«عملية عرسال» تسلك المسار القانوني... وجهود رئاسية لحل قضية النازحين

الوزير تويني لا يستبعد تكليف اللواء إبراهيم بالمهمة

تراكتور يزيل مخلفات الحريق الذي طال مخيم تل السرحون في بر الياس بلبنان الثلاثاء الماضي (إ ف ب)
تراكتور يزيل مخلفات الحريق الذي طال مخيم تل السرحون في بر الياس بلبنان الثلاثاء الماضي (إ ف ب)
TT

«عملية عرسال» تسلك المسار القانوني... وجهود رئاسية لحل قضية النازحين

تراكتور يزيل مخلفات الحريق الذي طال مخيم تل السرحون في بر الياس بلبنان الثلاثاء الماضي (إ ف ب)
تراكتور يزيل مخلفات الحريق الذي طال مخيم تل السرحون في بر الياس بلبنان الثلاثاء الماضي (إ ف ب)

سلكت «عملية عرسال» المسار القانوني في قيادة الجيش اللبناني بعد مطالبات سياسية وحقوقية بإجراء تحقيق مستقل في ظل شكوك حول وفاة عدد من الموقوفين تحت التعذيب، في وقت أشارت معلومات إلى توجه الدولة اللبنانية لتكليف مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم لتولي مهمة التفاوض مع الحكومة السورية بشأن عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وهو الأمر الذي لا يزال يلقى رفضا من الأطراف اللبنانية المناهضة للنظام، متّهمة «حزب الله» بمحاولة تعويم رئيسه بشار الأسد.
وأشارت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط»، يوم أمس، إلى أن قيادة الجيش كلّفت «مكتب القانون الدولي الإنساني» التابع لها، إعداد تقرير حول ما حصل في عرسال حيث فجر خمسة انتحاريين أنفسهم وإيضاح ما حصل بالتفصيل للرأي العام، مؤكدة في الوقت عينه أن تقرير الطبيب الشرعي الذي كشف على الجثث لم يظهر أي آثار للتعذيب. وشدّدت المصادر على أن «الجيش ماض في مهمته في محاربة الإرهاب وتنفيذ العمليات الاستباقية وأن كل الحملات ضدّه لن تثنيه عن ذلك». وكانت الدعوات لإجراء تحقيق في الحادثة توالت، آخرها على لسان وزير حقوق الإنسان اللبناني أيمن شقير، الذي قال في بيان له: «حفاظا على صورة الجيش ومنعا لأي شائعات قد تكون مغرضة، نطلب من القيادة والقضاء المختص فتح تحقيق شفاف في كل ما تم تناوله أخيرا من صور وأخبار حول عملية التوقيف الأخيرة في عرسال، وعن الأسباب التي أدت إلى وفاة عدد من الموقوفين».
وكان الجيش قد أعلن أن أربعة سوريين اعتقلوا الأسبوع الماضي خلال مداهمة في مخيم للاجئين توفوا وهم رهن الاحتجاز بسبب إصابتهم بأمراض مزمنة وتدهورت حالتهم بسبب سوء الطقس، في حين تؤكد منظمات حقوقية والمعارضة السورية أن عدد الموقوفين الذين فارقوا الحياة هو ما بين 10 و19 شخصا، وأنهم ماتوا نتيجة تعرضهم للتعذيب.
وعلى وقع «عملية عرسال» التي فتحت السجال اللبناني حول قضية اللاجئين والانقسام حولها بين ما يعرف بفريق «14 آذار» الرافض للتواصل مع النظام السوري والداعي إلى التنسيق مع الأمم المتحدة وبين «فريق 8 آذار» الذي يدعو إلى الحوار بين الحكومتين السورية واللبنانية، أشارت معلومات إلى توجه لدى الدولة اللبنانية لتكليف مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، بالمهمة، وهو ما لم