... وأولاد قادة الميليشيات يخوضون «معارك» في حارات دمشق

TT

... وأولاد قادة الميليشيات يخوضون «معارك» في حارات دمشق

لم تعد ألعاب الأطفال في شوارع دمشق كما هي في عواصم أخرى؛ إذ إن «المعارك» كانت سيدة الألعاب لمعظمهم، في مشهد يعكس مدى تأثرهم بالحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من 6 سنوات، حيث بات أبناء قادة الميلشيات الموالية للنظام يقلدون آباءهم بفتح «جبهات ساخنة» في شوارع العاصمة السورية.
اللافت أكثر، كان بروز ظاهرة جديدة لدى هؤلاء الأطفال؛ وهي قيامهم بتصرفات تحاكي سلوكيات الميليشيات الموالية للنظام من جرائم سرقة وسلب أطفال آخرين في وضح النهار.
واحتلت الأسلحة من بنادق ومسدسات وقنابل وذخيرة واجهات وأركان محال الألعاب قبل وخلال عيد الفطر السعيد الذي انتهى الأسبوع الماضي، بخلاف الأعياد التي كانت تمر في سنوات ما قبل الحرب، حيث كانت المحال تعرض أنواعا مختلفة من الألعاب؛ منها، إضافة إلى الأسلحة، دمى وكرات ودراجات... وغيرها.
ورغم تفضيل الأطفال في سنوات ما قبل الحرب ألعاب الأسلحة، فإن عدداً منهم كان يقدم على شراء ألعاب أخرى، لكن اللافت في هذا العيد هو الإقبال منقطع النظير على ألعاب الأسلحة وإهمال الأنواع الأخرى.
ولوحظ نفاد كميات ألعاب الأسلحة لدى معظم أصحاب المحال مع اليوم الثاني للعيد رغم ارتفاع ثمنها، حيث يصل ثمن البندقية الجيدة إلى نحو 5 آلاف ليرة سورية، بعدما كان 500 ليرة قبل الحرب (دولار واحد)، بينما يصل سعر المسدس إلى نحو ألفي ليرة بعد أن كان مائتا ليرة، في حين يصل ثمن كيس «خرز» يحتوي نحو 50 حبة، وهو عبارة عن ذخيرة للبنادق والمسدسات، ويتم شراؤه من أصحاب محال الألعاب، إلى 25 ليرة.
ويرجع البعض إقدام الأهالي على شراء ألعاب الأسلحة رغم ارتفاع ثمنها رغم حالة الفقر المدقع الذي تعيشه معظم الأسر بسبب الحرب، إلى رغبتهم في أن يفرحوا بالعيد في ظل أجواء الحرب والتوتر. وقال لـ«الشرق الأوسط» رجل اشترى لابنه مسدساً: «لندعهم يفرحوا. يكفينا نحن الكبار الكآبة، والحزن الذي نعيشه»، مشيرا إلى أن المسدس تم شراؤه على حساب حاجيات ضرورية للأسرة.
ويشكل قتال الشوارع اللعبة الرئيسية للأطفال، في محاكاة لما يجري بين جيش النظام وميليشياته من جانب؛ والمعارضة المسلحة من جانب آخر، عبر اختبائهم وراء الزوايا وانبطاحهم على الأرض بالترافق مع إطلاق «طلقات» بلاستيكية من بنادقهم ومسدساتهم بعضهم على بعض، وإطلاق بعضهم صيحات الفرح التي كان يطلقها مقاتلو «الجيش السوري الحر»، في حين كان يطلق أطفال آخرون شتائم كان يرددها عناصر جيش النظام وميليشياته بحق عناصر «الجيش الحر».
كما شكلت المعارك، بحسب حديث كثير من الأهالي، اللعبة المفضلة للأطفال بين الإخوة داخل المنزل، وأجيالهم من الأطفال في البيوت المجاورة عبر الأسطح والبلكونات.
ويلاحظ المتجول في أحياء العاصمة أيام العيد انتشار بقايا «معارك الأطفال من طلقات متعددة الألوان بكثافة على الأرض في الشوارع، جراء لعبة المعارك التي يخوضها الأطفال بعضهم ضد بعض».
وفي مشهد آخر يعكس مدى محاكاة ما يقوم به عناصر ميليشيات موالية للنظام من عمليات سلب للمواطنين في بعض الشوارع، أقدم كثير من الأطفال في بعض الشوارع على تشكيل مجموعات تضم ما بين 4 و5 أطفال، وعمدوا إلى إيقاف أطفال آخرين وسلبهم ما يمتلكون من طلقات بلاستيكية عنوة تحت تهديد الضرب، بينما لوحظ قيام كثير من الأطفال بالتحرش بفتيات.



