إدارة ترمب ترفع سراً اسم قيادي بارز في حركة «الشباب» من قائمة المطلوبين

مصادر أميركية وصومالية لـ «الشرق الأوسط»: اتصالات سرية مهدت لانشقاق أبو منصور

جنود صوماليون يعاينون موقع تفجير سيارة مفخخة في العاصمة مقديشو (إ.ب.أ)
جنود صوماليون يعاينون موقع تفجير سيارة مفخخة في العاصمة مقديشو (إ.ب.أ)
TT

إدارة ترمب ترفع سراً اسم قيادي بارز في حركة «الشباب» من قائمة المطلوبين

جنود صوماليون يعاينون موقع تفجير سيارة مفخخة في العاصمة مقديشو (إ.ب.أ)
جنود صوماليون يعاينون موقع تفجير سيارة مفخخة في العاصمة مقديشو (إ.ب.أ)

قالت مصادر صومالية وأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفعت رسمياً ودون أي إعلان رسمي، اسم مختار روبو (أبو منصور)، وهو قيادي بارز في حركة الشباب المتطرفة في الصومال، من قائمة المطلوبين للاعتقال بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية، بينما أرسلت الحكومة الصومالية قوات عسكرية لحماية روبو من محاولة عناصر من الحركة اعتقاله أو القضاء عليه، لمنعه من الانشقاق. وترددت قبل نحو شهر معلومات عن قيام إدارة ترمب برفع اسم أبو منصور الذي يتحصن مع نحو 400 مقاتل في قرية على بعد نحو 18 كيلومتراً من هودور عاصمة منطقة باكول في جنوب الصومال، من قائمة المطلوبين للعدالة الأميركية. لكن اسمه وصورته ما زالا على القائمة التي نشرها الموقع الإلكتروني الرسمي لبرنامج «المكافآت من أجل العدالة»، الذي دشنته الولايات المتحدة قبل سنوات بهدف تشجيع الحصول على معلومات عن المطلوبين للاعتقال بتهمة ممارسة أنشطة إرهابية. ولم يرد القائمون على البرنامج على أسئلة وجهتها «الشرق الأوسط» بشأن التباين بين رفع اسم أبو منصور رسمياً من القائمة الأميركية واستمرار وجود اسمه على الموقع الإلكتروني الرسمي للبرنامج.
وقال مسؤول صومالي لـ«الشرق الأوسط» طلب عدم تعريفه: «نعم، لدينا منذ فترة محاولات لإقناع أبو منصور بالاستفادة من عفو رئاسي، إذا أعلن انشقاقه، نحاول حمايته الآن». وتريد الحكومة الصومالية استغلال إعلان انشقاق أبو منصور في شن حملة إعلامية ودعائية ضد الحركة لتشجيع مزيد من عناصرها على الحذو حذوه.
وطبقاً للمعلومات، فقد رفعت الولايات المتحدة قبل نحو أسبوعين في هدوء اسم مختار روبو من قائمتها لرعاة الإرهاب بعد 5 سنوات من إدراجه، علماً بأنه كان قد انشق عن حركة الشباب عام 2010، إثر نزاع مع الرئيس السابق لها الشيخ مختار أبو الزبير بعد اختفاء أحد القادة العسكريين للحركة الذي أشيع أنه قتل على يد رجال من مقاتلي الحركة ذاتها.
وطلب أبو منصور التحقيق في عدم حصول المقاتلين الموالين له على العلاج الكافي إثر إصابتهم في المعارك في صفوف «الشباب» ضد قوات الحكومة الصومالية وقوات الاتحاد الأفريقي (أميصوم).
لكن الخلافات تصاعدت في الآونة الأخيرة بعد اتصالات سرية أجرتها الولايات المتحدة والحكومة الصومالية مع القيادي البارز في حركة الشباب لإقناعه بإعلان انشقاقه رسمياً عن الحركة والانضمام إلى العملية السلمية والاستفادة من العفو الذي عرضه أخيراً الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو.
وكانت الولايات المتحدة قد عرضت مكافأة قيمتها 5 ملايين دولار للقبض على أبو منصور الذي كان في وقت ما المتحدث باسم حركة الشباب الإسلامية المتشددة ونائب زعيمها.
ونقلت وكالة «رويترز» عن العقيد أدن أحمد الضابط بالجيش الصومالي من مدينة هودور في جنوب غربي البلاد قرب معقل روبو قوله: «هناك مفاوضات جرت وتجري بين مختار روبو والحكومة الاتحادية الصومالية، لكن لا يوجد حتى الآن أي ضمان بأنه سينشق».
ومن شأن انقسام في حركة الشباب أن يصيبها بمزيد من الضعف بعد سنوات خسرت فيها أراضي بشكل مطرد، إذ انسحبت الحركة من العاصمة مقديشو في 2011 وفقدت السيطرة منذ ذلك الحين على أغلب المدن الكبرى في جنوب ووسط الصومال. وقال أحمد: «نحن على علم بأن مقاتلين من حركة الشباب يخططون لمهاجمة وأسر روبو، لكن هذا لن يكون سهلاً لأن لديه مقاتلين مدربين ومسلحين جيداً يدينون له بالولاء الكامل... بالأمس أعددنا نحو 300 من جنود الجيش معهم عربات عسكرية للدفاع عن روبو». وأضاف قائلاً: «أولئك الجنود موجودون الآن على مشارف البلدة. لأسباب كثيرة لا يمكننا إرسالهم مباشرة. (الشباب) قد تنصب لهم كميناً وروبو نفسه قد ينصب كميناً لقواتنا. لن نقدم تعزيزات لروبو إلا بعد أن نتأكد من اندلاع قتال بين (الشباب) وروبو». وأوضح زعيم قبلي محلي يدعى محمد نور: «نعرف أن (الشباب) قررت تجريد روبو من السلاح بعد أن سمعوا أنه رفع من القائمة الأميركية للمطلوبين». من جهته، قال محمد عبدي محافظ باكول إن مقاتلي «الشباب» يتقدمون باتجاه روبو، وقال: «أعددنا كثيراً من الجنود لدعم روبو في حال بدأوا (مقاتلو الشباب) بقتاله. عدو عدوك هو صديقك».
إلى ذلك، أعدمت السلطات في منطقة البونت لانشبه المستقلة بشمال الصومال 7 أشخاص أول من أمس قالت إنهم متشددون إسلاميون خططوا لشن هجمات تتضمن حملة تفجيرات. وقال عول أحمد فارح رئيس المحكمة العسكرية بالمنطقة إن المتهمين أعضاء بحركة الشباب المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة التي تقاتل للإطاحة بالحكومة في مقديشو.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