أنور قرقاش الوزير المثقف النشط

حضور سياسي وإعلامي مكثف خلال الفترة الماضية... داعياً للوحدة الخليجية والعربية

أنور قرقاش الوزير المثقف النشط
TT

أنور قرقاش الوزير المثقف النشط

أنور قرقاش الوزير المثقف النشط

تعريف كلمة «نشط» في مفهوم وسائل التواصل الاجتماعي، أو في «الإنترنت»، هو «المستخدم المتصل الذي يتابع بهمة تطورات الأحداث في الشبكة العنكبوتية»، وهذا ما ينطبق حالياً على الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي كان ناطقاً نشطاً وبليغاً خلال الفترة الأخيرة باسم الخارجية الإماراتية، لا سيما بعد تفجر الأزمة السياسية الأخيرة
مع دولة قطر.
قرقاش الذي لا يحبذ الحديث كثيراً للصحافة إلا من خلال المؤتمرات الرسمية، وجد موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي فرصة لإبداء رأيه بشكل يومي حول الأحداث والتطورات السياسة العالمية، بل حتى الأحداث المحلية كان لها جانب من تعليقات الوزير الذي تتسم معظم تغريداته بالحدة والصراحة المطلوبة، التي قد لا تتوافق أحياناً مع مفهوم الدبلوماسية.
نشاط الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتّسق مع نشاط الوزارة التي يقودها الشيخ عبد الله بن زايد، وذلك في الوقت الذي تلعب فيه الإمارات دوراً واسعاً في القضايا الإقليمية، إذ شهدت عاصمتها أبوظبي خلال السنوات الأخيرة حركة كبيرة لرؤساء دول ووزراء خارجية زاروا منطقة الشرق الأوسط.
وقد سجل الدكتور قرقاش، في الواقع، نموذجاً جديداً للمسؤولين الخليجيين، بالحديث وتقديم وجهة النظر بشكل بسيط شفاف، وتفاعل من خلال زيارته اليومية لموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، حيث كان نشيطاً بشكل مكثف خلال السنوات الماضية في هذا الجانب.

بطاقة هوية
الدكتور أنور محمد قرقاش، المولود في دبي، يوم 28 مارس (آذار) 1959، سياسي وأكاديمي ورجل أعمال بارز.
تلقى تعليمه في المدرسة الأحمدية، وأكمل دراسته بثانوية دبي، ثم ثانوية جمال عبد الناصر (أيضاً في دبي». بعدها، سافر إلى الولايات المتحدة، حيث تخرج بدرجتي البكالوريوس (1981) والماجستير (1984) في تخصص العلوم السياسية، في جامعة جورج واشنطن المرموقة بالعاصمة الأميركية واشنطن، ثم انتقل إلى بريطانيا، حيث درس وتخرّج حاصلاً على الدكتوراه في العلوم السياسية من كلية كينغز، بجامعة كمبريدج العريقة، عام 1990.
بعد ذلك، بين عامي 1990 و1995، عمل في سلك التدريس الجامعي بجامعة الإمارات العربية المتحدة، في العين، حيث تولّى تدريس مواد حكومة وسياسة دولة الإمارات والنظم المقارنة، وكذلك تدريس القضايا المتعلقة بأمن الخليج. ثم عمل بين عامي 1995 و2006 في القطاع الخاص، وكان عضواً في مجلس إدارة غرفة تجارة دبي منذ عام 1997، إلى جانب عضوية مكتبها التنفيذي، والمجلس الاقتصادي في إمارة دبي، وكذلك عضو مجلس إدارة أبوظبي للإعلام منذ إنشائها، وله كثير من المساهمات في المؤتمرات والدراسات المنشورة حول هذه القضايا.
أيضاً، تولى الدكتور قرقاش، وسط اهتماماته وانشغالاته الكثيرة، رئاسة تحرير سلسلة «دراسات استراتيجية»، التي تصدر باللغتين العربية والإنجليزية عن «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية». كما تولى عضوية مجلس إدارة مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر، وهو أيضاً رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، ورئيس فريق عمل دولة الإمارات العربية المتحدة للمراجعة الدولية لحقوق الإنسان، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة «العويس» الثقافية، كما أنه عضو في مجلس أمناء أكاديمية الإمارات الدبلوماسية.
وزيراً في الحكومة