مطالب دولية بمواجهة المجاعة في اليمن ورفض ممارسات الحوثيين

الأمم المتحدة رفضت تحريض الحوثيين واتهام المنظمة باستهداف مناهج التعليم (أ.ب)
الأمم المتحدة رفضت تحريض الحوثيين واتهام المنظمة باستهداف مناهج التعليم (أ.ب)
TT

مطالب دولية بمواجهة المجاعة في اليمن ورفض ممارسات الحوثيين

الأمم المتحدة رفضت تحريض الحوثيين واتهام المنظمة باستهداف مناهج التعليم (أ.ب)
الأمم المتحدة رفضت تحريض الحوثيين واتهام المنظمة باستهداف مناهج التعليم (أ.ب)

في حين تسببت حملة الاختطافات التي شنتها الجماعة الحوثية على الموظفين الأمميين وعاملي الإغاثة بتقليص أنشطة الأمم المتحدة، طالبت عدد من المنظمات الإغاثية العاملة في اليمن إنقاذ ملايين اليمنيين من المجاعة، وإطلاق عمال الإغاثة، بينما جدد مسؤول حكومي الدعوة إلى نقل أنشطة المنظمات وتعاملاتها المالية إلى عدن.

وطالبت المنظمات في إحاطة لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة التاسع والسبعين بتأمين إطلاق العشرات من العاملين في قطاع الإغاثة، الذين اعتقلهم الحوثيون منذ ما يزيد على 3 أشهر، وحذّرت من أن الأزمة الحالية قد تقود ملايين اليمنيين إلى المجاعة والموت.

عجز شديد في الوصول إلى المياه والصرف الصحي يعاني منه اليمنيون خصوصاً في مناطق النزوح (أ.ف.ب)

وشكت 11 منظمة من الضغوط الهائلة التي تعرقل الوصول الإنساني والاستجابة، بما في ذلك تقييد حركة الموظفين والموظفات المحليين، والتدخلات في العمليات الداخلية واحتجاز العمال الإنسانيين من طرف الجماعة الحوثية، وعدم تمكنهم من أداء عملهم في بيئة آمنة تحترم القانون الإنساني الدولي.

ووفقاً لإحاطة، كل من «العمل من أجل الإنسانية» الدولية، و«كير» و«المجلس الدنماركي للاجئين» و«دوركاس الدولية للإغاثة» و«لجنة الإنقاذ الدولية»، و«إنترسوس» و«ماري ستوبس الدولية» و«ميرسي كوربس» و«المجلس النرويجي للاجئين» و«أوكسفام» و«إنقاذ الطفولة الدولية» للأمم المتحدة؛ فإن الفيضانات الأخيرة أثرت على أكثر من 56 ألف أسرة في 20 محافظة، وشردت أكثر من 1000 أسرة.

وشملت مطالب المنظمات تقديم تمويل إنساني متعلق بالمناخ لدعم مرونة المجتمع ومواجهة الطوارئ المناخية، وإعادة إنشاء حدث تعهد سنوي مخصص لليمن، وتكثيف الاستثمار التنموي لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وإيجاد حلول دائمة للنازحين، وتحسين الوصول وخلوه من التدخلات التشغيلية.

وبينت أن التصعيد الإقليمي للصراع، مع آثاره المترابطة التي تظهر في دول مثل اليمن، قد يؤدي إلى مستوى غير مسبوق من الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء المنطقة.

تحرير الأنشطة والأموال

في مواجهة الانتهاكات الحوثية للعمل الإنساني واختطاف العاملين الإغاثيين والموظفين الأمميين، وجّه جمال بلفقيه، رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية دعوة للأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الإغاثية الدولية إلى نقل أنشطتها إلى المناطق المحررة، وتحويل الأموال التي تخصّ المنظمات إلى البنك المركزي في عدن.

طفلة يمنية في مخيم للنازحين في محافظة مأرب (الأمم المتحدة)

ولفت بلفقيه في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن العملية الإنسانية في اليمن شهدت تغيّرات كبيرة خلال السنوات الأخيرة بفعل عوامل عدة أدت إلى انخفاض الدعم ونقص التمويل، مثل الممارسات الحوثية داخلياً أو في طرق الملاحة والإمدادات، ما زاد من التدهور المعيشي وصولاً إلى المجاعة.

