عندما تسقط أوراق السلوفان عن نجوم الفن

غادة وأصالة وشيرين... اعتذارات لا بد منها

غادة عبد الرازق - اصالة - شيرين
غادة عبد الرازق - اصالة - شيرين
TT

عندما تسقط أوراق السلوفان عن نجوم الفن

غادة عبد الرازق - اصالة - شيرين
غادة عبد الرازق - اصالة - شيرين

في الحياة الفنية كثير من المواءمات، يحرص النجوم على أن يظلوا محتفظين بصورة ذهنية إيجابية لدى جمهورهم؛ لذا ليس كل ما يُعرف يُقال. هُم نادراً ما يقولون الحقيقية كما هي من دون إضافات «رتوش»، ليضمنوا تأييد الجمهور لهم وبقاءه إلى جانبهم. إذا كان لرجال السياسة حساباتهم المعقدة، فللفنانين حسابات أكثر تعقيداً. يدخل الرأي العام طرفاً في كل ما يدلون به من تصريحات، وهكذا بين الحين والآخر، كثيراً ما تلمح تناقضاً ما، في رأي أعلنوه في حديث تلفزيوني أثار غضب فئة من الرأي العام، فتجدهم وقد سارعوا بنفيه في حديث آخر.
لإحسان عبد القدوس رواية شهيرة تحولت لفيلم تلفزيوني قبل 30 سنة، لعب بطولته أحمد زكي (أنا لا أكذب، ولكني أتجمّل)، إنها الكذبة التي نسمح بها أحياناً لتجميل الحياة، مثل أوراق السلوفان التي نضعها على السلعة بغرض تسويقها، ولكن هل من الممكن أن يُخفي البريق مهما كان جاذباً، تواضع البضاعة أو فقدانها المواصفات القياسية.
تابعنا أخيراً موقفين لنجمتين لا تحسدان أبداً عليهما. أصالة التي أوقفت في مطار بيروت الدولي، بعد ضبط كمية من الكوكايين معها، وحتى اللحظة لا أحد يدري متى يغلق ملف القضية، وما تفاصيلها بدقة. كما أن أصالة لم تصارح جمهورها حتى هذه اللحظة، بحديث مباشر. كل ما نسمعه فيما يتعلق بالقضية، أحاديث وتعليقات يطلقها بالنيابة عنها شقيقها أو زوجها أو مدير أعمالها. قد تكون تنتظر الزمن وتراهن على أنه كما جاء في أغنية لأم كلثوم، (والزمن بينسي حزن وفرح ياما)، فهو القادر على أن يمحو الكثير. أصالة ستنتظر مرور الأيام حتى ينشغل الناس بحكاية أخرى.
على الجانب الآخر، ومن دون أي سبب مباشر، كان الإعلام كله مشغولاً بالحديث عن الشريط الذي بثّته غادة عبد الرازق لنفسها، حيث كانت تقتضي إجازتها في جزر المالديف. للوهلة الأولى قد لا يصدّق الجمهور المتلقي الخبر، فكيف لفنانة وبمحض إرادتها أن تُشهّر بنفسها على هذا النحو. وقالت غادة في أول تعليق لها بعد انتشار الشريط الذي يحمل الكثير من التجاوز، على جميع مواقع التواصل الاجتماعي، إنها تعوّدت على (الفبركة) من حزب أعداء النجاح الذين يترصدون لها كلما حققت نجاحاً لافتاً موجهة التهمة لهم بأنهم هم من سارعوا بإطلاق هذه الشائعة، مؤكدة أن ما جرى تداوله مأخوذ من عمل فني قديم لها، وأنها ستكشف قريباً، كل من تورط في تلك الفعلة الشنعاء.
من الواضح أن ما صرحت به غادة لم ينطل على أحد، فلم يكن هناك هذه المرة (فبركة)، فاضطرت مع تزايد غضب الجمهور، إلى أن تعاود البث المباشر مرة أخرى من المالديف، وتعلن أنها فعلاً أخطأت بتصوير أجزاء حساسة من جسدها، ولكنها كانت واقعة تحت تأثير دواء نفسي تتعاطاه قبل أكثر من 20 سنة، ومن المعروف أن هذا الدواء يفقد الإنسان توازنه، كما أن لا دراية لها في التعامل مع هذا النوع من الرسائل الحية، في المحمول، وقد أفلتت منها تلك الرسالة المصورة من دون قصد، إلا أنها عاودت مرة أخرى الحديث عن المؤامرة التي تتعرض لها، وبالطبع كلّنا نعلم من سيناريو تلك الواقعة، أن هذه المرة على الأقل، لا أحد تآمر عليها، بل هي التي تآمرت على نفسها، ولو بحسن نية أو تحت تأثير الدواء النفسي التي تحدّثت عنه.
