السودان نحو العودة للمحافل الاقتصادية الدولية

يشهد تحركات مكثفة قبل موعد رفع الحصار

السودان نحو العودة للمحافل الاقتصادية الدولية
TT

السودان نحو العودة للمحافل الاقتصادية الدولية

السودان نحو العودة للمحافل الاقتصادية الدولية

مع اقتراب موعد الرفع الكلي للعقوبات الاقتصادية الأميركية عن السودان، خلال اليومين المقبلين، عادت إلى الخرطوم وفود وزارية، شاركت في أربعة محافل دولية، عرضت فيها استعدادات بلادها لمرحلة ما بعد رفع الحصار كليا.
وحظي السودان من خلال هذه المشاركات، باستضافة الخرطوم المؤتمر الوزاري للمنظمة العالمية للزراعة والأغذية (الفاو) المقبل، وإطلاق اسمه على إحدى قاعات المنظمة في مقرها بروما، وحصوله على عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة العالمية للسياحة، بجانب حصوله على فرص واسعة للتعريف بالإجراءات التي ستتبع بعد رفع الحصار بخصوص جذب استثمارات من خلال هذه المشاركات والزيارات، فضلا عن فرصه الجاهزة للاستثمار بعد رفع الحصار. وقال الدكتور عبد اللطيف العجيمي وزير الزراعة والغابات عقب عودته من المشاركة في المؤتمر الوزاري للمنظمة العالمية للزراعة والأغذية (الفاو)، إن بلاده طرحت أمام القمة الوزارية في روما الأسبوع الماضي، خطة السودان للنهوض بقطاع الزراعة بمشاركة مع المنظمة، بجانب طرحه لمشاريع الأمن الغذائي العربي واستراتيجيتها للاستثمار في المرحلة المقبلة.
وأشار العجيمي، الذي دشن قاعة السودان بمقر منظمة الأغذية العالمية وبحضور غرزيانو دا سيلقا مدير عام المنظمة أول من أمس، إلى أن بلاده ستستضيف أعمال المؤتمر الوزاري لدول أفريقيا في فبراير (شباط) من العام المقبل، والذي سيخصص حيزا كبيرا لتحريك مبادرة الرئيس السوداني للأمن الغذائي العربي، الذي يواجه تحديات أبرزها ارتفاع أسعار الغذاء حول العالم والتغير المناخي.
من جهته، أوضح حمد عبيد المزروعي رئيس الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، مقرها الخرطوم، عقب مشاركته في أعمال الملتقى الاقتصادي السوداني، الذي نظمه أصحاب العمل السوداني والسفارة الفرنسية في باريس مؤخراً، أن الهيئة قدمت أمام الحضور من رجال الأعمال والشركات الفرنسية العاملة في المجال الزراعي، تجربتها في الاستثمار الزراعي في السودان التي تمتد على مدى أربعة عقود.
وأضاف أن هناك استقرارا ومزايا وإمكانات هائلة تتوفر في السودان يحتاجها الجانب الفرنسي، وأن تفعيل التعاون بين البلدين يؤدي إلى تطوير الاقتصاد السوداني.
ودعا المزروعي الشركات الفرنسية للتعاون مع الهيئة في إقامة مشاريع زراعية رائدة في السودان، كما قدم الدعوة للشركات الفرنسية والسودانية إلى حضور الندوة الترويجية التي ستنظمها الهيئة في موريتانيا بالتعاون مع وزارة البيطرة الموريتانية خلال النصف الثاني من العام الجاري.
الدكتور محمد أبو زيد وزير السياحة والحياة البرية في السودان، قال لـ«الشرق الأوسط» عقب عودته من أديس أبابا بعد مشاركته في أعمال منظمة السياحية العالمية، وحصول بلاده على عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة، إن «السودان لأول مرة يترشح لهذا المنصب منذ انضمامه للمنظمة في العام 1957. وسيتيح القرار للسودان أن يكون في موقع متخذي القرار».
