«النظريّة العامة للنسيان»... العيش في ظل الأنظمة القمعية

الرواية الحائزة جائزة دبلن للآداب 2017

«النظريّة العامة للنسيان»... العيش في ظل الأنظمة القمعية
TT

«النظريّة العامة للنسيان»... العيش في ظل الأنظمة القمعية

«النظريّة العامة للنسيان»... العيش في ظل الأنظمة القمعية

شعراء تبتلعهم الأرض، عشاق يفترقون ويلتقون، أحدهم يموت ويبعث حيّاً، أثرياء يتحولون إلى فقراء، وفقراء يصبحون أثرياء، سيّدة منعزلة لثلاثين عاماً وكأنها رمز لغياب البرتغال الإمبراطوريّة السابقة التي تقوقعت تتفرج مشلولة القوى، تائهة وخائفة كيف يمضي التاريخ في مستعمرتها السابقة من تحت نافذتها، من دون أن يكون لها قول فيما يجري.
تلك هي (النظريّة العامة للنسيان)، الرواية التي قد تُمكّن كاتبها الأنغولي ذا الأصول البرتغاليّة خوسيه إدواردو أغولوسا من تحقيق حلمٍ – ضمن أحلامه الكثيرة الكبيرة – بتأسيس مكتبة عامة في منفاه الاختياري - الموزمبيق. فهو أُبلغ قبل أيام قليلة بفوزه المستحق بـ75 ألف يورو، حصته من 100 ألف يورو قيمة الجائزة السنويّة الأثمن في العالم التي تمنح للأعمال الروائيّة الصادرة حديثاً باللغة الإنجليزيّة أو المترجمة إليها - بينما ذهبت بقية قيمة الجائزة للمترجم - . وتمتاز دبلن للآداب عن غيرها من الجوائز بكون الترشيحات لها تقبل من قبل المكتبات العامة في أربعين مدينة حول العالم، الأمر الّذي يمنحها مصداقيّة عالية وصفة عالميّة.
أغولوسا – 57 عاماً – منح هذا التكريم الرفيع على روايته المذهلة (النظريّة العامة للنسيان) - كتبها بالبرتغاليّة لغة أجداده -، وهو المنحدر من البرتغال التي استعمرت أنغولا لعقود طويلة، وتركت لغتها فيها عندما غادرت. وكانت الرواية ذاتها قد رشحت العام الماضي لجائزة مان بوكر للأدب العالمي.
«الأسماء كما لو أنها أقدار» يقول أغولوسا في خطابه لدى تسلمه الجائزة من عمدة دبلن. «اسمي كلمة برتغاليّة قديمة تكاد تنسى وتعني شيئا مثل بحر هادئ. لا بدّ أنه لقب أطلق على بحار برتغالي لوحته الشمس تصادف أنه كان أحد أجدادي.
لكني حقيقة رغم أنني ولدت في قلب الداخل الأنغولي إلا أنني قضيت عمري منجذباً إلى البحر. بطلات رواياتي كنّ دائماً مدناً ساحليّة: لشبونة البرتغاليّة وريو دي جانيرو البرازيليّة ولواندا الأنغولية».
وفعلا فإن البطلة الرئيسيّة لـ(النظريّة العامّة للنسيان) ليست إلا لواندا – عاصمة أنغولا الفاتنة والفائقة القسوة في آن. وهي تحكي قصتها لحظة الاستقلال عن المستعمر البرتغالي وما تبعها من حرب أهليّة طويلة - على خط المواجهة الأسخن خلال الحرب الباردة بين الروس والكوبيين الذين دعموا الحكومة من جهة، والأميركيين ونظام جنوب أفريقيا العنصري الذين دعموا المتمردين في الجهة الأخرى – على لسان لودفيكا وهي امرأة برتغاليّة وحيدة، روّعها العنف والخوف من الآخرين، فاعتزلت في منزلها لثلاثين عاماً تواصلت خلالها مع العالم الخارجي عبر نافذة صغيرة، وراديو قديم ما لبث أن تعطل، ومكتبة كبيرة اضطرت لإحراق كتبها رويداً رويداً كي تتدفأ وأصواتٌ عابرة تأتي إليها عبر الجدران من الشقة المجاورة.
تسجل لودفيكا فهمها لما يجري حولها في مذكرات تكتبها، وبعد أن ينفد منها الورق بالكتابة تكملها بالخط على الجدران. الكتابة عند لودفيكا - كما عند أغولوسا نفسه - أداة لا غنى عنها لإعادة تفكيك العالم وفهم مكاننا فيه.
الثيمة الأهم في الرواية هي فكرة الخوف من الآخر. ومع أنها كتبت قبل عشر سنوات من نشرها كسيناريو لفيلم، فإن «موضوعها - مع الأسف - يبدو شديد المعاصرة بشكل متزايد ويهدد باستهدافنا جميعاً» يقول أغولوسا في خطابه.
وهو يؤكد على أنه استوحى فكرته من مشاعر ذاتية خبرها أثناء ممارسته مهنة الصحافة في أنغولا، إذ لم تستحب السلطات كتاباته، فضيّقت عليه، حتى إنّه كان يحلم يقظاً لو أنه يبقى في بيته الذي يحب ولا يخرج منه أبداً. لكنه فيما بعد تلقى رسائل عن أشخاص عاشوا تجارب مماثلة مما جعل (النظرية العامة للنسيان) تبدو ومن خلال الصدفة المحضة كسرد لوقائع حقيقيّة من تاريخ أنغولا المعاصر.
