث يفتتح المطعم لفترة معينة في مكان معين ويقفل بعدها أبوابه لينتقل إلى مكان آخر، وينوي الشيف خالد بأن ينتهي بـ«بابوش» المطاف في مطعم ثابت ودائم في من منطقة «غوفنت غاردن».
قبل أن أتعمق في موضوع «بابوش» لا بد من الإشارة إلى شخصية الشيف خالد، الذي التقيته لأول مرة عندما حَضر لي عشاء خاصاً ولصديقاتي في منزلي، لأنه يعمل إلى جانب طهاة آخرين على موقع «شيف إكستشينج» ومنذ تلك اللحظة أغرمت بعمله وبرؤيته المهنية وتصوره لهذه المهنة المتعبة، فهو يعشق فعلاً الطهي وينتقل إلى عالم ثانٍ عندما يكون في المطبخ؛ يبتكر الطعام ويزين الأطباق ولديه عبارة جميلة: «أحب أن أطعم الجميع الأطباق اللذيذة لأن الكل يستحق ذلك».
زار الشيف خالد مراكش عام 2015 تجول بين أزقتها وطرقاتها المزدحمة وساحاتها الشعبية ومر ببسطات الطعام والبهارات، وشدَّته الألوان وروائح الأعشاب. وبعد هذه الزيارة أصبح مدمناً على زيارة المدينة الحمراء وأصبحت تتصدر جدول سفره، سافر إليها أكثر من مرة وتعرف على المناطق المحيطة بها وتقرب من إرثها الثقافي ومن مطبخها الأصيل، ولطالما عبر الشيف خالد عن خيبة أمله في المطاعم المغربية خارج المغرب التي تقدم أطباقاً تجارية لا تنصف المطبخ المغربي الغني.
ويقول الشيف خالد لـ«الشرق الأوسط»: «عندما استقررت في لندن قمت بمسح تام للمطاعم المغربية وصدمت باللغط الحاصل، لأن جميع المطاعم التي تبيع المأكولات المغربية هي إما لبنانية أو تركية، وأكثر ما يزعجني هو رؤية طبق الحمص على لائحة الطعام المغربي، والسبب هو أن الحمص لا يجوز أن يكون موجوداً في المطعم المغربي».
ولهذا السبب قرر الشيف خالد أن يبدأ مشروعه في لندن لأنها عاصمة الطعام وتضم أكثر من 350 مطبخاً إثنياً فبدأ مغامرته من خلال إطلاق «بابوش» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، وقام بتحضير عشاء لأربعين شخصاً، وكانت الأطباق تضم لحم الضأن والسمك والبط والأخطبوط والشرمولة المغربية والمشوي. وإطلاق علامة «بابوش» مع بدء مهرجان هيئة التلفزيون والإذاعة البريطانية (بي بي سي) للطعام في «ريجنتس بارك» بلندن، وتلمس حينها الإقبال الشديد على نوعية مأكولاته التي تعتمد على المكونات الطازجة والسخاء والتقنية.
وفي أواخر مايو (أيار) الماضي استضاف الشيف خالد في لندن عدداً لا يتجاوز العشرة لصحافيين ومدوني طعام شهيرين في العاصمة البريطانية وكانت «الشرق الأوسط» من بينهم، وتم تزيين المائدة بأجمل القطع والزخرفات المغربية، وبعد عرض فيلم قصير منقول عن شبكة الشيف خالد على«يوتيوب» لبرنامج يقوم بتصويره في مراكش عن الأكل كان قد حان وقت الأكل، ويا له من مشهد... لأن الأطباق كانت تتهافت على المجيء إلى الطاولة والاستقرار عليها، وكان الهدف من هذا العشاء هو تعريف الحاضرين على نوعية الأطباق التي ينوي الشيف خالد تقديمها في مطعمه الجديد «بابوش»، عندما يفتتحه في الخريف المقبل.
ومن بين الأطباق الرائعة والغنية التي قدمها خلال تلك الأمسية، لحم الضأن المنقوع والمشوي على نار هادئة لأكثر من 24 ساعة والبسطيلة والسلطات المغربية والسمك مع البهارات المغربية من دون أن ننسى ألذ أطباق الحلوى.
* الشيف خالد دهبي في سطور
ولد الشيف خالد دهبي عام 1980 في الرباط، ترك منزل العائلة في سن السادسة عشرة للسفر حول العالم، خضع لتدريبات كثيرة في مجال الطهي في جنيف، وبعدها انتقل إلى باريس، وتتلمذ على يد ألمع الطهاة في المطاعم المزينة بنجوم ميشلان، وعمل في مطعم لو ميريس ولاربيج لينتقل بعدها إلى البندقية، قبل أن يتوجه إلى لندن عام 2000 وعمل إلى جانب الشيف غوردن رامسي في فندق «كلاريدجز»، وبعدها انتقل للعمل في مطعم «ساتشي غاليري» و«ثورتين»، وحاز شهرة واسعة أثناء عمله مع الطاهي البريطاني جيمي أوليفر وكان مقصد نجوم هوليوود أمثال الممثل كيفن سبايسي والسير إين ماكليلين.
افتتح الشيف خالد أول مطعم خاص به في منطقة الألب بسويسرا، وأطلق عليه اسم «لو بيك». واليوم يتنقل ما بين سويسرا ولندن ويعمل إلى جانب مجموعة «كوينتيسينشيلي»، ويستعدّ حالياً لافتتاح «بابوش» على الأرجح في منطقة كوفنت غاردن السياحية، وسيكون الطعام من وحي المطبخ المغربي ولكن بقالب عصري.