وقال إن الموافقة المبدئية التي حصل عليها السودان من القمة لعضوية المجلس التنفيذي ستعرض على الجمعية العمومية للمنظمة، والتي تعتمد على موافقة اللجنة في قرارها، معربا عن امتنانه وسروره للإنجاز الذي تحقق، والذي سيسعى من خلاله السودان إلى نهضة السياحة البينية. وفي الداخل تواصلت جميع قطاعات الدولة وأصحاب العمل في تحركاتها نحو الاستعداد لما بعد رفع الحصار، وبحث اتحاد أصحاب العمل السوداني مع القائم بالأعمال الأميركي بالخرطوم، المسارات الثلاثة التي سيدخل بها في العمليات التجارية مع الولايات المتحدة. من جانبه رحب القائم بالأعمال الأميركي استيفين كوستن بوفد الاتحاد السوداني الذي شارك في حفل السفارة الأميركية بالخرطوم مؤخرا.
ودعا كوستن القائم بالأعمال رجال الأعمال السودانيين إلى التعرف على الصناعات والتجارة الأميركية، من خلال المعرض التجاري المصاحب للاحتفال السنوي للولايات، وضم عشرات الماركات والشركات الأميركية والعالمية. ووفقا للقائم بالأعمال الأميركي، فإن هذه الشركات تعتبر تمثيلا صغيرا من الكثير من الشركات الأميركية وغيرها من الشركات الدولية، الحريصة على الاستثمار وبيع السلع والخدمات في السودان، مشيرا إلى تطلع السفارة لزيادة أعداد الشركات الأميركية والعالمية للعمل في السودان، وذلك حتى تتمكن الحكومة السودانية من تواصل تقدمها لتجعل من بلادها مكانا أفضل في العالم للقيام بأعمال تجارية. وفي إطار تحرك السودان وانفتاحه على مجموعة (البريكس) الاقتصادية التي تضم الدول النامية صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم، وهي (الصين والهند وروسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل)، أقرت اللجنة السودانية العليا لـ(البريكس) مشروعا لانتقال السودان من صادر الثروة الحيوانية الحية إلى صادر اللحوم، وقيام صناعات على مخلفات الذبيح.
وفي مجال النفط والغاز والذي طرح فيه السودان مؤخرا حقولا للاستثمار الأجنبي، رحب وزير النفط والغاز السوداني عبد الرحمن عثمان بالاستثمارات الروسية في مجال النفط والغاز، وذلك لدى لقائه بوفد شركة غازبروم الروسية. وقال إن بلاده على استعداد للدخول في شراكات اقتصادية مع كافة دول العالم لا سيما في قطاع النفط والغاز، مؤكداً دعم الوزارة وتسهيل مهمة الراغبين في الاستثمار بقطاع النفط، مشيراً إلى أن الفرص المتاحة في المربعات النفطية غير المرخصة من شأنها تعظيم العوائد النفطية عبر شراكات مقتدرة صاحبة خبرة فنية وإمكانيات مالية.
من جانبه عبر رئيس الوفد الروسي عن رغبتهم في الاستثمار في عدد من المربعات النفطية بالبلاد، مشيرا إلى أن بيئة الاستثمار في السودان تعد مشجعة جداً.
واستعرض ممثل الشركة الروسية، أنشطة الشركة في عدد من الدول موضحاً أن الشركة تعمل الآن في السودان في مجال المعادن، وأكد سعيهم لتطوير أعمالها بالبلاد، لتشمل استكشاف وإنتاج النفط والغاز في بعض المربعات النفطية، خاصة أن شركتهم تمتلك المقدرة الفنية والمالية والخبرة الكافية لإنتاج النفط في السودان الذي يزخر بموارد ضخمة في هذا المجال. على حد قوله. وفي قطاع الذهب عرضت شركة مناجم المغربية مبلغ 34 مليون دولار للاستثمار في مشروع توسعة في إنتاج الذهب في السودان، سيرفع إنتاجها القائم حاليا من اثنين إلى ستة طن خلال الخمس سنوات المقبلة. وتمتلك شركة «مناجم» ثلاثة مربعات للتعدين بالسودان، وتحوز على احتياطي مؤكد يصل إلى 60 طنا، وكشف أن إنتاجها في العام الماضي وصل إلى 500 كيلو، وأن إنتاج النصف الأول من هذا العام بلغ 378 كيلو من الذهب الصافي.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».