انضم الدكتور أنور قرقاش إلى الحكومة الاتحادية في الإمارات عام 2006 وزير دولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، ثم جرى تعيينه في فبراير (شباط) 2008 وزير دولة للشؤون الخارجية ووزير دولة لشؤون المجلس الوطني. وفي فبراير 2016، وضمن التشكيل الوزاري الجديد، عين وزير دولة للشؤون الخارجية.
وإلى جانب عمله الوزاري، شغل قرقاش منصب رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات، حيث قام بالإشراف على الانتخابات التي عُقدت في دولة الإمارات عام 2006 وعام 2011 وعام 2015. وبفضل مؤهلاته الشخصية والأكاديمية، كلف قرقاش بترؤس وفد الإمارات إلى عدد من المؤتمرات الدولية والإقليمية والخليجية، فشارك كرئيس للوفد الإماراتي في بعض أهم الاجتماعات الدولية، التي قدم خلالها رؤية الدولة إزاء أهم القضايا الدولية والإقليمية.
جدير بالذكر أن تعيينه في عام 2006 وزيراً للدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي جاء مع انطلاق أول انتخابات للمجلس في العام نفسه. ويومذاك، سعى قرقاش لتنفيذ رؤية الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، للمشاركة والتمكين للمواطن الإماراتي. ولقد وصف الرؤية في ذلك الوقت بأنها «تطمح إلى تعزيز المشاركة والتمثيل، من خلال مجلس وطني فاعل ومؤثر يدعم مسيرة الاتحاد ويعززها في السنوات المقبلة».
ومع التشكيل الأخير للحكومة الإماراتية قبل سنوات، عين وزير دولة للشؤون الخارجية. ويعتقد الدكتور أنور قرقاش أن سياسة بلاده الخارجية تؤكد على أن الإمارات لا تسعي إلى لعب دور إقليمي، بل تسعى إلى تعزيز قيم الحفاظ على كيان الدول الوطنية من أجل تعزيز الازدهار في المنطقة التي تموج بالمشكلات والأحداث العصيبة والمؤلمة. وهو من المؤمنين بأن دور بلاده هو العمل على خلق منظومة قوية مستقرة في المنطقة، تدعم بعضها بعضاً في مواجهة التطرف والإرهاب، والحفاظ على كيان الدولة الوطنية، ويعتقد بقوة أن هذا النموذج بات مهدداً في أكثر من دولة عربية. وبالتالي، يحث على التصدي للتفتيت الحاصل في العالم العربي، والتعاون مع كثير من الدول لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة.