ما قصة «الفوندو» وأين تأكله في جنيف؟

ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
TT

ما قصة «الفوندو» وأين تأكله في جنيف؟

ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)

إذا كنت من محبي الأجبان فستكون سويسرا من عناوين الأكل المناسبة لك؛ لأنها تزخر بأنواع تُعد ولا تُحصى من الأجبان، بعضها يصلح للأكل بارداً ومباشرة، والأصناف الأخرى تُؤكل سائحة، ولذا يُطلق عليها اسم «فوندو» أو «ذائبة».

من أشهر الأجبان السويسرية: «الفاشرين» Vacherin، و«الغرويير»، و«الراكليت»، و«الإيمينتال»، ويبقى طبق «الفوندو» الأشهر على الإطلاق، لا سيما في فصل الشتاء؛ لأنه يلمّ شمل العائلة حوله، وترتكز فكرته على المشاركة، والنوع الأفضل منه يُطلق عليه اسم «مواتييه مواتييه»، ويعني «نصف - نصف»، وهذه التسمية جاءت من مزج نصف كمية من جبن «الفاشرين»، والنصف الآخر من جبن «الإيمينتال»، يُؤكل ذائباً بعد وضعه في إناء خاص على نار خافتة، يتناوله الذوّاقة عن طريق تغميس مكعبات لذيذة من الخبز الطازج وبطاطس مسلوقة صغيرة الحجم في الجبن إلى جانب البصل والخيار المخلل.

جلسة خارجية تناسب فصل الصيف (الشرق الاوسط)

عندما تزور مدينة جنيف لا بد أن تتوجه إلى القسم العتيق منها حيث تنتشر المقاهي والمطاعم المعروفة فيها، وبالقرب من الكاتدرائية لن يغفل عنك مطعم «ليه أرمور» Les Armures، المعروف كونه أقدم المطاعم السويسرية في جنيف، ويقدّم ألذ الأطباق التقليدية، على رأسها: «الراكليت»، و«الفوندو»، واللحم المجفف، و«الروستي» (عبارة عن شرائح بطاطس مع الجبن).

يستوقفك أولاً ديكور المطعم الذي يأخذك في رحلة تاريخية، بدءاً من الأثاث الخشبي الداكن، ومروراً بالجدران الحجرية النافرة، والأسقف المدعّمة بالخشب والمليئة بالرسومات، وانتهاء بصور الشخصيات الشهيرة التي زارت المطعم وأكلت فيه، مثل: الرئيس السابق بيل كلينتون، ويُقال إنه كان من بين المطاعم المفضلة لديه، وقام بتجربة الطعام فيه خلال إحدى زياراته لجنيف في التسعينات.

جانب من المطعم الاقدم في جنيف (الشرق الاوسط)

يعود تاريخ البناء إلى القرن السابع عشر، وفيه نوع خاص من الدفء؛ لأن أجواءه مريحة، ويقصده الذوّاقة من أهل المدينة، إلى جانب السياح والزوار من مدن سويسرية وفرنسية مجاورة وأرجاء المعمورة كافّة. يتبع المطعم فندقاً من فئة «بوتيك»، يحمل الاسم نفسه، ويحتل زاوية جميلة من القسم القديم من جنيف، تشاهد من شرفات الغرف ماضي المدينة وحاضرها في أجواء من الراحة. ويقدّم المطعم باحة خارجية لمحبي مراقبة حركة الناس من حولهم، وهذه الجلسة يزيد الطلب عليها في فصل الصيف، ولو أن الجلوس في الداخل قد يكون أجمل، نسبة لتاريخ المبنى وروعة الديكورات الموجودة وقطع الأثاث الأثرية. ويُعدّ المطعم أيضاً عنواناً للرومانسية ورجال الأعمال وجميع الباحثين عن الأجواء السويسرية التقليدية والهدوء.