وبحسب بلفقيه، فإن الحل الأمثل لهذه الأزمة هو نقل أنشطة المنظمات إلى المناطق المحررة، وتحويل تعاملاتها المالية إلى البنك المركزي في عدن، ما سينتج عنه التخفف من الممارسات الحوثية، وتقديم خدمات إغاثية أفضل.

وتوقعت المنظمات أن تكون أرقام الوضع الإنساني المتدهور أعلى في المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، حيث يقيم نحو 70 في المائة من السكان، والتي لم يتم تقديم تقييمات للوضع فيها نظراً للقيود المفروضة على الوصول إلى السكان، والحصول على البيانات.

ويكشف الباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار لـ«الشرق الأوسط» أن الاحتياجات الإنسانية في اليمن خلال العام الحالي حسب بيانات الأمم المتحدة تبلغ 4 مليارات دولار، بينما الاحتياج الفعلي لا يقل عن 10 مليارات دولار، ويفسر ذلك بتراكم الأزمات في اليمن بسبب العجز المتوالي في توفير الدعم المطلوب للاحتياجات خلال السنوات السابقة.

بعد اعتقال الحوثيين الموظفين الأمميين وعاملي الإغاثة لجأت الأمم المتحدة إلى تقليص مساعداتها (أ.ف.ب)

وبالمقارنة بين أرقام الاحتياجات الإنسانية في اليمن خلال الأعوام الماضية وصولاً إلى العام الحالي، يوضح النجار أن هناك تراكماً للفجوات بين الأزمات الإنسانية والتمويل الموجه لها، حيث كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الاثني عشر عاماً الماضية، تزيد على 33 مليار دولار، بينما تم تحصيل أقل من 20 مليار دولار، أي أن حجم الفجوة يصل إلى 42 في المائة.

وينفي النجار حدوث تراجع في متطلبات الاستجابة الإنسانية أو تعافٍ اقتصادي في اليمن، منوهاً بالأزمات التي ظهرت في العالم والمنطقة، نتج عنها تراجع الاهتمام بالوضع الإنساني في اليمن، وتوجيه الاهتمام والدعم لمناطق هذه الأزمات.

وانتقد سياسات ونهج المنظمات الأممية والدولية الذي وصفه بالفاسد، مذكّراً برفضها الاستجابة لطلبات الحكومة اليمنية بنقل تعاملاتها المالية عبر البنك المركزي اليمني في عدن، ما جعل التمويلات تصب في صالح الجماعة الحوثية التي لم تتورع عن ممارسة الانتهاكات ضد المنظمات وموظفيها.

تدهور مطرد

كشفت مسؤولة أممية أن التدخل المباشر من الجماعة الحوثية في الأنشطة الإنسانية في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام كان مسؤولاً عن 217 حادثة أعيق فيها وصول المساعدات.

وذكرت القائمة بأعمال رئيسة الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة جويس مسويا أن حوادث هذا العام شهدت زيادة كبيرة عن 169 حادثة تم الإبلاغ عنها، العام الماضي.

وأبلغت مسويا مجلس الأمن أن الأمم المتحدة اتخذت خطوات «للحد من تعرض الموظفين للخطر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون»، وركزت أعمالها على «الأنشطة الأساسية المنقذة للحياة والمستدامة».

عناصر حوثيون في صنعاء حيث تفرض الجماعة الحوثية رقابة مشددة على أعمال الإغاثة (إ.ب.أ)

وأعربت عن رفض الأمم المتحدة الشديد لـ«الادعاءات الكاذبة» التي أطلقتها الجماعة الحوثية ضد العاملين في المجال الإنساني، بما في ذلك الادعاءات الأخيرة بتدخل الأمم المتحدة في النظام التعليمي في اليمن، منوهة بأن ذلك يهدد سلامة الموظفين، ويعوق قدرة الأمم المتحدة وشركائها على خدمة الشعب اليمني.

ويتدهور الوضع الإنساني في اليمن باطراد طبقاً لتعبير مسويا التي نقلت عن 62 في المائة من الأسر شملها استطلاع للأمم المتحدة أنها لا تملك ما يكفي من الطعام، وعدّت تلك النسبة «مرتفعة تاريخياً».

وتواجه 3 مناطق، اثنتان في الحديدة وواحدة في تعز، مستويات حرجة للغاية من سوء التغذية، وهي المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، حيث توجد مجاعة، بحسب مسويا التي قالت إن من المتوقع أن تصل 4 مناطق أخرى إلى هذا المستوى بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

ولفتت إلى أن نداء الأمم المتحدة الإنساني لجمع 2.7 مليار دولار لليمن هذا العام جرى تمويله بنسبة 28 في المائة فقط.