وحدة مجلس التعاون
من ناحية ثانية، يعد الدكتور أنور قرقاش من أكثر المناصرين لوحدة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث برز في عدد من الكلمات التي ألقاها، ومشاركاته المختلفة في عدد من المؤتمرات العالمية، حرصه على وحدة دول الخليج، وقوة هذه الوحدة وتأثيرها على المحيط الإقليمي والعربي، في الوقت الذي يعمل فيه على توضيح موقف دول الخليج في عدد من القضايا الدولية أو الإقليمية، وذلك من خلال حسابه في «تويتر» أو مشاركته الإعلامية.
ويؤمن الوزير الإماراتي، بصراحة، بأنه لا استقرار في المنطقة من دون المملكة العربية السعودية، التي يصفها بأنها «عمود الخيمة». وبالفعل، كتب قرقاش عبر حسابه الرسمي في «تويتر»: «في محيط إقليمي مضطرب، لا بديل عن وحدة الصف الخليجي. والسعودية عمود الخيمة، فلا استقرار دونها، ولا موقع عربي أو دولي إلا معها؛ مشاعر وحقائق».
وأضاف قرقاش: «في الاستقطاب الإقليمي الحالي، نقف مع الأخ والصديق والجار السعودي لأن مصيرنا مرتبط، وتوجهنا واحد؛ قوة البيت الخليجي في قوة السعودية، وفي وحدتنا»، ثم قال: «تدرك الإمارات طبيعة الأخطار المحيطة والجاثمة، وهي لذلك صريحة أمينة في طرحها، واللحظة الحالية أولويتها الالتفاف الخليجي مع الرياض ودورها».
فضلاً عن ذلك، يعتبر قرقاش من أكثر الداعين إلى وحدة العرب في مختلف المناسبات، ولقد تكررت دعواته في مختلف المناسبات عبر كلماته أو حواراته أو أحاديثه الصحافية. وقال في إحدى القمم العربية، وبالتحديد في القمة الاقتصادية في الكويت في 2009: «إن التفكير العقلاني الآتي من هناك، دعا الدول العربية إلى أن تنظر إلى الجانب الاقتصادي، وأن يكون هناك تراكم اقتصادي ومعرفي عربي، يصب في نهاية المطاف بشكل إيجابي لمصلحة كل العرب والتعاون العربي»، وأردف: «إن التكتلات الاقتصادية هي ما يصبو إليه العرب»، مشيراً إلى أن التبادل التجاري بين دول الخليج تضاعف نتيجة التنسيق والتعاون وعقد الاجتماعات التي تركز على الشأن الاقتصادي.
ثم تابع: «إن بإمكان الدول العربية أن تكسر الحواجز التجارية، وتنشط البيئة الاستثمارية فيما بينها، وأن تخلق المصداقية في البيئة الاستثمارية التي تمكن الاقتصاد العربي من إيجاد شحن أرخص وجمارك أقل تعقيداً، عندما تزيد من الاجتماعات الاقتصادية المهمة».
وقد يكون الحضور الأكثر تفاعلاً وحضوراً للوزير النشط خلال السنوات الثلاث الأخيرة، التي شارك فيها قرقاش بشكل كبير، وبرزت مشاركته، سواء من خلال المؤتمرات أو الندوات، أو حتى في «تويتر» مع مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي. وكان قد حذر مسبقاً من تفاقم عدد من القضايا، قدم إزاءها رؤية للحل تعبر عن مواقف بلاده بشكل بسيط، إذ قال عن الخلاف الإماراتي - القطري في السنوات الأخيرة، من خلال تغريده في موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي: «إنه من الضروري الانتباه لعمل المرتزقة والحزبيين في إذكاء نار الفتنة بين دولتي الإمارات وقطر»، وهو ما لم يحدث، حيث ساهم المرتزقة والحزبيين في إشعال الفتنة في قطر، وتسببها في الخروج من محيطها.
كذلك نشط قرقاش بشكل كبير إبان عملية التحالف العربي لإعادة الشرعية إلى اليمن، فعبّر بكل شفافية وقوة عن مواقف بلاده في هذه العملية، وكان متابعاً بشكل كبير للأحداث وتفسيرها وطرحها للجمهور بشكل واضح، وبعيداً عن التضليل أو التحريف، وتبيان مواقف الإمارات وقيادتها عبر تغريدات كان ينشرها خلال عملية «عاصفة الحزم»، التي سجل من خلال حضوراً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، كان الوزير المثقف والمطّلع يرسل رسائل للحوثيين وصالح حول معركتهم الخاسرة أمام التحالف العربي، وحذرهم بشكل كبير من خلال التغريد في موقع «تويتر»، قائلاً: «هل يثق الشعب اليمني في مسار سياسي يسيطر عليه صالح والحوثيون، خصوصاً أنهم انقلبوا على مسار سياسي جامع مدعوم دولياً؟ أشك في مصداقيتهم وتوجههم... أي نموذج يريده الحوثيون والرئيس المخلوع؟ وهل يرضى الشعب اليمني بولاية الفقيه أو إعادة إنتاج جمهورية صالح؟».

مسألة قطر
ولكن قد يكون أبرز حضور للوزير أنور قرقاش، الذي يتابعه نحو 400 ألف متابع في موقع «تويتر»، في موضوع مقاطعة دول عربية لقطر خلال الأيام القليلة الماضية، إذ أصبحت تغريداته وأحاديثه الصحافية موضع متابعة من جميع الوسائل الإعلامية، خصوصاً أنه ينشط بشكل كبير لتقديم النصح، وتقديم وجهة النظر في موقف بلاده من السياسة القطرية الخارجية.
وباتت وسائل الإعلام العالمية تتابعه بحرص كبير، وتنقل تصريحاته وتغريداته، وتترجم ما يقوله الوزير قرقاش، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال ما يقدمه في أحاديثه الصحافية والتلفزيونية حول مقاطعة تلك الدول مع قطر. وفي الوقت نفسه، واصل حث قطر، منذ بدء اليوم الأول للمقاطعة، على العودة إلى البيت الخليجي، ومقاطعة الحزبية وأصحاب الأجندات الذين يدفعون الدوحة للمزيد من القطيعة مع أشقائها الخليجيين، فقال: «وقد قاربت ساعة الحقيقة، ندعو الشقيق لأن يختار محيطه، وأن يختار الصدق والشفافية في التعامل، وأن يدرك أن صخب الإعلام وبطولات الآيديولوجيا وهم زائل».



عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.