أنور قرقاش الوزير المثقف النشط

حضور سياسي وإعلامي مكثف خلال الفترة الماضية... داعياً للوحدة الخليجية والعربية

أنور قرقاش الوزير المثقف النشط
TT

أنور قرقاش الوزير المثقف النشط

أنور قرقاش الوزير المثقف النشط

تعريف كلمة «نشط» في مفهوم وسائل التواصل الاجتماعي، أو في «الإنترنت»، هو «المستخدم المتصل الذي يتابع بهمة تطورات الأحداث في الشبكة العنكبوتية»، وهذا ما ينطبق حالياً على الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي كان ناطقاً نشطاً وبليغاً خلال الفترة الأخيرة باسم الخارجية الإماراتية، لا سيما بعد تفجر الأزمة السياسية الأخيرة
مع دولة قطر.
قرقاش الذي لا يحبذ الحديث كثيراً للصحافة إلا من خلال المؤتمرات الرسمية، وجد موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي فرصة لإبداء رأيه بشكل يومي حول الأحداث والتطورات السياسة العالمية، بل حتى الأحداث المحلية كان لها جانب من تعليقات الوزير الذي تتسم معظم تغريداته بالحدة والصراحة المطلوبة، التي قد لا تتوافق أحياناً مع مفهوم الدبلوماسية.
نشاط الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتّسق مع نشاط الوزارة التي يقودها الشيخ عبد الله بن زايد، وذلك في الوقت الذي تلعب فيه الإمارات دوراً واسعاً في القضايا الإقليمية، إذ شهدت عاصمتها أبوظبي خلال السنوات الأخيرة حركة كبيرة لرؤساء دول ووزراء خارجية زاروا منطقة الشرق الأوسط.
وقد سجل الدكتور قرقاش، في الواقع، نموذجاً جديداً للمسؤولين الخليجيين، بالحديث وتقديم وجهة النظر بشكل بسيط شفاف، وتفاعل من خلال زيارته اليومية لموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، حيث كان نشيطاً بشكل مكثف خلال السنوات الماضية في هذا الجانب.

بطاقة هوية
الدكتور أنور محمد قرقاش، المولود في دبي، يوم 28 مارس (آذار) 1959، سياسي وأكاديمي ورجل أعمال بارز.
تلقى تعليمه في المدرسة الأحمدية، وأكمل دراسته بثانوية دبي، ثم ثانوية جمال عبد الناصر (أيضاً في دبي». بعدها، سافر إلى الولايات المتحدة، حيث تخرج بدرجتي البكالوريوس (1981) والماجستير (1984) في تخصص العلوم السياسية، في جامعة جورج واشنطن المرموقة بالعاصمة الأميركية واشنطن، ثم انتقل إلى بريطانيا، حيث درس وتخرّج حاصلاً على الدكتوراه في العلوم السياسية من كلية كينغز، بجامعة كمبريدج العريقة، عام 1990.
بعد ذلك، بين عامي 1990 و1995، عمل في سلك التدريس الجامعي بجامعة الإمارات العربية المتحدة، في العين، حيث تولّى تدريس مواد حكومة وسياسة دولة الإمارات والنظم المقارنة، وكذلك تدريس القضايا المتعلقة بأمن الخليج. ثم عمل بين عامي 1995 و2006 في القطاع الخاص، وكان عضواً في مجلس إدارة غرفة تجارة دبي منذ عام 1997، إلى جانب عضوية مكتبها التنفيذي، والمجلس الاقتصادي في إمارة دبي، وكذلك عضو مجلس إدارة أبوظبي للإعلام منذ إنشائها، وله كثير من المساهمات في المؤتمرات والدراسات المنشورة حول هذه القضايا.
أيضاً، تولى الدكتور قرقاش، وسط اهتماماته وانشغالاته الكثيرة، رئاسة تحرير سلسلة «دراسات استراتيجية»، التي تصدر باللغتين العربية والإنجليزية عن «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية». كما تولى عضوية مجلس إدارة مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر، وهو أيضاً رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، ورئيس فريق عمل دولة الإمارات العربية المتحدة للمراجعة الدولية لحقوق الإنسان، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة «العويس» الثقافية، كما أنه عضو في مجلس أمناء أكاديمية الإمارات الدبلوماسية.
وزيراً في الحكومة