جميل ورائع أن يعتذر الفنان عن الخطأ، لكن كان على غادة أن تعتذر، أولاً عن أول تصريح لها، لأنها لم تذكر الحقيقة أولاً. من المؤكد أن يتفاعل الجمهور ساخراً من تبريرها للحادثة، على مواقع التواصل الاجتماعي، وبين الحين والآخر تبث الراقصة سما المصري على حسابها تعليقاً ساخراً ضدها، وإذا كانت أصالة قد حظيت بالكثير من رسائل المؤازرة من الفنانات، أمثال منى زكي، وأنغام، وهند صبري وأحلام، وغيرهن، ولم تسخر منها سوى هيفاء وهبي، فإن غادة لم يؤازرها أحد من الزملاء، كما أن الأمر لم يتوقف فقط عند حدود مواقع التواصل الاجتماعي، بل تخطاه ليرفع أحد المحامين دعوى قضائية بتهمة ارتكاب فعل فاضح، ستنظر به المحكمة في يوم 7 سبتمبر (أيلول) المقبل.
ليست المرة الأولى التي يخطئ فيها فنان ولن تكون الأخيرة، فقبل بضعة أشهر، استخدمت المطربة شيرين كلمات لم تكن مناسبة ضد عمرو دياب في فرح عمرو يوسف وكندة علوش، حين قالت (راحت عليه)، لتضطّر بعد أقل من 48 ساعة، إلى تقديم اعتذار مباشر لعمرو دياب.
من الواضح أن لشيرين رصيداً كبيراً من الأخطاء، فمرة رفعت الحذاء إعجاباً بصوت مطرب استمعت إليه في أحد برامجها، ومرة أخرى اضطرت إلى الاعتذار من جارها شريف منير، بسبب كلمات غير لائقة استخدمتها في حقّه، بعد أن تحولت إلى قضية سب وشتم علني تنازل شريف بعدها عن الدعوى القضائية.
لا يمكن بالطبع أن يضبط الفنان كل كلماته، ولكن عليه أن يستفيد من الخطأ وألا يتمادى فيه. وهنا، نتوقف أمام عمرو دياب نموذجاً؛ فهو فنان قادر على ضبط انفعالاته ومراجعة مواقفه، فقبل نحو 20 سنة، قال عبارات ضد إنجازات عبد الحليم حافظ، ليواجه بعدها غضب الصحافة العربية؛ إذ اعتبرت كلماته تطاولاً على مكانة عبد الحليم، حينها، لم يكتف دياب بالاعتذار، بل ذهب أيضاً لزيارة أسرة عبد الحليم، حيث التقطت له صور تظهر في خلفيتها صورة عبد الحليم، واستفاد عمرو من الدرس وصار لا يهاجم أحداً.
النطق بكلمات غير لائقة ليس بأمر جديد في الساحة الفنية. ففي عام 1964، وبحضور الرئيس جمال عبد الناصر، في حفل عيد ميلاد ثورة 23 يوليو الـ12. سخر عبد الحليم على الهواء من أم كلثوم قائلاً: «أنا مش عارف إذا كان ده تشريف ولا مقلب أن أغني بعد أم كلثوم». وكان من المفترض وطبقاً لما كان متعارفاً عليه وقتها، أن يُقدّم المطرب الأكبر، الفقرة الغنائية الأخيرة، ولكن أم كلثوم طلبت من المنظمين، أن تبدأ هي الحفل أولاً على أن ينهيه عبد الحليم، وأطالت في الغناء فقد غنت «أنت عمري» وقصيدة «أنا الشعب»، فهاجمها عبد الحليم معتبراً أنها تقصد إقصاءه عن وقت الذروة، لتمنعه بعدها من مشاركتها حفل ثورة يوليو، وأصبح عبد الحليم يحيي حفل 26 يوليو (عيد النصر) منفرداً.
اعتذر عبد الوهاب مرة في الستينات، عندما قال: إن الموسيقار سيد درويش كان يتعاطى المخدرات قبل أن يُمسك بالعود ويلحّن، فأقام ابنه محمد البحر درويش، دعوى قضائية، فاعتذر عبد الوهاب، وأكد أنه لم يقصد الإساءة للموسيقار الكبير، فسُحبت الدعوى.
يُذكر أنه في مهرجان القاهرة قبل 12 سنة، في إحدى الندوات أراد عمر الشريف أن يقول إن الرئيس جمال عبد الناصر كان يتعامل مع الأميركان، ولكنه استخدم خطأ كلمة عميل، وبعد هجوم قوي عليه، اعتذر مرجعاً السبب إلى ابتعاده عن استخدام اللغة العربية في تعاملاته اليومية؛ الأمر الذي يجعله يُفلت بمعاني بعض الكلمات.
من الممكن أن يسامح الجمهور، عربياً كان أم أجنبياً، نجومه على هفواتهم إن أقرّوا بها واعتذروا عنها، بيد أن كثيرين لا يمتلكون شجاعة الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه، مفضلين الاختباء وراء أوراق «السلوفان» البراقة، لتغليف حياتهم.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)