يستبعده وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد، نقولا تويني، المحسوب على رئيس الجمهورية. وقال تويني لـ«الشرق الأوسط»، أن «قضية اللاجئين تسير في الاتجاه الصحيح ولا بد أن تصل الدولة اللبنانية إلى حل بشأنها بعدما سجّل عودة عدد منهم إلى بلادهم، مضيفا: «التواصل مع الحكومة السورية ليس مقطوعا وهناك تبادل دبلوماسي بين البلدين بشكل طبيعي، وبالتالي التنسيق بشأن اللاجئين، ممكن، إن لم يكن عبر الوزارات قد يكون عبر الأمن العام اللبناني وقيادته بشخص اللواء عباس إبراهيم، الذي يتولى مهمة أمن وحماية الحدود اللبنانية السورية».
في المقابل، رفضت مصادر رئاسة الجمهورية نفي أو تأكيد توجّه الرئيس ميشال عون إلى تكليف إبراهيم بالمهمة، وأكدت لـ«الشرق الأوسط» أنه «لم يؤخذ أي قرار نهائي لغاية الآن بهذا الشأن والقضية لا تزال موضع بحث من قبل الرئيس الذي وعد، يوم أول من أمس، في جلسة الحكومة، بأخذها على عاتقه ومعالجتها بما يتلاءم مع مصلحة لبنان أولا وأخيرا». ولم تنف المصادر، أن هذه القضية دقيقة وخلافية في ظل الانقسام حولها بين الأفرقاء اللبنانيين. وفي حين أكّدت مصادر رئيس الحكومة سعد الحريري لـ«الشرق الأوسط»، أن موقفه ثابت في هذه القضية ويرفض تواصل الحكومة مع النظام السوري، مطالبا بالتنسيق في هذا الأمر مع الأمم المتحدة، قالت مصادر متابعة للقضية، إن «حزب الله» وحلفاءه «يحاولون بهذه الدعوات تعويم النظام السوري كما اعتراف الدولة اللبنانية به، بعدما فشلت المفاوضات التي كان قد بدأ بها لعودة نازحي القلمون، واقتصرت على عودة دفعة واحدة إلى عسال الورد، بعدما أخلّ النظام بوعوده بعدم ملاحقة العائدين، وهو الأمر الذي جعل اللاجئين البقية يرفضون العودة». وهو ما أشارت إليه مصادر في «14 آذار» لـ«وكالة الأنباء المركزية»، قائلة، إن «معظم السوريين الذين عادوا إلى ديارهم في الأسابيع الماضية يتعرضون لضغوط من النظام وقد استدعوا إلى الخدمة العسكرية، وهذا ما يخالف شروط العودة التي كان ضمنها (حزب الله) وسرايا المقاومة، وتشمل عدم إجبار هؤلاء على الخدمة العسكرية، ما يرسم أكثر من علامة استفهام حول حقيقة (احتضان) النظام لـ(مناهضيه)». ورأت المصادر أن هدف «حزب الله» مدّ النظام بجرعة «مشروعية»، وتعزيز الانطباع بأن بشار الأسد باق في السلطة ونظامه قوي، كما تزويده بورقة قوية تساعده في تحسين وتحصين موقعه التفاوضي.
وأمام كل هذا الجدل، تؤكد منظمات حقوق الإنسان، أن عودة اللاجئين إلى بلادهم يجب أن تكون طوعية وفي ظروف تتسم بالسلامة والكرامة. وفي هذا الإطار، يؤكد عبد السلام سيد أحمد الممثل الإقليمي لمفوض الأمم المتحدة، لـ«الشرق الأوسط»، أن اللاجئين هم أصحاب القرار بشأن عودتهم أو عدمها، مشددا أن هذا الأمر لا يجب أن يخضع لأي ضغوط، مضيفا: «في قراءتنا للواقع السوري اليوم نرى أن هناك حالة حرب والمهجرين الذين هربوا من القصف دمرّت منازلهم، وبالتالي لا بد من تقييم الموضوع قبل اتخاذ أي قرار بشأن إعادتهم إلى بلادهم».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم