لبنان: أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» يعودون إلى التصعيد عشية انطلاق معركة جرود عرسال

يحاولون الضغط على الحكومة لإعطاء توكيل رسمي إلى وسيط يفتح خط تواصل مع التنظيم

TT

لبنان: أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» يعودون إلى التصعيد عشية انطلاق معركة جرود عرسال

عاد أهالي العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى تنظيم داعش إلى الشارع بهدف تصعيد تحركاتهم عشية انطلاق معركة جرود عرسال، التي على ما يبدو أتمّ «حزب الله» كل استعداداته لخوضها خلال الأيام القليلة المقبلة. واستبق الأهالي إعلان ساعة الصفر بمحاولة الضغط على الحكومة لإعطاء توكيل رسمي لأحد الوسطاء لفتح خط تواصل من جديد مع التنظيم المتطرف، والسعي إلى تحييد الملف عن أي تأثيرات سلبية للمعركة المرتقبة عند الحدود الشرقية.
وتحدث أحمد الرمضان، المتخصص بشؤون «داعش» والناشط في حملة «فرات بوست»، لـ«الشرق الأوسط» عن معلومات تفيد بنقل التنظيم العسكريين اللبنانيين ومعتقلين آخرين من سجونه في معقله في الرقة في الشمال السوري قبل نحو 3 أشهر استباقاً للمعركة التي يشنها التحالف الدولي و«قوات سوريا الديمقراطية» في المدينة، إلى محافظة دير الزور التي تحولت العاصمة البديلة له والتي يتمركز فيها معظم قيادييه وعائلاتهم. وأشار الرمضان إلى أنه تم نقلهم بداية إلى حقل كونيكو النفطي في دير الزور حيث أبقاهم التنظيم هناك 3 أيام قبل نقلهم إلى حقل العُمر النفطي، وهما حقلان يقعان في ريف دير الزور الشرقي.
غير أن مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، رامي عبد الرحمن، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «لا معلومات حول مصير العسكريين اللبنانيين»، لافتاً إلى أن «داعش» «نقل فعلاً عدداً من المعتقلين لديه من الرقة إلى دير الزور، لكن حسم مكان وجودهم هناك مستحيل».
واعتبر الرمضان، بدوره، أن «المرحلة الحالية مثالية لفك أسر العسكريين اللبنانيين باعتبار أن التنظيم بحاجة للأموال وبالتالي في حال دفعت الدولة اللبنانية فدية كبيرة فلا شك أن (داعش) لن يتأخر بتحرير عسكرييها». وأضاف: «هو عمد في وقت سابق إلى إتمام أكثر من عملية مبادلة مع النظام وجبهة النصرة، كما أتم ما يسميها هو عمليات (بيع وشراء)، وهي بالحقيقة دفع فدية، شملت عدداً من الصحافيين الأجانب».
ولا تملك الأجهزة الأمنية اللبنانية أي معلومات مؤكدة حول مصير العسكريين أو مكان تواجدهم. ولم يسمع أهاليهم أي خبر عن أبنائهم منذ نهاية عام 2014 حين ظهر 3 منهم في فيديو جاثين على ركابهم فيما يهددهم أحد العناصر الذي يتحدث اللغة الفرنسية بالذبح. ولعل آخر المعطيات التي رشحت عن الملف تُختصر بالاعترافات التي أدلى بها عدد من عناصر التنظيم الذين تم إلقاء القبض عليهم في عرسال في وقت سابق. وأشار أحدهم إلى أنه أقدم شخصياً على ذبح الجندي عباس مدلج، وقد قتل التنظيم عسكريين اثنين ممن اختطفهم وبث فيديوهات وثّقت ذلك.
وتتعاظم مخاوف الأهالي على مصير أبنائهم الـ9 بعيد إعلان «حزب الله» نيته شن حملة عسكرية ضد المسلحين الموجودين في الجرود في المنطقة الحدودية اللبنانية - السورية شرقا. لكن الحملة، وفق ما قالت مصادر في قوى 8 آذار مقربة من الحزب لـ«الشرق الأوسط»، ستتركز في مرحلتها الأولى على مواجهة عناصر «جبهة النصرة» وليس عناصر «داعش» لأن التهديدات الجدية للقرى اللبنانية تأتي من المساحة الجغرافية التي تسيطر عليها «الجبهة».
ولا يخفي حسين يوسف، والد العسكري المخطوف محمد يوسف، أنه وبقية الأهالي يتخوفون من انعكاس معركة الجرود سلباً على مصير أبنائهم، متسائلا: «ماذا لو كانوا لا يزالون في المنطقة هناك وقتلوا خلال المواجهات المرتقبة؟». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نحمّل الحكومة والقوى السياسية التي لا تتعاطى بجدية مع الملف مسؤولية أي أذى يصيب أبناءنا، خاصة أننا أبلغنا المعنيين بوجود وسيط قادر على تحريك القنوات مع التنظيم لكنّه يحتاج إلى غطاء رسمي من الدولة اللبنانية، وهم لا يزالون يتعاطون بلامبالاة مع الموضوع». ووفق يوسف، فالوسيط الذي أعرب عن جهوزيته للتعاون في الملف كان قد قام بجهود بوقت سابق لكن لم تصل إلى خواتيم سعيدة. وأضاف: «إننا لا نستطيع إلا أن نقتنص كل الفرص المتاحة في الظروف الراهنة».
وعمد الأهالي ظهر أمس إلى قطع الطريق أمام السيارات في شارع المصارف في وسط بيروت لبعض الوقت، لـ«المطالبة بالكشف سريعاً عن مصير أبنائهم بعد مرور 3 سنوات على خطفهم، واحتجاجاً على إهمال ملفهم من قبل الدولة»، وطالبوا رئيس الحكومة سعد الحريري بالنزول إلى الشارع للتفاوض معه. وقال عدد من الأهالي خلال حديث مع الصحافيين إن أحد الوسطاء أبلغهم أنه يريد تفويضاً رسمياً من الحكومة اللبنانية للتفاوض مع الجهة الخاطفة، «لكن لا رد من قبل الحكومة حتى الآن». وقال المتحدث باسم أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» حسين يوسف: «نحن لسنا ضعفاء ولا تدفعونا إلى قطع طريق ضهر البيدر وطرقات رئيسية أخرى». وأكّد أن «العسكريين لم ينشقوا عن المؤسسة العسكرية أبداً». وأضاف: «للأسف قضيتنا لم تعد ضمن اهتمامات (المدير العام للأمن العام) اللواء عباس إبراهيم ورئيس الحكومة (سعد الحريري) وقائد الجيش (العماد جوزيف عون)».
وكان تنظيما «داعش» و«جبهة النصرة» تمكنا من أسر 35 من عناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي خلال محاولتهم احتلال بلدة عرسال في شهر أغسطس (آب) 2014.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2015، جرت عملية تبادل، بوساطة قطرية - تركية، بين «جبهة النصرة» والدولة اللبنانية، جرى خلالها الإفراج عن 16 عسكرياً، في مقابل إطلاق سراح 13 موقوفاً في السجون اللبنانية، بينهم خمس نساء، وذلك بعد مفاوضات استمرت نحو عام وأربعة أشهر. وما زال هناك تسعة عسكريين في قبضة «داعش»، وقد ترددت أنباء، بعد أسرهم، أن أحدهم انشق عن الجيش اللبناني والتحق بصفوف التنظيم المتشدد، بينما تم تسليم آخر إلى أقرباء له في جبل العرب في سوريا، لكن أي جهة رسمية لم تؤكد ذلك.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.