ديكور تقليدي ومريح (الشرق الاوسط)

ميزة المطعم أنه يركّز على استخدام المواد محلية الصنع، لكي تكون طازجة ولذيذة، تساعد على جعل نكهة أي طبق، ومهما كان بسيطاً، مميزة وفريدة. الحجز في المطعم ضروري خصوصاً خلال عطلة نهاية الأسبوع. أسعاره ليست رخيصة، وقد تتناول «الفوندو» بسعر أقل في مطعم آخر في جنيف، ولكن يبقى لـ«Les Armures» سحره الخاص، كما أنه يتميّز بالخدمة السريعة والجيدة.

فوندو الجبن من أشهر الاطباق السويسرية (الشرق الاوسط)

ما قصة «الفوندو» السويسري؟

«الفوندو» السويسري هو طبق تقليدي من أطباق الجبن المميزة التي يعود أصلها إلى المناطق الجبلية والريفية في جبال الألب السويسرية، ويُعد اليوم رمزاً من رموز المطبخ السويسري. يعتمد هذا الطبق على فكرة بسيطة، ولكنها فريدة؛ إذ تتم إذابة الجبن (عادة مزيج من عدة أنواع مثل «غرويير» و«إيمينتال») في قدر خاص، يُدعى «كاكلون» Caquelon، ويُوضع فوق موقد صغير للحفاظ على حرارة الجبن. يُغمس الخبز في الجبن المذاب باستخدام شوكات طويلة، مما يمنح كل قطعة خبز طعماً دافئاً وغنياً.

مبنى "ليه أرمور" من الخارج (الشرق الاوسط)

كان «الفوندو» يُعد حلاً عملياً لمواجهة ظروف الشتاء القاسية، حيث كانت الأسر السويسرية تعتمد بشكل كبير على الأجبان والخبز غذاء أساساً، ومع قسوة الشتاء وندرة المؤن، كانت الأجبان القديمة التي أصبحت صلبة وإعادة استخدامها بتلك الطريقة تُذاب. وقد أضاف المزارعون لاحقاً قليلاً من النبيذ الأبيض وبعض التوابل لتحسين الطعم وتسهيل عملية إذابة الجبن.

مع مرور الوقت، ازداد انتشار «الفوندو» ليصبح طبقاً سويسرياً تقليدياً ورمزاً وطنياً، خصوصاً بعد أن روّج له الاتحاد السويسري لتجار الجبن في ثلاثينات القرن العشرين. جرى تقديم «الفوندو» في الفعاليات الدولية والمعارض الكبرى، مثل «المعرض الوطني السويسري» عام 1939؛ مما ساعد في التعريف به دولياً. أصبح «الفوندو» في منتصف القرن العشرين جزءاً من الثقافة السويسرية، وجذب اهتمام السياح الذين يبحثون عن تجربة الطهي السويسرية التقليدية.

من أقدم مطاعم جنيف (الشرق الاوسط)

هناك أنواع مختلفة من «الفوندو»، تعتمد على المكونات الأساسية:

• «فوندو الجبن»: الأكثر شيوعاً، ويُستخدم فيه عادة خليط من أنواع الجبن السويسري، مثل: «غرويير»، و«إيمينتال»، والقليل من جوزة الطيب.

• «فوندو الشوكولاته»: نوع حلو تتم فيه إذابة الشوكولاته مع الكريمة، ويُقدّم مع قطع من الفواكه أو قطع من البسكويت.

• «فوندو اللحم» (فوندو بورغينيون): يعتمد على غمر قطع اللحم في قدر من الزيت الساخن أو المرق، وتُغمس قطع اللحم بعد طهيها في صلصات متنوعة.

اليوم، يُعد «الفوندو» تجربة طعام اجتماعية مميزة؛ حيث يلتف الأصدقاء أو العائلة حول القدر الدافئ، ويتبادلون أطراف الحديث في أثناء غمس الخبز أو اللحم أو الفواكه؛ مما يعزّز من روح المشاركة والألفة.