الفن المحمول

العلاقة بين الفنانين العالميين وبيوت الأزياء تتوطد

حقيبة «لايدي ديور» كما تصورها الفنان إيان دافنبورت -  حقيبة «برادا» الجديدة - المدونة إيمي سونغ تحمل حقيبة «لويس فويتون» التي تعاونت فيها مع الفنان جيف كونز - حقيبة «دابل تي» وشمتها الفنانة ساييرا لدار «تودز» Double-T - ثلاث حقائب من مجموعة «ماسترز» لجيف كونز  ودار «لويس فويتون»
حقيبة «لايدي ديور» كما تصورها الفنان إيان دافنبورت - حقيبة «برادا» الجديدة - المدونة إيمي سونغ تحمل حقيبة «لويس فويتون» التي تعاونت فيها مع الفنان جيف كونز - حقيبة «دابل تي» وشمتها الفنانة ساييرا لدار «تودز» Double-T - ثلاث حقائب من مجموعة «ماسترز» لجيف كونز ودار «لويس فويتون»
TT

الفن المحمول

حقيبة «لايدي ديور» كما تصورها الفنان إيان دافنبورت -  حقيبة «برادا» الجديدة - المدونة إيمي سونغ تحمل حقيبة «لويس فويتون» التي تعاونت فيها مع الفنان جيف كونز - حقيبة «دابل تي» وشمتها الفنانة ساييرا لدار «تودز» Double-T - ثلاث حقائب من مجموعة «ماسترز» لجيف كونز  ودار «لويس فويتون»
حقيبة «لايدي ديور» كما تصورها الفنان إيان دافنبورت - حقيبة «برادا» الجديدة - المدونة إيمي سونغ تحمل حقيبة «لويس فويتون» التي تعاونت فيها مع الفنان جيف كونز - حقيبة «دابل تي» وشمتها الفنانة ساييرا لدار «تودز» Double-T - ثلاث حقائب من مجموعة «ماسترز» لجيف كونز ودار «لويس فويتون»

في العام الماضي نُشرت دراسة تفيد بأن حقائب اليد أكثر قيمة من الذهب. فحقيبة مثل الـ«بيركن» من دار هيرميس مثلا ليست «بريستيجا» يعكس الجاه والأناقة فحسب بل استثمارا للزمن، لأن سعرها يزيد مع مرور السنوات بغض النظر عن تذبذبات الأسواق العالمية. نتائج مزاد كريستيز الذي شهدته قاعات هونغ كونغ في شهر مايو (أيار) الأخير تؤكد صحة هذه الدراسة. فقد بيعت هذه الحقيبة بـ305 ألف جنيه إسترليني بعد 15 دقيقة فقط من المزايدة. التبرير هو نُدرة جلدها وطريقة دباغتها التي تدرج فيها الأبيض والبني بشكل لم يعد معمولا به حاليا.
حقيبة الـ«بيركين» حالة فريدة من نوعها. فهي قوية وصامدة في عالم الموضة الذي لا يعترف بالولاءات الطويلة ويميل إلى التغييرات الموسمية. وفي لغة الأرقام والمبيعات هي الدجاجة التي تبيض ذهبا لـ«هيرميس» ولزبائن «هيرميس» على حد سواء بالنظر إلى نتائج المزادات العالمية.
أهمية حقائب اليد لا تقتصر على الـ«بيركين» أو «شانيل 2.55» وغيرهما من التصاميم التي تحافظ على قيمتها كلما كانت «مُعتقة» حسب الخبراء وأرقام المبيعات. بيوت أزياء كثيرة تتنافس على اقتطاع مكانة لها في المتاحف والمزادات من خلال طرح حقائب تدعو فيها المرأة للاستثمار. أحيانا ترصعها بالماس والأحجار الكريمة واستعمال خامات ومواد نادرة مثل «بولغاري» وأحيانا أخرى باستعمال تقنيات ثورية أو تصاميم ورسمات فنية تحاكي التحف أو اللوحات. نتيجة هذا الإقبال الكبير على كل ما هو فني تجلى في انتعاش ظاهرة التعاونات مع فنانين معاصرين. هذه التعاونات ليست جديدة، لكنها أكثر قوة ومباشرة عما كانت عليه في القرن الماضي.
فمنذ عهد إلسا سكاياباريللي في العشرينات والثلاثينات وكريستيان ديور في الخمسينات وإيف سان لوران في الستينات لم ير عالم الموضة هذا الإقبال المتزايد على الاستلهام من الفن. كما لم ير ترحيبا من قبل الفنانين بدخوله بهذا الشكل المُباشر والشخصي. وعلى ما يبدو فإن الشراكة مفيدة لكل الأطراف بما فيها الزبونة التي يمكنها أن تحصل على حقيبة فريدة من نوعها يمكن أن يزيد سعرها مع مرور الزمن إن كانت تتمتع بالبصمات اللازمة.
متحف الفنون المعاصرة بشيكاغو يعرض هذه الأيام مثلا معرضا خاصا بالفنان الياباني تاكاشي موراكامي الذي سبق له التعاون مع دار «لويس فويتون» من خلال حقائب لا تزال تحقق نجاحا تجاريا كبيرا. المعرض يؤكد التداخل بين الفن والموضة بما لا يدعو أي شك بأن هذا التزاوج يلتحم فيه الفني بالتجاري بشكل راق.
وقد تكون «لويس فويتون» أول دار أزياء تنتبه إلى أهمية التعاون مع فنانين معروفين لكسب ود زبائنها. ففي عام 2001 وفي عهد مصممها السابق مارك جايكوبس، تعاونت مع الفنان ستيفن سبراوس من خلال مجموعة من الإكسسوارات غطاها بالغرافيتي. نجاح التجربة شجع على خوض تجارب مشابهة مع فنانين آخرين من كل أنحاء العالم، مثل تاكاشي موراكامي وريتشارد برينس ويايوا كوساوا وأخيرا وليس آخرا جيف كونز. وقد يكون هذا الأخير أكثر من تعامل مع الفني بشكل حرفي. فقد أخذ 5 لوحات شهيرة على المستوى العالمي هي ال «موناليزا» لليوناردو دافنشي و«حقول القمح والغربان» لفان كوخ و«البنت والكلب» للفنان فراغونار و«صيد النمر» لبيتر بول روبنز ولوحة «فينوس وكيوبيد» لتيتيان، ورسمها على هذه الحقائب. وهكذا حول ما كان متعارفا عليه على أنه موضة تحاكي الفن إلى موضة تستنسخ الفن بأسلوب قد يستفز البعض، كالكثير من أعمال جيف كونز، لكنه قام بالغرض المطلوب في إثارة الاهتمام ولفت الأنظار، وبالتالي أشعل رغبة الاقتناء لدى كل من يريد قطعة فنية ولا يستطيع إليها سبيلا. فأسعار هذه الحقائب مهما ارتفعت تبقى أقل بكثير من لوحة فنية من واحد من هؤلاء الرسامين، وليس ببعيد أن يرتفع ثمنها في المستقبل.
«لويس فويتون» ليست وحدها التي غازلت الفن وجسدته في حقائب يد، فـ«ديور» هي الأخرى ركبت الموجة. بمناسبة افتتاح محل رئيسي جديد لها بشارع «بوند ستريت» وسط لندن في العام الماضي، عرضت على ستة فنانين، هم مارك كوين وجايسون مارتن وإيان دافنبورت وماثيو بورتر ودانيال غوردن ومات كوليشو، حقيبتها الأيقونية «لايدي ديور» وطلبت منهم رسمها بألوان وأشكال تعبر عنهم. سمحت لهم بإطلاق العنان لخيالهم على شرط الحفاظ على شكلها الهندسي والارتقاء بها من ناحية المهارة الحرفية إلى مستويات فنية غير مسبوقة، وهو ما كان لها.
دار «تودز» الإيطالية هي الأخرى اتجهت للفني لكن بأسلوب مختلف كان مفاجأة للكل. فقد تعاونت مع فنانة الوشم المعروفة ساييرا هانجان، التي نقلت تجربتها في وشم الجسد إلى وشم الجلود الطبيعية. ثمرة هذا التعاون تجسد في حقيبة «دابل تي» Double T الأيقونية التي خضعت لإبرتها لترسم عليها أشكالا فنية ركزت فيها على 5 رسمات كل واحدة منها تحكي أسطورة من الأساطير القديمة. واحدة مثلا تميزت برأس أسد، وأخرى بجسم تنين وأخرى تتلوى فيها الأفاعي والثعابين، بينما تناثرت على أخرى قلوب وورود. وهو ما فسرته ساييرا هانجان بأنه شكل من أشكال «التماهي الرومانسي بالخيالي».
التعاون جاء بإيعاز من السيد دييغو ديلا فالي، مؤسس «تودز» الذي قال لـ«الشرق الأوسط» حينها إن الفني جزء من فلسفة الدار في مزج الحداثي بالتقاليد الحرفية التي تأسست عليها والرغبة في تقديم كل ما هو فريد من نوعه. فالأسواق انفتحت واتسعت كذلك الرغبة في الحصول على قطع فنية وحصرية. ولأن كل حقيبة مرسومة باليد، واستغرقت من ساييرا ما لا يقل عن 22 ساعة، فإنها جاءت بإصدار محدود جدا، الأمر الذي يجعل منها استثمارا بعيد المدى. لحسن الحظ أن الدار أتبعتها بمجموعة بنفس الرسمات منفذة بالليزر تتوفر حاليا في محلاتها الرئيسية في العواصم العالمية لمن يريد اقتناء نسخة منها.
وطبعا لا يمكن الحديث عن الفني من دون الحديث عن ميوتشا برادا، التي خاضت بدورها عدة تعاونات مع فنانين في عروضها الرجالية والنسائية على حد سواء، وليس أدل على ذلك من تعاونها الأخير مع الرسامة السويدية ليزلوتي واتكينز. فقد أثارتها بأسلوبها الذي تستوحي فيه الكثير من الفن التجريدي، ومن وحي هذا الأسلوب، طرحت مؤخرا حقائب يد تحمل كل البصمات الفنية للحركة التكعيبية بأشكالها الهندسية التي يختلط فيها الأسطواني مع الكروي والمربع في ألوان متنوعة ومتناغمة في الوقت ذاته، ومذكرة في الوقت ذاته أن كل ما يحمل بصمات فنية له مكانة خاصة في سوق الترف والاستثمار.
أسعار هذه الحقائب الفنية التي يُتحفنا بها المصممون وبيوت الأزياء الكبيرة تُبررها الخامات المترفة والتصاميم المبتكرة والعزوف عن قطع موسمية يخف وهجها بتساقط أوراق الخريف أو تذبل جاذبيتها عندما تسطع شمس الصيف.



هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
TT

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن الأوضاع لن تكون جيدة في عام 2025. فالركود الاقتصادي مستمر، وسيزيد من سوئه الاضطرابات السياسية وتضارب القوى العالمية.

حتى سوق الترف التي ظلت بمنأى عن هذه الأزمات في السنوات الأخيرة، لن تنجو من تبعات الأزمة الاقتصادية والمناوشات السياسية، وبالتالي فإن الزبون الثري الذي كانت تعوّل عليه هو الآخر بدأ يُغير من سلوكياته الشرائية. مجموعات ضخمة مثل «إل في إم آش» و«كيرينغ» و«ريشمون» مثلاً، وبالرغم من كل ما يملكونه من قوة وأسماء براقة، أعلنوا تراجعاً في مبيعاتهم.

أنا وينتور لدى حضورها عرض «بيربري» في شهر سبتمبر الماضي (رويترز)

لكن ربما تكون بيوت بريطانية عريقة مثل «مالبوري» و«بيربري» هي الأكثر معاناة مع قلق كبير على مصير هذه الأخيرة بالذات في ظل شائعات كثيرة بسبب الخسارات الفادحة التي تتكبدها منذ فترة. محاولاتها المستميتة للبقاء والخروج من الأزمة، بتغيير مصممها الفني ورئيسها التنفيذي، لم تُقنع المستهلك بإعادة النظر في أسعارها التي ارتفعت بشكل كبير لم يتقبله. استراتيجيتها كانت أن ترتقي باسمها لمصاف باقي بيوت الأزياء العالمية. وكانت النتيجة عكسية. أثبتت أنها لم تقرأ نبض الشارع جيداً ولا عقلية زبونها أو إمكاناته. وهكذا عِوض أن تحقق المراد، أبعدت شريحة مهمة من زبائن الطبقات الوسطى التي كانت هي أكثر ما يُقبل على تصاميمها وأكسسواراتها، إضافة إلى شريحة كبيرة من المتطلعين لدخول نادي الموضة.

المغنية البريطانية جايد ثيروال لدى حضورها عرض «بيربري» في شهر سبتمبر الماضي (رويترز)

هذا الزبون، من الطبقة الوسطى، هو من أكثر المتضررين بالأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي فإن إمكاناته لم تعد تسمح له بمجاراة أسعار بيوت الأزياء التي لم تتوقف عن الارتفاع لسبب أو لآخر. بينما يمكن لدار «شانيل» أن ترفع أسعار حقائبها الأيقونية لأنها تضمن أن مبيعاتها من العطور ومستحضرات التجميل والماكياج وباقي الأكسسوارات يمكن أن تعوض أي خسارة؛ فإن قوة «بيربري» تكمن في منتجاتها الجلدية التي كانت حتى عهد قريب بأسعار مقبولة.

المعطف الممطر والأكسسوارات هي نقطة جذب الدار (بيربري)

«مالبوري» التي طبّقت الاستراتيجية ذاتها منذ سنوات، اعترفت بأن رفع أسعارها كان سبباً في تراجع مبيعاتها، وبالتالي أعلنت مؤخراً أنها ستعيد النظر في «تسعير» معظم حقائبها بحيث لا تتعدى الـ1.100 جنيه إسترليني. وصرح أندريا بالدو رئيسها التنفيذي الجديد لـ«بلومبرغ»: «لقد توقعنا الكثير من زبوننا، لكي نتقدم ونستمر علينا أن نقدم له منتجات بجودة عالية وأسعار تعكس أحوال السوق».

الممثل الآيرلندي باري كيغن في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

«بيربري» هي الأخرى بدأت بمراجعة حساباتها؛ إذ عيّنت مؤخراً جاشوا شولمان، رئيساً تنفيذياً لها. توسّمت فيه خيراً بعد نجاحه في شركة «كوتش» الأميركية التي يمكن أن تكون الأقرب إلى ثقافة «بيربري». تعليق شولمان كان أيضاً أن الدار تسرّعت في رفع أسعارها بشكل لا يتماشى مع أحوال السوق، لا سيما فيما يتعلق بمنتجاتها الجلدية. عملية الإنقاذ بدأت منذ فترة، وتتمثل حالياً في حملات إعلانية مبتكرة بمناسبة الأعياد، كل ما فيها يثير الرغبة فيها.