انضم الدكتور أنور قرقاش إلى الحكومة الاتحادية في الإمارات عام 2006 وزير دولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، ثم جرى تعيينه في فبراير (شباط) 2008 وزير دولة للشؤون الخارجية ووزير دولة لشؤون المجلس الوطني. وفي فبراير 2016، وضمن التشكيل الوزاري الجديد، عين وزير دولة للشؤون الخارجية.
وإلى جانب عمله الوزاري، شغل قرقاش منصب رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات، حيث قام بالإشراف على الانتخابات التي عُقدت في دولة الإمارات عام 2006 وعام 2011 وعام 2015. وبفضل مؤهلاته الشخصية والأكاديمية، كلف قرقاش بترؤس وفد الإمارات إلى عدد من المؤتمرات الدولية والإقليمية والخليجية، فشارك كرئيس للوفد الإماراتي في بعض أهم الاجتماعات الدولية، التي قدم خلالها رؤية الدولة إزاء أهم القضايا الدولية والإقليمية.
جدير بالذكر أن تعيينه في عام 2006 وزيراً للدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي جاء مع انطلاق أول انتخابات للمجلس في العام نفسه. ويومذاك، سعى قرقاش لتنفيذ رؤية الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، للمشاركة والتمكين للمواطن الإماراتي. ولقد وصف الرؤية في ذلك الوقت بأنها «تطمح إلى تعزيز المشاركة والتمثيل، من خلال مجلس وطني فاعل ومؤثر يدعم مسيرة الاتحاد ويعززها في السنوات المقبلة».
ومع التشكيل الأخير للحكومة الإماراتية قبل سنوات، عين وزير دولة للشؤون الخارجية. ويعتقد الدكتور أنور قرقاش أن سياسة بلاده الخارجية تؤكد على أن الإمارات لا تسعي إلى لعب دور إقليمي، بل تسعى إلى تعزيز قيم الحفاظ على كيان الدول الوطنية من أجل تعزيز الازدهار في المنطقة التي تموج بالمشكلات والأحداث العصيبة والمؤلمة. وهو من المؤمنين بأن دور بلاده هو العمل على خلق منظومة قوية مستقرة في المنطقة، تدعم بعضها بعضاً في مواجهة التطرف والإرهاب، والحفاظ على كيان الدولة الوطنية، ويعتقد بقوة أن هذا النموذج بات مهدداً في أكثر من دولة عربية. وبالتالي، يحث على التصدي للتفتيت الحاصل في العالم العربي، والتعاون مع كثير من الدول لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة.

