فاتورة الواردات القطرية مرشحة لارتفاعات كبرى خلال شهرين

الزيادة قد تصل إلى 60 %... والمستهلك سيتحمل «فروق الشحن»

فاتورة الواردات القطرية مرشحة لارتفاعات كبرى خلال شهرين
TT

فاتورة الواردات القطرية مرشحة لارتفاعات كبرى خلال شهرين

فاتورة الواردات القطرية مرشحة لارتفاعات كبرى خلال شهرين

قدّر مختصون في الشأن الاقتصادي أن ترتفع فاتورة الواردات القطرية خلال الشهرين المقبلين إلى أعلى مستوياتها، بنسبة زيادة يبلغ حجمها نحو 60 في المائة، في حال استمرت قطر في تعنتها ورفضها حل خلافها مع دول الجوار، وذلك في ظل الاعتماد القطري على البضائع المستوردة؛ سواء الغذائية أو الاستهلاكية، بنسبة تصل إلى 90 في المائة، مرجحين إمكانية بلوغ تلك الارتفاعات ذروتها بعد مرور ثلاثة أشهر من تاريخ المقاطعة من الدول الأربعة: السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
وأرجع المختصون أسباب هذه الزيادة، والتي ستكون تدريجية، إلى عدة عوامل، في مقدمتها ارتفاع أسعار الشحن المرتبط بطول المسافة، بعد أن تغير مسار شركات الملاحة البحرية والجوية في نقل البضائع للدوحة، خاصة في ظل الارتفاع التدريجي في أسعار النفط في الأسواق العالمية، ما يزيد من كلفة الشحن. وهذه الزيادة لن تكون الحكومة القطرية قادرة على تحملها، وإن عمدت إلى دفع فروقات الشحن في المرحلة الأولى لتخفيف الأعباء على المستهلك المحلي، إضافة إلى أن المخزون الاستراتيجي لقطر لا يغطي حاجة المجتمع القطري.
ورغم محاولة قطر تخفيف هذه الأعباء وسعيها للتوجه لزراعة عدة محاصيل وإيجاد بدائل لعدد من السلع الاستهلاكية المصنعة محليا لمواجهة المقاطعة الخليجية، بحسب ما تروج لها وسائل الإعلام المحلية هناك، فإن الواقع المحلي يؤكد وبحسب مختصين، أن الدوحة غير قادرة على القيام بمشروعات زراعية لعدة عوامل، في مقدمتها قلة المياه، وندرة الأراضي الصالحة للزراعة، وعدم توفر الأيدي العاملة المتخصصة في عملية الفلاحة. وإن غامرت الدوحة في تحويل الأراضي «البور» للزراعة، فإنها سوف تنفق مبالغ مالية كبيرة مقارنة بما ينفق لزراعة الأراضي الخصبة، إضافة إلى أن ناتجها من هذه التجربة لا يغطي احتياجات السوق المحلية، خاصة فيما يتعلق بزراعة الأرز أو القمح وبعض المنتجات الزراعية التي تستهلك كميات كبيرة من المياه.
وفي اللحوم الحمراء والبيضاء، ستواجه قطر معضلة كبيرة لارتفاع تكلفة استيرادها، والتي يتوقع أن تصل إلى أكثر من 60 في المائة خلال الأشهر المقبلة، عما كانت عليه قبل المقاطعة مع دول الجوار. وتستورد قطر بحسب آخر الإحصاءات المعلنة، من اللحوم والأسماك والدواجن ما قيمته 1.5 مليار دولار، لتغطي احتياج 2.4 مليون شخص، ما بين مقيم ومواطن، فيما تستورد وفقا لآخر البيانات نحو مليوني طن متري من الغذاء، وتشير هذه البيانات إلى أن قطر تحتاج لتغطية الطلب في عام 2018 لنحو 2.2 طن متري.
وقال عبد الكريم أبار، المختص في الشؤون التجارية ورجل الأعمال لـ«الشرق الأوسط»، إن السلع الاستهلاكية المستوردة جزء كبير من تكلفتها يكون من حصة الشحن؛ سواء كان بحريا أو جويا، وأي عوامل تؤثر على عمليات الشحن من إقفال حدود أو موانئ (جوية، وبحرية، وبرية) يعرض هذه السلع للزيادة بسبب ارتفاع تكلفة الشحن، كون هذه الشحنات تغير مسارها واستغرقت وقتا أكبر مما كان عليه في وقت سابق، وهذه الزيادة في الوقت تزيد من قيمة السلعة المستوردة، والتي غالبا تأتي عن طريق الشحن البحري والذي يستهلك كميات كبيرة من الوقود، الذي يشهد ارتفاعا تدريجيا في التعاملات العالمية.
وأضاف أبار، أن قطر وإن سعت إلى إيجاد بدائل، سواء كانت من الأسواق التركية أو الإيرانية، لتغطية النقص الحاد، فلن تكون بنفس جودة كثير من المنتجات التي شحت في السوق المحلية، لذلك فإن التأثير كبير وسيرتفع تدريجيا في الأيام القليلة المقبلة إلى 50 في المائة عما كان معروضا قبل المقاطعة، وسيكون هناك نقص كبير في العرض، وهذا سيرفع من قيمة السلعة، مستدلا بواقعة إحدى الشركات السعودية الكبرى المتخصصة في صناعة الألبان والتي كانت توفر لقطر احتياجها من هذا المنتج قبل مقاطعة الدول الأربع، والآن تبحث الجهات المعنية في الدوحة وبشكل عاجل عن إيجاد بدائل وإن افتقدت للجودة، إلا أن أسعارها ستكون مرتفعة وبشكل كبير بسبب عمليات الشحن.
ولفت أبار إلى أنه رغم محاولات قطر دعم كافة السلع بدفع الفرق، فإنها لن تتمكن من تحمل هذه الفاتورة، وذلك على المدى البعيد، وسيواجه المستهلك المحلي في قطر هذه الارتفاعات بعد ذلك، والتي ستصل إلى أعلى مستوياتها مقارنة بما يعرض من هذه السلع في دول الجوار، في حال استمرت الأزمة ولم تجد قطر مخرجاً لها، وربما تتخذ الدوحة كثيرا من القرارات التي تستهدف المواطنين والمقيمين لتعويض هذه الفروقات.
من جهته قال مروان الشريف المختص في الشأن الاقتصادي، إن تعنت قطر ورفضها تلبية مطالب الدول الأربع المقاطعة، سينعكس وبشكل مباشر على اقتصادها الكلي وفي كافة القطاعات، إضافة إلى ما ستعانيه في الأيام المقبلة من توفير احتياجها من السلع الغذائية والاستهلاكية على المدى المنظور مع استمرار الأزمة، الأمر الذي سيدفع بكثير من الشركات المصدرة إلى قطر إلى رفع قيمة تكاليف النقل والتأمين، وإن حاولت الدوحة طمأنة المستهلك المحلي، إلا أن طول أمد الأزمة سيكشف عدم مقدرتها في توفير الاحتياجات الأساسية، وإذا توفرت فستكون بأسعار مرتفعة جداً مقارنة عما كان مسجلاً قبل الأزمة.



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»