قبل 3 سنوات دخل تنظيم "داعش" مدينة الموصل العراقية، ويومها ظهر أبو بكر البغدادي من جامع النوري الكبير معلناً دولته المزعومة، فاتحاً بذلك المجال لمئات المقاتلين بالدخول الى العراق وسوريا والانضمام الى صفوف التنظيم الوليد، ساحباً البساط من تحت أقدام تنظيم "القاعدة" الذي قاد المجموعات الإرهابية حول العالم لسنوات طويلة منذ تسعينيات القرن المنصرم.
وعلى مدار السنوات التي سطع فيها نجم التنظيم الإرهابي، نجح في استقطاب المقاتلين والمجموعات التي كانت تدين بالولاء لـ"القاعدة" من جماعة أبو سياف في الفلبين إلى جماعة بوكو حرام في نيجيريا، مستنداً إلى أفول "القاعدة"، بين الحرب الأميركية في أفغانستان في العام 2001 وبين تاريخ مقتل أسامة بن لادن في العام 2011.
ومع اشتداد الخناق على "داعش" وبداية النهاية، وان تطلبت المعركة أسابيع أو أشهراً إضافية، تتجه الأنظار إلى تنظيم "القاعدة" المرشح الأول لوراثة "داعش" وجذب المقاتلين الذين بدأوا بالفرار من العراق وسوريا، بعد الانحسار الكبير، وخسارته أغلب الأراضي التي تمدد فيها من الحدود التركية – السورية شمالاً إلى الحدود الأردنية – العراقية – السورية جنوباً، ومن مدينة تدمر غرباً إلى الفلوجة شرقاً.
وينقل الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد خليل الحلو في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عن المراكز الإستراتيجية الغربية، تأكيدات تفيد بأن "القاعدة" ينتظر انتهاء "داعش" ليحل محله ويعود إلى سابق عهده، محذراً من أن "القاعدة" يشكل خطراً أكبر من "داعش" خصوصاً أن عملياته أكثر احترافاً، مذكراً بعملية 11 سبتمبر، والتفجيرات التي هزب أوروبا في الفترة بين 2000 و2005.
عملياً لم يعد يسيطر تنظيم "داعش" سوى على مساحة صغيرة، ومدينة مركزية وحيدة (دير الزور)، فيما معركة الموصل شارفت على النهاية، ومعركة الرقة انطلقت وان تطلب الأمر أسابيع أو أشهراً لحسمها، وهو الأمر الذي دفع كثر الى البحث في مرحلة ما بعد "داعش" ومحاولة استشراف آفاق المستقبل.
ويشير الحلو إلى أن "تنظيم "داعش" على صعيد المساحة الجغرافية والموارد والقوات المسلحة على وشك أن ينتهي، وقد يتطلب الأمر أشهراً، خصوصاً أن بعد انتهاء معركة الموصل التي تتطلب اسابيع اضافية، ومعركة الرقة التي تتطلب أشهراً إضافية، تتوجه الأنظار الى دير الزور، ولاحقاً إلى مدينة الميادين التي اتخذها التنظيم مؤخراً مركزاً له ونقل اليها أسلحته".
الأكيد أن ثمة جهد دولي واضح لضبط المناطق التي من الممكن ان تشكل ملاذاً آمناً للمقاتلين التابعين لـ"داعش" في حال فرارهم من سوريا والعراق. في الفلبين بدأت المعركة مع جماعة أبو سياف في جنوب البلاد، وفي أفغانستان تحولت المعركة مع جناح التنظيم إلى اولوية أفغانية وأميركية على حد سواء، بعد القاء "أم القنابل" قبل أسابيع على احد معاقل التنظيم الذي نشأ عبر مجموعات كانت محسوبة على "طالبان" و"القاعدة".
حتى في أفريقيا بدأ المجتمع الدولي بالتحرك، بعد أن صوّت مجلس الأمن الدولي، قبل أسبوع، لصالح إرسال قوة إقليمية إفريقية لمكافحة الإرهاب (5 آلاف عنصر) في منطقة الساحل الافريقية، التي تضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر.
التركيز عملياً على "داعش" سمح لـ"القاعدة" بأن تستكين وتدرس خياراتها بعناية والتحضير للمرحلة المقبلة.
في العام 2015 نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقاً موسعاً تحت عنوان: "عودة ظهور القاعدة"، أشارت فيه إلى أنه "في الوقت الذي تحاول الإدارة الأميركية كبح جماح تنظيم داعش في سوريا والعراق، يبدو أن العدو القديم يستعد للعودة للظهور من جديد"، خصوصاً أن "القاعدة" لم يعد على سلم أولويات الولايات المتحدة الأميركية.
الاستعدادات التي تحدثت عنها الصحيفة قبل سنوات، بدأت عملياً تتكشف ملامحها موخراً خصوصاً أن عدداً من التنظيمات والعناصر المقاتلة بدأت تلتفت مجدداً إلى "القاعدة"، بسبب الهزائم المتتالية لـ"داعش"، وتوقع نهايته قريباً.
قبل أيام تردد عبر بعض المواقع العراقية، خبر هو الاول من نوعه منذ انطلاقة "داعش" أفاد بأن قادة من التنظيم من جنسيات مختلفة انضموا إلى "القاعدة" بعدما أعلنوا في 19 آذار (مارس) المنصرم انشقاقهم عن البغدادي.
لكن انتهاء "داعش" في سوريا والعراق لا يعني أن المعركة انتهت، بل ستنتقل، وفق الحلو، إلى مراحل أخرى، "أولها ضمن المناطق التي تنتشر فيها مجموعات محسوبة عليه، مثل اليمن ومصر وليبيا وأفغانستان ودول الساحل الأفريقي، ومعركة أخرى يخوضها التنظيم سراً في أوروبا وغيرها من الدول الغربية لتعويض خساراته في سوريا والعراق، وهي على شكل عمليات بدائية تنفذ بسكاكين أو أسلحة خفيفة أو عربات مثل ما حصل مؤخراً في أكثر من دولة أوروبية".
ويعني احتمال إطالة أمد الحرب مع "داعش" ان "القاعدة" سيكون لديه متسع من الوقت للاستعداد، خصوصاً أن لم يتحول هذا التنظيم إلى أولوية أميركية، في حال استمرار السياسة التي كانت متبعة في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
«القاعدة» تستعد لوراثة «داعش»
«القاعدة» تستعد لوراثة «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة