مهرجان بالم سبرينغز للأفلام القصيرة يفتح ملفاً كبيراً

فيلم سويسري عن سوري نال الجائزة الأولى

TT

مهرجان بالم سبرينغز للأفلام القصيرة يفتح ملفاً كبيراً

انتهت أعمال الدورة الثالثة والعشرين من مهرجان بالم سبرينغز للأفلام القصيرة التي انطلقت في العشرين من الشهر الحالي وختمت أعمالها في السادس والعشرين منه.
338 فيلما تم عرضها على شاشات المهرجان في 21 قسما، تلتقي جميعاً في أنها أفلام قصيرة، وتختلف عن بعضها بعضا في أنماطها ونوعياتها وطروحاتها. إنه الحال النموذجي لسينما لها حرية عمل تختلف تماماً في كل خطوة من خطوات تنفيذه عن تلك الطويلة سواء أكانت روائية، تسجيلية أم رسوماً متحركة.
الفيلم الذي استحوذ على الجائزة الأولى عنوانه «باتجاه مكّـة» (Facing Mecca) وهو تسجيلي المعالجة حول لاجئ سوري اسمه فريد ترفض سويسرا منحه حق دفن زوجته بمراسم إسلامية؛ فيتدخل صاحب الشقة التي يعيش فيها فريد لدى السلطات تصاحبه كاميرا المخرج جون - إريك ماك لتكشف عن بيروقراطية السلطات السويسرية، ولتساهم في حل هذه الأزمة لصالح فريد وعائلته.
الجائزة الثانية ذهبت إلى فيلم فرنسي - كندي لفرانك ديون عنوانه «الرأس يختفي» (The Head Vanishes)، وهو رسوم متحركة حول امرأة تنشد قضاء عطلتها الصيفية لتجد نفسها ملاحقة من قِـبل فتاة تدعي إنها ابنتها.
* أكثر من شهادة
لجانب هذين الفيلمين، هناك أفلام كثيرة نالت جوائز أولى وثانية وتقديرية. المشكلة إزاء هذا العدد الضخم من الأفلام المتنافسة هي معرفة ما الموضوع الأكثر تطرقاً الذي قد يرسم خريطة طريق للمشاهد لكي يتابعه. هذا إذا ما كان يريد الإلمام بالطروحات التي تشكل الموضوعات المطروقة أكثر من سواها. ما يجعل المسألة هينة على آخرين هي التخصص في نوعية محددة (كالرسوم المتحركة مثلاً)، أو في إنتاج بلد واحد أو بلدان عدة (بلغ عدد الدول المشتركة هذا العام 47 دولة). لكن الناقد ينتمي إلى معضلات الفريق الأول طالما يريد أن يختار من بين العروض المتوالية ما يتمنى أن يكون الأفضل من كل نواحيه.
والمعضلة الثانية، هي أن الفيلم القصير، أكثر من سواه، يستوجب تسجيل الملاحظات خلال عرضه لأنه، وحتى مع وجود «كتالوغ» شامل يمنح المشاهد فرصة استعادة معلومات هذه الأعمال وما دارت حوله، إلا أن الآراء فيها تتشابك والملاحظات النقدية تتداخل ولا يمكن الاعتماد على الذاكرة، كونها تعرض مجتمعة، إلا إذا ما وضعها الناقد على الورق خلال العرض.
هذا يتكرر في كل المهرجانات القصيرة من دون استثناء، خصوصا أن هذا الإطار من التعبير المصوّر ما زال ناضحاً بالتجارب والنتائج المثيرة للاهتمام. على عكس ما يتصوّر الكثير من المعنيين بفن الفيلم القصير، هو ليس مجرد شهادة حسن سلوك تخوّل حاملها تحقيق فيلم طويل في المستقبل القريب. صحيح أن هذا هو ما ينشده الكثيرون من مخرجي الأفلام القصيرة، إلا أن الصحيح كذلك هو أن بعض المخرجين العاملين في هذا الحقل يرفضون مغادرته.
حسب المخرج مارتن سكورسيزي، فإن الفيلم القصير هو «الحل السهل لمن لديه موهبة حقيقية وصفر ميزانية. أدوات اليوم تمنح السينمائي الشاب فرصاً للبرهنة على موهبته واستعداده لدخول التحديات الأكبر. لكن إذا ما أراد البقاء في طي هذه السينما لفترة أطول فإنه سيستطيع تبوؤ مكانة فنية وتعبيرية، حتى وإن لم تواتِه الشهرة التي تأتي عادة بالعمل في إطار السينما الطويلة».
رأي آخر مثير للاهتمام في هذه المسألة تدلي به مديرة مهرجان «لوس أنجيليس للفيلم الكوميدي القصير» جيني روشار؛ إذ تقول حين سؤالها: «أعتقد أن الحاجة إلى الفيلم القصير تزداد أهمية اليوم أكثر من الأمس. أنت بصفتك مخرجا لفيلم قصير عليك أن تتدرب، لا على العمل في قواعد السينما كافة، بل أيضاً على توجيه فيلمك إلى مشاهديه ومواجهتهم».
على ذلك، هناك حقيقة أن الكثير من الأفلام القصيرة تلجأ اليوم إلى وسائل التواصل الاجتماعي. توافق جيني على هذا وتفسر الأمر على النحو التالي: «إنه من الأسهل عليك بصفتك مخرج أفلام قصيرة أن تستحوذ على مليون (لايك) على الإنترنت من الوصول إلى مليون مشاهد لفيلمك».
* هنا وهناك
لكن هناك شيئا يبقى غائباً بالنسبة إلى مخرجي الأفلام القصيرة في العالم العربي وفي أنحاء أخرى من العالم، خصوصاً في الدول غير الغربية. عندنا لا يمكن لمخرج فيلم قصير أن يأمل بتحقيق فيلم روائي يقوم ممثلون معروفون بالتمثيل فيه.
في أميركا هذا جائز: كَـڤن سبايسي ظهر قبل ثلاثة أعوام في فيلم عنوانه «المتكلم من بطنه» (The Ventriloquist) أخرجه طالب اسمه بنجامين ليفيت. كرستن دانست مثلت سنة 2014 بطولة فيلم من دقيقتين ونصف الدقيقة عنوانه «طموحة» لمخرج زاول الأفلام القصيرة وحدها منذ العام 2005 اسمه ماثيو فروست. والكوميدي بل موراي قام سنة 2011 بتمثيل فيلم قصير عنوانه «فيلم عن المشي بسلوموشن» لديفيد والتون سميث بينما لعب برايان كرانستون، الذي شوهد مؤخراً في بطولة «ترامبو» و«المدسوس»، في فيلم للمخرج براندون بولانكو يصف حالة كاتب فقد الإلهام بعنوان Writer‪›‬s Block
إذا لم يكن ذلك كافياً، فإن ليوناردو ديكابريو (نجم النجوم هذه الأيام) شارك في عشرة أفلام قصيرة، آخرها قبل عامين فقط (صوّره مباشرة قبل «منبعث» الذي نال به الأوسكار) بعنوان «الإصغاء».
عندنا يعتبر الممثل أنه سيضحي بقيمته إذا ما تنازل عن مكانته وقبل الظهور في فيلم قصير. هذا المخرج عليه أن يكون يوسف شاهين عصره، وحتى هذا قد لا يكفي.
مهرجان بالم سبرينغز للفيلم القصير، في نهاية مطافه، ليس سوى واحد من مهرجانات كثيرة لهذا النوع من الأفلام يجد فيها المخرجون، من كل أنحاء العالم، فرصتهم للظهور. العدد الأكبر منها موجود في أوروبا، ومن بينها إبرمينيتو في مدريد (مخصص للفيلم ذي الدقيقة الواحدة) وكليرمون فيران الدولي (فرنسا) وكراكوف (بولندا) وتامبير (فنلندا) ومهرجان الفيلم الدرامي القصير (اليونان) وعشرات سواها.
هذا إلى جانب المهرجانات العابرة للقارات التي تضم مسابقات للأفلام القصيرة إلى جانب تلك الطويلة. هذه المهرجانات تشيّد بذلك صرحين متوازيين كل منهما له جمهوره وله جوائزه على عكس بعض مهرجاناتنا التي باتت تجمع القصير والطويل في مسابقة واحدة لغاية لا يمكن أن تكون سليمة.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
TT