وحدة مجلس التعاون
من ناحية ثانية، يعد الدكتور أنور قرقاش من أكثر المناصرين لوحدة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث برز في عدد من الكلمات التي ألقاها، ومشاركاته المختلفة في عدد من المؤتمرات العالمية، حرصه على وحدة دول الخليج، وقوة هذه الوحدة وتأثيرها على المحيط الإقليمي والعربي، في الوقت الذي يعمل فيه على توضيح موقف دول الخليج في عدد من القضايا الدولية أو الإقليمية، وذلك من خلال حسابه في «تويتر» أو مشاركته الإعلامية.
ويؤمن الوزير الإماراتي، بصراحة، بأنه لا استقرار في المنطقة من دون المملكة العربية السعودية، التي يصفها بأنها «عمود الخيمة». وبالفعل، كتب قرقاش عبر حسابه الرسمي في «تويتر»: «في محيط إقليمي مضطرب، لا بديل عن وحدة الصف الخليجي. والسعودية عمود الخيمة، فلا استقرار دونها، ولا موقع عربي أو دولي إلا معها؛ مشاعر وحقائق».
وأضاف قرقاش: «في الاستقطاب الإقليمي الحالي، نقف مع الأخ والصديق والجار السعودي لأن مصيرنا مرتبط، وتوجهنا واحد؛ قوة البيت الخليجي في قوة السعودية، وفي وحدتنا»، ثم قال: «تدرك الإمارات طبيعة الأخطار المحيطة والجاثمة، وهي لذلك صريحة أمينة في طرحها، واللحظة الحالية أولويتها الالتفاف الخليجي مع الرياض ودورها».
فضلاً عن ذلك، يعتبر قرقاش من أكثر الداعين إلى وحدة العرب في مختلف المناسبات، ولقد تكررت دعواته في مختلف المناسبات عبر كلماته أو حواراته أو أحاديثه الصحافية. وقال في إحدى القمم العربية، وبالتحديد في القمة الاقتصادية في الكويت في 2009: «إن التفكير العقلاني الآتي من هناك، دعا الدول العربية إلى أن تنظر إلى الجانب الاقتصادي، وأن يكون هناك تراكم اقتصادي ومعرفي عربي، يصب في نهاية المطاف بشكل إيجابي لمصلحة كل العرب والتعاون العربي»، وأردف: «إن التكتلات الاقتصادية هي ما يصبو إليه العرب»، مشيراً إلى أن التبادل التجاري بين دول الخليج تضاعف نتيجة التنسيق والتعاون وعقد الاجتماعات التي تركز على الشأن الاقتصادي.
ثم تابع: «إن بإمكان الدول العربية أن تكسر الحواجز التجارية، وتنشط البيئة الاستثمارية فيما بينها، وأن تخلق المصداقية في البيئة الاستثمارية التي تمكن الاقتصاد العربي من إيجاد شحن أرخص وجمارك أقل تعقيداً، عندما تزيد من الاجتماعات الاقتصادية المهمة».
وقد يكون الحضور الأكثر تفاعلاً وحضوراً للوزير النشط خلال السنوات الثلاث الأخيرة، التي شارك فيها قرقاش بشكل كبير، وبرزت مشاركته، سواء من خلال المؤتمرات أو الندوات، أو حتى في «تويتر» مع مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي. وكان قد حذر مسبقاً من تفاقم عدد من القضايا، قدم إزاءها رؤية للحل تعبر عن مواقف بلاده بشكل بسيط، إذ قال عن الخلاف الإماراتي - القطري في السنوات الأخيرة، من خلال تغريده في موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي: «إنه من الضروري الانتباه لعمل المرتزقة والحزبيين في إذكاء نار الفتنة بين دولتي الإمارات وقطر»، وهو ما لم يحدث، حيث ساهم المرتزقة والحزبيين في إشعال الفتنة في قطر، وتسببها في الخروج من محيطها.
كذلك نشط قرقاش بشكل كبير إبان عملية التحالف العربي لإعادة الشرعية إلى اليمن، فعبّر بكل شفافية وقوة عن مواقف بلاده في هذه العملية، وكان متابعاً بشكل كبير للأحداث وتفسيرها وطرحها للجمهور بشكل واضح، وبعيداً عن التضليل أو التحريف، وتبيان مواقف الإمارات وقيادتها عبر تغريدات كان ينشرها خلال عملية «عاصفة الحزم»، التي سجل من خلال حضوراً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، كان الوزير المثقف والمطّلع يرسل رسائل للحوثيين وصالح حول معركتهم الخاسرة أمام التحالف العربي، وحذرهم بشكل كبير من خلال التغريد في موقع «تويتر»، قائلاً: «هل يثق الشعب اليمني في مسار سياسي يسيطر عليه صالح والحوثيون، خصوصاً أنهم انقلبوا على مسار سياسي جامع مدعوم دولياً؟ أشك في مصداقيتهم وتوجههم... أي نموذج يريده الحوثيون والرئيس المخلوع؟ وهل يرضى الشعب اليمني بولاية الفقيه أو إعادة إنتاج جمهورية صالح؟».

مسألة قطر
ولكن قد يكون أبرز حضور للوزير أنور قرقاش، الذي يتابعه نحو 400 ألف متابع في موقع «تويتر»، في موضوع مقاطعة دول عربية لقطر خلال الأيام القليلة الماضية، إذ أصبحت تغريداته وأحاديثه الصحافية موضع متابعة من جميع الوسائل الإعلامية، خصوصاً أنه ينشط بشكل كبير لتقديم النصح، وتقديم وجهة النظر في موقف بلاده من السياسة القطرية الخارجية.
وباتت وسائل الإعلام العالمية تتابعه بحرص كبير، وتنقل تصريحاته وتغريداته، وتترجم ما يقوله الوزير قرقاش، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال ما يقدمه في أحاديثه الصحافية والتلفزيونية حول مقاطعة تلك الدول مع قطر. وفي الوقت نفسه، واصل حث قطر، منذ بدء اليوم الأول للمقاطعة، على العودة إلى البيت الخليجي، ومقاطعة الحزبية وأصحاب الأجندات الذين يدفعون الدوحة للمزيد من القطيعة مع أشقائها الخليجيين، فقال: «وقد قاربت ساعة الحقيقة، ندعو الشقيق لأن يختار محيطه، وأن يختار الصدق والشفافية في التعامل، وأن يدرك أن صخب الإعلام وبطولات الآيديولوجيا وهم زائل».



موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
TT

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ مستوياتها منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي السابق، وجرى تقويض كل قنوات الاتصال السياسية والدبلوماسية والأمنية. وحتى «الخط الساخن» الذي طالما عوّل عليه البلدان لمواجهة الظروف الطارئة وتجنّب الانزلاق إلى احتكاكات مقصودة أو غير مقصودة، جرى تجميده كلياً. كانت تلك، وفقاً لمسؤولين روس، أسوأ أربع سنوات في العلاقات، ولقد تحوّلت فيها الولايات المتحدة إلى خصم مباشر، و«شريك رئيس في الحرب الهجينة ضد روسيا». ولم ينعكس التدهور فقط في ملفات أوكرانيا والأمن الاستراتيجي والوضع في أوروبا - وهي القضايا المركزية التي تشغل بال الكرملين - بل أيضاً امتد في تأثيره بعيداً عن الجغرافيا الحيوية لروسيا... ليصل إلى الملفات الإقليمية الساخنة في الشرق الأوسط التي شهدت تصعيداً متواصلاً فاقم تأجيج الأزمة في العلاقات.

بمجرد اتضاح نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بدأ محللون روس في وضع «سيناريوهات» للتقارب مع الإدارة الجمهورية الجديدة في واشنطن. ولطالما كان ينظر في موسكو للرئيس المنتخب دونالد ترمب على أنه «قادر على إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو»، والتوصل إلى تسويات أو «صفقات» حول القضايا الأكثر خلافية.

بيد أن الكرملين كان قد خاض تجربة مريرة مع ولاية ترمب الأولى، عندما بدا الرئيس - المتهم بالتعاون سرّاً مع روسيا - عاجزاً عن مواجهة تركة باراك أوباما الثقيلة في العلاقة مع موسكو. لذلك لم ينجح التفاؤل الروسي في حينه، ولا الخطوات المحدودة التي انتهجها ترمب في تحسين العلاقات جدياً، ووضع «سيناريوهات» للتعاون في ملفات دولية أو إقليمية. بل بالعكس من ذلك، فقد واجهت روسيا في ولاية ترمب السابقة أضخم رُزم عقوبات فرضتها واشنطن. ومن ناحية ثانية، فشل الطرفان أيضاً في تحسين شروط التعاون حيال ملفات إقليمية مهمة، فتدهور الوضع حول إيران بعد انسحاب ترمب من الاتفاقية النووية، وتراجع الأخير عن تنفيذ تعهد الانسحاب من سوريا.

ثلاثة أفخاخ

بناءً عليه، بدت موسكو أكثر حذراً هذه المرة وهي تستقبل أنباء فوز ترمب الساحق. وحقاً، تجنّبت تعليق آمال جدية، بانتظار ما ستقدم عليه الإدارة الجديدة من خطوات عملية فور تسلم الرئيس منصبه رسمياً في يناير (كانون الثاني) المقبل.

لكن هذا لم يمنع التوقّعات المتشائمة، التي غلبت على العلاقة، من البروز بشكل مباشر أو غير مباشر. والحال أن موسكو تبدو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار، أجمل أليكسي بوشكوف، عضو مجلس الشيوخ الروسي وأحد خبراء السياسة المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، المأزق الذي يواجه ترمب بأنه يشتمل على «ثلاثة أفخاخ صعبة».

الفخ الأول، بطبيعة الحال، هو ملف أوكرانيا: فلقد استثمرت الولايات المتحدة بالفعل الكثير في أوكرانيا لدرجة أنها ما عادت تعرف كيفية الخروج من هذه الأزمة. وهنا لا تتوقف موسكو كثيراً عند الوعود الانتخابية لترمب بإنهاء الحرب في 24 ساعة. ويتساءل بوشكوف: «هل ستتخلى واشنطن عنها مثل أفغانستان؟ لم يعد يمكنها ذلك». أو تكمل ما بدأته الإدارة الديمقراطية؟ عندها... وكما حذّر ترمب بحق، فإن هذا قد يؤدي إلى صراع نووي مع روسيا. تدرك موسكو حجم الصعوبات التي تواجه ترمب في هذا الملف.

