الجعفري يدعو الأكراد إلى تجنب إثارة «حنق» الجوار

دافع عن «الحشد الشعبي»... وشدد على أن «لا خشية» على حقوق المكونات العراقية

إبراهيم الجعفري (وزارة الخارجية العراقية)
إبراهيم الجعفري (وزارة الخارجية العراقية)
TT

الجعفري يدعو الأكراد إلى تجنب إثارة «حنق» الجوار

إبراهيم الجعفري (وزارة الخارجية العراقية)
إبراهيم الجعفري (وزارة الخارجية العراقية)

دعا وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري إلى مراعاة دول الجوار في معالجة الملف الكردي، محذراً من أن أي «حراك غير حكيم» قد يثير «حنق» هذه الدول، في إشارة ضمنية إلى استفتاء الاستقلال الذي يعتزم إقليم كردستان العراق تنظيمه في سبتمبر (أيلول) المقبل.
وقال الجعفري في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، خلال زيارته فيينا، إنه «لا خشية» على حقوق المكونات العراقية المختلفة. وأضاف رداً على سؤال عن الاستفتاء الكردي المزمع، أن «العراق ليس كما كان سابقاً. اليوم يتمتع الأكراد بكامل حقوقهم، ورئيس الجمهورية بعد سقوط النظام المخلوع جلال طالباني كردي، ورئيس الجمهورية الثاني الدكتور فؤاد معصوم كردي. والأكراد موجودون في الرئاسات الثلاث ووزارات سيادية والبرلمان. ليس الأكراد فقط بل المكونات كافة».
ورأى أن «كل من يريد التعبير عن نفسه له الحق. الشعب العراقي شعب واحد، لكن المجتمعات العراقية متعددة. هناك مجتمع عربي ومجتمع كردي ومجتمع تركماني. ليس هناك قمع أو منع من تصويت أو استفتاء، ويبقى الحاكم في ذلك هو الدستور. نحن نوافق كل ما يوافق الدستور ونرفض ما يرفضه».
غير أن الوزير العراقي شدد على أنه «عند معالجة الملف الكردي لا بد من مراعاة أن العراق ليس بمعزل عن المكونات الكردية الأخرى في الدول المجاورة، في تركيا وإيران وسوريا وروسيا، وأن أي حراك ما لم يكن حكيماً سيثير غضاضة وحنقاً في هذه الدول، وسنقف موقفاً سلبياً. لهذا يجب أن نسمع صوت الزمن وأن نعطي الوقت الكافي لكل إجراء نقدم عليه». ولفت إلى أن «الكردي اليوم ليس مواطناً من الدرجة الثانية، وإنما يتمتع بكل الواجبات والحقوق شأنه شأن البقية. ولا خشية على حقوقهم (الأكراد) أو حقوق التركمان أو العرب أو الشيعة أو السنة».
ونفى طلب الأطراف المنخرطة في الحرب على «داعش» مقابلاً لمشاركتها في المعركة، مشدداً على أن العراق «لم يعدهم بشيء». وقال إن «العراقيين هم من حققوا النصر وحدهم. فتحنا باب الاستشارة وباب الاستعانة جواً (بدول التحالف) عند الحاجة، لكن العراقيين هم من حققوا النصر... غير أنه ليس حكراً على العراقيين فقط».
ودافع الجعفري عن زيارته فيينا للتدخل في قضية عنصرين من ميليشيات «الحشد الشعبي» أدانتهما محكمة نمساوية بالإرهاب، وقضت بسجنهما. وقال: «ليست لدينا مشكلة مع القضاء من حيث المبدأ... إلا أننا من جانب آخر فوجئنا باعتقال مواطنين عراقيين على خلفية عضويتهما في الحشد الشعبي، وهو منظمة إنسانية... أسهمت في تحقيق النصر» على «داعش». وأضاف: «رأينا أن من واجبنا أن نطلع السلطات النمساوية على ذلك كله وأن نخبرها بحقيقة الحشد الشعبي الدستورية وهويته، إذ صوت عليه البرلمان العراقي، ويعمل منضبطاً بسياسات الحكومة وتحت إشراف رئيسها... وكان (رد الفعل) إيجابياً، لكن النمسا دولة دستورية تعمل وفق تخصصات، ووعد (الوزيران) خيراً وأنهما سينقلان ما دار إلى المسؤولين».
وعزا اللجوء إلى ميليشيات غير نظامية على غرار «الحشد»، إلى طبيعة المعركة ضد «داعش». وأوضح: «في الحروب التقليدية تقاتل الجيوش، لكن في الحروب الاستثنائية، خصوصاً كحرب (داعش) يُعمد إلى صيغ غير تقليدية وهي الجيش الثاني والجيش الرديف والجيش الاحتياطي... وما شابه. لذلك فليست بدعة أن جاءت أطروحة الحشد الشعبي تلبية لنداء المرجعية الدينية، ثم اتسعت لأبناء الطوائف والديانات والقوميات المختلفة».
ونفى الاتهامات التي وجهتها منظمات حقوقية دولية مثل «العفو الدولية» و«هيومن رايتس ووتش» إلى «الحشد الشعبي» بارتكاب انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية خلال القتال. وقال إن «الحشد الشعبي جزء من صلب القوات المسلحة العراقية، وبتصويت برلماني تغطى بغطاء يلزمه بواجبات ويؤمن له حقوقاً... ونعتز بهم كما نعتز بكل فصائل القوات العراقية وقوات العشائر وقوات مكافحة الإرهاب والبيشمركة».
ورفض وصف الإجراءات التي استهدفت كوادر في وزارته بأنها «تصفية طائفية». وقال إن «كل ما هناك أن تحقيقات تمت مع موظفين من قبل جهات أمنية، وليس من قبل وزارة الخارجية. نحن لسنا جهة أمنية، بل جهة تنفيذية، وناشدنا إعادة النظر والتأكد من الاتهامات لإيماننا بضرورة إعطاء فرص، حتى لو كان المتهمون متورطين في النظام السابق... مع العلم أن الجهات الأمنية لم تحقق لأغراض كيدية».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.