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)

سلمى التي تحارب وحدها

(جيد)

يواصل المخرج السوري جود سعيد سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا من خلال أحداث معاصرة يختار فيها مواقف يمتزج فيها الرسم الجاد للموضوع مع نبرة كوميدية، بالإضافة إلى ما يطرحه من شخصيات ومواقف لافتة.

وهذا المزيج الذي سبق له أن تعامل معه في فيلمي «مسافرو الحرب» (2018)، و«نجمة الصباح» (2019) من بين أفلام أخرى تداولت أوضاع الحرب وما بعدها. في «سلمى» يترك ما حدث خلال تلك الفترة جانباً متناولاً مصائر شخصيات تعيش الحاضر، حيث التيار الكهربائي مقطوع، والفساد الإداري منتشرٌ، والناس تحاول سبر غور حياتها بأقلّ قدرٍ ممكن من التنازل عن قيمها وكرامتها.

هذا هو حال سلمى (سُلاف فواخرجي) التي نجت من الزلزال قبل سنوات وأنقذت حياة بعض أفراد عائلتها وعائلة شقيقتها وتعيش مع والد زوجها أبو ناصيف (عبد اللطيف عبد الحميد الذي رحل بعد الانتهاء من تصوير الفيلم). أما زوجها ناصيف فما زال سجيناً بتهمٍ سياسية.