أما الفخ الثاني، فهو شرق أوسطي. وهنا - حسب بوشكوف - «لا يمكن لترمب التراجع عن دعم إسرائيل بسبب وجود لوبي قوي جدّاً مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. لكنه لا يستطيع دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً في كل ما يفعله، لأن هذا يضرّ بمكانة الولايات المتحدة في العالم العربي (...) ولأن المخطط الأميركي لمصالحة إسرائيل مع جيرانها ما زال موضع شك. لقد حاولت الولايات المتحدة إخراج إسرائيل من عزلتها في المنطقة... لكن هذا المدخل لم يعد يعمل. وعلاوة على ذلك: يُصرّ العالم العربي على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع. إذن فهذا أيضًاً فخ».

وأما الفخ الثالث فهو تايوان. ووفقاً لبوشكوف: «من الممكن أن تصبح قضية تايوان فخاً كبيراً للولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستدعم أوروبا الأميركيين إذا دخلت الولايات المتحدة في صراع مع الصين؟ لقد قوّضت أوروبا نفسها اقتصادياً بشدة بالفعل بسبب انفصالها عن روسيا. وإذا فتحت أيضاً معركة مع الصين، التي يبلغ حجم تجارة الاتحاد الأوروبي معها تريليون دولار أميركي، فمن المرجح أن ينهار الاقتصاد الأوروبي ببساطة».

قنابل موقوتة

السياسي الروسي يرى أن «الأفخاخ الثلاثة» تمثل قنابل موقوتة بالنسبة إلى دونالد ترمب... مهما كانت طبيعة التركيبة النهائية لفريقه الرئاسي، أو خطواته الأولى على صعيد السياسة الخارجية.

فضلاً عن ذلك، يرى بوشكوف، أن ترمب الذي تعهد بإيلاء القدر الأكبر من الاهتمام للإصلاح الداخلي، سيواجه صعوبة كبرى في إيجاد توازن بين الانكفاء إلى الداخل من أجل تحسين الأداء الاقتصادي ومواجهة الهجرة و«إعادة أميركا عظيمة» بقدراتها واقتصادها ومستوى المعيشة لشعبها، وبين العمل بسرعة لتنفيذ وعود انتخابية بإنهاء حروب وتقليص التوتر في أزمات خارجية. ويضيف متسائلاً: «كيف يمكن أن تكون أميركا عظيمة مجدّداً... وهي تنكفئ في السياسة الدولية؟».

تبدو موسكو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز

التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة

تباين حيال التسوية في الشرق الأوسط

لا يبدو أن موسكو تثق كثيراً بقدرة ترمب على لعب دور نشط لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، ودفع الإسرائيليين إلى التوصّل لحلول سياسية تعيد الهدوء - ولو نسبياً - إلى الشرق الأوسط.

وهنا، يذكر خبراء أن المدخل الأميركي السابق قام على أساس تعزيز اتفاقات تطبيع وفرض سلام من نوع خاص، لا يؤدي إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي العنف في المنطقة وتنزع ذرائعه.

وترمب نفسه أعرب خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى عن نيته التوسط في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه أظهر لاحقاً التقارب مع إسرائيل من أجل كسب دعم المانحين الرئيسيين والناخبين الرئيسيين، وخاصة الصهاينة المسيحيين الإيفانجيليين.

بحسب خبراء، هذا الموقف يتوافق مع النهج القائل: «أميركا تفعل ما تريد، وبالتالي أصدقاء أميركا يفعلون ما يريدون». مع الإشارة هنا إلى أن هذا النهج المائل إلى عقد «صفقات» ينصّ على «امتيازات خاصة للحلفاء كدفعة مقابل الأمن». غير أن موسكو ليست مقتنعة بأن هذا المدخل سيعزّز طريق الحلول النهائية للمنطقة.

