رحيل مؤلف قصص الدب «بادنغتون» عاشق مربى البرتقال

البريطاني مايكل بوند استمر في الكتابة حتى لحظاته الأخيرة

الكاتب الراحل مايكل بوند مع دمية للدب بادنغتون بطل أشهر قصصه (أ.ب)
الكاتب الراحل مايكل بوند مع دمية للدب بادنغتون بطل أشهر قصصه (أ.ب)
TT

رحيل مؤلف قصص الدب «بادنغتون» عاشق مربى البرتقال

الكاتب الراحل مايكل بوند مع دمية للدب بادنغتون بطل أشهر قصصه (أ.ب)
الكاتب الراحل مايكل بوند مع دمية للدب بادنغتون بطل أشهر قصصه (أ.ب)

قد تشتهر شخصية قصصية لدرجة أن تخفي وراءها كاتبها، وهو ما حدث مع الكاتب البريطاني مايكل بوند الذي رحل عن عالمنا أمس عن عمر ناهز الـ91 عاما. بوند صنع إحدى أكثر الشخصيات القصصية المحببة للأطفال في بريطانيا والعالم وهي شخصية الدب «بادنغتون» الشهيرة. وكان بوند قد نشر كتابه الأول «دب اسمه بادنغتون» في عام 1958 ورسم فيه معالم شخصية الدب الذي ترك موطنه في بيرو ليذهب إلى لندن محملا بزجاجة من مربى البرتقال.
ولد بوند في نيوبري بمقاطعة بيركشاير في عام 1926 ولم يتوقف عن الكتابة حتى وفاته، ونشر آخر القصص التي سطرها عن بطله المفضل في أبريل (نيسان) الماضي. ابنته كارين جانكل رثته قائلة إن العالم بأسره كان محظوظاً بوجوده، وأضافت: «بالنسبة له الكتابة كانت حياته أمراً رائعاً أنه لم يتوقف عن الكتابة حتى النهاية». أشارت جانكال في مناسبة سابقة إلى أن كتب والدها لها مكانة خاصة في نفسها وخصوصا أنها ولدت قبل نشر الكتاب الأول من (قصص بادنغتون) بثلاثة أشهر: «حرفيا نشأت مع بادنغتون، فهو كان دائما (فردا) مهما في عائلتنا».
ولكن ما هي حكاية الدب بادنغتون الذي حمل اسم محطة للقطارات في وسط العاصمة لندن؟ أول ظهور للشخصية المحببة كان في عام 1958 ومنذ ذلك الوقت اتخذ مكانه في ذاكرة كل الأجيال التي نشأت على قراءة مغامراته ومشاهدة الحلقات التلفزيونية المستوحاة منها وأخيراً الأفلام السينمائية الناجحة التي أعادته للجماهير بقوة.
كان بوند قد استوحى فكرة القصص في ليلة الكريسماس من عام 1956 عندما أراد شراء هدية لزوجته من محل للهدايا بأحد المتاجر ولفت انتباهه دب لعبة وحيد على أحد الأرفف، فقام بشرائه وأطلق عليه اسم «بادينغتون» على اسم محطة قطارات بادينغتون القريبة من منزله. وهكذا كانت بداية أشهر شخصيات أدب الأطفال في البلاد. اختار بوند أن يكون الدب قادما من بيرو، فحسب القصة يصل الدب إلى بريطانيا مختبئا في أحد القوارب، وتعثر عليه عائلة إنجليزية في محطة بادينغتون جالسا على حقيبة صغيرة مرتديا قبعة ومعطفا باليين وعلى المعطف ثبتت ورقة كتب عليها «الرجاء الاهتمام بهذا الدب.. شكرا».
الطريف أن الدب بادينغتون الذي تحول لشخصية التصقت بلندن اتخذ مكانه حرفيا في محطة القطارات بعد ذلك، حيث وضع تمثال صغير له داخل المحطة، وخصص أحد المحال لبيع دببة بادينغتون، وبهذا ظلت الشخصية تلفت أنظار الرائح والغادي ويحرص السياح على التقاط الصور معه.
ومنذ عامين وبمناسبة صدور فيلم روائي عن أولى قصص الدب عاشق مربى البرتقال احتفلت به لندن على طريقتها عبر إطلاق معرض خاص في متحف «ميوزيام أوف لندن»، وتظاهرة فنية فرحة تعاون فيها مكتب السياحة البريطاني «فيزيت بريتاين» مع شركة «استوديو كانال» المنتجة للفيلم لنشر 50 تمثالا للدب بمعطفه البالي وقبعته وحقيبته الصغيرة، في جميع أنحاء العاصمة، وأعدت خارطة بأماكن عرض التماثيل، والتي وضعت باستراتيجية وذكاء، في المعالم السياحية الكبرى مثل ترافالغر سكوير وبرج لندن وحلبة «أو تو» في غرينتش، بحيث أمكن للزائر اقتفاء أثر الدب بادينغتون وأيضاً الاستمتاع بأهم المعالم السياحية في لندن. وقتها قام عدد من الفنانين والشخصيات المعروفة بوضع تصميم لملابس الدببة منهم أبطال الفيلم وأيضا لاعب الكرة ديفيد بيكام والممثل بينيدكت كمبرباتش والممثل بيتر كابالدي والفنان مارك كوين والممثلة إيما واتسون وعمدة لندن بوريس جونسون والمعمارية الراحلة زها حديد بالإضافة إلى مجموعة دببة ذهبية صممتها العارضة كيت موس لمتاجر «سيلفريدجيز».
وفي نهاية هذا العام يعرض الجزء الثاني من فيلم «بادنغتون» ليستمر سحر القصة التي استوحاها الراحل مايكل بوند من لعبة وحيدة على رف بمحل لندني ليصنع منها وحولها بعض أشهر قصص الأطفال في العالم. وسيظل الدب القابع في محطة قطارات «بادنغتون» ليكون إيماءة وتحية لبوند ولقلمه الذي شكل خيال الأطفال على مدى الأجيال.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».