«النقاط الهشة» في سيناء

يستغلها «داعش» في مهاجمة الجيش المصري

TT

«النقاط الهشة» في سيناء

يستغل تنظيم داعش «نقاطا هشة» لمهاجمة الجيش المصري في سيناء. ليست فقط نقاطا جغرافية على الأرض، كما قد يتخيل البعض، ولكنها تشمل كذلك التركيبة القبلية، وإرثا معقدا من علاقة كثير من شباب سيناء بنشاط وزارة الداخلية، حين كانت تطارد تجار المخدرات والسيارات غير المرخصة قبل ثورة 2011، إلى جانب مشكلة الأنفاق، الواصلة من تحت الحدود، بين سيناء وقطاع غزة، وتبادل السلع والأسلحة.
ومنذ ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013 ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين، ازدادت وتيرة هجمات المتطرفين ضد قوات الجيش والشرطة، ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح، كان آخرها العملية الإرهابية التي وقعت يوم الجمعة الماضي في منطقة «البرث» قرب الحدود مع غزة. وينظر اللواء محمد قشقوش، الذي شارك طوال سنوات مع الجيش المصري في محاربة الوجود الإسرائيلي، إلى الضفة الشرقية من قناة السويس، وهو يشعر بالمرارة مما آلت إليه أحوال سيناء، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه يوجد كثير من النقاط الهشة التي تسهل لـ«داعش» العمل هنا، لأن «المنطقة في سيناء معقدة جغرافيا واجتماعيا».
لكن أشرف الحفني، منسق «اللجنة الإدارية للحركة الاشتراكية - يناير»، بمصر، والمقيم في سيناء، يشير إلى نقاط أخرى، ويتحدث لـ«الشرق الأوسط» بنغمة يملؤها الإحباط. فقد كان من بين المشاركين في ثورة 2013 لتحقيق أهداف بعينها، إلا أنه يرى أن عدم تحقيق كثير من المطالب التي تخص سيناء أسهم في استمرار أزمة التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم داعش. ومن أبرز النقاط الهشة التي يستغلها المتطرفون، كما يقول الحفني، الذي يشغل أيضا موقع «منسق اللجنة الشعبية لحقوق المواطن»، ابتعاد كثير من أجهزة الدولة عن أهل سيناء وحاجاتهم.
وشارك اللواء قشقوش، الذي يعطي حاليا استشارات لأكاديمية ناصر العسكرية العليا في القاهرة، في الحروب التي خاضتها مصر لتحرير سيناء من الوجود الإسرائيلي، منذ احتلالها عام 1967، وحصل على نوط الشجاعة من الطبقة الأولى لقيادته عمليات ضد الجيش الإسرائيلي في سيناء. ويقول إن المنطقة التي تشهد حاليا عمليات ضد الجيش في سيناء ومنها عملية الجمعة، تعد «مشكلة رئيسية»، وتبلغ مساحتها نحو ألف كيلومتر مربع (أي 50 كيلومترا في 20 كيلومترا).
وتقع هذه المنطقة في محافظة شمال سيناء الأكثر كثافة سكانية من محافظة جنوب سيناء ذات الطابع السياحي. وتضم «شمال سيناء» مدنا تعد ملتهبة منذ سنوات، بسبب نشاط المتطرفين، وهي رفح والشيخ زويد والعريش. ويوضح قشقوش قائلا: «ثلاثة أرباع سكان شمال سيناء يقيمون في هذه المنطقة التي أتحدث عنها (الألف كيلومتر مربع)... هذه كثافة سكانية مرتفعة، في منطقة جبلية، زراعية، وذات أحراش، بالإضافة إلى أنها ملاصقة لساحل البحر المتوسط وللحدود الفلسطينية، مع مشكلة الأنفاق التي نعرفها جميعا... هذه منطقة مثالية لعمل الإرهابيين».
ويقول مصدر من قبائل سيناء التي تشارك في الوقت الرهن في محاربة المتطرفين جنبا إلى جنب قوات الجيش، إن الفترة من عام 2011 إلى منتصف عام 2013، شهدت أكبر نشاط للمتطرفين القادمين من خارج مصر ومن محافظات مصرية، وإن «معظم هؤلاء أقاموا في سيناء واختلطوا بالقبائل وعملوا في تهريب الأسلحة القادمة من ليبيا، والمخدرات عبر الأنفاق، وكانوا يقاومون السلطات الأمنية تحت مزاعم الرغبة في إقامة الشريعة والحكم بالدين».
ويوضح اللواء قشقوش أن «هناك جزءا من الإرهابيين يعيشون اليوم في هذه المنطقة، منذ 4 أو 5 سنوات، وهناك بعضهم تزوج وأصبح لديه نسب ببعض القبائل، بينما كانت هناك قبائل ترفض مثل هذه الزيجات». وتابع قائلا: «أقصد أنه بالإضافة إلى الساتر البيئي، هناك ساتر سكاني، ساهم في إعطاء المتطرفين فرصة للحياة». ويضيف أنه من الصعب على الجهات الأمنية أن تعثر على المتطرف الذي «يعيش معك، (كقبيلة)، ويرتدي نوع ملابسك نفسه، ومظهره هو مظهرك، ويتحدث لغتك... إذا قامت السلطات الأمنية بتفتيش كل شخص وكل سيارة ستتوقف الحياة في سيناء».
ويوجد في مساحة الألف كيلومتر مربع صحراء وجبال ووديان وأحراش ومناطق غابات شجرية. ويصف قشقوش هذه البيئة بأنها «حاضنة ممتازة للإرهابيين». ويتابع موضحا: «لكي تتعامل مع الألف كيلومتر مربع المشار إليها في سيناء، ببطش عسكري قوي، ستكون نسبة الخسارة، فيمن ليس لهم ذنب، كبيرة للغاية. وهنا تكمن المشكلة. أنت الآن تقوم بفرز الأبرياء عن المتطرفين، وهذا ليس أمرا سهلا... تريد استخبارات؛ ليست استخبارات كأجهزة فقط، وإنما تريد معلومات من المكان... والمكان جزء يمكن أن يعطيك معلومات، وجزء ربما لن يعطيك، لأنه لا يريد أن يتعاون، أو أن الطرف الآخر (الإرهابيون) يهدده، ويُرهبه، أو يقتل له أحد أبنائه أو أشياء من هذا القبيل».
ويحمل كثير من أبناء سيناء ذكريات مؤلمة عن مطاردات الشرطة للمشتبه بهم، في آخر سنوات حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، خصوصا بعد أن تمكنت مجاميع متطرفة في بداية الألفية من التعاون مع أطراف من داخل غزة لاستهداف مواقع سياحية في شبه جزيرة سيناء. وجرى في ذلك الوقت احتجاز واستجواب أعداد كبيرة. ويبدو أن هذا الإرث يعد من النقاط الهشة التي ما زالت تبعاتها موجودة حتى اليوم.
من جانبه، يقول الحفني إن التراكمات في سيناء أوجدت كثيرا من النقاط الهشة التي أصبحت تساعد «داعش» على الوجود والتحرك وتنفيذ عملية كبيرة مثل تلك التي جرت يوم الجمعة. وهو يرى أنه كان ينبغي منذ ثورة 30 يونيو الاهتمام بالحياة المدنية والتنمية وسرعة تطوير الخطاب الديني والاستقلال الوطني، فأهل سيناء، كما يقول، يعانون من نقص الخدمات وتأخر التنمية، وعدم الاعتداد بملكية الأرض لواضعي اليد، وربطها بالإنتاج والتوطين، و«كل هذه نقاط خطيرة تؤدي لانتشار (داعش) وأمثاله». وتعد هذه المشكلات مستمرة منذ عقود.
من جانبه، يوضح اللواء قشقوش هذا الأمر بالقول إن «من أسباب تأخر التعاون من عدة قبائل في سيناء مع الدولة، أن الشرطة كانت في السابق هي التي تتعامل مع مشكلات تهريب الأسلحة والمخدرات في سيناء، وكانت دائرة الاشتباه واسعة إلى حد ما، وهذا قد يكون رصيدا غير طيب في التعامل مع أبناء سيناء، حيث إن كثيرا من الشباب الصغير دخل السجن في ذلك الوقت، أي منذ 10 سنوات... وبالتالي مَن كان عمره في العشرينات أصبح في الثلاثينات ومَن كان في الثلاثينات أصبح في الأربعينات».
لكنه يزيد موضحا أنه بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم «فتح صفحة جديدة مع الجميع. وكل المواطنين سواء. ومن لا يثبت أن له علاقة يُفرج عنه، على عكس ما كان عليه الوضع في السابق. وفي الوقت نفسه مطلوب من الدولة اليوم أن تحارب الفقر وأن تزيد من وتيرة التنمية في سيناء».
وقتل الجيش أكثر من 40 من المهاجمين في تفجيرات يوم الجمع الماضي وعثر في مخازن للمتطرفين على أسلحة ومتفجرات. ويقول اللواء قشقوش: «الأسلحة التي عُثر عليها كانت أسلحة نوعية؛ جزء منها غربي الصنع، ومن المحتمل أن يكون قد وصل من تركيا، وجزء شرقي الصنع، ومن المحتمل أن يكون قد وصل من ليبيا أو من غزة»، مشيرا إلى أن «هذا التصعيد من جانب الإرهابيين، في سيناء وبعض المحافظات الأخرى، يعطي مؤشرا بأنه تم بأوامر خارجية وليست محلية»، خصوصا بعد «تمسك الدول العربية الأربع (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) بموقفها من قطر».



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.