ومقابل القناعة الروسية بالعودة إلى الآليات التي توافر عليها نوعٌ من الإجماع الدولي، كإحياء «الرباعية الدولية» وتوسيعها بضم بعض الأطراف الإقليمية المهمة (المملكة العربية السعودية ومصر وجامعة الدول العربية)، وأيضاً العودة إلى مبادئ التسوية القائمة على أساس رفض التوسّع الجغرافي للاحتلال، وإعلاء «مبدأ حل الدولتين» ووضع خرائط طريق جديدة بينها «المبادرة العربية للسلام»، فإن مدخل ترمب يقوم على عقد صفقات سريعة للتهدئة، وترك المناطق أمام «برميل بارود» قابل للانفجار مجدداً في أي وقت.

في هذا الإطار لا يتوقّع خبراء روس أن تكون التسوية في الشرق الأوسط بين أولويات الحوار المنتظر مع الإدارة الأميركية الجديدة، بالنظر إلى أن هذا الموضوع فيه تباعد واسع في وجهات النظر، ولا يدخل ضمن الملفات التي قد يكون بوسع الطرفين التوصل إلى صفقات حولها.

وفي الوقت ذاته، ترى موسكو - وفقاً لتحركات محدَّدة برزت في سوريا، ومن خلال حوارات مكثفة أجريت غالباً خلف أبواب مغلقة مع الجانب الإسرائيلي - أن بوسعها لعب دور أساسي في تأكيد دورها بضمان أمن إسرائيل من جهة سوريا وإيران مستقبلاً. وهو ما يعني أن هذا الموضوع قد يكون جزئياً على طاولة حوار روسي - أميركي في وقت لاحق.

تأهب للحوار حول سوريا

في هذه الأثناء، لدى الأوساط الروسية نظرة إيجابية، ولكن حذرة، بشأن احتمالات سحب ترمب القوات الأميركية من سوريا إبان ولاية ترمب الجديدة.

موسكو تتذكر الإرادة الأميركية في الانسحاب من سوريا إبان ولاية ترمب السابقة، لكن يومذاك كان التهديد الإرهابي ما زال نشطاً، والخطوط الفاصلة ومناطق النفوذ لم تكن قد تبلورت بشكل شبه نهائي. لذا يرى خبراء روس أن ترمب عندما يتكلّم عن سحب القوات حالياً فهو ينطلق من واقع ميداني وسياسي جديد. وبالتالي، سيكون حذراً للغاية عند مناقشة هذه المشكلة مجدداً.

أيضاً، ونظراً لوعود ترمب الانتخابية المتكررة، يُرجح أن ترغب واشنطن في سحب قواتها من سوريا، لكن لا يبدو لموسكو أن هذه القضية ستكون مُدرجة على جدول الأعمال ضمن أولويات التحرك الأميركي حالياً.

لقد قوبلت خطط ترمب لسحب القوات في السابق بمقاومة مفتوحة، خاصة من «القيادة الوسطى» الأميركية وشخصيات، مثل بريت ماكغورك، الذي عمل مبعوثاً خاصاً لمكافحة «داعش» حتى أواخر عام 2018، واستقال قبل شهرين من انتهاء فترة ولايته، مباشرة بعد قرار إدارة ترمب سحب القوات من سوريا في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018. بعدها عيّن جو بايدن، الرئيس الأميركي المنتخب، عام 2020، ماكغورك منسقاً لمجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واكتسبت سياسة واشنطن في سوريا لدعم حزب العمال الكردستاني «وحدات حماية الشعب» زخماً.

حالياً يعود الملف إلى دائرة النقاش، ولقد برز بشكل واضح خلال اجتماعات «جولة آستانة للحوار» التي انعقدت أخيراً. وأكد المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى سوريا في ختام الاجتماعات أن موسكو منفتحة على الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة فور تشكيلها، لبحث الملفات المتعلقة بسوريا. وقال الدبلوماسي الروسي: «إذا كانت هناك مقترحات، فإن الجانب الروسي منفتح، ونحن على استعداد لمواصلة الاتصالات مع الأميركيين».

وفي هذا المجال، تنطلق موسكو من قناعة بأنه لا يمكن التوصل إلى بعض الحلول الوسط إلا من خلال المفاوضات المباشرة. وهي هنا مستعدة للاستماع إلى وجهات النظر الأخرى، وربما تقديم بعض الضمانات التي تحتاج إليها واشنطن لتسريع عملية الانسحاب ودعم التسوية في سوريا برعاية روسية تضمن مصالح الأخيرة.