بيان هامبورغ: اتفاق لمحاربة الإرهاب واختلاف حول المناخ

رفض الحمائية لكنه سمح للدول بالدفاع عن مصالحها

محتجون يغلقون الطرقات في اليوم الثاني والأخير للقمة (أ.ب)
محتجون يغلقون الطرقات في اليوم الثاني والأخير للقمة (أ.ب)
TT

بيان هامبورغ: اتفاق لمحاربة الإرهاب واختلاف حول المناخ

محتجون يغلقون الطرقات في اليوم الثاني والأخير للقمة (أ.ب)
محتجون يغلقون الطرقات في اليوم الثاني والأخير للقمة (أ.ب)

بعد يومين من المفاوضات الشاقة بين قادة مجموعة العشرين في هامبورغ، وفي ظل تدابير أمنية مشددة، وعلى وقع مظاهرات عنيفة واحتجاجات سلمية أخرى، نجحت قمة هامبورغ، التي أسدل عليها الستار أمس، في الخروج ببيان ختامي حمل بصمات الاتفاق على محاربة الإرهاب، والخلافات مع الإدارة الأميركية وسائر أعضاء المجموعة، حول قضايا مثل المناخ، كما شدد البيان الختامي على رفض الحمائية، مع السماح للدول التي تتعرض إلى «ممارسات تجارية غير قانونية» بالدفاع عن مصالحها. ونجحت بذلك الدول المشاركة بالقمة في إقناع واشنطن بإدانة «الحمائية». ولكن في المقابل، أقرت المجموعة للمرة الأولى بحق الدول في اللجوء إلى «أدوات مشروعة للدفاع (عن نفسها) في مجال التجارة». ولم تكن الولايات المتحدة الوحيدة التي أشادت بهذا التطور. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خاصة، يخوض معركة من أجل «أوروبا تحمي» مواطنيها، ضمن النطاق الأوروبي وخصوصا على الصعيد التجاري حيال الصين.
على صعيد آخر، أعادت مجموعة العشرين تأكيد التزامها مكافحة تمويل الإرهاب والدعاية له. وكانت قد أصدرت الجمعة إعلانا مشتركا تضمن 21 نقطة تندد بـ«آفة الإرهاب». ويشدد الإعلان على دعم «مجموعة العمل المالية»، وهي هيئة تم إنشاؤها عام 1989 وتصدر توصيات بشكل منتظم لأعضائها الـ37 حول سبل مكافحة الإجرام المالي وتمويل الإرهاب. وأضاف الإعلان: «ندعم العملية الجارية لتعزيز عمل مجموعة العمل المالية. نحن نرحب بسعي هذه المجموعة للتزود بغطاء قانوني». وتابع الإعلان: «ندعو جميع الدول الأعضاء إلى ضمان حصول مجموعة العمل المالية على الموارد اللازمة لإتمام مهمتها». واعتبر الإعلان أنه «بالنسبة إلى تمويل الإرهاب فمن الضروري ألا يكون هناك أي مكان آمن في العالم».