هذه انتقادات لا تمرّ مخفّفة ولا ينتهي الفيلم بابتسامات رِضى وخطب عصماء. قيمة ذلك هي أن المخرج اختار معالجة مجمل أوضاعٍ تصبّ كلها في، كيف يعيش الناس من الطبقة الدنيا في أسرٍ واقعٍ تفرضه عليها طبقة أعلى. وكما الحال في معظم أفلام سعيد، يحمل هذا الفيلم شخصيات عدة يجول بينها بسهولة. سلمى تبقى المحور فهي امرأة عاملة ومحرومة من زوجها وعندما تشتكي أن المدرسة التي تُعلّم فيها بعيدة يجد لها زميل عملاً في منزل رجل من الأعيان ذوي النفوذ اسمه أبو عامر (باسم ياخور) مدرّسة لابنته. لاحقاً سيطلب هذا منها أن تظهر في فيديو ترويجي لأخيه المرّشح لانتخابات مجلس الشعب. سترفض وعليه ستزداد حدّة الأحداث الواردة مع نفحة نقدية لم تظهر بهذه الحدّة والإجادة في أي فيلمٍ أخرجه سعيد.

«سلمى» هو نشيدٌ لامرأة وعزفٌ حزين لوضع بلد. النبرة المستخدمة تراجي - كوميدية. التمثيل ناضج من الجميع، خصوصاً من فواخرجي وياخور. وكعادته يعني المخرج كثيراً بتأطير مشاهده وبالتصوير عموماً. كاميرا يحيى عز الدين بارعة في نقلاتها وكل ذلك يكتمل بتصاميم إنتاج وديكورٍ يُثري الفيلم من مطلعه حتى لقطاته الأخيرة. هذا أنضج فيلم حققه سعيد لليوم، وأكثر أفلامه طموحاً في تصوير الواقع والبيئة وحال البلد. ثمة ثغرات (بعض المشاهد ممطوطة لحساب شخصيات ثانوية تتكرّر أكثر مما ينبغي) لكنها ثغراتٌ محدودة التأثير.

لقطة من «غلادياتير 2» (باراماونت بيكتشرز)

Gladiator II

(جيد)

ريدلي سكوت: العودة إلى الحلبة

السبب الوحيد لعودة المخرج ريدلي سكوت إلى صراع العبيد ضد الرومان هو أن «غلاديايتر» الأول (سنة 2000) حقّق نجاحاً نقدياً وتجارياً و5 أوسكارات (بينها أفضل فيلم). الرغبة في تكرار النجاح ليس عيباً. الجميع يفعل ذلك، لكن المشكلة هنا هي أن السيناريو على زخم أحداثه لا يحمل التبرير الفعلي لما نراه وإخراج سكوت، على مكانته التنفيذية، يسرد الأحداث بلا غموض أو مفاجآت.

الواقع هو أن سكوت شهِد إخفاقات تجارية متعدّدة في السنوات العشر الماضية، لا على صعيد أفلام تاريخية فقط، بل في أفلام خيال علمي (مثل Alien ‪:‬ Covenant في 2017)، ودرامية (All the Money in the World في العام نفسه) وتاريخية (The Last Duel في 2021)؛ آخر تلك الإخفاقات كان «نابليون» (2023) الذي تعثّر على حسناته.

يتقدم الفيلم الجديد لوشيوس (بول ميسكال) الذي يقود الدفاع عن القلعة حيث تحصّن ضد الجيش الروماني بقيادة الجنرال ماركوس (بيدرو باسكال). لوشيوس هو الأحق بحكم الإمبراطورية الرومانية كونه ابن ماكسيموس (الذي أدّى دوره راسل كراو في الفيلم السابق)، وهو ابن سلالة حكمت سابقاً. يُؤسر لوشيوس ويُساق عبداً ليدافع عن حياته في ملاعب القتال الرومانية. يفعل ذلك ويفوز بثقة سيّده مكرينوس (دنزل واشنطن) الذي لديه خطط لاستخدام لوشيوس ومهارته القتالية لقلب نظام الحكم الذي يتولاه شقيقان ضعيفان وفاسدان.

هذا كلّه يرد في الساعة الأولى من أصل ساعتين ونصف الساعة، تزدحم بالشخصيات وبالمواقف البطولية والخادعة، خصوصاً، بالمعارك الكبيرة التي يستثمر فيها المخرج خبرته على أفضل وجه.

فيلم ريدلي سكوت الجديد لا يصل إلى كل ما حقّقه «غلاديايتر» الأول درامياً. هناك تساؤل يتسلّل في مشاهِد دون أخرى فيما إذا كان هناك سبب وجيه لهذا الفيلم. «غلاديايتر» السابق كان مفاجئاً. جسّد موضوعاً لافتاً ومثيراً. أفلام سكوت التاريخية الأخرى (مثل «مملكة السماء» و«روبِن هود») حملت ذلك السبب في مضامينها ومفاداتها المتعددة.

لكن قبضة المخرج مشدودة هنا طوال الوقت. مشاهدُ القتال رائعة، والدرامية متمكّنة من أداءات ممثليها (كوني نيلسن وبيدرو باسكال تحديداً). في ذلك، سكوت ما زال الوريث الشّرعي لسينما الملاحم التاريخية التي تمزج التاريخ بالخيال وكلاهما بسمات الإنتاجات الكبيرة.

عروض تجارية.