مراهقٌ صغيرٌ ينتشل لودفيكا من عزلتها بعد ثلاثين عاماً، يتسلق إلى بيتها كي يسرقه، فيفتح جوارير الحقيقة أمام عينيها: لا يوجد (آخرون) هناك خارج المنزل، فالآخرون كما نراهم في عقولنا هم أشياء متخيّلة، وكل إنسان هو ذات الإنسانيّة جمعاء.
الرّواية كتاب عن العيش في ظل الأنظمة القمعيّة. أغولوسا يقول إن الخوف المقيت الذي يعيشه الأفراد في البلاد الكالحة تلك يفقد البشر ألوانهم، تماماً كتلك الفراشة الإنجليزيّة الجميلة التي تكيفت للعيش في منطقة صناعيّة من خلال إنتاج أجيال رمادية يسهل اندماجها في محيطها دون لفت الانتباه.
البشر كذلك، يسرق الخوف أجمل ما فيهم، فيصبحون درجات من الرّمادي الكئيب، ويخسرون تفردهم وأصالتهم ليذوبوا في القطيع الكبير، فلا أحد يريد جذب انتباه هذه الوحوش الكاسرة.
عند أغولوسا «الخوف يُقعد، والخوف يحطّ من أقدار البشر. هم لا يخافون من الإيذاء المباشر، لكنهم ينسحبون إلى دواخلهم فيخاف الناس على وظائفهم.
ويمتنعون عن إبداء أي آراء خارج المألوف، ولا يعودون يتحدثون بصخب، أو يضحكون بصخب أو يفكرون بصخب. إنّ وجودهم ذاته يصبح مدعاة للقلق».
اختار أغولوسا أن يروي نظريته العامة للنّسيان من خلال شخصية امرأة، معتبراً أن تقمص شخصية الآخر المختلف يقدّم للراوي تحديات جميلة لعمليّة السرد. «فنحن نكتب ونقرأ كي نفهم الآخرين، من أجل أن نفهم أنفسنا».
لكنه في ذات الوقت يقول بأنه من دون رأي القارئ لا تكتمل عمليّة الكتابة، ومن دونه لا نفهم أنفسنا.
أغولوسا شديد الإيمان بالرّواية كأداة تنوير، فقراءة الروايات عنده تسمح بالتسرب من عوالمنا المنعزلة لنتقمص شخصيات بشر آخرين، وذلك أمر جليل يجعلنا نتبنى قناعة شبه محسوسة عن تشابهنا وانتمائنا لذات الهموم الوجوديّة. «بالطبع فإن القرّاء في كل مجتمع أقل ميلاً إلى العنف. أنت تستقيل من الفهم أو تكون غبيّاً بحق عندما تندفع نحو العنف وكراهيّة الآخر المختلف».
أغولوسا الرّوائي النجم في المجتمعات الناطقة بالبرتغاليّة ينتمي إلى أنغولا ذلك البلد الذي عاش عقوداً من حرب أهليّة مريرة قبل أن يصبح اليوم من أكثر الدول الأفريقيّة ثراء واستقراراً، ولذا فهو يعرف تماما رائحة الحروب الأهليّة الكريهة: «دهاقنة الحرب هؤلاء يبدأون حروبهم القذرة تلك عبر شيطنة الآخر، ونزع صفة الإنسانيّة عنه. عندما يتحول الآخر إلى وحش في أعيننا، فإن أغلبنا سيمتلك الحافز لقتله. الأدب هو نقيض الشيطنة تماماً. فهو يسمح لنا أن نتعاطف مع الآخر المختلف حتى لو بدا كوحش أصلاً».
أغولوسا عبّر عن فرحته ألغامرة برمزيّة فوز (النظريّة العامة للنسيان) لأن من رشحوها هم أمناء مكتبات عامة، وهو شخصياً كتب روايته الأولى في مكتبة عامة، ويدين بتعلقه بالقراءة للمكتبات العامة. «فإذا كانت الكتب أدوات لجعلنا أشخاصاً أفضل وتعلمنا التعاطف، فالمكتبات العامة تكون حينئذ وكأنها أسلحة تعاطف شامل تنشر التنوير وتنهض بالأفراد على نطاقات أوسع».
وهو اعتبر أن محاولة نشر الديمقراطيّة في المجتمعات الناميّة مثل بلاده لن تتحقق دون إطلاق شبكة واسعة من المكتبات العامة تسمح لكل طفل ولكل شاب أن يقرأ في كتب وآداب العالم العظيمة.
تفوقت (النظريّة العامة للنسيان) على عشرة أعمال وصلت للقائمة النهائيّة، عكست في مجموعها تنوعاً استثنائياً للأعمال الأدبيّة المرشحة للجائزة، فكانت أغلبها روايات مترجمة لكتاب من بلاد كثيرة، بينما اقتصرت مشاركة آيرلندا صاحبة الجائزة في القائمة القصيرة على عمليين روائيين، الأمر الذي يجعل من دبلن للآداب وكأنها مهرجان العالم السنوي الأهم للاحتفاء بهذا النوع الأدبي الرفيع.



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.