خلافات المناخ مستمرة
إن كانت الدول الـ20 وجدت حلا وسطا يرضي جميع الأطراف فيما يتعلق بالتجارة، فإن الوضع كان غير ذلك في مجال المناخ، إذ عزلت الولايات المتحدة نفسها عن باقي القوى الاقتصادية العالمية برفضها اتفاق باريس.
وقالت المستشارة الألمانية، إنها تشعر بالرضا لأن جميع دول مجموعة العشرين، باستثناء الولايات المتحدة، اتفقت على أن اتفاقية باريس للمناخ لا يمكن التراجع عنها. وتابعت المستشارة الألمانية: «أعتقد أنه من الواضح تماما أننا لم نتمكن من الوصول لتوافق، ولم نضع حدا للخلافات التي تم الإعلان عنها بكل وضوح». وتابعت أنها تختلف مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي قالت إنها تعتقد أن واشنطن يمكن أن تقرر العودة لاتفاقية المناخ.
ورغم ذلك، فقد عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن «أمله» في «إقناع» نظيره الأميركي دونالد ترمب بالعودة عن قراره الانسحاب من اتفاق باريس حول مكافحة التغير المناخي. كما أعلن الرئيس الفرنسي عن عقد قمة جديدة لحماية المناخ في العاصمة باريس في 12 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وقال ماكرون للصحافيين إنه من المنتظر أن تتناول القمة إجراء محادثات حول وسائل تمويل جديدة، معربا عن أمله في إحراز تقدم من أجل دفع حماية المناخ قدما.
طريق مسدودة أمام محادثات الأزمة الأوكرانية
انتهت المحادثات الثلاثية، أمس، بين زعماء روسيا وألمانيا وفرنسا حول إيجاد حل للصراع في أوكرانيا من دون إحراز تقدم، مما يعكس الأزمة المستمرة منذ سنوات في محادثات السلام. وذكر متحدث باسم بوتين أن الرئيس الروسي والمستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي اتفقوا خلال المحادثات في قمة مجموعة العشرين في هامبورغ، على ضرورة اتخاذ خطوات للتغلب على تعثر وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه عام 2015.
من جهته، ذكر متحدث باسم الحكومة الألمانية: «كان هناك اتفاق بشأن ضرورة تنفيذ وقف إطلاق النار بشكل شامل»، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية. وتتوسط ألمانيا وفرنسا، منذ السنوات الثلاث الماضية في مفاوضات بين أوكرانيا وروسيا لإنهاء الصراع الذي اندلع عندما أطاحت أوكرانيا بالرئيس الموالي لروسيا وسط مظاهرات حاشدة، تدعو إلى توثيق العلاقات مع الغرب. ولقي نحو عشرة آلاف شخص حتفهم في الصراع، طبقا لتقديرات الأمم المتحدة. ومن المقرر أن يتوجه وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون إلى كييف اليوم لإجراء محادثات مع القيادة الأوكرانية والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ.

«خلافات عميقة» مع إردوغان
وأعلنت المستشارة الألمانية أنه لا تزال ثمة «خلافات عميقة» بينها وبين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، خصوصا على صعيد احترام دولة القانون.
وأوضحت أن لقاءها إردوغان على هامش القمة في هامبورغ «أظهر بوضوح أن لدينا خلافات عميقة»، محورها حملة الاعتقالات الواسعة في تركيا إثر محاولة الانقلاب في 2016، والانسحاب الأخير للقوات الألمانية من قاعدة إنجرليك العسكرية التركية. وقررت ألمانيا الانسحاب من هذه القاعدة حيث كان جنودها يدعمون عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، والانتقال إلى الأردن. واتخذ القرار إثر رفض أنقرة السماح لنواب ألمان بزيارة القاعدة. وتدهورت العلاقات بين ألمانيا وتركيا في الربيع الماضي حين حظرت مدن ألمانية عدة عقد تجمعات في إطار تأييد تعزيز سلطات إردوغان عبر استفتاء جرى في أبريل (نيسان) الماضي. وردا على ذلك اتهم إردوغان برلين بممارسات أقرب إلى «النازية».
وأضافت ميركل: «كل هذه الأمور تظهر خلافات كبيرة ولم نخف ذلك» خلال الاجتماع مع الرئيس التركي.

إخفاق تنظيمي؟
نددت ميركل بشدة بما وصفته بـ«وحشية» المظاهرات، التي أبداها بعض المحتجين في مدينة هامبورغ خلال اشتباكات عنيفة أصيب خلالها المئات من ضباط الشرطة. وأصبحت قمة هامبورغ الأكثر توترا في تاريخ مجموعة العشرين، سواء داخل قاعات الاجتماعات أو خارجها. وشكك كثير في اختيارها مدينة هامبورغ لاحتضان فعاليات قمة متوترة على الصعيد السياسي، فيما اعتبرت صحيفة «بيلد» الأوسع انتشارا في ألمانيا «الدولة فشلت في هامبورغ». وواصل نحو عشرين ألف شخص من مناهضي مجموعة العشرين التظاهر أمس في شوارع هامبورغ.
وأفادت قوات الأمن بأن نحو مائتي شرطي أصيبوا بجروح.
وبدت مظاهر الاشتباكات واضحة في بعض أحياء هامبورغ، عبر هياكل سيارات محترقة وحطام حواجز وعوائق.
ورغم ذلك، هنأ ترمب ميركل التي تتولى الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين بعمل «رائع» رغم المظاهرات، علما بأن المستشارة الألمانية تتعرض لانتقادات حادة في بلادها لإصرارها على تنظيم هذه القمة في قلب وسط المدينة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